#تركيا لن تصير في حلف #روسيا ــ #إيران فماذا تصير؟

 

43c2d298-6259-485d-9027-6ed62c1fc01a

ناصر قنديل- صحيفة البناء

– ذهب الرئيس التركي رجب أردوغان إلى موسكو بعد شهر من التطبيع المتسارع لعلاقات مرت بقطيعة واختناق بلغ حد إعلان الحرب. وجاء التطبيع والقمة بعد تلبية أردوغان لشرط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاعتذار علناً عن إسقاط طائرة روسية من قبل مقاتلة تركية. وبقي أردوغان يماطل شهوراً قبل أن ينطق متلعثماً كلمة الاعتذار، مدركاً سلفاً أنها إعلان رضوخ وعجز عن تحمل تبعات القطيعة والعداء. وهنا يمكن فهم جوهر الأسس التي تقوم عليها العلاقات التركية الروسية بعد التطبيع. تركيا تيقنت من أنها على أبواب انهيار اقتصادي والغرب لا يفعل لها شيئاً، ووحدها روسيا تستطيع إعادة الحياة للقطاعات الحيوية المصابة بالشلل، السياحة والزراعة والمقاولات والمصارف، ولكل منها نصيب كبير من دورة اقتصادية محورها السوق الروسية كالزراعة والمقاولات أو الزبائن الروس كالسياحة والمصارف. وتيقنت تركيا من أن الانتظار الصعب والمكلف لحين تتعدّل موازين القوى ومحورها الحرب في سورية بلا طائل. فكل شيء يقول إن ما تملكه تركيا والحلف الذي تنتمي إليه بقيادة واشنطن هو تأخير النصر للحلف الذي تقف على رأسه روسيا ويقف إلى جانب الدولة السورية. وتيقّنت تركيا من أن ما تعلم أنها وسائل تعديل موازين القوى هي ما رسمته كإطار للعمل في سورية، بدءاً من دعم أطلسي وأميركي خصوصاً لإقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي داخل الحدود السورية، وتوسيع الاستثمار على متفرعات تنظيم القاعدة عسكرياً، وقد بان لها مع الأزمات التي وقعت فيها جراء هذا التقدم لخطوط التصعيد، أن خيار التدخل العسكري غير وارد لدى حلف الأطلسي الذي خذلها يوم التصادم مع روسيا، وأن الاستثمار على القاعدة دون حضور عسكري يطغى عليها لقوات أطلسية وتركية يعني تسليمها قاعدة انطلاق سيدفع ثمنه الجميع بدءاً من تركيا نفسها. وجاء الانقلاب ليعزز يقين القيادة التركية أنها تقلع شوكها بأيديها، وأن حلفاءها ينتظرونها على الكوع، سواء كوع حقوق الإنسان، أو كوع الشماتة بالتعرض للمخاطر، أو كوع التلويح بتخفيض مستوى العلاقات والتعاون. والقيادة التركية التي تدرك أنها فعلت ما فعلت سيراً وراء أحلامها بالعثمانية الجديدة وتلاقت مع مشروع غربي كبير لإطاحة سورية، باتت تدرك أن الغرب تعامل معها كشريك مضارب، يربح إن ربحت، وينسحب ويتركها وحيدة تتحمل الخسارة إن خسرت، بل يهمهم بالقول نستعمل جنون أردوغان وإغراءه بالدور الكبير فيستنفد قواه فإن فاز نقطف انتصاره وإن خسر فنحن من سيجعله يدفع الثمن بانقلاب أو بسواه.

