العرب وقود الحرب الغربية على إيران؟

موقع العهد الإخباري ـ
سامي كليب:

يجاهر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ حملته الانتخابية حتى اليوم بأن إيران عدوة وأنه لا يستبعد أي احتمال ضدها. في الوقت نفسه، يجول رئيس الوزارء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على أوروبا بعد اتفاقه مع سيد البيت الأبيض ضد طهران، ليشحذ الهمم الأوروبية ضد “العدو الايراني”. وهو لا يتردد في القول من قلب لندن التي تهجر الاتحاد الاوروبي للالتحام أكثر بأميركا “ان الدول العربية تنظر الينا كحليف ضد إيران”.

دعونا اذن نطرح السؤالين الأولين: هل عرفنا، نحن العرب، في كل تاريخنا الحديث إنصافاً في أية قضية عربية من أميركا؟ وهل تراجعت “إسرائيل” مرة واحدة عن سرقة فلسطين والاعتداء على الحق العربي منذ كثّف جزء كبير من النظام العربي صفقات الصلح معها منذ مدريد وأوسلو وصولاً إلى قمة بيروت؟

إليكم رقمان فقط: “إسرائيل” منذ أوسلو كثّفت المستوطنات ٦٠٠ مرة. ومنذ وصول ترامب أقرت ٦ الآف وحدة استيطانية جديدة. نعم ٦ آلآف في أقل من شهرين.

لماذا اذن علينا الاتفاق مع أميركا و”إسرائيل” على أن ايران عدوة لنا كعرب؟ هل لأن إيران تتدخل في الدول العربية؟ ممتاز.

دعونا نطرح سؤالا ثالثاً: هل ثمة دولة أطلسية واحدة في العالم وفي مقدمها أميركا لم تخترق دولنا طولاً وعرضاً منذ نصف قرن؟ وماذا نقول عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال لرئيس الوزراء العراقي وبكل وقاحة: إني سأدخل إلى العراق متى شئت وانت لست من مستواي حتى أكلمك. أهذا ياسمين مثلا؟ ام تدخّل سافر من العراق الى سوريا؟

اذا كان التدخل في الشؤون العربية هو البغيض، لماذا تحالف النظام العربي اذن مع أكبر المتدخلين في دولنا، أي أميركا، لتدمير العراق؟ ثم لتدمير ليبيا؟ ثم سوريا وقبلها لبنان مروراً بتقسيم السودان وضرب الجزائر؟

“إسرائيل” اجتاحت لبنان بغطاء أميركي. وها هي تنهب ما بقي من فلسطين بغطاء أميركي. لماذا لم يقم أي تحالف عربي أو إسلامي جدّي ضد “إسرائيل”؟ وانما اكتفى النظام العربي بالبكاء على حائط مبكى الامم المتحدة فكان يثير السخرية ليس إلا؟

لنلقِ الآن نظرة الى المتضرر الحقيقي من إيران:

– الجنرال الأميركي المتقاعد والقائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي وللقوات الأميركية في أوروبا ويسلي كلارك قال بوضوح منذ عام  ٢٠١١ أن الخطط الأميركية كانت تستهدف تدمير ٧ دول. يقول أن ضابطاً كبيراً في وزارة الدفاع الاميركية قال له: “لقد أرسلوا لي من مكتب وزير الدفاع مذكرة توضِّح كيف سندمِّر سبع دول في غضون سبع سنوات، بدءً من العراق ثمَّ سوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان وصولًا إلى إيران”.

– في وثيقة صادرة عن المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصالات والأبحاث (بيكوم) في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، يمكن أن نقرأ أنَّ “على الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما التنسيق من أجل: “لعب دور استباقي في سوريا لإطاحة نظام الأسد، بغية تفكيك محور التطرف بقيادة ايران”.

– في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 كتب مايكل هيرتزوع العميد المتقاعد في الجيش الإسرائيلي والمسؤول السّابق عن قسم التخطيط الاستراتيجي العسكري: “إنَّ سقوط الأسد من شأنه أن يوجه صفعة قوية لإيران وحزب الله والمحور الذي تقوده إيران بشكل عام”.

– الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قال لبوش (وفق ما كشف الكاتب الفرنسي فنسان نوزي) أن العدو الأول للغرب وأميركا هي إيران وبالتالي: “إذا حصلنا على زوال سيطرة سوريا على لبنان، فسوف ينهار النّظام السّوري بفعل نفسه. وينهار بالتالي القوس الشيعي من إيران إلى لبنان مرورًا بالعراق الجديد وسوريا وحين تأتي  الديمقراطية إلى الحكم بالسنة والمسيحيين الى سوريا، ستحدث فجوة هائلة فجوة في القوس الشيعي”.


