النظام السياسي في اليمن .. الرقص على رؤوس الثعابين ـ الجزء الثالث

yemen-naserhosseini-research3

الفصل الثالث: أطراف التجاذب الداخلي
أ ـ المؤتمر الشعبي العام
ب ـ حركة أنصار الله (الحوثيون)
ج ـ القضية الجنوبية
د ـ التجمع اليمني للإصلاح
هـ ـ التيارات الإسلامية في اليمن

أ ـ المؤتمر الشعبي العام
هو تنظيم تأسس بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 24 أغسطس/آب عام 1982 معتمداً على إيديولوجية الثورة اليمنية عام 1962 م باعتباره الوريث لها والجيل الثاني للثورة، وتصنف أيديولوجية المؤتمر الشعبي العام ضمن الوحدوية القومية ويتبنّى ميثاقه الإسلام الوسطي. وللحزب مبادئ ستة تعبر عن الوحدة الوطنية كركن وأساس للوحدة القومية العربية والتنمية والديمقراطية والتسامح والوسطية. إضافة لمبدأ: “لا حرية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون حماية ولا حماية بدون تطبيق سلطة القانون”. وضم هذا الكيان السياسي حين تأسيسه تكتلات وتيارات سياسية، يسارية وقومية وإسلامية، تحكمه آلية تنظيمية واحدة تسمى “الميثاق الوطني”، وبذلك أخمدت حروب الجبهات الداخلية المتعددة، وشهد الشطر الشمالي حالة من الاستقرار السياسي.
ولد مؤسس التنظيم علي عبد الله صالح في 21 مارس/آذار 1942 في قرية بيت الأحمر، منطقة سنحان، محافظة صنعاء، لأسرة فقيرة، وعانى من مشقة العيش بعد وفاة والده (وفي روايات أخرى “بعد طلاق والديه”) في سن مبكرة. عمل راعياً للأغنام، وتلقّى تعليمه الأولي في “معلامة” (كتاب) القرية، ثم ترك القرية عام 1958 ليلتحق بالجيش في سن السادسة عشرة. التحق بمدرسة صف ضباط القوات المسلحة في 1960، وبعد ثلاث سنوات رقي إلى رتبة ملازم ثان، وشارك مع الثوار في الدفاع عن الثورة أثناء حصار السبعين، بعدها التحق بمدرسة المدرعات في 1964 ليتخصص في حرب المدرعات، ويتولى بعدها مهمات قيادية في مجال القتال بالمدرعات.
تعد فترة حكمه أطول فترة حكم لرئيس في اليمن منذ العام 1978م. وهو صاحب ثالث أطول فترة حكم من بين الحكام العرب الذين هم على قيد الحياة حالياً، وقد خرجت موجات عارمة من المظاهرات الغاضبة في كل أرجاء اليمن منذ منتصف يناير/كانون الثاني 2011، لإسقاط نظامه البالغ من العمر حوالي ثلاث وثلاثين عاماً، وكانت دعوات إسقاطه قائمة على اتهامه بجر البلد إلى التخلف والأمية والفقر والفساد.
تحققت الوحدة الاندماجية بين شطري اليمن في مايو/أيار 1990، وكان المؤتمر “الشمالي” الشريك الآخر مع الحزب الاشتراكي “الجنوبي” في تحقيقها، غير أنها لم تتم وفق أسس مدروسة، ما جعلها تشهد توتراً سياسياً حاداً بعد ثلاث سنوات من تحقيقها، انتهى التوتر بحرب صيف 1994م بين الجنوب ممثلاً بالحزب الاشتراكي وشركائه، وهم التيار الراغب بالانفصال عن دولة الوحدة، والشمال ممثلاً بالمؤتمر الشعبي وحلفائه، انتصر فيها الأخير وحافظت اليمن على بقاء وحدتها. ما دفع بالرئيس صالح وحزبه الحاكم إلى التعامل مع الجنوب كغنيمة حرب، وجرى إقصاء كوادر وقيادات الحزب الاشتراكي من مؤسسات الدولة، ونُهبت مساحات شاسعة من أراضي الجنوب، لصالح أفراد نافذين في الحزب الحاكم.
ولم يأبه المؤتمر الحاكم ورئيسه بنصائح الداخل وتقارير الخارج المتعلقة بتضخم الفساد وتزوير الانتخابات وغياب الشفافية، وتعطيل فاعلية القضاء، ما جعل المؤتمر الشعبي هو الحزب المتفرد بصنع قرارات الدولة، وتحديد سياستها (33).
المؤتمر السابع.. علامة فارقة
مثّلت مخرجات المؤتمر العام السابع للجمعية العمومية للمؤتمر الشعبي المنعقد في مدينة عدن في نوفمبر/تشرين الثاني 2005م علامة فارقة في مسيرة الحزب، حيث تنافس النافذون وشيوخ القبائل ورجال الأعمال على الترشح لعضوية اللجنة العامة (المكتب السياسي) للمؤتمر الحاكم، مدفوعين بقناعة أنّ المؤتمر هو حزب المستقبل، والأقدر في الحفاظ على بقاء مصالحهم، وأنّ الانخراط في قيادة هذا الحزب يعني المزيد من الكسب السياسي والتجاري، والتوسع في النفوذ الاجتماعي. وإزاء ذلك لم تضع اللائحة الداخلية للمؤتمر الشعبي نصاً تنظيمياً يحدد قوام أعضاء اللجنة الدائمة (اللجنة المركزية)، حتى تظل مفتوحة لاستقبال الوافدين والنازحين سياسياً من أحزابهم، والملتحقين بالمؤتمر الحاكم طمعاً في المال والجاه والنفوذ.
ومع ذلك يحتفظ المؤتمر الشعبي بميزته الفريدة بين الأحزاب السياسية اليمنية الفاعلة، وهي أنه يمنياً خالصاً في النشأة والمولد، فيما بقية الأحزاب السياسية: الناصري والبعث والاشتراكي والإصلاح “الإخوان المسلمون” كلها امتدادات لتيارات سياسية خارجية.
