الصراع الروسي على السوق الإيرانية

botin - rouhani - iran - russia

 

صحيفة “السفير” ـ
هاني شادي:

لا شك في أن صراعاً كبيراً يدور حالياً على السوق الإيرانية بعد رفع العقوبات المفروضة على إيران، وقد بدأ هذا الصراع التنافسي الحاد بين روسيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية والصين على «الكعكة الإيرانية» في العام الماضي ومطلع العام الجاري. وهذا الصراع، بالطبع، تُستخدم خلاله الوسائل كافة، بما فيها السياسية. وتشارك روسيا في هذا الصراع على قدم وساق، حيث لدى الشركات الروسية خبرة قديمة في التعاون والعمل في السوق الايرانية في مجال النفط والغاز. ففي العام 1997 دخلت شركة «غاز بروم» العملاقة في شراكة مع شركات دولية للتنقيب عن النفط والغاز في حقل «فارس الجنوبي». ولكن بسبب العقوبات على إيران والتباين في المواقف مع الإيرانيين، انسحبت الشركة الروسية في العام 2008 من المشروع. وفي العام 2003، بدأت شركة «لوك أويل» النفطية الروسية بالشراكة مع الشركة النرويجية لاستخراج النفط، «ستات أويل»، بعمليات التنقيب في حقل «أناران» النفطي. بيد أنه بعد فرض العقوبات على طهران، اضطرت الشركة الروسية للانسحاب من السوق الايرانية، كما ألغت إيران في 2011 عقداً مع شركة «غاز بروم نفط» الروسية، التي حلت مكان «لوك أويل» في المشروع المذكور أعلاه. وفي العام 2014، تم التوقيع بين روسيا وإيران على مذكرة نيات، جرى في إطارها التفاهم على مشروعات مشتركة بين البلدين بنحو 70 مليار دولار. أما خطة «النفط مقابل السلع الغذائية»، التي جرى الحديث عنها طويلاً منذ عامين بين موسكو وطهران، ولكنها ظلت حبراً على ورق. وفي 2015، عادت شركة «لوك أويل» مجدداً الى ايران وافتتحت ممثلية لها في طهران، حيث جرى الاتفاق على امكانية المشاركة في بعض مشاريع استخراج النفط. كما تم الاتفاق مع طهران على تصدير اللحوم الحمراء الروسية ومنتجات الألبان، بجانب منتجات صناعة «الميتالورجيا» الروسية، الى السوق الإيرانية. وبالطبع، يُعدّ بناء شركة «روس أتوم» الروسية محطة «بوشهر» الكهروذرية من أهم المشروعات الروسية في إيران. واللافت أن موسكو وافقت خريف العام الماضي على قرض حكومي لطهران بـ 5 مليارات دولار لدعم تصدير المنتجات الصناعية الروسية الى السوق الإيرانية. وسيســـتخدم نصف هذا المبلغ تقريباً في بناء محطات توليد الكهرباء وكهربة السكة الحديد، وسيذهب النصف المتبـــقي الى شراء مفاعلات للمحطات النووية وتمـــويل شراء الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية من قبل إيران.

في كانون الثاني من العام الجاري، سارع الرئيس الصيني بزيارة طهران، وأسفرت الزيارة عن توقيع اتفاقية للشراكة الاستراتيجية و17 وثيقة، واتفقا على زيادة التبادل التجاري بين البلدين بعشر مرات، أي بمبلغ 600 مليار دولار، خلال الأعوام العشرة المقبلة. وتفترض العقود والاتفاقيات الموقعة بناء الصين خط سكة حديد سريع في إيران، وتحديث مفاعل «أراك»، وتشييد محطات كهروذرية صغيرة بقدرة لا تزيد عن 100 ميغاوط، بالإضافة إلى تحديث خط السكة الحديد طهران ــ مشهد. وجرى التوقيع بين بكين وطهران أيضاً على مذكرة للتعاون في إطار مشروعَي «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و «طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين». بعد زيارة الرئيس الصيني مباشرة، قام الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بزيارة ايطاليا وفرنسا. ووقع في إيطاليا 17 اتفاقية بمبلغ 17 مليار دولار، منها بناء خطوط لنقل الغاز، وتطوير صناعة المعادن، وتحديث مصافي تكرير النفط ومشروعات في مجال البنية الاساسية. ووقع روحاني مع الفرنسيين عقوداً بــ 15 مليار دولار، بينها تحديث مطار طهران وإنشاء شركة مشتركة لسيارات «بيجو» في إيران، وشراء 114 طائرة مدنية لنقل الركاب من شركة «ايرباص». وجرى التوقيع ايضاً على مذكرة مع شركة «توتال»، تشتري فرنـسا بموجبها حوالي 200 الف برميل نفط من إيران يومياً.

ويبدو أن إيران تنطلق في علاقاتها الاقتصادية المستقبلية مع مختلف الدول من منطلقات برغماتية بحتة، بعيداً عن العبارات والشعارات الكبيرة مثل «العلاقات أو الشراكات الاستراتيجية». فمثلاً، رفضت مؤخراً شركتان ايرانيتان عروضاً صينية بشأن مشروعات مشتركة بسبب أن الصينيين يمنحون قروضاً لتمويل هذه المشروعات بفائدة مرتفعة، ويشترطون أن يكون نحو 70% من المعدات المستخدمة في هذه المشروعات مستوردة من الصين. كما أن الآمال التي عقدتها روسيا على بيع طائرات الركاب الروسية «سوبر جيت 100» لإيران ليست في محلها، حيث فضلت طهران شراء الطائرات الأوروبية، وتعوّل على شراء 100 طائرة من شركة «بوينغ» الأميركية. وعندما يدور الحديث عن خسائر روسيا من جراء إلغاء العقوبات المفروضة على إيران، يتعلق الأمر عادة بعودة النفط الإيراني مجدداً إلى الأسواق العالمية، وما يرتبط به من احتمال فقدان النفط الروسي بعض أسواقه في أوروبا. غير أن خبراء يرون أن عودة النفط الإيراني لن تؤثر بشكل كبير على تصدير كميات النفط الروسي، ولكن التأثير سيكون عبر تخفيض أكبر محتمل لأسعار النفط عالمياً.

التبادل التجاري بين روسيا وايران يُقدر حالياً بنحو مليار دولار فقط، بينما هذا التبادل بين إيران والصين يبلغ أكثر من 50 مليار دولار، وكان هذا التبادل بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي في 2007 حوالي 24 مليار يورو. ويرى خبراء روس أن موسكو أضاعت «فرصة ذهبية» في السنوات السابقة لتطوير وزيادة التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري مع طهران، عندما كانت الأخيرة في أمس الحاجة لهذا التعاون بسبب العقوبات المفروضة عليها. ولذلك، ستُضطر روسيا وشركاتها في الوقت الراهن، بعد رفع العقوبات عن إيران، إلى خوض صراع تنافسي كبير من أجل الحصول على قسم من «الكعكة» الإيرانية.

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.