أمريكا تتمدد عسكرياً في إفريقيا

america-africa

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
إعداد: صباح كنعان:

في بداية القرن السابع عشر، بدأت القوى الاستعمارية الأوروبية عصر تجارة الرقيق ونهب ثروات إفريقيا وتجزئة القارة إلى مستعمرات . والآن، بعد عقود من الاستقلال، لاتزال إفريقيا تعاني من التركة الاستعمارية، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة – “القوة العظمى” في عالم اليوم – مهتمة بتحويل القارة إلى ساحة تنافس مع الصين أكثر من اهتمامها بمساعدة إفريقيا على حل مشكلاتها الكثيرة . وقد تناول هذا الموضوع الكاتب والمعلق الأمريكي كون هالينان في مقال نشره في موقع “انفورميشن كليرينغ هاوس” وقال فيه:

إفريقيا هي على الأرجح المنطقة الأكثر تعقيداً في العالم، ويمكن المجادلة بأنها أيضاً الأكثر اضطراباً . وبينما يركز العالم اهتمامه على الحرب الأهلية السورية والأخطار التي تشكلها بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، بالكاد ينتبه العالم إلى الحرب الدائرة في الكونغو، رغم أنها مأساة حصدت خمسة ملايين من الأرواح، وتجعل الأزمة السورية تبدو باهتة بالمقارنة معها .

تمثل إفريقيا 15% من سكان العالم، ولكن 7 .2% فقط من ناتجه المحلي الاجمالي، علماً بأن هذه النسبة تتركز إلى حد بعيد في خمسة فقط من البلدان ال 49 الواقعة جنوب الصحراء . وهناك بلدان اثنان فقط – هما جنوب إفريقيا ونيجيريا – يمثلان أكثر من 33% من الناتج الاقتصادي للقارة . ومتوسط العمر المتوقع في إفريقيا لا يزيد على 50 سنة، وهو أدنى من ذلك بكثير في تلك البلدان التي فتك بها فيروس نقص المناعة “الإيدز”، والمجاعة وسوء التغذية في القارة هما الآن أسوأ مما كانا قبل عقد .

وفي الوقت ذاته، إفريقيا غنية بالبترول، والغاز، والحديد، والألمنيوم والمعادن النادرة، وبحلول العام ،2015 ستزود بلدان خليج غينيا الولايات المتحدة ب 25% من احتياجاتها من الطاقة، في حين أن لدى إفريقيا 10% على الأقل من احتياطات العالم المعروفة من البترول، وجنوب إفريقيا وحدها تمثل 40% من إنتاج الذهب في العالم، والقارة تحوي أكثر من ثلث مخزون الكرة الأرضية من معدن الكوبالت، وهي تزود الصين – ثاني أكبر اقتصاد في العالم – ب 50% من احتياجاتها من النحاس، والألمنيوم، وخام الحديد .

ولكن التاريخ جعل الظروف لغير مصلحة إفريقيا . إذ إن تجارة الرقيق والاستعمار تسببا بجروح عميقة ودائمة للقارة، وهي جروح لاتزال تنزف في عالم اليوم، ذلك أن فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، وبلجيكا، قطعت القارة إلى شرائح من دون أدنى مراعاة لماضيها أو شعوبها . ومعظم الحروب التي خربت إفريقيا – ولاتزال حتى اليوم – هي نتيجة مباشرة لخرائط رسمت في مكاتب وزارات خارجية أوروبية من أجل تحديد أماكن كل ما يمكن نهبه .

ولكن على مدى العقد الأخير، انقلب العالم رأساً على عقب . فالصين، التي كانت في ما مضى أسيرة القوى الاستعمارية الأوروبية، هي الآن أكبر شريك اقتصادي لإفريقيا، تليها عن قرب الهند والبرازيل . والانفاق الاستهلاكي في إفريقيا يتعاظم، بينما يتوقع البنك الدولي أن يصبح عدد المستهلكين الجدد في إفريقيا مساوياً لمثيله في البرازيل بحلول العام 2015 .

