اميركا امام مشهد “ربيع دموي وتمرد مسلح” والشرارة من نيفادا

American-USA-Flag

شهد منتصف الشهر الجاري مواجهة نادرة بين قوى الأمن الإتحادية وبعض المواطنين بالقرب من مدينة لاس فيغاس، كادت أن تتطور إلى تبادل اطلاق النار يصعب التكهن بعواقبه الخطيرة. السلطات الأمنية ارسلت نحو 200 عنصر من رجالها مدججين بكافة أنواع الأسلحة “لفرض هيبة الدولة” على راعي بقر اعتاد ولفترة طويلة الرعاية والانتشار لقطيعه في اراضٍ تعود ملكيتها للحكومة الفيدرالية.

يملك مربي الماشية كلايف بندي نحو 300 رأس من الأبقار ورفض مراراً أوامر الهيئات الرسمية بالكف عن “استغلال” الأراضي العامة لمنفعته الخاصة. وجدت بعض الجماعات المتشددة عادة في رفض توسع وهيمنة السلطة الفيدرالية فرصتها لتبني قضيته ودقت الميليشيات اليمينية المسلحة ناقوس الخطر واستقدمت عدد من المواطنين رعاة البقر المتضامنين معه لنجدته، بعضهم امتطى ظهور الخيل والبعض الآخر أتى شاهرا سلاحه. ولم تمتثل الجموع لتحذيرات القوى الفيدرالية المتكررة بالانتشار والابتعاد، وشارف الفريقان على تبادل اطلاق النار، وسرعان ما تداركت القوى الأمنية خطورة الوضع وقررت الانسحاب دون خسائر للجانبين.كادت المواجهة ان تفلت من تحت السيطرة، واي اطلاق للنار كان سيتم الرد عليه باطلاق نار مماثل، وحشود رعاة البقر على اهبة الاستعداد والعزم للاشتباك مع القوى الأمنية، مما كان ينذر بحرب أهلية ضروس تشبه الى حد كبير اطلاق الرصاصة الاولى ضد القوات الملكية البريطانية عام 1775، والتي اشعلت حرب استقلال المستعمرات الاميركية عن التاج البريطاني.

العامل الغائب والمغيب عن المواجهة “المؤجلة” يتعلق بالثروة الباطنية لتلك الاراضي ومصيرها والاطراف المستفيدة منها، اذ تشير الدراسات الرسمية الى ان بداخلها مخزون هائل من النفط والغاز. وصفت هيئة البث التلفزيوني الكندية حجم المخزون بأن “النفط سيتدفق بسلاسة الماء.” الموقع الالكتروني الرسمي “لهيئة ادارة الاراضي” الاتحادية اوضح ان الهيئة “مسؤولة عن ادارة نحو 48 مليون فدان (194 مليون دونم) من الاراضي العامة الواقعة في ولاية نيفادا، والتي تشكل نسبة 67% من مجمل مساحة الولاية”.

كما اشارت دراسة حديثة اصدرتها هيئة “خدمة الكونغرس للابحاث” إلى انخفاض اعمال التنقيب عن النفط في الاراضي المملوكة للدولة الاتحادية طيلة خمس سنوات مضت، رافقها بطء في الاجراءات الحكومية لمنح تراخيص التنقيب على اراضيها للقطاع الخاص بنسبة 1 الى 10 تقريبا. واوضحت الدراسة ان هيئة ادارة اراضي الدولة استغرقت معدل 307 أيام للبت في اصدار الترخيص.

وعلى خلفية المواجهة المذكورة لا يستطيع المرء إلا استحضار أجواء الحرب الأهلية الاميركية، نظرا لتنامي الانقسامات الحادة في المجتمع واستعراض مناهضي السلطات المركزية اسلحتهم جهارا مما يؤشر على نضوج بعض عوامل الانفجار وربما باتت اقرب مما يعتقده البعض.

