النظام العالمي الجديد

majida-raya-iran-revolution

موقع إنباء الإخباري ـ
ماجدة ريا:

عام 1989 كان عمر الجمهورية الإسلامية في إيران يحسب بالسنوات.

يومها وفي إحدى المحاضرات قال لنا دكتور مادة القانون الدستوري إن في العالم نظامين أساسيين هما: النظام الرأسمالي والنظام الإشتراكي، ولكن هناك نظاماً مستجداً ألا وهو نظام “الجمهورية الإسلامية” الذي أوجدته إيران. حتى الآن لا يمكن أن نطلق عليه اسم نظام من الأنظمة العالمية، إلا إذا أثبت فعاليته وبقاءه للسنوات القادمة، فهو ما زال في مرحلة إثبات الوجود.

لا زال كلام ذلك الدكتور ماثلاً أمامي رغم مرور حوالي ثلاثة عقود من الزمن. لا أنكر أنني من عشّاق هذا النظام، وهذه الثورة منذ بداياتها.

منذ أن انتشر فكر ذلك الإمام العظيم ـ وأعني به الإمام الخميني (قد) ـ اخترق عالمنا، وتغلغل في حنايانا، فشعرت بالإعتزاز في داخلي، أن هنالك مولوداً جديداً يستحق الإهتمام من العالم، وأنظار العالم متّجهة إليه: هل سيعيش؟ هل سيبلغ السن الذي سيُعترف به دولياً؟

في حينها راودتني تلك الأسئلة، لكنني كنت على يقين أنّه بإذن الله سوف يستمر، لأنّه ليس كباقي المواليد، فهذا النظام وهذه الثورة المباركة ولدا من فكر وضّاء منير ومستنير، وترعرعا من دماء الشهداء، فتباركا واكتسبا صبغة إلهية جعلتهما تتمايزان عن غيرهما من الأنظمة السائدة، فهما ليستا تقليداً، ولا شيئاً متعارفاً عليه، بل نوع جديد وابتكار جديد يتماشى مع العصر الجديد.

فمنذ سالف العصور والبشر يجهدون في اختبار الأنظمة الملائمة، ورسا العالم على هذين النظامين الأساسيين: الرأسمالي والإشتراكي، وبعض الدول تخلط بينهما، وهذا يطغى على ذاك، أو ذاك يطغى على هذا. لكن النظام الذي ابتُكر في إيران هو نظام من سنخية جديدة، يتوافق مع المفاهيم الإسلامية، في حلّة جمهورية تتماشى مع متطلبات الحكم في عصرنا الحالي، وهذا ما لم يكن معروفاً ولم يطبّق بعد في أي من البلدان. ‎

للتمييز بين طبيعة الدستور الإيراني وغيره من الدساتير، أورد قولاً للدكتور عبد الله سالم في دراسة له حول هذا الموضوع يقول: “جاء الدستور الإيراني ليعطي فكرة متطورة عن أسلوب الحكم في الإسلام، بعيداً عن ذهنية السلطنة أو المملكة أو الإمارة، وإنما من خلال المنهج الديمقراطي، والانتخابات الدورية، والاستفتاء العام. فقبول هذا الدستور بمبدأ تداول السلطة على صعيد رئاسة الجمهورية، وبمبدأ مجلس الشورى الإسلامي المنتخب من الشعب، أوجد القدرة على الجمع بين الإسلام والمفاهيم الديمقراطية التي نادى بها المفكرون في الغرب، فأصبح سهلاً تنقية المجتمع الإسلامي من الشوائب الفكرية الغربية السيئة، وإعطاء صورة لمجتمع ديمقراطي قائم على المفاهيم الإسلامية الخالصة.”

وللدستور الإيراني مميزات أساسية مثّلت مكامن قوّة بالنسبة إليه، ففي مواجهة الهيمنة والإستكبار العالميين، كان الدستور الإيراني يؤكد على نقاط مهمة ألا وهي:

“الدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وحق جميع شعوب العالم في الاستقلال والحرية، على أن الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم.”

وعلى قاعدة الحديث النبوي الشريف الذي يقول: “من لم يهتم بأمور المسلمين ليس منّا”، كان من أسس الدستور الإيراني الإهتمام بالبعد الإنساني ودعم المستضعفين والمضطهدين على مستوى العالم، وعلى رأس ذلك دعم القضية الفلسطينية المحقة.

