#الموصل : تحريض لحرف مسار التحرير

iraq-mosul-view

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

يبدو موضوع كتابة مقال جديد عن الموصل داخلاً في باب “لزوم ما لا يلزم” فالكتابات كثيرة، والكلام الذي يُقال يوازي الدم الذي يُراق على أطراف المدينة وفي محيطها.

ويبدو أمر الكتابة بمثابة “رجم بالغيب” عندما يصبح الحديث متمحوراً حول مصير المدينة ومحافظة نينوى بشكل عام. وليس المقصود المصير العسكري، فهذا بات محسوماً، وإن طال الوقت أو قصُر، فإن المدينة “باتت” خارج السيطرة الدموية لتنظيم داعش الإرهابي، هذا التنظيم الذي فرض هيمنته على المنطقة منذ أكثر من سنتين، وفي ظن قيادته أنه سيبقى فيها إلى الأبد.

إن تقديم صورة واضحة عن مصير المدينة بعد تحريرها هو الذي يدخل في إطار “التخبيص الاستراتيجي” عند البعض، حيث تُرسم الكثير من الخرائط في العديد من غرف العمليات، وفي دهاليز وزارات الدفاع في أكثر من عاصمة في العالم، في حين أن الوقائع على الأرض وحدها هي التي ستحكم مصير المدينة، وهي التي ستضعها في يد هذه القوة أو تلك من “القوى الحاكمة” في المنطقة.

إذاً، الحديث في هذا المجال قد يبدو سابقاً لأوانه، لا بل هناك من يراه كنوع من أنواع “تفسير المنامات” والضرب بالرمل، بانتظار أن ينكشف الغبار، وتثبت الأوضاع في المنطقة المستهدفة على حال. وكل ما يُقال اليوم، ويُكتب ويُنشر ويُذاع قد لا يساوي قيمة قذيفة واحدة من عشرات الآلاف من القذائف التي تدوّي أصواتها في الميدان.

ما ينبغي التوقف عنده الآن هو هذه الحملة الإعلامية الشرسة التي تُشنّ على الموصل، وأهل الموصل، والباذلين الدم لتخليص الموصل من الكابوس الذي يخنقها، كابوس داعش وأشباه داعش من الميليشيات التي تهين الموصليين وتسلبهم حريّتهم وأمنهم واستقرار مدينتهم ومحافظتهم.

هي حملة تتوسل أبشع أنواع الدسّ الرخيص، وتستخدم أدنى معايير الخطاب الطائفي والمذهبي، وتلعب على وتر المنطقة والقبيلة والشارع والحي، كي تفتّ في عضد المهاجمين، وتحطم معنوياتهم، وتحبط سعيهم لاستكمال تحرير المدينة.

وإذا أخذنا وجهاً واحداً من وجوه هذه الحملة، لوجدنا أن سلاح المذهبية هو من أبرز الأسلحة التي يشهرها هؤلاء الذين يشنون حملتهم ضد محرري المدينة، وشعار هذه الحملة: ميليشيات من مذهب معيّن تهدد المدينة التي يسكنها أشخاص من مذهب آخر.

إن إطلاق هذه الشائعة بات منتشراً بشكل كبير، وتعمد وسائل إعلام تابعة للمشاريع المعادية للأمة على ترويجها، كل يوم وكل ساعة وحتى كل دقيقة، وتستخدم لهذا الترويج كل ما تملكه من “منافذ”: الفضائيات، المواقع الالكترونية، الصحف والمجلات، وسائط التواصل الاجتماعي..

إن ما تقوم به الجهات المنظّمة لهذه الحملات مطابق تماماً لمبدأ “غوبلز” الهتلري: اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس.

إن نظرة واحدة إلى ما يجري على الجبهة كافٍ لدحض هذه الشائعة، ولجعلها بلا معنى. فمن يعمل على تحرير الموصل هو القوى العسكرية العراقية الرسمية، التابعة لدولة يشارك فيها الجميع، وكبار المسؤولين فيها هم من المذهب الذي يزعم الزاعمون أنه مستهدف في الموصل.

وإلى جانب هذه القوى هناك قوات البشمركة الكردية، والكل يعرف إلى أي مذهب ينتمي الأكراد.

وهناك أيضاً الحشد العشائري الذي يتبع بدوره إلى هذا المذهب أيضاً.

ويبقى هناك الحشد الشعبي، الذي لم يشارك في القتال حتى هذه اللحظة، ويقف على مشارف مسرح العمليات، كقوة إسناد واحتياط، وهو لم يقم حتى الآن بأي هجوم داخل منطقة الموصل.

هذه الحقيقة يعرفها القاصي والداني، والقريب والبعيد، والعراقي وغير العراقي، والميدان يشهد بها، ثم يأتي من يقول إن ميليشيات مذهبية تقتحم مدينة من مذهب آخر.

هذه جريمة حقيقية، جريمة إعلامية من الطراز الأول، تعتمد التحريض لتنفيذ سياسات فتنوية تضر بمصالح الشعوب وبمصالح الأمة والناس.

ولكن الجريمة الأكبر تتمثل في وجود من يصدق هذه الكذبة، ومن يقوم بالترويج لها، دون أي استناد إلى الحقائق والمعطيات والأرقام.

إن الشائعات التي تُرمى هنا وهناك هي جزء من تحضير المسرح لما يلي عملية تحرير الموصل، وهي خط من خطوط رسم مستقبل المدينة ومحافظة نينوى، لا بل رسم مستقبل العراق كله، ولذلك يعمل بعض “الرسّامين” إلى تشويه الصورة الحقيقية، ويدفعون باتجاه تداخل الخطوط وتعدد التوجهات، بهدف رسم صورة تناسب حساباتهم هم، بعيداً عن مصلحة المدينة وأهلها، ومصلحة المحافظة، داخل عراق واحد ديموقراطي لكل أبنائه.

إن هؤلاء اللاعبين الدوليين والإقليميين ذوو أجندات متعددة، فمنهم من يريد اقتطاع الموصل من جسد العراق لضمّها إلى سلطنته المزعومة، ومنهم من يريد الموصل قاعدة ينطلق منها الإرهاب باتجاه المحيط وفي كل الاتجاهات، ومنهم من يريد الموصل لقمة سائغة يبتلعها داخل إقليمه المتمدد، والكل يلعب على الأوتار المذهبية والعرقية من أجل تحقيق أهدافه.

إلا أن ما لا يعرفه كل هؤلاء أن هناك من يقف بالمرصاد لكل هذه المحاولات، فالشعب العراقي ـ بقواه وقدراته وحشوده ـ لا يمكن أن يسمح لهذه المشاريع التفتيتية والتقسيمية بفرض نفسها، وهو لديه مشروع محدد، هو مشروع العراق الواحد القوي، كما أن لديه من يدعمه، ويقف إلى جانبه، ويقدم التضحيات من أجل تثبيت خطواته، وبالتالي فإن كل الضجيج لا ينفع في حرف بوصلة التحرير والتوحيد عن مسارها، وصولاً إلى وطن لكل مواطنيه، وإلى ثروات توزع على كل العراقيين، دون تمييز.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.