يشار في هذا الصدد بشكل خاص هبّة الميليشيات المسلحة على وجه السرعة توافدوا من مناطق متعددة من الولايات المتحدة لتوفير الدعم لراعي البقر كلايف بندي. ورابطت قواها المسلحة بالقرب منه متأهبة للاشتباك مع اي قوة أمنية مركزية قد تأتي مجددا، وهو الأمر المرجح، معززة بقوة اكبر واوفر تسليحا.

ردود الافعال المختلفة للمواجهة كانت متباينة وأشارت إلى مكامن الصدع في المجتمع الاميركي. ارض المواجهة كانت ولاية نيفادا، ممثلها في مجلس الشيوخ، هاري ريد، وصف الميليشيات المسلحة بأنها “مجموعة من الارهابيين المحليين”.

بالمقابل، ممثل الولاية عن الحزب الجمهوري، دين هيلر، وصفهم بـ “الوطنيين الأبرار”.

يشار أيضا إلى اطلاق النائب عن ولاية اريزونا المجاورة، بول غوسار، تصريحات مغايرة لقوى الأمن المركزية عقب زيارته مزرعة بندي والتي تتداخل حدودها مع أراضي ولايته.

وشدد غوسار على أن موطن القلق للسلامة العامة مصدره القوى الأمنية الاتحادية المشتركة التي هرعت لمواجهة المزارع/ المربي، الذي يعتبره غوسار ضحية لهيمنة السلطات المركزية على اراضٍ شاسعة في تلك المنطقة من اميركا.

واتهم غوسار الحكومة المركزية بالتمادي “والسيطرة ومصادرة الاملاك الخاصة .. وهي عديمة الثقة بمواطنيها”.

التدقيق في الجدل المثار حول القضية المذكورة يشير إلى أبعاد أوسع من قضية تخص فرد يربي الماشية وبعض مسلحي ميليشيات القوى اليمينية. فالمواجهة احيت الجدل المكبوت حول مصير الاراضي الشاسعة في الشطر الغربي من البلاد الخاضعة لسيطرة الدولة المركزية، عززه قدوم وفود “رسمية” من ولايات اخرى في المنطقة الغربية، اريزونا واوريغون، للتضامن مع راعي البقر بندي والتواجد على اراضي مزرعته. وحفزت المواجهة نحو 50 مسؤولا من 9 ولايات في الشطر الغربي الى عقد لقاء قمة في عاصمة ولاية يوتاه المجاورة، سولت ليك سيتي، نهاية الاسبوع المنصرم. رمزية مكان اللقاء ذات دلالة واضحة سيما وان نحو 67% من تلك الاراضي الشاسعة مصنفة في ملكية الدولة المركزية، وسبق لاولئك المسؤولين ان اصدروا احكاما مرتين بتقليص دور السلطة المركزية، واشنطن، وهيمنتها على الاراضي.

لقاء القمة المذكور جرى التحضير له مسبقا، وساهم توقيت تحرك القوى الأمنية في تسليط الضوء مجددا على مسألة الملكية في الشطر الغربي المترامي الاطراف.

في ذات السياق، تملك الدولة المركزية 62% من اراضي ولايتي الاسكا وايداهو، وما ينوف عن 81% من اراضي ولاية نيفادا، 48% من اراضي كاليفورنيا، 35% لولاية نيو مكسيكو، 42% لولاية اريزونا، 53% لولاية اوريغون، 29% لولاية واشنطن (اقصى غرب البلاد)، ونحو 48% من اراضي ولاية وايومنغ المجاورة. دأبت سياسة الدولة المركزية، منذ نحو 150 عاما مضت، على تسليم تدريجي للاراضي تحت سيطرتها وتعيدها للولايات المعنية، او للقطاع الخاص، او حتى بعض الافراد.

على ضوء الخلفية السابقة، يستطيع المرء تلمس مدى امتعاض وعمق درجة الاحتجاج لدى الولايات الغربية ومواطنيها.

