’استراتيجية دفاعية’… لوجه الله أم لوجه الشيطان!

موقع العهد الإخباري ـ
لؤي حسن:

جديدان برزا على الساحة هذه الأيام: “نصائح خارجية” ليضع لبنان “استراتيجية دفاعية”، والآخر هو “مؤتمر روما” كوسيلة للبحث في احتياجات لبنان العسكرية على ما قيل. والحقيقة أن هذا الأخير وألف مثله لا يمكن أن يفوا بالغرض المطلوب، وهذا سنتركه لفقرة أخرى؛ أما المطلوب كما نفهمه، أو كما يجب فهو أن يكون الجيش اللبناني قادرًا على الوقوف أمام جيش العدو الإسرائيلي، باعتبار أن ليس للبنان إلا عدوان: الكيان الصهيوني، والإرهاب الذي استجد في العقد الأخير. لكن من جهةٍ أخرى من المهم أن نعرف سلفاً بأن قواعد أية استراتيجية دفاعية لا تقتصر على ما هو عسكري فقط، إنه لمن السذاجة الاعتقاد بذلك لا سيما مع إغفال الجانب الاقتصادي. وما إلغاء التدبير رقم 3 إلا مثال حي أمامنا!

الإرهاب

أما مواجهة الإرهاب فهي مسألة مركبة ثلاثية الأبعاد من اقتصادية وثقافية ثم أمنية، بل لعل الشقّ الأمني يكاد يكون متمماً، باعتبار أن الإرهاب مثل الفطريات يلزمه بيئة ومناخ، وعليه فإن أية استراتيجية دفاعية في مواجهته لا بد وأن تبدأ من مكافحة الفقر بتوفير فرص العمل، ولا تترسخ ما لم يتوفر التعليم، وخاصة للمناطق المهملة أو عند الأطراف المنسية للمدن، إلى جانب التصدي للمحرضين من المتلبسين جلباب الدين، بمحاصرتهم بطبقة من أصحاب العلم والاعتدال غير المرتهنين لريال أو دولار !!. إنها بنسبة كبيرة (حرب ناعمة)، أما إذا علا فيها أزيز الرصاص فهذا دليل على تقاعس السياسة في أداء واجباتها في التنمية. إنها حرب ضد الفقر والتخلف، هذه هي المداميك التي تحصن الأوطان، وأية استراتيجية دفاعية تهمل هذا الجانب فهو كمن يضع العربة أمام الحصان.

أما الجانب الأمني بمعناه المهني أي الشق العملاني في مواجهة الإرهاب فهو أمر يدرك حاجاته أهل الاختصاص وهم في لبنان من اليقظة مع البراعة والعلم ما يجعلهم في طليعة الأجهزة الأمنية الكفوءة في المنطقة، فالعمل الأمني هو بالدرجة الأساس عمل عقلي إلى جانب تقنيات مساعدة. ولكن يبقى نجاح الشق الأمني في مكافحة الإرهاب مرهونًا بنسبة كبيرة بدقة رصده ومتابعة خلاياه وراء الحدود، الأمر الذي يعتمد على توفُّر اكبر قدر من شبكة المعلومات، وهذا بدوره يطرح القاعدة الذهبية في ضرورة التعاون والتسيق مع دولٍ صديقة والجوار في طليعتها، فكيف وهو يعاني من الأرهاب الذي يتهددنا؛ هنا تأتي سوريا والعراق في الطليعة، فكيف يتيسر هذا مع سياسة “النأي بالنفس” والعدو واحد ومصدر الخطر واحد!. أمر مخالف لكل منطق ويتناقض مع الاف باء الأمن. وبالتالي فإن أية استراتيجية دفاعية لا بد ان تزيل من قاموسها العبارة الغبية ” النأي بالنفس ” ولاسيما مع الجوار!!

الجيش

لا شك بان قدرة اي جيش تتوقف على ما بيده من معدات كماً ونوعاً وعلى مستوى تدريب أفراده وكفاءة ضباطه، غير ان نقطة ضعف الجيش اللبناني كما هو معروف تكمن في تسليحه الضعيف من حيث العدد ومن حيث نوع المعدات والكثير منها بات بحكم المنسق من سنوات عديدة في باقي الجيوش. مما يجعل الفارق كبيرا جدا مع ما هو متوفر لجيش العدو الإسرائيلي، هذا الفارق يسعى الجيش اللبناني إلى تقليصه ما أمكنه بالتدريب الجيد لوحداته المقاتلة ورفع المستوى العلمي لضباطه الذي يُعدون من الأفضل بالمقاييس العسكرية عالمياً. هذا إلى جانب الشجاعة والأقدام لهذا الجيش والذي يشهد لها الميدان حيث واجه ونازل. لكن الشجاعة قد تغدو أحيانا مصيدةً للقتل ما لم يحميها السلاح الجيد القادر كفاءةً على مقارعة العدو. وهنا لنترك للوقائع أن تتكلم مبينة حجم ونوع ما قد توفر لكيان العدو الغاصب، بحسب ما نشره موقع “جلوبال فير باور” الأمريكي، موقوفاً حتى عام 2016، ونكتفِ بأقامه، لنأخذ فكرة عن العدو في مواجهتنا، مع أن الأرقام الوارده أدناه قد زادت بلا شك بحكم ما تغدقه امريكا باستمرار على جيش العدو من أسلحة وعتاد:

1ـ عدد القوات المسلحة للعدو الإسرائيلي 160 ألفًا، يرتفع خلال 24 ساعة مع استدعاء الاحتياط إلى نحو 900 ألف.
2ـ عدد الطائرات الحربية 885 مقاتلة وقاذفة قنابل وهليكوبتر هجومي منها 19 طائرة F35 هي الأحدث والأقوى في العالم، ولم تزود بها امريكا أياً من حلفائها إلا كيان العدو !!.
3ـ المدافع على أنواعها قرابة 1000 مدفع.
4ـ ما يزيد عن 50 قطعة بحرية حربية وخمس غواصات.
5ـ ما يزيد عن 1500 دبابة من انواع متطورة، ويقال ان العدد اكثر من هذا فيما تتكتم عليه “اسرائيل”.