ولأن المؤتمر الشعبي خليط من تيارات سياسية متعددة جمعتها المنافع والمصالح، لم يكن بين أعضائه حساسية التراتب التنظيمي في تولي المواقع القيادية، فبمجرد إعلان الدكتور أحمد بن دغر الانشقاق عن الحزب الاشتراكي تمّ تعيينه عضواً في المكتب السياسي للمؤتمر، ولاحقا أسند إليه موقع الأمين العام المساعد، وسلفه في ذات الموقع عبد الملك منصور كان من قيادات الإخوان المسلمين قبل الوحدة، وتولّى طارق الشامي رئاسة الدائرة الإعلامية للمؤتمر عقب خروجه من حزب الحق، وهذا دليل على أن المؤتمر الشعبي لم يتقيد بأيديولوجيا معينة، ومنهج تنظيمي محدد.
باجمال.. الاستثناء في حياة المؤتمر
وكانت إحدى مخرجات المؤتمر السابع هي صعود رئيس الحكومة عبد القادر باجمال إلى موقع الأمين العام للمؤتمر الشعبي، خلفاً لمهندس سياسات المؤتمر خلال العقدين الماضيين الدكتور عبد الكريم الإرياني، وفهم باجمال من ترقيته الحزبية أن هناك نية لدى الرئيس صالح لعزله من رئاسة الحكومة، خاصة بعد تهديدات باجمال المتكررة، بإخراج “وثائق تكشف الجميع”، لذلك بدأ باجمال أولى خطواته الحزبية الجريئة بالسعي للفصل بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة.
وهذه الخطوة من الناحية السياسية والتنظيمية مهمة جداً، حتى يستقيم أمر المؤتمر الشعبي تنظيمياً، ويتم ترتيب صفوفه بعيداً عن طوابير المنتفعين والملتحقين رغبة في المال والوظيفة، وثانيها ترويض المؤتمر على العمل الحزبي والسياسي خارج مؤسسات القرار، فالمؤتمر حزب لا يعيش ولا يكسب سياسياً واجتماعياً إلا من خزينة المال العام والوظيفة العامة، ومن توجيه مسؤوليه لمؤسسات الدولة، ولو قُدِّرَ لخطوة باجمال أن تتم في 2007 لكانت أجدى وأنفع لمصلحة تماسك كيان المؤتمر.
لكن علي صالح -رئيس الدولة ورئيس المؤتمر وقتها- فهم أن باجمال أراد أن يوصل له رسالة مفادها أن حزبك يعيش على هيبة الدولة، ويقتات من مالها العام، وإذا فُصِلت مؤسسات الدولة عنه سينتهي ويتحول إلى حزب عدمي.
وما زاد من يقين صالح بنوايا باجمال تصريحات الأخير اللاحقة، والتي قال فيها: “أنا بنيت أحزاباً ودمرت أحزاباً”، في إشارة تهديدية منه إلى قدرته على تدمير المؤتمر الحاكم، وقد صدق في جزء من تهديده، فقد أفقد المؤتمر قيمته وقدرته على المناورة والكسب السياسي، من خلال أمرين؛ الأول: مضاعفة كمية الفساد المالي والإداري في حكومة المؤتمر، حتى تفشل في تحقيق برنامجها الانتخابي، وتتسع مساحة النقمة الشعبية تجاه الحزب الحاكم، وقد أشارت وثائق ويكيليكس إلى أن الدول والصناديق المانحة ضغطت على الرئيس صالح بضرورة عزل باجمال لما شكله من حالة فساد مرعبة داخل بنية الدولة اليمنية.
والأمر الآخر: عمل باجمال على تغذية المؤتمر بكوادر وقيادات فاسدة وفاشلة سياسياً، ومحروقة شعبياً، أمثال سلطان البركاني المحسوب على الرئيس صالح، والذي أتاح له باجمال مساحة أوسع للتحرك تنظيمياً، وعبد الرحمن الأكوع، وحمود عباد، ويحيى الراعي، أو تصعيد جيل الشباب المفتقرين للخبرة السياسية والتنظيمية إلى مواقع قيادية عليا أمثال يونس هزاع، وطارق الشامي، وعارف الزوكا، وحافظ معياد، وياسر العواضي. في مقابل ذلك تمّ إقصاء وتهميش جيل الخبرة والحكمة داخل المؤتمر الشعبي أمثال أحمد الأصبحي وعبد السلام العنسي ويحيى العرشي وصالح عباد الخولاني وحسين الحبيشي ومحمد الفسيل.
وزاد من نقمة باجمال تجاه المؤتمر بعد عزله من رئاسة الحكومة بطريقة مهينة، ففي أثناء اجتماعه مع أحزاب المعارضة اليمنية جاءته الأخبار من الصحفيين الحاضرين أن الرئيس صالح أصدر للتو قراراً بتكليف وزير الثروة السمكية الدكتور علي مجور بتشكيل حكومة جديدة. ولم يسترح الرئيس صالح من إزعاج باجمال إلا عقب إصابة الأخير بجلطة دماغية في أبريل/نيسان 2008 أثناء وجوده في سنغافورة لتسلم جائزة أبطال الأرض البيئية الممنوحة من الأمم المتحدة.
تداعيات حل المؤتمر
من العسير القول إنّ الثورة الشعبية اليمنية قد أطاحت بالمؤتمر الشعبي من السلطة التي ولد في أحضانها قبل ثلاثين سنة، وأنّ المؤتمر الشعبي قد أصبح محروقاً سياسياً، وما تبقّى من قيادته وقواعده ليسوا أكثر من “فلول”، وذلك لأن ثورة التغيير لم تكن مكتملة الأركان وناجحة مائة بالمائة، لأنها ثورة انتهت إلى تسوية سياسية بين طرفين، ولم تتمكن من إخراج صالح وحزبه الحاكم من المشهد السياسي نهائياً، وهذا ما جعل المؤتمر يحافظ على الحد الأدنى من تماسكه التنظيمي، رغم الهزات العنيفة التي تعرض لها أثناء ثورة التغيير، وانشقاق العشرات من قياداته.