مزرعة بندي في عين العاصفة

توخيا للدقة والموضوعية سنعمد إلى تحييد القضايا القانونية البحتة المتعلقة بالمواجهة على اراضي مزرعة بندي، والاكتفاء بالاشارة الى ان موقف كل من راعي البقر والقوى الأمنية المركزية اسهم في تأجيج المشاعر والتمترس خلف مواقفهما. اقر بندي من جانبه بأنه احجم عن دفع اية رسوم مالية للدولة لقاء بحث قطيعه من البقر عن الكلأ في تلك الاراضي.

في الجانب القانوني البحت، ان ارادت الجهات المركزية تحصيل الرسوم المستحقة لها تلجأ عادة الى اصدار أمر قانوني بالحجز على الممتلكات لحين تسوية القضية، وليس باللجوء الى ارسال قوى أمنية مدججة بالسلاح.

يشار في هذا الصدد إلى استصدار قوى الأمن الاتحادية قرارا قضائيا قبل بضعة اعوام يجيز لها التدخل واقصاء قطيع الابقار المملوك لبندي عن الاراضي الاتحادية.

في الخامس عشر من آذار/ مارس الماضي ابلغت القوى الأمنية الاتحادية السيد بندي عزمها بحجز قطيعه بالكامل تحت بند التعدي على ملكية الغير. واقدمت يوم 27 من الشهر نفسه على اغلاق نحو 322،000 فدانا (1,300,000 دونم) امام الاستخدام العام بغية حجز القطيع بكامله، رد بندي بسرعة اتصاله باعوانه ومؤيديه المنتشرين في عدة مناطق اميركية.

مؤيدو راعي البقر ينظرون بخفة الى النصوص القانونية، ويعتبرون ما اقدموا عليه يندرج تحت حقهم في العصيان المدني، ربما اقتداء بالمناضل الاسود مارتن لوثر كينج والمهاتما غاندي واحتجاجات “الربيع العربي.” واوضح عدد من اولئك المؤيدين لبندي ان فعلتهم تشكل بدء “ربيع اميركي،” اسوة بما روجته وغذته الولايات المتحدة من مواجهات دموية وتدميرية في الوطن العربي.

في الحيثيات، باشرت قوى الأمن الاتحادية اجراءاتها باغلاق الاراضي وحجز القطيع يوم 5 نيسان، سرعان ما تنادى مؤيدو بندي الى مساعدته والوقوف بجانبه في اليوم التالي.

في 9 نيسان/ ابريل اندلعت اشتباكات بين الطرفين اتسمت بالعنف، سعى المناوئون الى توثيقها بالصوت والصورة، وبث المشاهد على شبكات التواصل الاجتماعي، مما اسهم في انتشارها بشكل واسع ضاعف من عدد المؤيدين لبندي وحضورهم بالمئات الى محيط المزرعة. وما لبثت الجموع ان اقامت بعض الخيام وانشاء مركز احتجاج على الطريق العام المؤدي للمزرعة.

اندلعت المواجهة المباشرة الاولى يوم 12 نيسان/ابريل . وفي وقت لاحق من صباح ذلك اليوم اعلنت قوى الأمن الاتحادية عن نيتها تعليق جهود حجز القطيع واعادة فتح الاراضي المعنية لاستخدام العامة. بندي، من جانبه، شعر بقوة حلفائه ورفض تراجع القوة الأمنية مطالبا اياها باخلاء المنطقة بالكامل والافراج عن قطعانه من الابقار. القوة الرسمية آثرت عدم الرد على بندي مباشرة مما دفعه واعوانه من رعاة البقر الى امتطاء احصنتهم وامتشاق اسلحتهم والتوجه نحو مقر القوة الأمنية.

شاهدو عيان وصفوا لحظة المواجهة تلك بانها اشبه بمقطع من فيلم كاوبوي، أي بعض رعاة البقر يواجهون قوة أمنية رسمية والضغط عليها للتراجع واخلاء المكان.