باختصار، القارة تعج باقتصادات نابضة بالحياة، وإمكانات هائلة لن تغيب طبعاً عن أنظار العواصم عبر العالم، وحسب تقرير لوكالة “اي تي كيرني” لاستشارات الإدارة العالمية، فإن “المسألة بالنسبة للمديرين التنفيذيين في شركات السلع الاستهلاكية المعبأة لم تعد ما إذا كان يتعين أم لا على شركاتهم أن تدخل المنطقة، وإنما أين وكيف” . والطريقة التي ستدير بها إفريقيا وضعها الجديد في العالم سيكون لها تأثير عميق، ليس على شعوبها فحسب، وإنما أيضاً على المجتمع العالمي، وبالنسبة للمستثمرين، إفريقيا هي الحدود الأخيرة .

عسكرة الدبلوماسية

إذا كان هناك من توصيف واحد لسياسة الولايات المتحدة إزاء إفريقيا، فهو العسكرة المتزايدة للدبلوماسية الأمريكية في القارة . فلأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، أصبحت واشنطن تنشر قوات عسكرية ذات شأن في إفريقيا تشرف عليها قيادة عسكرية أنشئت حديثاً هي “قيادة إفريقيا الأمريكية” (أفريكوم) (1) .

ولدى الولايات المتحدة في جيبوتي، المطلة على البحر الأحمر، قوات تتكون من مشاة بحرية “مارينز” وقوات خاصة، ويتراوح عددها بين 12 و15 ألف جندي . وهي تنشر أيضاَ 100 جندي من القوات الخاصة في أوغندا، في مهمة يفترض أنها مطاردة “جيش الرب للمقاومة” المتمرد .

والولايات المتحدة ساعدت بنشاط الغزو الاثيوبي للصومال في العام ،2007 بما في ذلك استخدام سفن بحريتها لقصف بلدة في جنوب هذا البلد . وفي الوقت الراهن، تقوم الولايات المتحدة بتجنيد وتدريب قوات إفريقية لمحاربة حركة الشباب الإسلامية في الصومال، كما تتولى تدريب وحدات عسكرية على “مكافحة الإرهاب” في موريتانيا، ومالي، وتشاد، والنيجر، وبينين، والكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، واثيوبيا، والغابون، وزامبيا، ومالاوي، بوركينا فاسو .

وحيث إن القوات الخاصة ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” هي التي تتولى جزءاً كبيراً من الأنشطة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، فإنه من الصعب تتبع نطاق هذه الأنشطة . ويقول جون بايك، من موقع “غلوبال سيكيوريتي . اورغ” المتخصص في الأمن الدولي: “اعتقد أنها (الأنشطة العسكرية الأمريكية في إفريقيا) أكبر بكثير مما يتصوره أي شخص” .

وعلى العموم، المغامرات العسكرية الأمريكية في إفريقيا انتهت بصورة سيئة، فالغزو الاثيوبي للصومال أسقط حكم اتحاد المحاكم الإسلامية المعتدل، ولكنه حول حركة الشباب الإسلامية من رعب ثانوي إلى مشكلة كبرى . وحرب حلف الاطلسي في ليبيا – التي مثلت التدشين الفعلي لقيادة “افريكوم” على المسرح الإفريقي – مسؤولة مباشرة عن الأزمة الراهنة في مالي، حيث استولت مجموعات الطوارق والتنظيمات الإسلامية على الجزء الشمالي من البلد بفضل الأسلحة التي تم نهبها من مستودعات أسلحة معمر القذافي، والدعم الذي قدمته “أفريكوم” لهجمات أوغندا على “جيش الرب للمقاومة” في جمهورية الكونغو الديمقراطية أسفر عن مقتل آلاف المدنيين .

وبينما كانت إدارة الرئيس أوباما تنشر جنوداً وأسلحة في إفريقيا، فإنها كانت تفشل إلى حد بعيد في مجال الحد من الفقر في القارة، وعلى الرغم من الخطة الانمائية للألفية التي تبنتها الأمم المتحدة في العام ،2000 فإن إفريقيا المدارية (جنوب الصحراء) لن تستطيع تحقيق أهداف الخطة في ما يتعلق بتقليص الفقر والمجاعة، وتحسين الرعاية الصحية للأمومة والطفولة، وبدلاً من أن تزيد الولايات المتحدة مساعداتها، وفقاً لما تدعو إليه الخطة، فهي إما خفضت مساعداتها، وإما استخدمت شطب ديون كوسيلة للوفاء بالتزاماتها بموجب الخطة .

وفي الوقت ذاته، زادت واشنطن مساعداتها العسكرية، بما فيها مبيعات أسلحة – علماً بأن إفريقيا لا تحتاج إلى مزيد من الأسلحة والجنود .