وأي تفكير بحل المؤتمر الشعبي سيكون تأسيساً لمرحلة انتقامية ليس في مقدور اليمن احتمالها، بل ربما يقود حل المؤتمر إلى تصفية حسابات، وإراقة دماء، وإدخال اليمن في دوامة أزمات جديدة، فهذا حزب عمره ثلاثون سنة وله جماهيره وقواعده، وعملية استئصاله لا تعني غير السير وفقاً لسياسة الإقصاء والتهميش التي انتهجها صالح عقب انتصاره في حرب 1994، وهي سياسة قادته إلى خارج أسوار القصر الرئاسي (34).

ب ـ حركة أنصار الله (الحوثيون)

في تسعينيات القرن الماضي كان الحوثيون يقطنون بلدة صغيرة في محافظة صعدة شمال اليمن تدعى “مران”، ومع انخراطهم في الثورة التي أطاحت بالنظام السابق في العام 2011 حصد أنصار الله (الحوثيون) ثماراً سياسية كبيرة مكّنتهم من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني (مارس/ آذار 2013 – يناير/ كانون الثاني 2014)، مع أحزاب ومكونات يمنية مختلفة، وفي لجنة صياغة الدستور، وانتزاع مكاسب عديدة،
وفي 18 أغسطس/آب 2014 تظاهر الآلاف من أنصار الله في صنعاء احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود، وطالبوا بإسقاط الحكومة وتطبيق قرارات الحوار الوطني، وهدّد زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي بـ«رد عنيف»، إذا تعرض المتظاهرون لأي هجمات، متوعداً بإسقاط الحكومة إن لم يستجب الرئيس «هادي» لمطالبهم. وانتشر أنصاره المسلحون في أوساط المتظاهرين، ووقعت اشتباكات ومصادمات في عدد من أحياء العاصمة بين المتظاهرين وبعض المواطنين الرافضين للانضمام إلى المظاهرات، وأغلق الحوثيون جميع مداخل صنعاء أمام السيارات الحكومية وسيارات الجيش والشرطة، ومنعوها من الدخول إليها أو الخروج منها، كما تعهدت الحركة بالرد بكل الوسائل المتاحة، على أي هجمات جديدة على المعتصمين داخل العاصمة التي سيطروا عليها.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة منذ انطلاق الثورة اليمنية 2011، استطاعت الحركة الحوثية، تحقيق توسع وانتشار عسكري خارج معاقلها الأصلية في محافظة صعدة، وصل إلى خمس محافظات شمال اليمن، وأظهرت قدرة عسكرية صلبة تمكنها من خوض القتال في أكثر من جبهة في وقت واحد. وتطمح الجماعة إلى لعب دور سياسي قادم من خلال الحصول على حصة كبيرة في التشكيل الحكومي القادم، والمشاركة في صنع القرار السيادي للدولة، وتبرر ذلك بأن مؤتمر الحوار الوطني طالب في مخرجاته بفكرة “الشراكة الوطنية” بين مختلف الأحزاب والمكونات اليمنية.
النشأة والتأسيس
تعددت الآراء في تعريف الحركة الزيدية المعروفة بحركة أنصار الله وارتباطها السياسي بإيران، لكنها اتفقت إلى أنّ بداياتها الحركية تزامنت مع توجه السعودية إلى “توهيب” الطائفة الزيدية باعتبارها فرقة شيعية تعتبرها المدرسة الوهابية خطراً يجب مواجهته. كما اتفقت هذه الآراء على عدّها من أقرب الفرق الشيعية قرباً من السنّة.
ظهرت جماعة الحوثيين فعلياً عام 2004 إثر اندلاع أولى مواجهاتها مع الحكومة اليمنية، لكن جذورها تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي مع إنشاء “اتحاد الشباب” في عام 1986 لتدريس شباب الطائفة الزيدية على يد صلاح أحمد فليتة ردّاً على خنق الحريات، وتهديد العقيدة الدينية للزيدية، وتهميش مثقفي الطائفة.
وتصنف بعض المصادر الجماعة بأنها شيعية اثنا عشرية، لكن الحوثيين ينفون ذلك، ويؤكدون أنهم لم ينقلبوا على المذهب الزيدي رغم إقرارهم بالالتقاء مع الاثنا عشرية في بعض المسائل كالاحتفال بعيد الغدير وذكرى عاشوراء. وكان لبدر الدين الحوثي وهو من كبار فقهاء المذهب الزيدي، تأثير كبير في صياغة توجه الحركة التي اعتبرها لب الزيدية، وأن نسبة هذه الأخيرة إلى الإمام زيد بن علي نسبة حركية وليست مذهبية (35).
طالبت منذ تأسيسها باعتماد المذهب الزيدي مذهباً رئيسياً بالبلاد إلى جانب المذهب الشافعي، وبحق أبناء المذهب الزيدي في تعلم المذهب في الكليات الشرعية، وبناء جامعة معتمدة لتدريس مجالات علمية ومعرفية مختلفة، الأمر الذي اعتبرته السلطات اليمنية سعياً لإعادة حكم رجال الدين.
وقد ارتبطت نشأة المذهب الزيدي في اليمن بالأئمة الذين حكموا البلاد لعقود من الزمن؛ لذا لا يمكن فصل نشر المذهب الزيدي عن سيطرة الأئمة على مناطق اليمن، وتوسعهم فيها، قبل أن تطوي صفحتهم ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 (36).