حذرت القوة الأمنية مرارا الرعاة الآتين اليها بأنها مسلحة بقرار قضائي خطي ولن تتورع عن اطلاق النار ان استمر الرعاة بالتقدم. تجاهل الرعاة التحذير ومضوا باتجاه البوابة التي احتجز القطيع خلفها وتتواجد القوة الأمنية هناك ايضا. وتصاعدت حدة التوترات بين الطرفين لفترة وجيزة تأهب فيها الطرفين الى مواجهة قادمة لا محالة.

وما لبث ان انتصر العقل والمنطق لحقن الدماء وتراجعت القوة الأمنية ونزلت عند الطلب باخلاء الموقع والافراج عن القطيع. نقل شهود عيان عن عناصر القوة الأمنية بأن بعضهم ساورته الشكوك والخشية من اطلاق النار على مواطنين عاديين، فضلا عن مواجهتهم جمع بشري مسلح باستطاعته تبادل اطلاق النيران، وادراكهم ان تفاصيل اللحظة يجري توثيقها بالفيديو وتبث مباشرة على شبكة الانترنت.تجدون ادناه رابطين مستقلين لتلك اللحظات الحرجة في المواجهة واطلاق سراح قطيع البقر.

لم يتم حسم المواجهة، للحظة اعداد التقرير، بل امتدت لفترة اطول بالاشارة الى اعلان هيئة ادارة الاراضي عن نيتها التوجه مجددا للقضاء واستخدام السبل القانونية لازاحة قطيع الابقار عن تلك الاراضي. اما بندي ومؤيديه فقد حافظوا على مواقفهم السابقة معززين بقدوم محموعة اضافية من الميليشيات المسلحة لتوفير الحراسة والأمن.

الثورة تختمر

ما يفصل الطرفين عن الاشتباك المباشر هو مجرد وقوع أي خطأ أو حادث ليشكل صاعق التفجير، كما تدل التجارب التاريخية ان الامور تتدهور بسرعة نتيجة اطلاق السلطات المركزية النار على مواطنين. في الحالة الاميركية الراهنة، ربما ستشكل المواجهة مع بندي ذلك الصاعق الذي يقود الى التفجير، مع التشديد ان بندي ومؤيديه بعيدون كل البعد عن المضي باطلاق ثورة حقيقية.

المواجهة الجارية مع بندي ومؤيديه ما هي الا حلقة ضمن مجموعة حلقات مواجهة تجري في الشطر الغربي من البلاد، سبقها راعي بقر طاعن في السن في نيفادا ايضا، ريموند يوويل 84 عاما، ينتمي للسكان ال

صليين شغل منصب شيخ قبيلة “شوشوني” التي تقطن تلك المنطقة. آنذاك، استطاعت هيئة ادارة الاراضي الاتحادية الاستيلاء على كامل القطيع، والاستيلاء ايضا على قطعان اخرى مملوكة لعدد من عائلات القبيلة المذكورة كانت ترعى في اراضي “محميتهم” المغلقة ولا يجوز التعدي عليها – وفق تصنيف الدولة الاتحادية. كما ان تراث قبائل السكان الاصليين لا يكترث بالحدود المقامة والارض باتت ملكية جماعية لمنفعة الكل.

نكث السلطة المركزية بوعودها وتعهداتها للقبائل الهندية بات أمر يعاني منه كافة السكان الاصليين منذ وطأ المستعمر الاوروبي ارض “القارة الجديدة”.

وفي العام 1979 اصدرت المحكمة العليا قرارها بتأييد الدولة قائلة ان اراضي “المحميات الهندية” هي مناطق في عهدة الدولة، وبالتالي يسري عليها قوانين واجراءات هيئة ادارة الاراضي. يجادل السكان الاصليين، ومنهم قبيلة شوشوني، ان المعاهدات المبرمة مع الحكومة الاتحادية وصادق عليها الكونغرس بمجلسيه، تعطيهم الحق برعي ماشيتهم على تلك الارض. واضافت القبيلة انها لم تتخلى عن حقها في تلك الاراضي يوما ما.

