الإقتصاد النووي…وموقع لبنان منه

إنتاج الطاقة في العالم بحسب مصدرها

صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ

البروفسور جاسم عجاقة:

يكثر في هذه الأيام الحديث عن الطاقة النووية وخاصة في مجال التسلح. لكن هذه الطاقة تُستخدم أيضاً في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية والمجال الطبّي وغيرها من المجالات.

أثرت كارثة فوكوشيما كثيراً في الرأي العام الغربي من ناحية التخلّي عن هذه الطاقة، لكن الحسابات الإقتصادية أظهرت أهمية هذه الطاقة في الإقتصاد العالمي، مما يُبعد فكرة التخلي عن هذه الطاقة للخمسين عاماً المقبلة.

في العام 1939، قام العالمين نيل بوهر وألبير أنشتاين بإكتشاف الإنشطار (Fission) والذي هو عبارة عن إنشطار نواة ذرة عنصر ما إلى قسمين أو أكثر. وينتج عن عملية الانشطار هذه مواد أخرى بالإضافة إلى كمية هائلة من الطاقة. ويُسمّى المنشئ الذي تتم فيه هذه التفاعلات بالمفاعل النووي.

ويتم تصنيف المفاعل النووي بحسب نسبة تخصيب اليورانيوم (أي نسبة النوترونات في نواة اليورانيوم):

– تخصيب بنسبة 20%: حيث يُستخدم المفاعل في الأبحاث العلمية والمجال الطبي

– تخصيب بنسبة 50%: وهذا النوع يُستخدم في إنتاج الكهرباء.

– تخصيب بنسبة 80% وأكثر: وهذا النوع يُستخدم في المجال العسكري.

في أواسط خمسينات القرن الماضي، تم إكتشاف الإندماج النووي الذي هو عبارة عن دمج نواة ذرتين قليلتي الوزن. ومما يُميز الإندماج كمية الحرارة المُستحصل عليها من جراء هذه العملية. فمثلاً متر مكعب من الماء مُستخدم في عملية الإندماج، يُساوي 700 طن من البترول. لكن تقنيات الإندماج لا زالت في مرحلة التطوير ولا تطبيقات فعلية لها بإستثناء القنبلة الهيدروجينية.

النووي يُساهم في الإقتصاد

من الملاحظ أن الخوف من إمتلاك بعض الدول للطاقة النووية خصوصاً لأهداف عسكرية، قلّص من عدد الدول التي تمتلك هذه التقنيات وحصرها بعدد من الدول الكبرى. لكن مجال التطبيقات في الحياة اليومية للإنسان كثيرة جداً وتختلف بحسب نوع المُفاعل المستخدم.

فالمفاعيل البحثية، ُتستخدم في تطوير التجهيزات الإلكترونية التي تُستخدم في الفضاء، كما يتم إستخراج النظائر الفيزيائية (Isotope) في المجال الطبي وغيرها. وفي مجال الطاقة الكهربائية، تمتلك الدول الكبرى وبعض الدول النامية، مفاعيل نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية.

وفي هذا الصدد، يُذكر أن فرنسا تُنتج ما يُقارب الـ 80% من إحتياجاتها الكهربائية من الطاقة النووية. ولفهم أهمية هذا التعلق بالطاقة النووية، يجدر الذكر أن 1 غرام من اليورانيوم مُستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية، يوازي 2 طن من الفيول أو 3 طن من الفحم.

ويبلغ عدد المفاعلات النووية في العالم 435 مفاعل تستحوي الولايات المتحدة الأميركية على حصة الأسد فيها مع 104 مفاعلات تليها فرنسا (59) واليابان (53) وروسيا (31).

وتشغيل هذه المفاعلات يحتاج إلى أناس لتنفيذه مما يعني تلقيهم رواتب وبالتالي، الإشتراك في الإقتصاد. بإختصار، يمكن القول أن الطاقة النووية تُساهم في الناتج المحلي الإجمالي للدولة التي تستخدم هذه الطاقة.

لمعرفة أهمية الطاقة النووية في الإقتصاد العالمي، يتوجب ذكر بعض الأرقام:

في مجال الطاقة الكهربائية، يُنتج العالم 375136 ميغاواط من الطاقة النووية. ويختلف توزيعها بحسب البلد (أنظر إلى الرسم). ففي أميركا تنتج الولايات المتحدة الأميركية 100683 ميغاواط من الطاقة النووية أي ما يوازي 20% من مجمل إستهلاكها. وفي كندا، تبلغ قيمة الطاقة المُنتجة من أصل نووي ما يُقارب الـ 12577 ميغاواط (15% من مجمل الإستهلاك).