أول تحرك مدروس للجماعة في العام 1982 على يد العلامة “فليتة” في محافظة صعدة والذي أنشأ في العام 1986 اتحاد الشباب، وكان من ضمن ما يتم تدريسه مادة عن الثورة الإيرانية ومبادئها، وفي العام 1988 تجدد النشاط بواسطة بعض الرموز الملكية التي نزحت إلى المملكة العربية السعودية عقب ثورة 1962 أي بعد سقوط دولة الإئمة وقيام الجمهورية، وعادوا بعد ذلك، وكان من أبرزهم العلامة مجد الدين المؤيدي، والعلامة بدر الدين الحوثي، ويُعد الأخير الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها.
وبدأ اتحاد الشباب المؤمن كمنتدى للأنشطة الثقافية، ثم شهد خلافات بين علماء الزيدية من جهة، وبين بدر الدين الحوثي من جهة أخرى، بسبب بعض آراء الحوثي المخالفة للزيدية، ومنها: «دفاعه المستميت ومَيله الواضح لمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وتصحيحه لبعض معتقداتهم»، فأصدر حينها علماء الزيدية بياناً تبرأوا فيه من الحوثي وآرائه، وعندها اضطر الحوثي للهجرة إلى إيران، وعاش هناك عِدة سنوات وازدادت قناعته بالمذهب الإمامي الاثني عشري، ثم عاد في 2002 إلى بلاده، لتدريس أفكاره الجديدة، ومعها بدأ يتصاعد الوجود الحوثي في اليمن (37).
وعلى النقيض من ذلك، يرى باحثون أنّ مؤسس الحوثية حسين الحوثي و “خلافاً لما هو سائد، ليس تابعاً للاثني عشرية القادمة من إيران أو لبنان، لأنه على خلاف كلي مع الفكر الإثني عشري الإمامي، وأبرز شاهد على ذلك هو موقفه الرافض بشدة لفكرة الإمام الغائب الثاني عشر، وتحذيره من إحلال المذهب الإمامي في اليمن، ويطالب السلطة السياسية بالتعامل مع الظاهرة الحوثية بوصفها ظاهرة مذهبية قديمة، حتى وإن تجلّت اليوم بصورة مختلفة نسبياً، لكن ذلك لا يحيلها إلى كيان غازٍ، فاقد الشرعية من الأساس، كونها في حقيقة الأمر امتداداً للمدرسة الزيدية (الجارودية)، التي كانت قائمة باليمن منذ قرون متطاولة” (38).
يعرّف الباحث علي عبد الله فضل الله الزيدية، بأنها ـ كمذهب ـ هي سنة الشيعة وشيعة السنة، فهم يتلاقون في العقيدة مع الجعفرية، وفي الفقه مع الأحناف. كما أنّ الزيدية تتضمن مدارساً متعددة واجتهادات متفاوتة، تقع على رأسها المدرستان الهادوية والجارودية. يضيف: مثّل السيد مجد الدين المؤيدي المدرسة الأولى، والسيد بدر الدين الحوثي الثانية. وقد وقعت بين المدرستين مناكفات تراجعت بعد وفاة السيدين، وتسلّم ابناهما عبد الملك الحوثي وحسين المؤيدي دفة المذهب. وتبدو الجارودية أكثر تصالحاً مع المذهب الجعفري، لكن كان للهادوية ثقل قبائلي وتاريخي غير سهل (قبيلة بكيل على وجه التحديد). وبالتزامن مع وصول علي عبد الله صالح (الزيدي السنحاني الحاشدي) إلى السلطة عام 1962 سعى السعوديون إلى ضخ الفكر السلفي الوهابي في ربوع اليمن «السعيد» كذراع نفوذ مضمونة في هذا البلد الذي يهدد، بتغيراته، الأمن القومي لآل سعود، فجاءت بمقبل الوادعي من أحضان جهيمان العتيبي إلى صعدة، بالتحديد، لمهمة واحدة وهي توهيب اليمن. كان الأمر مستفزاً جداً بأن يقوم السعوديون ببناء دار الحديث في دماج في معقل الزيدية التاريخية التي هزمت في الستينيات، وبنى السعوديون 1200 معهد لتخريج أصحاب الفكر التكفيري، بصمت، في ظل سياسة شراء ولاءات تضمنت لوائح رواتب لـ 60 ألف شخصية في اليمن (39).
بالمقابل، انتشرت مراكز تنظيم الشباب المؤمن، لتكون قبلةَ كثير من الطلاب القادمين إليها من مختلف المحافظات المعروفة تاريخيّاً بانتمائها إلى المذهب الزيدي الهادوي، ثم تجاوز الأمر محافظة صعدة إلى العديد من المحافظات والمدن، وبلغت أعداد الطلاب وفقاً لبعض التقديرات حوالي 18000 طالب، وسبعاً وستين حلقة ومركزاً، انتشرت في تسع محافظات يمنية بما فيها بعض المحافظات ذات الطابع الشافعي السني أو المختلط. ويبدو أن أحد العوامل الأساسية لقيام تلك المراكز، وفق تلك الأهداف، هو الرد العملي على التحدي الذي شكله قيام مركز (دماج) السلفي التقليدي في مديرية وادعة القريبة من مدينة صعدة، بإدارة الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي، رأس الدعوة السلفية في اليمن، مع ما يُعلم تاريخيّاً من كون منطقة صعدة تمثل كرسي الزيدي الهادوية في اليمن (40).
لقد كان اختراق السلفية الوهابية لمناطق صعدة وردة الفعل المصاحبة، سبباً إضافياً لعودة الروح للمذهب الزيدي. وكانت السلفية تتلقي الدعم من اليمنيين العائدين من السعودية، ومن المناطق السنية الشافعية. وكان من اعتنق الوهابية، حديثاً، من أنحاء صعدة ينشرون الدعوة لمذهبهم بحماس منقطع النظير. وبقيام الوحدة اليمنية في 1990، تلقت الوهابية المحلية في صعدة الدعم من حزب الإصلاح، شبه الإسلامي، الذي من خلاله، سرب نظام صالح التمويل للسلفية الوهابية ليخدم غرضين: زيادة تأثير ونفوذ نظام صالح في المنطقة، وممالأة السلفيين السنة، في صنعاء، الذين يمكن أن يكونوا سبباً للإزعاج (41).