وهناك عدد من المبادرات التي كان بإمكان إدارة أوباما أن تتخذها من أجل تحسين الظروف الحياتية لمئات ملايين الأفارقة .

أولاً، كان بإمكانها تحقيق أهداف الخطة الانمائية للألفية عن طريق زيادة مساعداتها إلى نسبة 7 .0% من ناتجها المحلي الاجمالي، وليس من خلال استخدام شطب ديون، وشطب الديون هو فكرة عظيمة، إذ يتيح للبلدان المستفيدة أن تحول الأموال التي كانت ستخصصها لتسديد الديون نحو تحسين الصحة والبنى التحتية . أما أن يكون شطب الديون جزءاً من حزمة مساعدات، فهذا خلط بين أمرين مختلفين تماماً .

ثانياً، يتعين على الولايات المتحدة أن تتوقف عن عسكرة الدبلوماسية . وفي الواقع، وكما يبين مثالا الصومال وليبيا، فإن الحلول العسكرية لطالما كانت تجعل الأوضاع السيئة أكثر سوءاً . وخلف عنوان “الحرب على الإرهاب”، تنهمك الولايات المتحدة في تدريب جنود عبر القارة . غير أن التاريخ يظهر أن مثل هؤلاء الجنود يمكن أن يطيحوا بحكوماتهم المدنية مثلما يمكنهم محاربة “الإرهابيين”، والنقيب أمادو سانوغو، الذي قاد انقلاباً أطاح بحكومة مالي في مارس/آذار الماضي، مفجراً بذلك الأزمة الراهنة، كان قد تلقى تدريبه في الولايات المتحدة .

وهناك أيضاً مشكلة من هم “الإرهابيون” وعملياً، كل المجموعات التي تصنف إرهابية تركز على قضايا محلية، وعلى سبيل المثال، مجموعة “بوكو حرام” في نيجيريا هي بالتأكيد منظمة قاتلة، ولكن وحشية الجيش والشرطة النيجريين هي التي تغذي سخطها، وليس تنظيم “القاعدة”، وإذا كانت مجموعة “القاعدة في المغرب الإسلامي” قد أصبحت بعبع القارة، إلا أنها تبقى مجموعة صغيرة، ومبعثرة، وتمثل موقفاً أكثر منه تنظيماً، وتورط الولايات المتحدة في مطاردة “الإرهابيين” في إفريقيا يمكن أن ينتهي بها إلى التصادم مع المتمردين المحليين في دلتا النيجر، والطوارق في النيجر ومالي، وآخرين في مناطق أخرى .

إفريقيا تحتاج إلى مساعدات

إن ما تحتاجه إفريقيا هو مساعدات وتجارة موجهة نحو بناء بنى تحتية وتوفير وظائف، وبيع البترول، والكوبالت، والذهب، يأتي بالمال، ولكن ليس بوظائف ثابتة . فهذا يتطلب بناء اقتصاد استهلاكي له بعد تصديري . غير أن تشبث الولايات المتحدة ب “التجارة الحرة” ينسف قدرة دول على بناء مثل هذه الاقتصادات الحديثة .

والأفارقة لا يستطيعون التنافس مع الصناعات الضخمة – والمدعمة – للعالم الأول . كما أنهم لا يستطيعون إنشاء بنية تحتية زراعية بينما مزارعوهم المحليون لا يستطيعون مماشاة الأسعار المدعمة للذرة والقمح الأمريكيين . وبسبب هذا الدعم، فإن القمح الأمريكي يباع بسعر يقل ب 40% عن كلفة الإنتاج، والذرة بسعر يقل ب 20% . وباختصار، الافارقة يحتاجون إلى “حماية” صناعاتهم – مثلما فعلت الولايات المتحدة ذاتها في بداية عصرها الصناعي – إلى أن يستطيعوا تثبيت أنفسهم، وهذا هو النهج الذي اتبعته اليابان وكوريا الجنوبية .

وقد وجدت دراسات المفوضية الأوروبية ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن “التجارة الحرة” ستدمر في النهاية الزراعة على المستويات الصغيرة في إفريقيا، تماماً كما فعلت بالنسبة لمزارعي الذرة في المكسيك . وحيث إن الزراعة تمثل 50% من الناتج القومي الاجمالي لإفريقيا، فإن تأثير ذلك سيكون كارثياً، وسيدفع صغار المزارعين إلى هجر أرضهم والانتقال إلى مدن مكتظة تفتقر أصلاً لخدمات اجتماعية ملائمة .