العدو الأول للغرب وأميركا هي إيران

– السفير الفرنسي السّابق ميشال ريمبو يقول في كتابه القيم “عاصفة على الشرق الاوسط الكبير” أن بالنسبة لإسرائيل وحلفائها فان: سقوط سوريا هو سقوط رمز العروبة يعني تصفية القضية الفلسطينية وتطويق إيران”.

نجد هذا الهدف الايراني واضحاً في ما رواه الرئيس بشار الأسد في حوار مع قناة “الخبر” الايرانية. قال إن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي “كُلِّف من قبل إدارة جورج بوش بالتواصل مع سوريا… كان المطلوب مني في ذلك الوقت أن أقنع المسؤولين الإيرانيين بفكرة نقل المواد النووية إلى الدول الغربية لتقوم هي بتخصيبها وإعادتها إلى إيران… طبعًا من دون أيّ ضمانات وهذا الكلام كان مستحيلًا…”.

لنطرح الآن السؤال التالي: لماذا “إسرائيل” وأميركا والغرب الأطلسي يعتبرون إيران عدوة؟

كان شاه إيران الحليف الأول للغرب. شكّل هذا الغرب الأطلسي مظلة دولية هائلة لكي تكون إيران-الشاه، شرطي الخليج الفارسي بلا منازع. من يعود الى الوثائق البريطانية التي تم الكشف عنها قبل سنوات قليلة، يُذهل كيف كانت الدول الاستعمارية آنذاك وفي مقدمها بريطانيا نفسها تتفنن في رسم خرائط الخليج الفارسي والتلاعب بالقادة والامراء والعشائر والقبائل، وكيف كانت تعطي شاه ايران منذ هذه الدولة قليلا وتسترضيه من تلك الدولة بأجزاء منها… .

يجب علينا كعرب الاعتراف إذن بأن الأسباب الحقيقية لعداوة الأطلسي و”إسرائيل” لإيران لم تكن لأجل عيوننا أو حماية لأرضنا وانما لان ايران تهدد “إسرائيل” وتهدد المصالح الغربية في المنطقة.


 ايران هي شريكة استراتيجية لروسيا

 أين الخطر اليوم على العرب؟  

لم يُفلح الغرب الأطلسي بزعامة أميركا في لي أذرع ايران. طوقها وعاقبها أكثر من ٣٥ عاما. فطوّرت علومها وصارت في مصاف كبريات الدول في الإنتاج العلمي (وفق تقرير طومسون رويتر) وأوصلت الأقمار الصناعية الى الفضاء، وخصصت فقط في العام ٢٠١٣ اكثر من ٦ مليارات دولار للإنتاج العلمي، وطورت تكنولوجيا النانو وأنتجت صواريخ واسلحة دقيقة وخطيرة… .

هذا التطور الهائل والذي اُضيف اليه اكتفاء غذائي لا بل وتصدير بعض الحبوب بعد أن كانت تستوردها، وإنتاج أكثر من مليون سيارة سنويا… جعل الغرب الأطلسي و”إسرائيل” أمام احتمالين، إما ضرب إيران، أو القبول ببرنامجها النووي مع تشذيبه قليلاً، وفي الوقت نفسه محاولة قطع جسورها الى الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وحدود الكيان الصهيوني.. كانت النتيجة أن إيران ضاعفت وجودها، وطوّرت قدراتها وصار لها وجود أكبر بكثير في كل دول الجوار من العراق الى سوريا ولبنان مروراً باليمن (ولو بنسبة اقل بكثير) وصولاً إلى الجولان.

الآن دخلت ايران في منظومة عالمية أكبر بعد اتفاقها النووي مع الغرب. هي شريكة استراتيجية لروسيا. وتستعد لتطوير مبادلاتها التجارية مع الصين الى ٦٠٠ مليار دولار في السنوات العشر المقبلة.

دخلت إيران في منظومات إقليمية كبيرة وسوف تطور هذا الدخول أكثر في الأعوام المقبلة من منظمة شنغهاي الى الدول المشاطئة لبحر قزوين وصولا الى الحدود السوفياتية السابقة والصينية وآسيا.


..وتستعد لتطوير مبادلاتها التجارية مع الصين الى ٦٠٠ مليار دولار في السنوات العشر المقبلة.

