السعودية بين خياري التكيُّف أو الانتحار

obama - barak - abdalah - usa - sudia arabia

لا شكّ في أن ما يقوم به بعض الأمراء السعوديين من تصرفات وتصريحات أقل ما يقال فيها إنها تدلّ على اليأس، وباتت تشكّل مصدر قلق للكثيرين في العالم العربي، خصوصاً في ظل حديث بعضهم عن تحالف سُنّي – “إسرائيلي”، وهو ما يناقض الحس العروبي التقليدي الرافض للتعامل مع “إسرائيل” التي اغتصبت فلسطين وشرّدت أهلها ونكّلت وأجرمت بحق العديد من شعوب المنطقة.

لكن هل يستوجب الانفتاح الأميركي على إيران بالضرورة الهلع والقلق من قبل المملكة العربية السعودية؟ وهل من الطبيعي أن يقارب بعض الأمراء السعوديين الجنون في تصدّيهم لهذا القلق؟

نعم، هناك ملامح تسوية كبرى في المنطقة، أبطالها الدوليون الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وهناك دول إقليمية تتنافس للدخول محاور أساسية في هذه التسوية.

ونعم، استطاعت إيران بدهائها وحنكة سياسييها، وسياسة النفس الطويل المستمدة من دبلوماسية حياكة السجاد، أن تصبح حجر أساس في الترتيبات الإقليمية الجديدة، لامتلاكها أوراقاً هامة في قضايا “الشرق الأوسط” وآسيا الوسطى، خصوصاً في العراق وأفغانستان.

لكن سياسة الغضب والجنون المتبعة ليست سياسة منطقية، ولن تؤدي إلى نتائج إيجابية، بل إن العقلانية توجب على السعودية فهم ما يلي:

أولاً: بعد التطورات المتسارعة منذ احتلال العراق ولغاية الآن، تراجعت قدرات دول عربية كبرى، وباتت عاجزة عن أن تؤدي أدواراً إقليمية هامة، فالعراق خرج بالاحتلال، وسورية بالحرب الكونية فيها وعليها، ومصر أرهقتها سياسات “الإخوان المسلمين” والعنف الذي يمارسونه، أما قطر التي مارست دوراً إقليمياً أكبر من حجمها في وقت من الأوقات، فقد أعادتها التطورات السورية إلى حجمها الطبيعي، وهكذا لم يبقَ من الدول العربية المؤهّلة للعب دور إقليمي سوى المملكة العربية السعودية.

من هنا، بات على السعودية الانتباه إلى أمر خطير جداً، فإما أن تقوم بلعب هذا الدور الإقليمي المحوري، أو تتصدى تركيا له وتعلن نفسها قائدة لواقع إسلامي سُنّي يمتد على مساحة شاسعة تصل إلى حدود الشرق الأقصى.

ثانياً: إن إدراك المملكة لهذا الواقع ومراهنتها على لعب دور إقليمي فاعل وبارز بات يحتّم عليها إعادة تصويب سياستها الخارجية، وفهم الواقع الدولي والإقليمي المتحرك باتجاه تسوية المشاكل القديمة العالقة، وبدء مرحلة مكافحة الإرهاب، لذا من الخطأ أن تبقى السعودية على سياساتها السابقة بدعم المجموعات المتطرفة، بل إن المصلحة القومية للدول تحتّم أن تتخلى الدول عن بعض أوراقها لتأمين مصالحها الاستراتيجية.

ثالثاً: سياسة التحالف مع “إسرائيل” لم تكن يوماً سياسة عربية مرغوبة، بل إن التوهّم بأن “إسرائيل” ستكون صديقاً وفياً يساعد السعودية في التصدي لإيران هو نوع من الجنون القاتل، وإن كانت المملكة تشعر بالقلق على أمنها وأمن الخليج بعد التفاهم الأميركي – الإيراني، فهذا يعني أنه آن الأوان لتغيير السياسات الأمنية التقليدية بالاتكال على الآخرين، ويحتم على السعودية البدء بسياسة عدم التبعية، وتعزيز قدراتها الذاتية.

رابعاً: إن السير بخيار سباق التسلح والاتكال على القوة العسكرية أثبت عدم جدواه على الصعيد العالمي والإقليمي، فها هي الولايات المتحدة الأميركية بكل قواها العسكرية والاستراتيجية لم تستطع أن تفرض الاستقرار في العراق أو في افغانستان.

إذاً، بات من المفيد تفعيل العلاقات الإقليمية بين طرفي الخليج، والتركيز على التعاون الاقتصادي والتفاعل التجاري وتبادل الخبرات، لاسيما في ظل التوجّه لرفع العقوبات عن إيران.

خامساً: حان الوقت لكي تتخلص دول الخليج من المخاوف الأمنية وتمويل السياسات الدفاعية التي تستنزف موارد الخزائن الخليجية، وتمنع الإصلاح الداخلي المطلوب وتطوير البنى التحتية، فها هي الأمطار كشفت هشاشة البنى التحتية في السعودية، التي تصرف المليارات على التسلح وعلى المجموعات المسلحة في سورية، وتحرم مواطنيها من أبسط حقوقهم في بنى تحتية حديثة.

سادساً: لا بد للسعودية من استيعاب التحوّلات الجذرية الحاصلة في السياسة الأميركية في المنطقة، وعليها قبل كل شيء أن تكون مستعدة للتكيّف مع تلك التحولات، وتقوم بسياسات إصلاح داخلية، تشمل مكافحة الفساد، وإصلاح النظام التربوي، وتقليص دور المتشددين، والسعي إلى الاستفادة من الطاقات الاجتماعية، ومنها النساء، بما تشكّله من نصف المجتمع.

في المحصلة، تبقى سياسة التعاون الإقليمي الخيار الأنسب لجميع الدول العقلانية في المنطقة، والأهم أن على السعودية – كما دول الخليج الأخرى – ملاقاة اليد الإيرانية الممدودة للسلام، وفي هذا خير لجميع شعوب المنطقة ودولها بدون استثناء، لكن ما يصدر عن بعض الأمراء السعوديين يؤشّر بوضوح إلى أنهم عاجزين عن التأقلم مع المتغيرات، وهنا لا بد لهؤلاء من الاتعاظ من حركة الكون الطبيعية، من خلال مبدأين: الأول، أن الطبيعة تكره الفراغ، ومن يترك فراغاً سيأتي آخرون لسدّه، والثاني أن الكائنات التي لا تستطيع أن تتأقلم مع التغيرات يكون مصيرها الانقراض؛ تماماً كالدينصورات.

د. ليلى نقولا الرحباني – موقع الثبات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.