جاهد شيخ القبيلة “يوويل” للدفاع عن حق اتباعه، توجه للسلطة القضائية ونجح في استصدار أمر يوقف بموجبه تعدي هيئة ادارة الاراضي على قطعانه، بينما قضت محكمة الاستئناف الفيدرالية لاحقا ببطلان قرار محكمة البدايات، وتوجه للمحكمة العليا اثر ذلك، ووقف امامها للطعن في قرار الاستئناف والتشديد على ان الهيئة تصرفت باخلاء قطعان الماشية دون سند قانوني وانتهاكا لعدد من الاتفاقيات المعقودة.

في المواجهة الاخيرة، اعرب الشيخ يوويل عن “اوجه الشبه” بين صراعه مع الدولة وصراع الراعي بندي، مضيفا أن حقه في الأرض يستند الى اتفاقية “روبي فالي” المعقودة عام 1863 التي اعترفت لقبائل الشوشوني رسميا بحقهم في استصلاح اراضي شاسعة بلغت مساحتها نحو 60 مليون فدان (243 مليون دونم) ممتدة في ولايات نيفادا وايداهو ويوتاه وكاليفورنيا.

واضاف “هناك سياق واضح لما يجري في الغرب بدءا من عقد التسعينيات، وربما اواخر عقد الثمانينيات، يدفعني للقول ان الاستيلاء على قطعان الماشية مناهض للقانون .. (وتجربة بندي) هي آخر مثال في تلك السلسلة. كما اوضحت مجموعة من مربي الماشية في ولاية نيفادا انه في سياق بلورة نيفادا بصيغة ولاية، خلال الحرب الاهلية الاميركية، تم الدفع بها على وجه السرعة الى مرتبة الاولوية لتنضم الى السلطة المركزية رافقها استصدار قرار فيدرالي تعد بموجبه الحكومة بيع فائض الاراضي المتبقية بعد تحديد المساحات المخصصة لانشاء القواعد العسكرية وسواها. استعجال الدولة في ضم ولاية نيفادا كان بدافع سيطرتها على مناجم الفضة الواسعة في نيفادا. وبناء عليه، يمضي اولئك، فان وضع هيئة ادارة الاراضي يدها على مساحات شاسعة في نيفادا يعد انتهاكا للنصوص القانونية.

اعتادت هيئة ادارة الأراضي على ممارسة وسائل الترغيب والتهديد بالقوة، وما جرى في نيفادا هو أحد الامثلة. وردت انباء مؤخرا تدل على نية الهيئة مصادرة نحو 90،000 فدانا (364،000 دونم) تمتد على الحدود المشتركة لولايتي تكساس واوكلاهوما مملوكة ملكية خاصة.

هب المدعي العام لولاية تكساس، غريغ آبوت، شكك بصلاحية هيئة الاراضي الاقدام على ما تنوي القيام به، مهددا برفع علم الولاية على السارية كرسالة لتذكير الهيئة ورمزيته باستقلال الولاية، وقاتلت لاجل ذلك عام 1835 وجهوزيتها لاعادة الكرة مرة أخرى.

تجدر الاشارة إلى ان آبوت سيترشح لانتخابات حاكم الولاية، وقد ارسل خطابا شديد اللهجة لمدير الهيئة، نيل كورنز، يطالبه بالرد على بضعة استفسارات تتعلق بمصادرة الاراضي. وحمل آبوت ادارة الرئيس اوباما مسؤولية التوترات قائلا “انها تنتهك القوانين الوضعية في هذا البلد .. وتجاوزت الخط الاحمر بحضورها لولاية تكساس والزعم بأن اراضي تكساس مملوكة للحكومة الاتحادية.” واضاف انه بموجب منصبه “كمدعي عام لتكساس لن اسمح ان يمر ذلك”.

