بعد إيصاد الأبواب أمام اللاجئين.. الإمارات تقتص من السوريين

خبر لافت ضجّت به الصحافة والمواقع الإخبارية يتحدث عن إخراج أكثر من 50 عائلة سورية من الإمارات على وجه السرعة. خبر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، والسبب هو أن للإمارات خصوصية لدى الشعب السوري وخاصة فيما يتعلق بالأزمة والحرب الكونية الدائرة منذ سنوات.

انطلاقا من هنا سنحاول الإضاءة على هذه الخصوصية وقراءة ما وراء السطور (إن صح التعبير) والتذكير ببعض الحقائق الدامغة التي تنفرد فيها الإمارات دون غيرها من دول العالم.

لو تابع المشاهد العادي ضمن الرأي العام العالمي والعربي موقف الإمارات من الأزمة السورية لظن للوهلة الأولى أن الإمارات هي الداعم الأول (مع أشقائها الخليجيين) للشعب السوري وخاصة اللاجئين، والمدافع الأبرز عن حقوقه الإنسانية. بل ولظن هذا المشاهد أن السواد الأعظم من المهجرين واللاجئين السوريين لجأوا للإمارات أو لجاراتها من الدول الخليجية الأخرى وعلى رأسها السعودية. ولاعتقد أن المساعدات والغوث الذي يقدم للاجئ السوري في دول كلبنان أو تركيا أو الأردن يأتي من منظمات إنسانية إماراتية أو خليجية.

المضحك المبكي أن الحقيقة في مكان آخر، فقد اقتصر الدور الإماراتي خلال الأزمة السورية على دعم بعض الجماعات المسلحة في الداخل السوري ليس إلاّ. فالإمارات يا أعزاء لم تستقبل من اللاجئين سوى أغنياء سوريا، وأوصدت أبوابها بشكل كامل أمام استقبال اللاجئين الحقيقيين ممن هدمت منازلهم وباتوا بلا مأوى وهذا الأمر كان موضع انتقاد كثير من الجهات الدولية المتابعة لهذا الشأن.

أبقت الإمارات أبوابها مفتوحة لأصحاب رؤوس الأموال من التجار السوريين، وفرضت عليهم قيودا ومبالغ طائلة مقابل إعطاؤهم الإقامة. وكان من الواضح أن الهدف تجاري بحت من جهة وتخريبي لسوريا ومقدراتها من جهة أخرى، حيث ساهمت مؤسساتها في مساعدة التجار السوريين على تهريب أموالهم من سوريا فيما أوصدت الباب أمام اللاجئين الحقيقيين.

هنا يصبح من الجدير واللائق بنا أن نشير إلى دول أخرى ساهمت في الأزمة السورية بشكل مخرب، ولكنها لم توصد الأبواب أمام تدفق اللاجئين إليها ونقصد هنا أوروبا، فعلى رغم محاولاتها ضبط حركة تدفق اللاجئين إلى أراضيها عبر الاتفاق مع تركيا حينا وعبر تشديد قوانين اللجوء حينا آخر، بقيت ملتزمة بالحد أقل الممكن من المعايير الإنسانية التي تعتبرها أوروبا أساسية في قرار قبول اللاجئ من عدمه.

اليوم وبعد أن اقتربت الأزمة السورية من الانتهاء، وبعد أن أخلت الإمارات وأشقاؤها الخليجيون وعلى رأسهم السعودية ظهر المعارضة السورية وألزمتهم بقبول الاتفاق مع الحكومة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد بدأت الإمارات بإخراج السوريين المقيمين شرعيا على أراضيها وبأشكال معيبة ومذلة لهم.

نعم قد يقول البعض أنه من حق أي دولة تستضيف جالية دولة أخرى على أراضيها ولأسباب معينة أن تقوم بإخراجهم، ولكن هذا يتطلب توجيه تهم محددة وواضحة وليس على الطريقة الإماراتية التعسفية، حيث تقرر إخراج مجموعة من العائلات بكامل أفرادها دون تقديم أي توضيح أو مبرر لهذا الأمر. وهذا ليس جديدا على الإمارات فقد فعلت هذا الأمر مرارا في أوقات سابقة مع الجالية اللبنانية حيث أخرجت الكثيرين منهم بإنذار سريع يطلب ترك الأراضي الإماراتية خلال ساعات، كما أنها منعت إخراج رؤوس أموال هؤلاء ورفضت تقديم أي مبررات قانونية لذلك.

ومن اللافت أمر مهم جدا وهو أن الأسلوب الذي تعتمده هذه الدولة أمني بامتياز، حيث توجه التحذير للأشخاص وتعطيهم ساعات للخروج، وترفض أن تضع على جوازات سفرهم أي إشارة أو ختم يؤكد طردهم من الإمارات. يقول البعض أن الهدف من ذلك منع ملاحقة الإمارات في المحافل الدولية، حيث لا مستند يؤكد حقيقة طردهم إلا شهاداتهم الشفاهية.

الغريب أيضا والذي يثير الشك في حقيقة الخلفية الإماراتية من وراء القرار الأخير هو التهم الشفهية التي وجهت لبعض التجار السوريين بخرق الحصار الخليجي على قطر وتصدير بضائع إلى تلك الدولة عبر أساليب وطرق التفافية مهددين إياهم بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم في الإمارات. هذا الأمر يرفضه هؤلاء التجار جملة وتفصيلا، حيث يؤكدون أن هذا الأمر إنما للضغط عليهم ولمنعهم من التحدث إلى الإعلام وإبراز قضيتهم المحقة.

من الجدير الذكر أن معظم الذين تم ترحيلهم هم من المقيمين القديمين في الإمارات وليسوا من الأغنياء الذين قدموا إليها بعد بداية الأزمة. وهذا الأمر يؤكد وجود نية مبيتة للتضييق على السوريين من خلال مصدر رزقهم، حيث أن هؤلاء بمعظمهم يرسلون الأموال لعوائلهم داخل سوريا وفي دول اللجوء التي يعاني فيها السوريين الأمرّين.

الإمارات وما أدراك ما الإمارات هي مثال الدولة التي تعتاش على أزمات غيرها، فتغذي الأزمة لينتعش اقتصادها، وتستقطب الأغنياء لتنمية تجارتها، وتحتل أراض ومرافئ (اليمن) منعا لمنافسة اقتصادها. الحذر الحذر لتجار ورجال أعمال ظنوا أن حمايتهم في غير أوطانهم، سيصل اليوم الذي تبيعكم هذه الدول بأبخس الأثمان فاستدركوا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.