تراجعت الزيدية إلى حدود قصوى، وباتت مهددة بالاندثار، فقد توهبت قبائل بكاملها كانت تنتمي سابقاً للخط الزيدي. وأبرز المتوهبين كان جزءاً كبيراً من قبيلة حاشد النافذة، وذلك على يد مشايخها من آل الأحمر. هذا الأمر دفع بمجموعة شبابية صغيرة لإنشاء «الشباب المؤمن» في عام 1987 لصد موجة الفكر التكفيري. انضمت هذه المجموعة، بعد الوحدة في عام 1990، إلى حزب الحق، ثم استقلت بقيادة حسين بدر الدين الحوثي بدعم من علي عبد الله صالح. كانت رسالة حسين الحوثي لجمهور اليمنيين عدداً من الملازم والدروس القرآنية. وقد تمكنت هذه المجموعة، رغم فقرها، من أن تعبّر عن طبيعة الشخصية اليمنية العفوية والعاطفية والمؤمنة والمقاتلة (42).
يرى الكاتب المعروف رضوان السيّد أنّ الإنبعاث الزيدي له أسبابه المباشرة وأخرى قديمة. الأسباب المباشرة تعود لما حدث في المناطق الزيدية في العقدين الأخيرين، وبخاصة في صعدة وذمار. فقد اجتاح السلفيون المتشدّدون تلك المناطق، واصطنعوا لأنفسهم مواطئ قدم فيها، واستطاعوا اجتذاب مئات الشبان من الزيدية. وما كانت السلطات اليمنية راضية عن ذلك، لكن تحالفها مع الإخوان طوال نحو العقدين من الزمان (الى حدود العام 1995) حال دون اتخاذها إجراءات فعّالة.
وقد كانت لتلك الهجمة على البنى التقليدية للمذهب الزيدي والمذهب الشافعي على حدٍ سواء، أن حدثت ردات فعل تمثلت في محاولة التصدي من طريق استحداث نهوض في بنى المذهب من جهة، وإنشاء حزب سياسي (حزب الحق بزعامة السيد أحمد الشامي)، والاستعانة بشيوخ الزيدية ذوي العلاقة الحسنة بالنظام مثل السيد محمد بن محمد المنصور، والمفتي السيد أحمد زبارة (الذي توفي قبل سنوات). وما كان ذلك كافياً طبعاً، لأن التقليد المذهبي نفسه كان يتآكل لدى الزيدية، كما لدى الشافعية الذين عانى تقليديوهم من السلفية والإخوان أكثر مما عانى الزيود. فالنزاع بين السلفية والزيدية أثار لدى الأخيرين نوعاً من العصبية الحامية للاختلاف الشاسع في التوجه، رغم الانفتاح المعروف عن الزيدية في الأصل. أما الشافعية فقد نازعتهم السلفية على “المشروعية”، المفروض أنها واحدة لانتمائهم معاً الى أهل السنّة. وقد فهم شباب الشافعية المتدينون أنهم بين أحد خيارين، إما الانتماء الى السلفية والإخوان فيجمعون بين “السنّة الصحيحة” والتجديد المشروع، أو أن يبقوا على تقليدهم المذهبي فيتهمون بالرجعية والجمود بل والابتداع لتغلغل المواريث الصوفية (عدو السلفية الأول) بينهم، وبخاصة في مناطق حضرموت وظفار.
بيد أنه كانت لدى الزيود مشكلة كبرى مع النظام الجمهوري، ما كان لدى الشافعية مثلها. فالزيدية هي المذهب الذي كان يحكم باسمه الأئمة على مدى نحو الألف عام. والمذهب الزيدي يتوافق مع المذاهب الشيعية الأخرى بحصره الإمامة في أهل البيت. لكنه لا يقول بالأئمة الاثني عشر، ولا بغيبة الإمام أو عصمته. إنما يشترط لصحة إمامة أولاد وأحفاد الحسن والحسين: أن “يخرج” الواحد منهم مطالباً بالإمامة (مثلما فعل زيد بن علي بن الحسين، والذي تسمّوا باسمه)، وأن يكون من أهل الاجتهاد. ولذلك فباستثناء نحو المئة عام من تاريخ الإمامة الزيدية في اليمن، كانت النواحي الزيدية من البلاد في حالة ثورةٍ دائمةٍ بسبب النزاع بين السادة أنفسهم (وكان أكثرهم حَسَنيين) على الإمامة، لأنهم لا يقولون بالتعيين المسبق للإمام من الله أو من “أهل الحلّ والعقد”، كما لا يقولون بوراثة السلطة. لكن استقرت السلطة في قرن الإمامة الأخير، كما سبق ذكره إذ توالى عليها ثلاثة أئمة من السادة من آل حميد الدين: والد الإمام يحيى، والإمام يحيى المشهور، وابنه أحمد المشهور أيضاً، والذي قامت ثورة الضباط الأحرار بمجرد وفاته عام 1962. ومع أن “السادة” بين الزيدية والسنّة كثيرون جداً باليمن شماله وجنوبه (حوالى المليون اليوم)، فقد كان المفهوم والمعروف أن “الخارج” مطالباً بالإمامة إنما يعتمد في “دعوته” لنفسه على تأييد القبائل الداخلة في المذهب له. وهناك تجمعان قبليان زيديان كبيران هما حاشد وبكيل (من همدان) ينتشران في هضاب شمال اليمن وسهوبها وصحاريها في ما بين عسير من الغرب والجنوب الغربي والى صعدة ونواحيها على الحدود السعودية تجاه أقاصي الشمال. وقليلاً ما استطاع الأئمة الزيدية السيطرة على مناطق السفوح والسواحل بشمال اليمن، حتى لو نجحوا في كسب ولاء الغالبية الكبرى لبطون وعشائر حاشد وبكيل. ولذلك فقد قامت حتى القرن الثامن عشر في المناطق الساحلية والجنوبية باليمن دول سنّيةٌ كانت على صراعٍ دائمٍ مع أئمة الهضاب. وعندما عاد العثمانيون الى اليمن أواسط القرن التاسع عشر عادوا من طريق الساحل، من طريق المناطق السنّية الشافعية، وهي مناطق كانت تهمُّ كلّ الذين يريدون السيطرة على اليمن بسبب الأهمية التجارية والاستراتيجية لتلك الموانئ (43).
