الهروب التركي الى الامام!

turkey-army1

موقع العهد الإخباري ـ
بغداد ـ عادل الجبوري:

ينحصر الاجتياح العسكري التركي الاخير للاراضي العراقية، بحقيقتين اساسيتين، يمكن ان تشكلا مع بعضهما نقطة ارتكاز لاية قراءة تحليلية لما يجري على الارض، من حيث الخلفيات والدوافع والاهداف.

الحقيقة الاولى، هي ان هذا الاجتياح يبدو وكأنه هروب الى الامام، وتعبير عن ضعف وارتباك لدى صناع القرار السياسي التركي، اكثر مما هو خطوة تعكس قوة وتماسك مواقف انقرة في ظل بحر متلاطم الامواج من المشاكل والازمات التي تعيشها المنطقة، لاسباب وظروف مختلفة، لسنا هنا في وارد الخوض بتفاصيلها. والتي راحت تتمدد بسرعة ووضوح الى اوربا، وتقلق وترعب اميركا.

والحقيقة الثانية، هي ان دخول ثلاثة افواج مدرعة من الجيش التركي الى الاراضي العراقية، لا يعد الاول من نوعه، فتركيا اجتاحت الاراضي العراقية، عشرات او مئات المرات، خلال الاعوام الاثني عشر الماضية، تحت حجج وذرائع عديدة، أولها وابرزها، مطاردة متمردي حزب العمال الكردستاني التركي(P.k.k)، الذي يتخذ من جبال قنديل قاعدة له، فضلا عن امتلاكه مقرات وقواعد غير قليلة في مدن ومناطق مختلفة من الاقليم، واخرها تمركزه في قضاء سنجار بعد تحريره من تنظيم داعش الارهابي.

وعند التوقف قليلا عند الحقيقة الاولى، لا بد من الاشارة الى انه لم تبرز اية متغيرات ومستجدات على قدر من الاهمية والخطورة، يمكن ان تبرر لانقره الدفع بتشكيلات من جيوشها الى عمق الاراضي العراقية. وهذه بلا شك نقطة مفصلية، من الصعب بمكان تجاوزها او القفز عليها لمن يبحث عن جوهر الدوافع والاهداف.

حقائق خطيرة عن التواجد التركي في كردستان العراق

ولعل المتغير الاهم والابرز الذي واجه أنقرة، افرزه حادث اسقاط سلاح الجو التركي لمقاتلة روسية من طراز سوخوي-24 ، قبل اسبوعين فوق الحدود السورية-التركية، بدعوى أنها دخلت الاجواء التركية، وتم توجيه عدة تحذيرات ولم يستجب قائدها.

فحادث اسقاط الطائرة الروسية بدلا من ان يعزز وضع تركيا، تسبب في ضغط كبير جدا عليها من قبل موسكو، تمثل في جانب منه بزيادة زخم الحملات العسكرية على مواقع المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وفرض حظر على دخول البضائع والسلع التركية الى روسيا، والتوقف عن تصدير الغاز الروسي لها وفرض قيود وضوابط مشددة على دخول المواطنين الاتراك لروسيا، الى جانب رفض الرئيس فلاديمير بوتين الرد على اتصالات نظيره التركي رجب طيب اردوغان، ناهيك عن رفض اللقاء به على هامش قمة مؤتمر المناخ الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس اواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وبينما صرح اردوغان قبل عدة ايام بأن خسارة بلاده لمليار دولار من روسيا لن يؤدي الى سقوطها، اكدت مصادر واوساط اقتصادية دولية ان تركيا تكبدت حتى الآن خسائر تقدر بتسعة مليارات دولار بسبب الاجراءات العقابية التي اتخذتها روسيا ضدها في اعقاب إسقاط طائرة السوخوي-24.

ومن زاوية اخرى ينبغي ان نشير الى ان حزب العدالة والتنمية الحاكم، رغم نجاحه في الحصول على اغلبية مريحة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، الا ان زعيمه اردوغان بقي مقيدا ومحاصرا من جهات شتى، فهذا حزب العمال عاد لينشط بزخم اكبر من ذي قبل، وذاك الاتحاد الاوروبي يرفض مجددا انضمام تركيا اليه، وهؤلاء خصومه ومنافسوه يرفضون رفضا قاطعا تحويل نظام الحكم من برلماني الى رئاسي، وذاك تنظيم داعش الذي وجد في حكام انقره لقمة سائغة يبتزهم متى ما شاء ليضعهم باستمرار بين المطرقة والسندان.

وليس أمرًا مستغربا أ مستبعدًا ان يبحث الاتراك عن مهرب من الضغوطات التي يواجهونها، وهذا منهج ربما تكون قد سارت عليه السياسة التركية في مختلف مراحلها ومحطاتها، وافضل طريق واتجاه بالنسبة لأنقرة، يعد العراق من بوابته الشمالية الرخوة، والتي اعتاد الدخول والخروج منها كثيرا دون عناء ولا وجل ولا خوف.

ومن تلك النقطة، يمكن ان نتوقف ايضا عند الحقيقة الثانية.