وانضم حاكم ولاية تكساس عن الحزب الجمهوري، ريك بيري، الى حملة محاصرة هيئة الاراضي مطمئنا المواطنين انه “ياخذ على عاتقه وعدا بالتصدي والدفاع عن حقوق الملكية الخاصة في عموم ولاية تكساس”. تشتهر تكساس بانها موطن الكاوبوي ويتصرف مواطنيها بذات العقلية، مزيج من الغطرسة والاعتزاز بالذات، مما ينذر بصدام محتمل مع الاخذ بعين الاعتبار ان سلطة الهيئة مقيدة باستصدار أمر قانوني للقيام بمصادرة الاراضي.

وتجدر الاشارة ان الاتفاقية الموقعة بين “جمهورية تكساس” المستقلة والدولة المركزية التي بموجبها انضمت الى كنف الدولة نصت على تسليم كافة الاراضي العامة الى الولاية كشرط لانضمامها. كما ان توجهات انفصال تكساس عن الدولة المركزية تبرز بين الفينة والاخرى والتي ستتعزز قواها ان تمادت الدولة ونقضت الاتفاقية.

يمتد القلق من سلطات الدولة المركزية على حساب الولايات الى عدد من ولايات الشطر الغربي: اوريغون، وايومنغ، يوتاه، وكاليفورنيا؛ وكل منها تشهد نضوج الظروف الذاتية لاطلاق صاعق تحركاتها.

تباينات الدولة الاتحادية في تطبيق القوانين تثير خشية تتسع بين عموم المواطنين. على سبيل المثال، يرفض الرئيس اوباما بشدة الامتثال لبعض القوانين كقانون حماية الحدود، بينما يسارع الى تطبيق الاجراءات الخاصة بهيئة ادارة الاراضي. قانون حماية الحدود يهم ولايتي تكساس واريزونا، لصد اليد العاملة المتدفقة من المكسيك واميركا الوسطى، وكذلك كاليفورنيا. السلطات المركزية تعمد الى تطبيق انتقائي للقوانين والاجراءات السارية، مما يضع تماسكها محط تساؤل.

الاجواء العامة المشحونة في الولايات المتحدة، واتساع الفجوة الاقتصادية بين الشرائح الاجتماعية وتقلص حجم الشريحة الوسطى، هي عوامل بمجموعها قد تسهم في اطلاق صاعق انفجار الحرب الأهلية. اذ دلت احدث استطلاعات الرأي، اجراه معهد راسموسن، عقب تبلور المواجهة المركزية مع مربي الماشية، ان 54% من المواطنين يعتبرون الدولة المركزية مصدر تهديد لحرياتهم الشخصية بدلا من حمايتها، مقابل 22% يؤيدونها، وهي نسبة تشكل انخفاضا بنحو 30% عما كانت عليه الاوضاع في شهر تشرين الثاني من العام الماضي.

ومما فاقم نتائج الاستطلاع ان نسبة 37% من الناخبين المسجلين أعربت عن خشيتها من سطوة الحكومة الاتحادية، بينما اعتبر 67% منهم ان الدولة اختزلت دورها واضحت احدى مجموعات الضغط الخاصة، اللوبي، تسعى لتلبية مصالحها. بالمقابل، انخفضت نسبة المؤيدين لدور الدولة الى 19%. كما اتسعت الهوة بين اداء الدولة المركزية والتزامها بالاسس والقوانين الناظمة، اذ اعرب نحو 71% من الناخبين عن رأيهم بانه لو قدر “للآباء المؤسسين” العودة فنظرتهم للحكومة المركزية ستقول انها بيروقراطية كبيرة مترهلة.

صاغ معهد راسموسن أحد الاسئلة بحنكة مستندا الى الى النص الوارد في اعلان الاستقلال، الذي ورد فيه مصطلح “رضى المحكومين،” وطالب السؤال تعبير المستطلع عن رأيه، ان كانت الحكومة الاتحادية تحظى برضى محكوميها، واجاب نحو 66% منهم بالنفي. كما ورد في صياغة اعلان الاستقلال اشارة الى ما يتعين على المحكومين الاقدام عليه بممارسة حقهم في الغاء والقضاء على الدولة عند تيقنهم من سياستها المدمرة.