الصراع مع السلطة والحروب الستة
بالرغم من استعمال الحكومة اليمنية لكل أساليب القوة العسكرية والوسائل المتاحة لها، فإنها لم تستطع طوال سنوات أن تخضع الحوثيين لسيطرتها. البداية، كانت في صيف 2004، عندما ابتدأت هتافات ضد الأمريكيين والإسرائيليين، في العاصمة صنعاء، لتدخل بعد ذلك في أطوار متلاحقة من الحروب تخللتها استراحات قصيرة. ونتج عن هذا الصراع خسائر فادحة لشمال البلاد، وتقدر أعداد الضحايا ما بين المئات إلى عشرين ألفاً، وأعداد النازحين تصل إلى مئة وخمسين ألفاً في مختلف أنحاء البلاد، بينما تمّ القبض على ثلاثة آلاف شخص بتهمة تأييد الحوثيين. وفي نفس الوقت، فان التعتيم على الأخبار والأنباء، يحجب معرفة مدى وحجم الدمار الذي لحق بمناطق الصراع (44) .
في الأساس، الصراع بين أسرة الحوثي ونظام صالح، ليس بين مجاميع قبلية مختلفة. وبالمثل، فانه في بدايات الصراع، وبالرغم من أنّ التمرد الحوثي كان نتيجة عودة الروح إلى الزيدية وتحت قيادة نخب زيدية كاريزمية، إلا أنها، لم تعلن معارضتها الصريحة وإنكارها لشرعية الحكومة اليمنية. كما أنّ هذا التمرد الحوثي لم يكن في بدايته، امتداداً لـ”الهلال الشيعي” العابر للأوطان والحدود.
في الواقع، هذا الصراع هو نتيجة تقاطع عاملي كل من عدم الرضي عن سوء الأحوال المعيشية ودعاوى الحفاظ على الهوية الزيدية، مع عامل أساليب مركز النظام في ممارسة الحكم و ترسيخ شرعيته. وبمرور الأيام، اكتسب الصراع أطيافاً جديدة من الألوان وظلال بسبب دخول العامل القبلي وبسبب مرارة الصراع والتحديات المعلنة، الأمر الذي جعل الوصول إلى حلٍّ، بعيد الاحتمال.
خلال كل مراحل الصراع، شكلت أسرة الحوثي رأس الحربة لمناوأة السياسات الداخلية والخارجية لنظام صالح، في شمال اليمن، ولهذا، سعت الحكومة إلى القضاء على الأسرة وتأثيرها في اليمن، كما استهدفت الأفراد والمجاميع والكيانات المتعاطفة معها (45).
في البدايات الأولى لتصادم الحوثيين مع السلطات، تزامنت مع أحداث الحادي عشر من سبتمر/أيلول 2001، حين لاحظ الرئيس علي عبد الله صالح أنّ السلفية ازدادت قوة في اليمن، فدعم حسين بدر الدين الحوثي بداية لإعادة إحياء النشاط الزيدي في صعدة على الأقل، وعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بدأ حسين بدر الدين الحوثي يظهر معارضته لصالح ويتهمه علناً بـ”العمالة” لأميركا وإسرائيل. وعندما توجه صالح لأداء صلاة الجمعة بأحد مساجد صعدة فوجئ بالمصلين يصرخون الشعار الحوثي:”الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، فاعتُقل 600 شخص فوراً وزجّ بهم في السجون، لأنّه بقدر ما كانت المعارضة للسياسات الأمريكية بقدر ما كانت ضد علي عبد الله صالح وحكومته. وقد وجد حسين الحوثي تأييداً من قبل السكان لنقمهم على الحكومة بالدرجة الأولى جراء الفقر والبؤس الذي تعاني منه صعدة، من غياب المدارس والمستشفيات ووعود حكومية كثيرة لم يتم تنفيذ أيّ منها، والذي جعل لحسين الحوثي أهمية عند صالح كانت خلفيته كزيدي استطاع تكوين قاعدة دعم شعبية في صعدة، معقل الأئمة الزيدية تاريخياً. أعاد الرئيس صالح دعمه السلفية وعينهم في مساجد صعدة عوضاً عن أئمة المساجد أتباع حسين بدر الدين الحوثي، وسجن عدد كبير من أتباع حسين بدر الدين الحوثي بل طال القمع أولئك المتعاطفين معه فقط. وأوقفت الحكومة المرتبات عن المدرسين المشاركين في الأنشطة التي نظمها الحوثي .(46)
وشكّل إنضمام اليمن للحرب الأميركية على الإرهاب نقطة لصالح الرئيس بشأن ترسيخ الديمقراطية، كونه حليف للولايات المتحدة في “حربها العالمية على الإرهاب”، ما وفّر له العوامل السياسية والعسكرية لقمع أي نشاط ضد حكمه بالقوة. داخلياً، حرص صالح على تماسك النظام من إحتمالية إنشقاق حلفائه، فزجهم في حروب ضد الحوثيين سيحول أنظارهم لخصم آخر بينما يتمكن صالح من تمهيد الطريق لتوريث ابنه أحمد رئاسة الجمهورية في هدوء، كان علي محسن الأحمر والدوائر الأمنية والإستخباراتية المرتبطة به ـ مقربون جداً من السعودية – متوجسة من العلاقات اليمنية الأميركية ومتعاطفين مع التنظيمات الجهادية وأكثرهم حماساً للتخلص من الحوثيين. والعديد من المحللين يشيرون إلى نزاع صعدة بـ”حرب علي محسن الأحمر”.