ويتعين على إدارة أوباما أيضاً ألا تجعل إفريقيا ساحة قتال في تنافسها مع الصين . وفي العام الماضي، وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الممارسات التجارية للصين مع إفريقيا بأنها “استعمار جديد”، وهذا موقف لا يشاركها إياه كثيرون في القارة . وقد وجدت دراسة لمركز “بيو” للأبحاث (مركز دراسات أمريكي في واشنطن) أن الافارقة هم دائماً أكثر ايجابية تجاه نشاط الصين في قارتهم مما هم تجاه الولايات المتحدة .

وفي الآونة الأخيرة، أشاد رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما بعلاقة القارة مع الصين، ولكنه قال أيضاً “إن النمط التجاري الراهن” لا يمكن أن يدوم، لأنه لا يسهم في بناء قاعدة

صناعية لإفريقيا، وفي الآونة الأخيرة، تعهدت الصين بتقديم 20 مليار دولار كمساعدة لمشروعات بنى تحتية وزراعية في إفريقيا .

وهناك تطور مقلق، هو “اندفاع نحو الأراضي” تقوم به بعض البلدان من بينها الولايات المتحدة، من أجل الحصول على أراضٍ زراعية في إفريقيا، ومع التغير المناخي والنمو السكاني، فإن الغذاء “هو البترول الجديد”، حسب تعبير مجلة “دير شبيغل” الألمانية . والأراضي وفيرة في إفريقيا، وهي تكلف نحو عشر ما تكلفه في الولايات المتحدة . ومعظم الإنتاج الذي يحصل عليه مستثمرون أجانب يتم على مستوى صناعي، وهو ما يؤدي إلى استنفاذ التربة وانحلال البيئة بسبب استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيمياوية .  وكان أحرى بإدارة أوباما أن تتبنى نموذجاً ناجحاً ل “زراعة تعاقدية”، يقدم بموجبه المستثمرون الرأسمال والتكنولوجيا إلى المزارعين، بينما يحتفظ هؤلاء بملكية أرضهم، ويضمنون أسعاراً محددة لمنتجاتهم . وهذا لن يزيد كفاءة الزراعة فحسب، وإنما سيوفر أيضاً وظائف للسكان المحليين .

ويتعين على إدارة أوباما أيضاً أن تعمل لتوطيد، وليس تقويض، المنظمات الاقليمية في القارة، وقد شهدنا كيف أن الاتحاد الإفريقي حاول ايجاد حل سلمي للأزمة الليبية، لأن أعضاءه شعروا بالقلق من أن تمتد الحرب الأهلية وتزعزع استقرار البلدان المحيطة بالصحراء الكبرى . ولكن إدارة أوباما وحلف الأطلسي تجاهلا كلياً جهود الاتحاد الإفريقي، وقد تبين في النهاية أن الاتحاد كان ذا بصيرة في توقعاته .

وأخيراً، يتعين على إدارة أوباما أن تنضم إلى الهند والبرازيل في حملتهما من أجل تخصيص مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي لبلد إفريقي، يكون إما جنوب إفريقيا وإما نيجيريا، أو كلاهما، ويتعين أيضاً منح الهند والبرازيل مقعدين دائمين . وفي الوقت الراهن، الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن هم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية: الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين .

في العام ،1619 ألقت سفينة هولندية بمراسيها في فيرجينيا، وقايضت حمولتها من أناس أفارقة بسلع غذائية،  فدشنت بذلك تجارة رق ستمزق قلب قارة . ولا أحد يعرف حقاً عدد الأفارقة الذين نقلوا قسراً إلى العالم الجديد، ولكن العدد كان بالتأكيد عشرات الملايين، ومنذ وقت طويل، حان أوان التعويض .

“حروب موارد” في القارة السمراء

الحرب الأهلية الدائرة في الكونغو يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة للملايين عبر العالم الذين يستخدمون الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر وقد كتب المعلق لدى إذاعة “صوت روسيا” ايليا خارلاموف مقالاً حول الموضوع جاء فيه:

جمهورية الكونغو الديمقراطية هي ثالث أكبر منتج في العالم لمعدن الثنثالوم النادر، الذي يستخدم لصنع المنتجات الإلكترونية المتطورة . وحتى نقص مؤقت في امدادات هذه المادة يمكن أن يشكل ضربة خطيرة لصناعة الإلكترونيات، ويسبب مشكلات أخرى لصناعات أخرى مرتبطة بالإلكترونيات . والوضع في الكونغو ليس سوى مثال واحد على التأثيرات التي يمكن لنزاعات إقليمية أن تتركها على حياة ملايين الناس في قارات أخرى .