وفي أوروبا، تحتل فرنسا المرتبة الأولى من ناحية الإنتاج والإستهلاك، إذ تبلغ قيمة الكهرباء من أصل نووي 63260 ميغاواط (76% من مجمل الإستهلاك). وفي آسيا، تحتل اليابان (قبل كارثة فوكوشيما) المرتبة الأولى (الثالثة عالمياً) من ناحية الإنتاج ما يوازي 46823 ميغاواط (25% من مجمل الإستهلاك).

في مجال الأيدي العاملة، يستخدم القطاع النووي في فرنسا ما يُقارب الـ 400000 عامل (125000 عامل بشكل مباشر) أي ما يوازي 2% من سوق العمل. وفي كندا يستخدم القطاع النووي 71000 عامل (21000 عامل بشكل مباشر).

أما في ما يخصّ العائدات لهذا القطاع فمن الصعب إيجاد أرقام نظراً الى تشابك هذا القطاع مع القطاعات الأخرى مما يطرح مشكلة الإستنسابية.
لكن بعض الأرقام تعطي فكرة عن حجم هذا القطاع، فمثلاً في فرنسا، يبلغ حجم تصدير الخدمات النووية الفرنسية 6 مليار يورو سنوياً (8 مليار دولار). وفي كندا يدر هذا القطاع مداخيل تُقدر بـ 6 مليار دولار سنوياً.

كارثة فوكوشيما

مما لا شك فيه أن الطاقة النووية تملك الكثير من التطبيقات المدنية التي تعود على الإنسان بالخير. لكن التقنيات المعتمدة للسيطرة على التفاعلات النووية وترويضها لإستخدامها صناعياً، محفوفة بالمخاطر.

المبدأ العام يقوم على فكرة توازن بين عدد النترونات المنتجة وعدد التفاعلات، يجب المحافطة عليه. وأي عامل يُخل بهذا التوازن يودّي إلى كارثة وهذا ما حصل في فوكوشيما في اليابان حيث أدى التسونامي الذي ضرب المنطقة إلى كارثة بشرية وبيئية وإقتصادية (الإشعاعات النووية ملوثة للإنسان والبيئة).

هذه الحادثة دفعت اليابان إلى إيقاف الـ 53 مفاعلا لديها والعودة إلى إنتاج الكهرباء على الفيول والفحم. مما يعني إستيراد هذه المواد وبالتالي زيادة سعرها (زيادة الطلب). وبهذا ضُرب الميزان التجاري لليابان وزادت نسبة الدين العام بشكل هائل. كما بدأ الحديث في عدة دول أوروبية عن إحتمال إيقاف المفاعلات النووية في أوروبا.

ونجح حزب الخضر في ألمانيا في إنتزاع موافقة الحكومة الألمانية (التي تتكبد إلى حد معين خسائر إقتصادية نتيجة التخلي عن النووي) لكن الوضع إستمر على ما هو عليه في فرنسا والدول الإخرى لا بل على العكس نرى أن بعض الدول بدأت بإنشاء المفاعلات النووية حيث بلغ مجموع المفاعلات التي في طور البناء 55 مفاعلا منها 20 في الصين وواحد في إيران.

من البديهي للقارئ أن يلحظ أننا إعتمدنا إقصاء الشق العسكري من هذا المقال لأسباب أخلاقية ألا وهي عدم إقتناعنا بضرورة السلاح النووي حتى ولو كان له عائدات مالية، لأن هذا السلاح هو سلاح دمار شامل وبحسب رأينا يجب إلزام الدول التي تمتلكه، بدء تفكيك الترسانات الموجودة. لأن مقولة أن النووي هو قوة ردع لم تعد تقوم مع تقدم التقنيات النانونية (Nanotechnology).

النووي ولبنان

في لبنان، وبمبادرة من قبل معهد البحوث العلمية اللبناني، قام المعهد بإجراء مفاوضات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتزويد لبنان بمفاعل للأبحاث العلمية مع تطبيقات في المجال الأكاديمي والمجال الطبي. وهذا المسار الذي يدوم عادة عشرين سنة، توقف بسبب الوضع الأمني في لبنان.

لكن يحق لنا في لبنان، نحن من ندفع مبالغ طائلة لقطاع الكهرباء، أن نحلم بأن نرى لبنان في يوم من الأيام، يستهلك ويصدر طاقة كهربائية منتجة من الطاقة النووية. وكما قال هنري سبيكس: “حلم اليوم هو حقيقة الغد، ومن لا يحلم لا غد له”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.