النازحون السوريون: حماية دولية أو مراهنة على التوطين؟

 

قناة الميادين ـ
ليلى نقولا:

توتّرت الأجواء الدبلوماسية بين لبنان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بعدما قام وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل بوقف العمل بالإقامات الممنوحة لمسؤولي المفوضية، على أثر قيام موظفين من المفوضية بترهيب وحثّ النازحين السوريين المتواجدين في عرسال اللبنانية على عدم العودة إلى وطنهم الأمّ، بعدما كان هؤلاء قد سجلّوا أسماءهم وأعلنوا أنهم يرغبون بالعودة “طوعاً” إلى سوريا.

ولقد أعلن لبنان أنه كان في أوقاتٍ سابقة، قدّ نبّه المفوضية وحذّرها من القيام بمُمارسات تخالف سياسة الدولة اللبنانية التي تعتبر “أن لبنان ليس بلد لجوء، وأن الهدف الأساسي للحكومة اللبنانية هو تأمين عودة طوعية آمنة وكريمة للنازحين السوريين على الأراضي اللبنانية”، وقد اضطر إلى اتخاذ هذا الإجراء التصعيدي ضد المفوضية بعدما استمرت بتجاهُل المطالب اللبنانية، وحجَبت عن الأمن العام اللبناني لوائح أسماء النازحين السوريين، وخاصة وأنه الجهاز المُكلّف رسمياً بمهمة الإحصاء والتدقيق في أسماء المتواجدين على الأراضي اللبنانية من غير اللبنانيين والإشراف على دخولهم وخروجهم.

من هنا، ما هي معايير القانون الدولي المُنطبقة على هذه القضية، خاصة وأن بعض اللبنانيين انتقد ما حصل وطالب “المجتمع الدولي بفرض عقوبات على وزير الخارجية اللبناني”؟!

بالمبدأ، تمّ إنشاء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من قِبَل الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل “قيادة وتنسيق العمل الدولي الرامي إلى حماية اللاجئين وحلّ مشاكلهم في كافة أنحاء العالم… كما لتسعى لضمان قدرة كل شخص على ممارسة حقّه في التماس اللجوء والعثور على ملاذٍ آمنٍ في دولةٍ أخرى، مع إمكانية اختيار العودة الطوعية إلى الوطن أو الاندماج محلياً أو إعادة التوطين في بلدٍ ثالث”.

إن التعريف الوارِد أعلاه لمهام المفوضية، يشير بما لا يقبل الشكّ إلى أن المفوضية خالفت القانون الدولي في أمرين أساسيين، الأول أنها أنكرت على النازحين السوريين في لبنان حقهم في اختيار العودة الطوعية إلى بلادهم وهو في صُلب توصيف مهامها، والثاني إخلالها بمعيار أساسي وهو ضرورة تعاونها مع الدول صاحبة السيادة لتنسيق العمل لحماية اللاجئين وحلّ مشاكلهم، وليس لتنصيب نفسها منظمة فوق الدول وسيادتها.

قانونياً، إن المفوضية – وهي جزء من المنظمات العاملة ضمن إطار الأمم المتحدة – لا تتمتّع بأية سلطة تقريرية أو تنفيذية تسمح لها بالمسّ بسيادة دولة من الدول، وذلك انطلاقاً من (المادة 2/فقرة 7) من الميثاق والتي تنصّ على أنه ” ليس في هذا الميثاق ما يسوّغ “للأمم المتحدة” أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولةٍ ما”…

وبما أن لبنان قَبِل طوعياً عمل تلك المنظمة على أرضه، ولم يكن عملها مفروضاً على لبنان بطريقةٍ إكراهيةٍ بموجب الفصل السابع من الميثاق، هذا يعني أن المفوضية وجميع أجهزة الأمم المتحدة يجب أن تخضع لإرادة وتوجّهات الدولة اللبنانية في ما يخصّ السياسة المُتبّعة للتعامُل مع النزوح السوري وسواه.

ثانياً؛ يحق للدولة اللبنانية صاحبة السيادة وبموجب القانون الدولي للعلاقات الدبلوماسية، أن تُعلِن أي دبلوماسي أو عامِل باسم منظمة الأمم المتحدة “شخصاً غير مرغوب فيه” نتيجة عدم احترامه لقوانين الدولة المُعتمَد لديها، أو قيامه بالتدخّل في شؤونها الداخلية الخ..

ونشير في هذا الإطار، إلى أن للدولة سلطة استنسابية في هذا المجال وليست بحاجة لتبرير إعلانها هذا. على سبيل المثال، اعتُبر أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كورت فالدهايم وزوجته “شخصين غير مرغوب فيهما” في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، بعد اتهامه بحصوله على معلومات بخصوص جرائم حرب قام بها النازيون ولم يقم بما يلزم تجاه ذلك.

ثالثاً، إن المطالبة بفرض عقوبات على وزير خارجية لبنان لممارسته أمراً سيادياً بحتاً، هو أمر غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية ولا في القانون الدولي. وهو أمر مثير للاستغراب، إذ لم يسبق للأمم المتحدة أن فرضت عقوبات على دولةٍ سيّدةٍ أو على أيٍ من العاملين باسم الدولة لممارستهم حقاً من حقوق السيادة المكفولة في القانون الدولي وفي ميثاق الأمم المتحدة.

مع العِلم أن العقوبات الدولية المفروضة على دول أو كيانات أو أشخاص، تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، الذي يشير إلى أن الفعل المُرتَكب يُهدّد السلم والأمن الدوليين أو أنه عمل من أعمال العدوان. أما العقوبات الفردية التي يفرضها مجلس الأمن على الأفراد والتي تتجلّى بمَنْعِ السفر وحجز الأموال، فهي تصدر بقرار من مجلس الأمن بحق مجرمين متّهمين بالإرهاب، أو بجرائم دولية كبرى وهذا أبعد ما يكون عن تصرّف وزير الخارجية اللبنانية الذي يُطبّق القانون الدولي ويحثّ على احترامه ولا يخالفه.

في النتيجة، إن تصرّفات المفوضية وتصريحات بعض الدول الأوروبية باتت تثير الشكوك والقلق بأن هناك مُخطّطات قد تؤدّي إلى أن يكون مصير النازحين السوريين كمصير اللاجئين الفلسطينيين الذين استغلّهم بعض اللبنانيين لمآربهم السياسية الداخلية، ولم تنفعهم قرارات دولية ولا مساعدات في تأمين حياة كريمة ولائقة لهم ولأطفالهم خارج وطنهم الأمّ.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.