وفي هذا الشأن صرح اكثر من مسؤول تركي رفيع المستوى، ومن بينهم رئيس الوزراء احمد داود اوغلو، تعقيبا على ردود الافعال العراقية الرافضة لاجتياح القوات التركية للاراضي العراقية، ان هناك توافقات وتفاهمات مع الحكومة العراقية، وهذا ما نفاه جملة وتفصيلا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتحدى الاتراك أن يعطوا أي دليل يثبت هذا الادعاء أو علم الحكومة العراقية بالقوات التركية المتواجدة قرب الموصل منذ اكثر من عام، كما أنه نفى علمه بأن تركيا تريد المساعدة والمساهمة في تحرير نينوى(الموصل) من تنظيم داعش الارهابي.

وعند التدقيق والتمحيص، يتضح ان الوجود التركي في اقليم كردستان غير قليل ولا شكلي. فمنذ عام 1993، أي بعد عامين من خروج الاقليم عن السلطة المركزية في بغداد بعد حرب الخليج الثانية والانتفاضة الشعبية، أُنشئت خمسة قواعد عسكرية تركية في الشمال بحسب ما يشير السياسي الكردي المقيم في لندن كاوه بيساراني.

كما أن حكومة الاقليم لا تنكر ذلك، فالناطق الرسمي باسمها سفين دزئي يقول “إن تركيا اقامت قواعد في كردستان ونينوى في اطار التحالف الدولي ضد الارهاب”، مضيفا انه “في اطار التحالف الدولي ضد إرهابيي داعش، أقامت تركيا أواخر العام الماضي قاعدتين لتدريب وتأهيل قوات البيشمركة في سوران وقلاجولان، وفي الوقت نفسه قامت بفتح قاعدة أخرى لتدريب القوات العراقية في محافظة نينوى”.

اضف الى ذلك ان صحيفة حريت التركية كشفت مؤخرا أن “اتفاقا أبرم مطلع الشهر الماضي بين رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني ووزير خارجية تركيا الذي قام بزيارة إلى أربيل على انشاء قواعد للقوات التركية في منطقة بعشيقة في الموصل تضم 600 جندي”.

وانقرة اليوم لا تقول “لم نجتح الاراضي العراقية عسكريا”، ولا تتعهد بالانسحاب، وانما تنفي على لسان رئيس الوزراء داود اوغلو، أن تكون قد وسعت عملياتها العسكرية شمال العراق بعد أن نشرت جنودا بالقرب من منطقة يسيطر عليها تنظيم داعش، وإن معسكر بعشيقة على بعد ثلاثين كيلومترا شمال شرق الموصل، هو معسكر تدريبي أقيم لدعم قوات المتطوعين المحلية التي تقاتل الإرهاب!.

والاخطر من كل ذلك ما تنقله مصادر خاصة عربية وكردية من الموصل عن حجم التواجد العسكري التركي، لا سيما في معسكر “زيلكان” في اطراف قضاء بعشيقة.

فالمعسكر المذكور تم انشاؤه في حزيران/يونيو الماضي، باشراف وتمويل تركي بالكامل، واوكلت مسؤولية ادارته لمحافظ نينوى السابق اثيل النجيفي.

ويضم المعسكر، مدرجا خاصا لهبوط الطائرات، وبعد ثلاثة اسابيع من انشائه استقر فيه أربعمئة جندي تركي، بينهم خمسة وعشرون ضابطا، وخمسة وعشرون ناقلة مدرعة، وثماني دبابات، ومئة وخمسون عجلة دفع رباعي، وستون ناقلة مدرعة (همر).

وتضيف المصادر الخاصة، أن لتركيا معسكرات وقواعد عسكرية عديدة في المناطق الخاضعة لهيمنة ونفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وتحديدا اربيل ودهوك، الى جانب المحطات والمراكز الاستخباراتية التي يتمحور عملها بالتعاون والتنسيق مع عدة اطراف، بعضها كردية، وبعضها تركمانية، وبعضها عربية، الى جانب تهيئة الظروف المناسبة للحصول على النفط المهرب من قبل تنظيم داعش بأسعار زهيدة جدا.

وهنا فإن المساومات والخدمات المتبادلة، هي التي تصيغ واقع العلاقات، وتحدد المسارات، فالحزب الديمقراطي الكردستاني، يتعاون مع الاتراك مقابل دعمه ومساندته في صراعه مع خصومه السياسيين (الاتحاد الوطني الكردستاين وحركة التغيير والجماعة الاسلامية)، والجبهة التركمانية تؤيد كل الخطوات والمواقف التركية مقابل حصولها على الدعم السياسي والمالي والاعلامي والمعنوي، وذاتها حكومة انقرة، لا تستخدم قواتها التي دفعت بها الى الاراضي العراقية لقتال داعش، لانها تحصل على النفط من الاخير بأسعار زهيدة، ناهيك عن اسباب اخرى، وهكذا.

والمتضرر الاساسي من لعبة المساومات هو الشعب العراقي، ومنع ذلك الضرر او الحد منه على اقل تقدير، يتطلب مواقف حازمة وحاسمة، موحدة ومتجانسة، مدروسة ومحكمة، واذا كان الخيار العسكري لا يجدي نفعا، لا سيما وان العراق غير قادر على فتح جبهات صراع عسكري، فإنه لا بد من تفعيل الخيارات الاقتصادية والسياسية والاعلامية والدبلوماسية تجاه تركيا، واستثمار عوامل الشد والضغط الاقليمي والدولي ضدها، وبغير ذلك فإن الجيوش التركية اذا تمركزت اليوم في اطراف الموصل، فإنها يمكن أن ترابط غدًا على حدود كركوك!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.