وكي لا نغرق القارئ بالتفاصيل التقنية نكتفي بالإشارة فقط إلى أن المعدات المذكورة هي من النوع المتطور وهي ذاتها التي يستخدمها الجيش الأمريكي حالياً.. إلى جانب ما سبق تبرز الصناعات الحربية الإسرائيلية والتي تساهم فيها امريكا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نظام القبه الحديدية بمبلغ 237 مليار دولار وهذا من خارج المساعدات السنوية المقررة للكيان المحتل! فضلاً عن تطوير نظام الدفاع الإسرائيلي المضاد للصواريخ بعيدة المدى المسمى “مقلاع داود”، ونظام “حيتس” للصواريخ المضادة للصواريخ بنصف تكاليفه .
طكما تقوم الولايات المتحدة بشراء 27% من احتياجاتها العسكرية من الصناعات الحربية الإسرائيلية ما أتاح للكيان الغاصب ان يتوسع في هذه الصناعة حتى غدى ضمن اول عشر دول مصدرة للسلاح في العالم. ومن ناحية أخرى بلغت انفاقات الجيش الإسرائيلي بحسب إحصاءات 2016 نحو 11.4 مليار دولار، يتلقاها مساعدات خاصه عدى المخصصة سنويا والمقدرة 3.8 مليار دولار لعام 2016 .

المقاومة

والخلاصة ان غاية امريكا هي دائما وابداً المحافظة على تفوق الكيان الصهيوني النوعي، فكيف يمكن لجيش بحجم الجيش اللبناني ان يجاري هذا التفوق او أن يقلص الفارق معه فيما ميزانيته لا تشكل اكثر من 5% من ميزانية جيش العدو الصهيوني، وربما تصبح أقل مع إلغاء التدبير رقم 3 !!! ـ يا لها من فضيحة !!! ـ .

لا يختلف اثنان على أن أية مواجهة تقليدية مع جيش العدو الذي أُعِد ليكون الأقوى في المنطقة هو ضرب من الانتحار، وكذلك فإن السلاح الذي تسلمه الجيش اللبناني لا يمكنه بكل المقاييس ان يغير قيد شعرة في ميزان القوى مع كيان الاحتلال، ربما قد يصيب طعنة في الداخل فيما لو انقلب الجيش على عقيدته!، هذا ما سعى إليه “أصدقاء” أمريكا وما زالوا يسعون، ولكن هيهات.

مرة أخرى، وبعقل منفتح لتحصين لبنان ولكي يظل عزيزا كريما حراً، نعود للقول بأن المسألة أبعد من سلاح، هي قرار سياسي عند الجهات المانحة من امريكية واطلسية والتي حصر لبنان تسليحه فيها!! ؛ هذه كلها لا تريد ازعاج العدو الصهيوني بمنح الجيش اللبناني سلاحا متطورا قد يقارع به ويحتمل منه ان يوقع إصابات في جنود جيش العدو. حيال هذه المعطيات ومن رحم المعاناة جاءت المقاومة بعقيدتها العسكرية واشكالها التنظيمية الخاصة بها حلاً عبقريا عطلت فيها التفوق العسكري الإسرائيلي.. فقد باتت المقاومة بحركتها السريعة وبراعة استخدامها للأرض والسلاح أشبه بلاعب الكاراتيه الماهر الذي ينازل مصارعاً كبير الحجم مكتنز الشحم، بحيث لا يستطيع هذا الأخير ان يجاريه او يتفادى ضرباته بحكم التكوين، وبحكم شروط المنازلة المفروضة عليه!.

هذه المقاومة منظومة دفاعية مجربة وقد أثبتت نجاعتها في كل ساحات المواجهة، فمن أراد استراتيجية دفاع مخلصاً فيها لوجه الله وليس للشيطان!، فليس مطلوبا منه أن يخترع الدولاب مجدداً. أما أصحاب خطاب “وحدانية السلاح”! ، الهاتفون بالسيادة، فإن تلك الوحدانية عندهم هي بتسيل المقاومة في وحدات عسكرية تقليدية تحول حزب الله عن منظومته الخاصة، او بمعنى أخر تحوله إلى جيش فوق الأرض بثكنات ومقرات مرصودة ومكشوفة. الأمر الذي يسهل معه اختراقه، أو ضربه جواً في سماء مكشوفة بحيث لا تستغرق تصفيته أكثر من ساعات !!!.

أخـيراً يقتضي الحرص اختيار السلاح الذي يتكامل مع منظومة المقاومة، مثل منظومات الدفاع الصاروخية ارض جو أو أرض بحر، فضلاً عن أجهزة الرصد والتنصت ووسائل الاستطلاع وغيرها، وهنا ينبثق السؤال البديهي.. من هي الدول التي لها مصلحة في جعل الجيش اللبناني في مستوى تسليحي يمكنه من مقارعة كيان الاحتلال، أو كبح جماحه.. اسألوا ترامب يزودكم بالخبر اليقين !!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.