وبذلك تكون الجمهورية الإسلامية في إيران من أولى الدول التي واءمت بين التشريعات الإسلامية والتشريعات الحديثة بقالب يحفظ للمجتمع كينونته العصرية بعيداً عن وجوه الهيمنة والتسلط.

ويؤكد الدستور الإيراني في مقدّمته على الوجه الإسلامي لهذا النظام بحسب ما جاء في مقدّمته:

“وحيث إن بناء المجتمع يعتمد على المراكز والمؤسسات السياسية القائمة على التعاليم الإسلامية، فإن الحكم وإدارة شؤون البلاد ينبغي أن تكون بيد الأشخاص الصالحين ﴿… أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾. ويجب أيضاً أن يتم التشريع في ضوء القرآن والسنة حيث يبين هذا التشريع الأسس اللازمة لإدارة المجتمع، وعليه فإن من المهم والضروري جداً الإشراف التام والدقيق عليه من قبل العلماء المسلمين المتصفين بالعدالة والتقوى والالتزام (الفقهاء العدل)”.

سنة بعد سنة، وعمر النظام يزيد، ويمتد عبر الزمن، وبات اليوم يناهز الستة وثلاثين عاماً، وسنة بعد سنة أتساءل هل بلغ العمر المطلوب ليقرّ ضمن الأنظمة العالمية؟

لقد قدّمت الجمهورية الإسلامية في إيران نموذج نظام حكم إسلامي يحتذى به، وهو ما يجب الإلتفات إليه من قبل العالم أجمع، وخاصة الدول الإسلامية، فلربما تستفيد من هذه الخبرة التي باتت خبرة يعتدّ بها وهي تجربة لم تكن سهلة أبداً.

فمنذ أن قامت الثورة الإسلامية في إيران، ودمّرت عرش الشاه، انقلب العالم ، واستنفر وكأن ما حدث هو كارثة للعالم، في الوقت الذي يعتبر فيه هذا النظام هو الخلاص من قسوة باقي الأنظمة المتآكلة.

وأكثر من استشعر الخطر، هو الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تألُ جهدا في محاولة كسر شوكة هذا النظام الصاعد، خاصة وأنّ أول ما فعله نظام الجمهورية الإسلامية هو اقتلاع العلم الصهيوني واستبداله بالعلم الفلسطيني، وأنّه كان ـ ولا يزال وسيبقى ـ يعتبر إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها، وهي مدللة أمريكا، فاستعملت المكائد والحيل وكل ما استطاعت اختلاقه من أجل وضع العراقيل في وجه إيران، وذلك من أجل تحطيم هذا النظام الصاعد الذي سيؤثّر حتماً في موازين القوى العالمية، وسيحوّل الأنظار إليه إذا ما نجح في إثبات ذاته كنظام ناجع يمكن الإحتذاء به، ويمكن للدول اعتماده كنظام بديل عن الرأسمالية المتوحشة. ولكن مكروا ومكر الله والله خير الماكرين، وذهبت جهودهم أدراج الرياح، وانقلبت مكائدهم عليهم، وثبتت إيران، وثبت معها نظام الجمهورية الإسلامية، كنظام يعتدّ به.

منذ اللحظات الأولى حوصرت الثورة الإسلامية في ايران، وفرضت عليها الحروب، والعقوبات الدولية والعزلة، لكن هذا النظام كان بمثابة الشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وما كان لله ينمو، ثورة مباركة ترعرعت في ظل الله، وقامت بدماء الشهداء والتضحيات الجسام، فنمت وكبرت، وتطاولت حتى باتت في مصاف الدول الكبرى التي يحسب لها ألف حساب.

تجاوزت الثورة كل العقبات بعون الله تعالى، بصبر وثبات، وتطلعت برؤية نافذة وتخطيط دقيق للمستقبل، بحكمة ودراية تعاملت مع كل ما اعترض طريقها، ولم يكن ذلك بالأمر السهل، لكن توفيق الله ورعايته أوصلاها إلى هذه المكانة التي استحقّتها عن جدارة.

في هذا العام انكسرت تحدّيات الإستكبار العالمي، وأثبتت إيران نفسها دولة نووية في مصاف الدول الكبرى، وانتزعت حقها الذي أراد العالم منعه عنها، وأخرجت نفسها من الشرنقة التي حاصرها بها الغرب، وتعاملت معهم معاملة الند للند. في هذا العام بدأ عهد جديد ويمكن القول أن هذا النظام استحقّ عن جدارة لقب النظام العامي الناجح الذي يمكن أن يعتمد عليه في بناء الدول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.