#اعتصام_الدراز .. مدرسة في التعبير عن الموقف

bahrain-issa-kassem

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

مرّت عشرة أيام على قرار السلطات البحرينية سحب الجنسية من العالم الشيخ عيسى قاسم.
القرار جريمة، والتصدي له في الشارع البحريني كان على قدر المسؤولية، بالشكل الذي أبطل ـ حتى الساعة ـ مفاعيل هذا القرار، وعلى رأسها استكمال الجريمة الأولى بجريمة أخرى تتمثل بترحيل الشيخ الجليل إلى خارج البلاد التي وُلد فيها، وترعرع في أحضانها، وتعلّم لدى كبرائها من العلماء الأفذاذ الذين لطالما كانوا نبراساً يستضيء به أبناء الأمة الإسلامية على مدى التاريخ.

آلاف الناس من الكبار والصغار، النساء والأطفال، يفترشون الطرقات في محيط منزل العلامة قاسم، يشكلون طوقاً من حبّ، وسوراً من تحدٍّ، يطلقون الشعارات التي يتعهّدون بأن تكون أفعالاً: لن نسلّمك، الشيخ عيسى قاسم خط أحمر، هيهات منّا الذلّة… وغيرها من الشعارات التي تعبّر عن موقف حاسم لا تراجع عنه، موقف يستعد هؤلاء لدفع كل الأثمان من أجل التمسّك به، وحتى لو كان أحد هذه الأثمان هو حمّام دم.
لم يتعب المعتصمون، لم تفتر هممهم، ولم تتراجع معنوياتهم، على الرغم من بقائهم عشرة أيام في الشارع، يعانون من ضغط الطقس الحارّ، وضغط الإجراءات القمعية التي يمارسها زبانية آل خليفة، وضغط المجهول الذي ينتظرهم في حال قرّر هؤلاء الزبانية ارتكاب جريمتهم الكبرى بحق المواطنين الصائمين الصابرين.

الآلاف معتصمون في الدراز، يحيطون بمنزل مرجعيتهم الدينية والسياسية، ولولا حصار قوات القمع السعودية ـ البحرينية، لكان الآلاف باتوا أضعافاً مضاعفة، ولتحوّلت الجزيرة كلها إلى اعتصام واحد، بموقف واحد، وبقرار لا تراجع عنه: لن ينجح الخليفيون في “قطع رأس” الثورة، ولن يتمكنوا من إخماد صوت الرفض لظلمهم، ولن يحققوا هدفهم بتيئيس الناس وتحطيم آمالهم وقتل إحلامهم بالحرية والمشاركة والكرامة.

وفي اعتصام الدراز دروس، لا بدّ من الوقوف عندها، والتعلّم منها، ولا سيما أن من يقدّمها هو شعب عانى على مدى عقود، ويعاني منذ خمس سنوات أسوأ أنواع القمع والقهر والظلم والاستضعاف، فإذا به يتابع المسيرة دون تردد أو تخاذل.

من أول الدروس الإيمان بالقضية، فهؤلاء المعتصمون يعلنون بكل وضوح إيمانهم بأحقية الأهداف التي وضعوها لثورتهم، وبوضوح السبيل الذي انتهجوه للوصول إلى الأهداف، إذ اختاروا التعبير السلمي الذي لا تشوبه أية نزعة عنف من أجل الوصول إلى حكم رشيد، حكم يراعي مصالح الناس ويأخذ بآرائهم ويتوقف عند تطلّعاتهم، بديلاً عن الحكم الفرعوني القائم، والذي يعتمد على ثلاثية الوراثة البشعة والعنف المتصاعد والتبعية للخارج .

ومن الدروس، الثبات على الموقف، رغم كل محاولات زحزحتهم عن أفكارهم، ومساومتهم على حقوقهم، والعمل على شرذمتهم وتفريقهم، فإذا هم ثابتون، متضامنون، حاضرون في كل الساحات والميادين. وفي اليوم المعلوم، نزلوا بالآلاف إلى الشارع، ليردوا على الحصار بالحصار، وعلى استهداف القائد بحمايته، ولو بالأرواح.

ومن الدروس أيضاً تحويل الاعتصام إلى فعاليات إنسانية وروحية، تدل على مدى رقي هؤلاء المعتصمين، وسعيهم للاستفادة من أوقاتهم، فلا يقومون بأعمال شغب، ولا يتخلل اعتصامهم أي عنف، وإنما هم جالسون بكل هدوء، يصلّون ويصومون، ويتداولون العلم في ما بينهم، ويقدمون أرقى نموذج للتعبير السلمي الحضاري عن الموقف.

ومن أهم الدروس أن هذا الجمع الثائر ـ الهادئ جاهز لتقديم كل ما لديه، وحاضر لأن يُقتل ويذبّح ويُعتقل ويُشرّد، دفاعاً عن قائده الذي تتهدده آلة القمع السلطوية بالتنكيل والاعتقال والترحيل، بعد أن استهدفته سابقاً بالتضييق والتهميش والتهشيم السياسي، وصولاً إلى سحب الجنسية المستحقة والتي لا يمكن لأي قاعدة قانونية أن تسمح بسحبها من صاحبها.

اعتصام الدراز هو مدرسة حقيقية لمن يرغب في تعلّم دروس الكرامة والشهامة والثبات والتضحية، وسيكون درساً لأولئك المتسلطين في قصورهم، سواء قرروا التراجع عن طغيانهم والبحث عن حل للأزمة التي صنعوها بأنفسهم، أو أرادوا الاستمرار في غيّهم، والخضوع للتعليمات الصادرة لهم من خارج حدود بلادهم، من أجل الدفع بالأمور نحو الانفجار الكبير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.