إسقاط الحدود الجوية اللبنانية السورية: معادلات حزب الله والدلالات الاستراتيجية!

موقع العهد الإخباري ـ
محمد علي جعفر:

على وقع إعادة خلط الأوراق على الساحة السورية، خرجت مسألة التصدي السوري للطائرة الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، لتُبيِّن حجم القوة التي يمتلكها محور المقاومة في فرض معادلات الصراع. في وقتٍ أظهرت فيه التحليلات الإسرائيلية فشل الرهانات التي بنتها القيادة الإسرائيلية على تطورات الحرب السورية الأخيرة عموماً وسلوك الطرف الروسي خصوصاً. فكيف يمكن قراءة دلالات ورسائل الرد الصاروخي على الغارة الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية؟ وماذا يعني ذلك في حسابات موازين القوى بين محور المقاومة و”تل أبيب”؟ وأين تكمن قوة حزب الله؟

منظومة سورية
منظومة سورية

عدة مسائل باتت تدخل في حسابات الطرف الإسرائيلي في حال حدوث أي مواجهة مع حزب الله نذكر منها ما يلي:

أولاً: إنّ الحرب ستكون حرباً ضد منظومة عسكرية تتناغم فيها التكتيكات التقليدية العسكرية وتكتيكات العصابات. مما يعني أنها ستكون بالنسبة إلى “تل أبيب” تجربة جديدة على عكس ما هو حال حزب الله والأطراف الحليفة في محور المقاومة والتي خاضت تجربة كبيرة خلال الحرب السورية.

ثانياً: تُغطي القدرة العسكرية لحزب الله وحلفائه كامل الكيان الإسرائيلي بالإضافة الى القواعد الأمريكية وآبار النفط. ما يعني بالنسبة للبُعد الإستراتيجي قدرة المنظومة العسكرية المتكاملة التي يمتلكها محور المقاومة على شل كافة مصالح “تل أبيب” وحلفائها العسكرية والإقتصادية والسياسية.

ثالثاً: يمتلك حزب الله منظومة خاصة قادرة على جعل حركته العسكرية مُتميزة وفعَّالة أكثر من الأطراف الحليفة له. مما يجعله نقطة القوة للمحور وركيزته الأساسية. وهنا تدخل أهمية الدفاع عن دور الحزب الإقليمي من قِبَل  إيران وسوريا وإخراجه من منطق الحاجة الظرفية التي تخرج بها حسابات البعض، الى منطق الحاجة البنيوية التي باتت جزءاً من واقع القوة الذي تُمثِّله منظومة المقاومة.

ما الجديد في المعادلات اليوم؟

على الرغم من وضوح موازين القوى إلا أن “تل أبيب” استطاعت إبقاء معادلات عسكرية لصالحها خلال الحرب السورية. لكن التطورات الأخيرة كسرت هذه المعادلات ومنها ما يلي:

أولاً: سعت “تل أبيب” الى إبقاء معادلة فصل الجبهات قائمة حيث بقي التعامل مع الجبهة اللبنانية (النطاق العسكري لحزب الله) مُنفصلاً عن حسابات الجبهة السورية.

ثانياً: منذ أيام وعبر الرد الصاروخي السوري ـ والذي كان عبارة عن رسالة أكثر من كونه يقصد إسقاط الطائرة ـ كُسر الخط الأحمر الإسرائيلي بفصل الجبهة الجوية السورية عن اللبنانية. وهو ما يعني ضرب أهم ساحات المناورة الجوية الإسرائيلية الهادفة لإبراز القوة.

ثالثاً: تكمن أهمية الخطوة في توقيتها، والتي تزامنت قبل زيارة وزير الدفاع الروسي الى “تل أبيب”، لتؤكد أن مصالح محور المقاومة ليست للتجاذب، ولن تكون مادة للنقاش. وهو ما تمتلك أطراف محور المقاومة القدرة على فرضه في ظل فهمها لمعادلات الصراع ومصالح الأطراف كافة. لكن السقف لذلك هو مصلحة المحور ككل وليست مصلحة “تل أبيب”.

إذن، دخلت الحرب الدائرة بين حزب الله والكيان الإسرائيلي مرحلة يسعى فيها كل طرف لفرض أوراق القوة التي تناسب ظروفه في ظل التغيُّر في موازين القوى. وهو السبب وراء قيام الجيش السوري بتوجيه رسالة صاروخية هدفت لحسم قواعد ومعادلات الغارات الجوية الإسرائيلية من الداخل اللبناني عبر إخراجها من دائرة الحسابات.

مرة جديدة تُثبت القيادة الإسرائيلية عجزها عن قراءة المشهد الإقليمي بدقة. ما لم تتوقعه “تل أبيب” بات واقعاً مُراً. ولن تكون الأجواء اللبنانية خارج حسابات الرد حيث أن الجبهة الجوية أصبحت واحدة. نجحت دمشق في فرض ورقة يبدو أنها أربكت القيادة الإسرائيلية، ومن خلفها كل من يُحاول التفكير في إدخال حزب الله ومحور المقاومة في بازار المصالح. هكذا نجح حزب الله في إمتلاك قوة إدراة الصراع من جديد.

 باحث في إدارة المنظومات والشؤون الإستراتيجية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.