رأى صالح أنّ حسين بدر الدين الحوثي لم يكن شيخا قبلياً يستطيع مراضاته بالأموال، وأنّه لن يستطيع تحريك القبائل ضده، وبالمقابل تمكن الحوثي من بناء قاعدة دعم على أساس العداء لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وهو ما مكن الرئيس صالح من أن يستغل ورقة مكافحة الإرهاب لصالحه لتلقي الدعم الخارجي. كان من السهل على علي عبد الله صالح ضرب أي شرعية ابتغاها الحوثي باتهامه أنه يسعى لإسقاط الجمهورية وإعلان نفسه إماماً، فبهذه الطريقة يؤلب صالح النخبة المثقفة في صنعاء ضده ويمنعهم من إبداء أي تعاطف معه، وقد اتهمه بالعمل والتعاون مع إيران وصوّرهم بأنهم وكلاء للجمهورية الإسلامية أمام السعودية وفي ذلك كَسْبٌ لتأييد السلفية داخل اليمن لحروب علي عبد الله صالح ضدّ الحوثيين.
من وجهة نظر حكومة علي عبد الله صالح، فإن المشكلة لم تكن متعلقة بالشعار الحوثي بل بتخزين الحوثيين للسلاح والعمل على إسقاط الجمهورية ـ التي كان صالح ينوي توريثها لابنه أحمد ـ فكان لزاماً على الحكومة أن تقوم بدورها لحماية الدستور والتحفظ على من يخرجون على القانون وفقاً للحكومة اليمنية خلال تلك الفترة. أما الحوثيون فلديهم رواية مغايرة، مستشهدين بأمر من علي عبد الله صالح لمحافظ صعدة حينها يحيى العمري بإطلاق طلاب للحوثي سجنوا على ذمة ترديدهم للشعار الحوثي، وهو ما يعني أن حسين بدر الدين الحوثي لم يخرج عن القانون وكان يمارس حقاً طبيعياً مكفولاً له بقوة القانون والدستور، وأنّ الأميركيين ضغطوا على صالح لقمعهم، قائلين أنّ صالح لم يتعرض للإستفزاز ولم يمتلك المبررات القانونية لشن الحرب عليهم (47) .
الحروب الستة: لم يكن أحد يتصور أنّ مواجهات محدودة في قرية يمنية نائية ستتحول إلى حرب أخذت تتوسع يوما بعد آخر. وباستثناء الحربين الأولى التي انتهت بمقتل زعيم الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي، والرابعة التي انتهت باتفاق معلن رعته دولة قطر، فإن الحروب الأخرى كانت تنتهي باتفاقات غير معلنة، وكل طرف يدعي أنه المنتصر فيها، غير أنها من الناحية العملية كانت تشهد توسعاً لصالح جماعة الحوثي التي باتت في الحرب السادسة والأخيرة تسيطر على أغلب مديريات محافظة صعدة بعد ما كانت محاصرة في جبل مران في الحرب الأولى.
الجولة الأولى: في 18 يونيو/حزيران 2004 اندلعت الجولة الأولى بعد أن تحدثت مصادر حكومية عن مقتل ثلاثة جنود في مواجهات محدودة بين سلطات الإدارة المحلية في محافظة صعدة وأنصار “منتدى الشباب المؤمن” الذي يترأسه حسين بدر الدين الحوثي، مما جعل محافظ المحافظة يصدر قراراً بالقبض على حسين الحوثي. وعندما تحركت القوات المكلفة بالقبض على الحوثي نحو جبال مرّان على بعد نحو ثلاثين كلم جنوب غرب مدينة صعدة حيث تحصن الحوثي وأحاطت بالمنطقة، اندلع القتال بشكل رئيسي فيها، وكانت القوات تحسب أن العملية لن تستغرق سوى ساعات أو أيام قليلة إلا أنها سارت ببطء وسط مقاومة صلبة وضعت القوات الحكومية في موضع حرج أمام الرأي العام في الداخل اليمني وخارجه.
ومنذ تلك المواجهة بدأت الحكومة اليمنية ووسائل الإعلام حرباً إعلامية على خصومها المقاتلين حيث اتهمتهم بداية بالولاء لحزب الله اللبناني وإيران، وبالسعي لإعادة نظام الإمامة “البائد”، رغم إنكار الحوثي هذه الاتهامات في رسالة مفتوحة بتاريخ 26 يونيو/حزيران من ذلك العام أكد فيها ولاءه للرئيس وللنظام الجمهوري وقال فيها إنّ سبب الخلاف هو موقف الحكومة الموالي للولايات المتحدة إضافة إلى السياسة السعودية في اليمن.
استمر القتال الشرس بين الجانبين حتى العاشر من سبتمبر/أيلول 2004 عندما تمكنت القوات الحكومية من الوصول إلى موقع حسين الحوثي وقتلته مع عدد من أنصاره، ثم أعلنت الحكومة وقفاً آحادي الجانب للقتال، تلا ذلك بعشرة أيام تسليم العشرات من المقاتلين أنفسهم للسلطات نتيجة وساطات قبلية (48).