– بالمقابل لا أوهام في موسكو وبالتأكيد لا اوهام في طهران ولا في دمشق ولا في حارة حريك على انتقال أردوغان من ضفة في معادلات المنطقة إلى ضفة مقابلة، على الأقل بهذه السرعة والآن، بل إدراك أنه بدون تركيا لا حرب على سورية، يحركها الخارج ويمدها بأسباب الاستمرار، وإدراك مماثل أن ثمة ما يستحق بذل جهد على تعديل موقع تركيا يعادل الجهد الذي بذل مع واشنطن طوال سنوات وشهور، بخلفية السعي لتشبيك الحد الأدنى معها بالتشارك في مواجهة الإرهاب الذي بات يدق أبواب الغرب ويدكها، والسعي للفصل بينها وبين الفصائل التي ترتضي تشخيص الإرهاب كخطر داهم ومشترك للسوريين، وبينهم وبين العالم، وترتضي اعتبار الحرب عليه أولوية تتقدم على أولوية المواجهة مع الدولة السورية وجيشها، والسعي لإسقاط رئيسها، وإرتضاء تسوية تقوم على تشكيل حكومة ترعى التعاون بين السوريين وبينهم وبين العالم للحرب على الإرهاب وتمهّد بدستور جديد لانتخابات لا تستثني أحداً ترشيحاً ومشاركة بقدر من الرقابة والرعاية الأمميتين لما يكفي لتوفير ضمانات أوسع مشاركة وأفضل تمثيل، وأوسع اعتراف داخلي وخارجي بالنتائج. وهذا هو مفهوم مسار فيينا ولاحقاً بيان ميونيخ، وقرار مجلس الأمن 2254، وتلازم الهدنة مع العملية السياسية، والفوارق التي ترجّح كفة الاهتمام بالمسار التركي بالتوازي من جهة، وبالتناوب من جهة أخرى، مقارنة بالمسار الأميركي كثيرة، فالزمن لا يحتمل برودة المناورات الأميركية مقابل حرارة الميدان ومتطلباته، خصوصاً مع موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبالمقابل العلاقات التركية الأميركية متوترة. وعلى ضفة موازية هذه لحظة تدرك فيها تركيا فرصتها لنيل مقعد ذهبي في التسوية السورية، وتحصل على بعض التعويض عن خسائرها من مراهنات تورطها وتقدمها في جبهات الحرب على سورية لسنوات.

– على طاولة الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب أردوغان نصوص تفاهمات موسكو التي أبرمت مع جون كيري، ليقرأها أردوغان ويسأله بوتين، هل تقدر أن تكون الشريك في تطبيق هذا التفاهم الذي لا تملك واشنطن قدرة إنكاره، وتهرّبت من تطبيقه بداعي الخوف من المزايدات الانتخابية، وتكون عراب الفصل بين المعارضة المرشحة للمشاركة في العملية السياسية، وكل من داعش وجبهة النصرة بجسمها القديم واسمها الجديد، وموسكو تتعهد بتحييد الجماعات التي تقترحها للهدنة والعملية السياسية من الاستهداف شرط خروجها من أي تشابك مع جبهة النصرة، وتضمن عدم قيام كيان كردي على حدود تركيا، وتخفيض درجة الخصوصية إلى الحد الأدنى، وتضمن تشكيل وفد معارضة للمفاوضات يتم التفاهم عليه، لعملية سياسية مهمتها ربط مصير الخلاف السوري الداخلي بصناديق الاقتراع، والسير لتشكيل حكومة تضم الأطراف المتفقة على أولوية الحرب على الإرهاب، بالتزامن مع السير في خط الحرب على النصرة وداعش، وتتوقع موسكو أن يكون جواب أردوغان سؤالاً مضمونه: هل لدى موسكو خارطة طريق للعب هذا الدور؟ وسيلقى الجواب القاطع بنعم كبيرة، فتقفل الحدود التركية السورية أمام كل إمداد بشري أو عسكري، ومن يلجأ إليكم يوضع دوره بتصرفكم تبلغونا عنه وتحت ضغط الحرب، سيتكاثر هؤلاء، وتقدمون لهم الحماية المشروطة بخروجهم من الحرب، وبعد إحداث تحول نوعي في مسار الحرب على النصرة، تصبح ساعة الخروج إلى العلن بمبادرة تتضمن الاتفاق مناسبة، وعبرها الدعوة لجنيف بوفد معارض جديد، وتتوقع موسكو أن يخرج لقاء بوتين أردوغان بالتفاهم على خارطة طريق يمنح أنقرة مقعد واشنطن في الشراكة حتى نهاية العام، فإن أحسنت كسبت وإن أخطأت تخسر وحدها، والتفاهمات الاقتصادية كلها ستبقى إنجازات يقدمها أردوغان للطمأنة الإعلامية، لكن دخولها حيز التنفيذ سيتم مع مطلع العام.

– في قلب خارطة الطريق الروسية توقيت وصيغة لتطبيع بين الحكومتين والجيشين السوري والتركي لتأمين الحدود، والتعاون الاستخباري، والتنسيق في الشأن الإنساني وملف النازحين، هذا ما قالته مصادر إعلامية روسية قريبة من الكرملين توصيفاً وتعقيباً بمناسبة زيارة أردوغان لموسكو.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.