كان لافتا مثلاً أنه في الفترة القصيرة الماضية التي أعقبت وصول ترامب الى البيت الأبيض، زارت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتوفينكو (وهي الشخصية الثالثة في روسيا بعد بوتين ورئيس الوزراء) طهران، واتفقت مع كبار المسؤولين على تطوير كل أوجه التعاون من محطات الطاقة النووية الى تعزيز حضور طهران في شنغهاي والمجموعة الاقتصادية الاوروبية الآسيوية. (بوتين نفسه ذهب الى طهران للقاء مرشد الثورة السيد علي خامنئي).

 في الفترة عينها قام وزير الدفاع الصيني بزيارة هامة جداً الى طهران لاستكمال بحث التعاون العسكري والدفاعي والإتفاق على اجراء مناورات عسكرية مشتركة للمرة الأولى في تاريخ البلدين، هذه سابقة مهمة جداً.


ايران طوّرت علومها وصارت في مصاف كبريات الدول في الإنتاج العلمي

 لنطرح السؤال الأخير الآن..

إذا كان ترامب يعتبر الصين العدو الدولي الأول، وإيران العدو الإقليمي الاول. فهذا يعني أن التوازن العلمي سيمنع أي اعتداء أميركي او إسرائيلي على ايران التي أصبحت حليفاً استراتيجياً للصين وروسيا في مناطق كثيرة من العالم.

إن بعض عقولنا العربية البسيطة للأسف، تعتقد ان التقارب مع “إسرائيل” في هذه المرحلة سيدفع اللوبي اليهودي في أميركا الى تحسين صورة بعض هذه الدول العربية ويدفع ترامب لمواجهة ايران. هذه العقول البسيطة تعتقد أيضا ان تركيا ستسير جنبا الى جنب هذه الدول العربية للقضاء على الدور الايراني في منطقتنا.

أنا شخصيا أعتقد أن أقصى ما يمكن ان يحققه العرب في هذه المواجهة، هو ان يتحولوا الى وقود أطلسية في نيران الحرب غير المباشرة على إيران وحلفائها، ما يعني اننا سنزيد الخراب والدمار والدماء في حروب الكبار.

وأنا شخصيا أعتقد ان “إسرائيل” كانت ولا تزال تعتبر أن تقسيم الدول العربية بما فيها السعودية نفسها، هدفاً استراتيجياً كبيراً، فمن يأمن “إسرائيل” هو إما جاهل أو ساذج او متآمر.

والصحيح أكثر هو أنه لا بد للعرب من ٣ أمور تفادياً لمزيد من الخراب العربي، ذلك أن المشكلة ليست في تصريح هنا وتمدد هناك، وإنما في جوهر من يدفع العرب وإيران الى العداء، وبالتالي علينا:

– أولا الخروج من مهزلة تصوير حرائق المنطقة على انها حرب سنية شيعية (لان الجميع سقط في هذا الفخ)

– ثانيا تشكيل فريق عمل عربي مشترك للحوار مع إيران والتوصل الى حل المسائل الخلافية بالحوار مهما كلّف الامر والتمهيد لتعاون إقليمي مثمر بدلا من العداوة السخيفة.

– ثالثا تأمين حماية جدية لفلسطين ولمن يقاومها بدل الصلح المُذل معها، لأن ترك فلسطين الجريحة والسليبة والمقهورة لوحدها، يعزز دور إيران في المنطقة العربية ولا يؤدي الى وهم تراجعه. فالشعوب العربية ومهما طوقتها الانظمة لا تزال شعوب مؤمنة بأن “إسرائيل” هي دولة ظالمة ومحتلة ومجرمة… .


ترك فلسطين الجريحة والسليبة والمقهورة لوحدها، يعزز دور إيران في المنطقة العربية ولا يؤدي الى وهم تراجعه

فمتى نخرج من الوهم، ونعرف ان العالم لم ينظر إلينا كعرب أكثر من مجرد أسواق لبيع السلاح، ومطايا لتأمين مصالح غربية، ووقود لحروب الآخرين على أرضنا. لاحظوا كيف هُرع الشركات الأوروبية إلى طهران بمجرد عقد الاتفاق النووي، وكادت في هرولتها الى هناك تدعس على كل من يعترض طريقها.

 فلنفتش إذن عن العدو الحقيقي.. وليقل زعيم عربي واحد: أنا سأقاتل “إسرائيل” وأحفظ كرامة فلسطين والعرب، حتى يهب كل العرب خلفه.

المصدر: موقع العهد

العرب ،وقود الحرب الغربية، إيران

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.