التورط السعودي في قرار الاتحاد الأوروبي ضد حزب الله: خلفيات ووقائع

saudi-usa1

موقع العهد الإخباري ـ
عبد الحسين شبيب:
ليس مستغرباً ما يقال عن دور سعودي في إصدار الاتحاد الأوروبي قراره الأخير بتصنيف ما أسموه “الجناح العسكري في حزب الله تنظيماً إرهابياً”. فالغطاء الذي كانت المملكة مساهمة في توفيره للعدوان الإسرائيلي في حرب تموز عام 2006 ضد حزب الله من خلال وصفها عملية الأسر لجنديين إسرائيليين بالمغامرة، شكل في حينه حافزاً لقيادة العدو على مواصلة حربها، وأماط في الوقت عينه اللثام عن أشكال التواطؤ العربي والمحلي ضد المقاومة التي ظهرت لاحقا وتحدثت عنها مصادر غربية وإسرائيلية عدة، ويتيح هذا الغطاء السابق في الوقت الراهن تصديق ما يتم تداوله بخصوص قرار الاتحاد الأوروبي.

وإذا كان مؤكداً وواضحاً ومتماهياً الدور الأميركي والإسرائيلي في دفع الدول الأوروبية نحو هذا القرار، وفي ذلك وقائع تفصيلية كثيرة نشرتها الصحافة الإسرائيلية، فان معطيات عدة ترجح فرضية التدخل السعودي في هذا الأمر. ابرز هذه المعطيات ما ذهب إليه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من تصنيف حزب الله كـ”عدو” في تصريحات رسمية له، وهذه العبارة بحد ذاتها كررها مدير الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان أمام بعض من التقاهم وفق مصادر صحفية عدة، تلاه تصريحات خارجة عن أصول الدبلوماسية أطلقها السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري ضد حزب الله كشفت ما يقال في اللقاءات السرية وأفصحت عن طريقة التفكير التي يعتمدها بعض المسؤولين السعوديين في مجالسهم الخاصة.

المعطى الثاني تمثل بالفيتو السعودي على مشاركة حزب الله في الحكومة المكلف النائب تمام سلام تشكيلها. وفي هذا كلام كثير نقله زوار المملكة عن بندر بن سلطان وغيره، وهو الأمر الذي ابلغ إلى فريق المملكة في لبنان، وتمت ترجمته بتصريحات رسمية من نواب كتلة المستقبل وغيرهم من فريق الرابع عشر من آذار ممن جاهروا وصرحوا برفضهم أن يكون حزب الله جزءا من أي حكومة مقبلة. وهذه في الحقيقة هي المعضلة الأساسية التي تعيق حتى الآن تشكيل هذه الحكومة.

المعطى الثالث تمثل بالموقف التصعيدي الذي أخذت الرياض دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة إليه تجاه حزب الله على خلفية مشاركته في عملية استعادة الجيش السوري لمدينة القصير الإستراتيجية، وتوعدت باجراءات عقابية، حيث نقلت حينها صحيفة الأخبار (22 حزيران الماضي) عن مصادر مطلعة أن السعودية ستعلن “قريباً جداً” قرارات تصعيدية “غير مسبوقة” ضد حزب الله.

وأشارت الصحيفة في حينه إلى أن الرياض تتزعّم الحملة الخليجية تأصيلاً لنهج موجود أساساً في المملكة يرفض الانفتاح على حزب الله، سواء قبل معركة القصير أو بعدها، وهذا النهج يستند إلى تأثيرات البعد العقائدي.

ونقلت “الأخبار” عن شخصية سعودية مقربة من الأسرة المالكة والمؤسسة الوهابية المشاركة في الحكم، إشارتها إلى أن حزب الله تجاوز الخط الأحمر حينما نجح في إظهار نفسه كـ”طليعة بنية الفعل الحضاري” للأمتين الإسلامية والعربية. فالسعودية الوهابية لا تريد رؤية العالم الإسلامي والعربي منقاداً من طليعة حزب الله المرتبطة بإيران، وهذه النظرة العقائدية تخضع لتشدد في التطبيق في السياسة الرسمية السعودية بضغط من المؤسسة الدينية التي تتحمل، إلى حد كبير، مسؤولية عدم مقبولية حزب الله في الرياض.

وعليه فان هذا السقف المرتفع في لهجة بعض المسؤولين السعوديين كان له ترجمة في تعامل بعض الصحافة اللبنانية مع تفجير بئر العبد الأخير حيث ذهبت تحليلات عدة إلى ترجيح وقوف أصابع سعودية وراءه، وهو ما جاهرت به صحيفة “الأخبار” عندما عنونت تغطيتها لجريمة التفجير بعنوان “عودة الأمير بندر” في إشارة إلى تورط الأخير في مجزرة بئر العبد التي ارتكبتها الاستخبارات الأميركية بدعم سعودي ومشاركة محلية عام 1985 بحسب اعترافات أميركية نشرت في عدد من الكتب. وقد اعتبر بعض المحللين أن هذا التفجير هو ترجمة للحرب المفتوحة التي يديرها جناح في المملكة ضد الحزب.

بناءً على ما تقدم يصبح منطقياً الحديث عن تورط سعودي في تصنيف المقاومة تنظيماً إرهابياً لدى الدول الأوروبية، وهو ما أكدته مصادر أوروبية مطلعة لصحيفة “الأخبار” اللبنانية (24/7) بأن دولاً عربية شاركت في الضغوط الأميركية لإدراج حزب الله على “اللائحة الأوروبية للإرهاب”، خصوصاً السعودية، عبر تلويحها لدول أوروبية، وتحديداً فرنسا، باستخدام عصا العلاقات الاقتصادية في حال تلكأت في هذا الأمر. ويبدو أن الأزمات الاقتصادية المتنقلة التي تعاني منها دول عدة في الاتحاد الأوروبي ساهمت في تسهيل عملية إصدار القرار الأوروبي.

بندر ..الدور المباشر

وقد تداولت تقارير صحافية عدة معلومات عن دور مباشر لبندر بن سلطان في هذا القرار خلال زيارته الأخيرة لباريس، وعبر اتصالاته بحكومات أوروبية عديدة في سياق بحثه عن سبل تسليح المعارضة السورية.

وبانتظار ما ستكشفه الأيام القادمة من تواطؤ عربي وغير عربي في الحرب ضد حزب الله، كما فعلت وثائق ويكليكس في المرحلة السابقة، فان التماهي بين المواقف الأميركية والإسرائيلية والسعودية تجاه المقاومة في لبنان يظهر إلى أي مدى تقلصت فيه الحواجز بين تلك الأطراف وباتت تقف ـ مع أطراف أوروبية وعربية ومحلية أخرى ـ في خندق واحد ضد حزب الله بعدما بات “عدواً مشتركاً” لها يؤرّق مصالحها ومشاريعها في التقسيم والفوضى والتكفير. وإذا كان مفهوما السلوك الأميركي والإسرائيلي تجاه المقاومة فان السلوك السعودي هذا يبدو كمن يحرق أوراقه دفعة واحدة في مغامرة لن تجلب له سوى المزيد من الخسائر السياسية الصافية المتنقلة في أكثر من بلد تحاول الرياض أن يكون لها موطئ قدم فيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.