ومع أن الحرب الدموية المحتدمة في هذا البلد الواقع في وسط إفريقيا قد تفجرت بسبب نزاعات قبلية وعرقية، إلا أنها أصبحت في الواقع حرباً من أجل موارد معدنية . وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني، استولى المتمردون على غوما، أكبر مدينة في الجزء الشرقي الغني بالمعادن في الكونغو، وهم قادرون على مواصلة قتالهم ضد القوات الحكومية وقوات الأمم المتحدة التي عجزت حتى الآن عن وقف تقدمهم . ويعتقد على نطاق واسع أن المتمردين الذين يسمون أنفسهم “حركة 23 مارس/آذار”، أو  اختصاراً “أم 23”، يحصلون على دعم سري من رواندا واوغندا، اللتين تسعيان للوصول إلى الثروة المعدنية في الكونغو .

وتملك الكونغو احتياطات ضخمة، معظمها لم يستغل بعد، من البترول، والذهب، والالماس، والنحاس، واليورانيوم، والكوبالت، ومعادن أخرى، بما فيها الثنثالوم – وهو معدن نادر يستخدم في صناعة الطاقة النووية، والهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، والكاميرات الرقمية، ومنتجات أخرى ذات تكنولوجيا متطورة . والطلب على الثنثالوم أصبح يفوق العرض، نتيجة لسرعة نمو الصناعات المتطورة تكنولوجيا، وقد أخذ يصبح مربحاً أكثر من الذهب أو الالماس . وبالنسبة لجيران الكونغو الفقراء، فإن السيطرة على مكامن الثنثالوم يمكن أن توفر لهم فرصة للتطور الاقتصادي وتحسين مستويات معيشة شعوبهم .

ويعقد محللون مقارنات بين الكونغو والصراع في البلقان، ويرون أن المشروع الغربي لاستقلال كوسوفو لم يكن يهدف فقط إلى معاقبة صربيا العاصية، وإنما أيضاً لتجريدها من قسم كبير من احتياطات معادن – ذهب، وبلاتين، وفحم حجري، وبوكسيت، وزنك، ونيكل، وكوبالت – تقدر بعشرات ملايين الأطنان، وعلى سبيل المثال، فإن الكوبالت هو عنصر أساسي في إنتاج الطاقة المتجددة .

ويرى بعض الخبراء أن الحرب الدموية التي احتدمت طويلاً في السودان كانت ساحة قتال بين الولايات المتحدة والصين . وقد استثمرت الصين، وتواصل استثمار مليارات الدولارات في إفريقيا، وجعلت ذلك أولوية في سياستها الخارجية . ونتيجة لتلك الحرب، تجزأ السودان إلى دولتين منفصلتين – السودان وجنوب السودان، وفي العام الماضي، حصل جنوب السودان الغني بالبترول على الاستقلال بدعم نشط من الولايات المتحدة .

ومع استمرار النمو السكاني العالمي بمعدل عشرات ملايين الأنفس كل عام، فإن مهمة تلبية احتياجات هؤلاء البشر من الطاقة والسلع الغذائية الأساسية تصبح أولوية أولى . وبالنسبة لبلدان عدة، تشكل السيطرة على الموارد المعدنية مسألة بقاء، ولكنها بالنسبة لدول النخبة الغنية، تشكل فرصة لتحقيق ثراء بلا حدود . وحروب الموارد يمكن أن تتخذ أبعاداً وبائية .

هوامش

(1) قيادة إفريقيا الأمريكية (أفريكوم) هي قوات موحدة مقاتلة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية، وهي مسؤولة عن العمليات العسكرية الأمريكية في إفريقيا، وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة في إفريقيا عدا مصر (التي تدخل ضمن نطاق عمل القيادة الوسطى الأمريكية التي تغطي مجمل منطقة الشرق الأوسط)، وتأسست “افريكوم” في ،2007 وبدأت نشاطها رسمياً في الأول من اكتوبر/تشرين الأول 2008 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.