في هذا الصدد، ينبغي الاشارة الى ان النتائج المذكورة تطابقت مع استنتاجات مؤسسات اخرى لاستطلاع الرأي. وافاد معهد غالوب الشهير ان استطلاعه قبل نحو خمسة اشهر جاء بنسبة 72% من الاميركيين عبروا عن رأيهم بأن تضخم جهاز الدولة الاتحادية يشكل تهديدا اكبر لمستقبل الولايات المتحدة مقارنة بالعلاقة الثنائية المضطربة بين ارباب العمل والعمال. واوضح المعهد ان تلك النسبة بلغت اعلى مدى بين المواطنين منذ نحو نصف قرن من بدء طرح السؤال عينه كجزء من اسئلة الاستطلاع.

ما تقدم يدل بوضوح على عمق وحجم الاضطرابات الداخلية في اميركا، يفاقمها اداء اقتصادي مترهل عكس حالة الركود على الطبقة الوسطى من الشعب بينما لم تتضرر شريحة النخبة الحاكمة. البعد الاقتصادي هو حجر الزاوية في الاحتجاجات الجماعية كما تشهد بذلك التجربة التاريخية.

بروز الميليشيات المسلحة وتشبث نسبة معتبرة من الشعب الاميركي باقتناء السلاح، بما فيه اسلحة ومعدات مسرحها ميدان المعارك، يشكل ضلع المثلث المتبقي لانضاج صاعق التفجير. تشير التقديرات الرسمية لقطع الاسلحة المتوفرة بين ايدي المواطنين انها بنسبة 1:1 تقريبا. امام هذا المشهد يستطيع المرء التكهن بقتال شرس عند اندلاع الاشتباكات والتي قد تؤدي الى ضعضعة هيبة الدولة المركزية.

السلطات الفيدرالية تدرك انها امام حشد من الميليشيات المدربة جيدا مقارنة بالماضي القريب. واخذت علما بالسرعة التي حشدت فيها تلك الميليشيات قواها وتقاطرها الى نقطة الصدام، سيما وان بعض وحداتها تحتفظ بعلاقة وطيدة مع عناصر ذات خبرة عسكرية، لا سيما ممن خدم في العراق وافغانستان. لدى الميليشيات اجهزة اتصال متطورة ومعدات لوجستية تكفيها لإدامة الاشتباكات.

الميليشيات تبالغ باعدادها لا ريب، وتزعم ان لديها الآلاف من الاعضاء، بينما لا يتبقى منها مرابط بالقرب من مربي الماشية، بندي، لا يتعدى 50 فردا. بالمقابل، لا يجوز الاستهانة بسرعة تواجدها اينما تطلب الأمر.

الخشية الرسمية الأكبر ليس مصدرها تلك الميليشيات بحد ذاتها، بل للأعداد الضخمة من المواطنين التي تمتلك اسلحة بعضها مرخص به، والذين قد يهبوا على جناح السرعة لدعم اي حركة تمرد على الدولة. والإجابة على التساؤل ماذا بعد اندلاع الاشتباك لا تبعث على اطمئنان الأجهزة الرسمية.

أما وإن تتدهورت الأوضاع فهل سيلجأ المحتجون بالنزول الى الشوارع، أسوة بالتحركات الشعبية في بعض البلدان العربية، مضاف اليها قدرة نارية هائلة قد تطغى على ما يتوفر للحكومة.

مربي الماشية بندي استدرج، بوعي أو بدونه، للإفصاح عن هويته العنصرية خلال مقابلة صحفية اجرتها معه “نيويورك تايمز،” مؤخرا استخدم فيها مصطلحات مهينة فيها احتقار واذلال للسود الأميركيين، مما أحرج بعض مناصريه ودفعهم الى الابتعاد عن تلك التصريحات، وربما يغادر بعضهم مكان الاعتصام في الإيام المقبلة.اما مصير مسألة ملكية الاراضي فبقيت مؤجلة دون حل، يتعلق بالثروة الباطنية لتلك الأراضي ومصيرها والاطراف المستفيدة منه.

الميادين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.