أما الجولة الثانية فقد اندلعت في مارس/آذار 2005 بسلسلة من الاتهامات والاتهامات المضادة بين الحكومة وبدر الدين الحوثي (والد حسين) وعبد الله الرزامي عضو البرلمان السابق، وكلاهما ينتمي لـ”حزب الحق”، حيث وُجِّهَت للمعارضة وحزب اتحاد القوى الشعبية تهم “بالسعي لاستئناف التمرد”، بينما اتهم بدر الدين الرئيس علي عبد الله صالح بعدم الاستعداد لإنهاء النزاع. نتج عن ذلك اندلاع الجولة الثانية من القتال بهجمات أشد ضراوة إلى الشمال والغرب من صعدة، وقد استمرت المعارك نحو شهرين بعد ذلك أعلنت الحكومة النصر ونهاية العمليات القتالية في مايو/أيار 2005.
الجولة الثالثة نتجت عن استمرار المناوشات من الجولة الثانية وقد امتدت تلك الجولة من أواخر عام 2005 حتى أوائل عام 2006، وقد ظهر في تلك المواجهات متغير جديد هو العنصر القبلي، حيث بدأت المعارك على شكل مواجهات بين رجال قبائل موالية للحكومة ومقاتلين قبليين يدعمون المسلحين الحوثيين. وقد ظهر في تلك الفترة أخوا حسين الحوثي على المشهد الميداني زعيمين جديدين للمسلحين الحوثيين وهما عبد الملك ويحيى الحوثي، كما شهدت محاولات حكومية لتهدئة الصراع وذلك – كما يقول المراقبون – نتيجة قدوم موعد الانتخابات الرئاسية.
الجولة الرابعة انطلقت في الفترة من فبراير/شباط إلى يونيو/حزيران 2007 ودخلها متغير جديد وهو تهديدات الحوثيين ليهود محافظة صعدة، ورغم نفي الحوثيين ذلك فإن الحرب كانت قد دارت واشتدت حدة القتال لتمتد إلى مديريات متعددة بما في ذلك خارج صعدة. انتهت الجولة الرابعة بفضل وساطة قطرية بعد زيارة الأمير حمد بن خليفة آل ثاني إلى اليمن في مايو/أيار 2007، حيث توصلت الحكومة والحوثيون إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 16 يونيو/حزيران 2007 ثم قاما بتوقيع اتفاق الدوحة بتاريخ 2 فبراير/شباط 2008 رغم بعض الاشتباكات المتفرقة بين الجانبين.
في مارس/آذار 2008 اندلعت الجولة الخامسة على إثر اتهامات السلطة للحوثيين بخرق اتفاق الدوحة وأنهم قاموا بهجومين عنيفين وسط نفي من الحوثيين، وقد امتد القتال في تلك الجولة إلى منطقة بني حشيش شمال العاصمة صنعاء كما استمر في مدينة صعدة والجزء الشمالي من محافظة عمران.
بتاريخ 17 يوليو/تموز 2008 أعلن الرئيس صالح وقفاً آحادي الجانب لإطلاق النار وقد وافق ذلك الذكرى الثلاثين لتوليه الحكم، وقد تباينت تفسيرات المحللين لهذا الإعلان منها أنه لخشيته خروج الوضع عن السيطرة أو لوجود وساطة محلية أو انتقادات أميركية وأوروبية متزايدة للوضع الإنساني في محافظة صعدة.
الجولة السادسة: اندلعت بتاريخ 11 أغسطس/آب 2009 بعد اتهامات للحوثيين باختطاف أجانب، وترافقت مع وضع السلطات ستة شروط لوقف العمليات كان أبرزها نزول الحوثيين من الأماكن التي يتحصنون فيها وانسحابهم من كافة مديريات المحافظة وتسليم ما استولوا عليه من معدات مدنية وعسكرية، والكشف عن مصير المخطوفين، ووقف عمليات التخريب.
وقد اتسمت هذه الجولة بتكثيف عمليات القصف الجوي منذ اليوم الأول لاندلاعها على مناطق الحوثيين في مناطق ضحيان والخبجي والحيرة والطلح وآل الصيفي وقهر ومران وبني معاذ وسحار وحيدان ومطرة وغيرها من المناطق. وبحسب محللين فإن خارطة القصف الجوي والمعارك والاشتباكات البرية خلال الأيام الأولى من الحرب تؤكد أن الحوثيين كانوا يحكمون سيطرتهم على مساحة شاسعة من محافظة صعدة وأنهم سيطروا على عدد من منافذ الإمدادات العسكرية للجيش التي تمر إلى المدينة (49).
بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب أي في نوفمبر/تشرين الثاني شنّ الحوثيون هجوماً على نقاط حدودية وقتلوا جنديان سعوديان وجرحوا 11 آخرين وسيطروا على جبل الدخان على خلفية إتهامات للسعودية بدعم الجيش اليمني، عبر سماحها له باستعمال مواقع سعودية لشن هجماته، خاصّة أن معاقل الحوثيين قريبة من الحدود السعودية. انتهت الحرب أوائل عام 2010 (50).

التماهي الحوثي مع الثورة الإسلامية وحزب الله
تركز معظم الشعارات الحوثية على إظهار المسلحين التابعين للجماعة ضد ما يسمونها قوى الاستكبار في العالم وعملائها، ويعتمدون وضع شعارهم على المركبات والآليات العسكرية التي يستولون عليها وطالما تحدثوا عن “بشائر النصر” و”بركات السيّد”، وهذا النوع – وفقًا لمراقبين – فيه محاكاة واضحة لأسلوب حزب الله اللبناني في الأناشيد الدينية، ولدى الحوثيين أناشيد جهادية تمنح مقاتليهم شرعية روحية ودينية بإطار جهادي.
ويعتبر “حسين بدر الدين الحوثي” مؤسس الحركة الذي قتلته القوات الحكومية في العام 2004، أكثر شخصيات الجماعة “تقديساً”، حيث تمّ بناء ضريح له في “جبال مران” شمالي البلاد، بعد تسليم السلطات اليمنية رفاته للجماعة في العام 2012. وشُيّد الضريح على الطريقة الإيرانية، ويقول سكان محليون، إنه تحوّل إلى ما يشبه المزار من قبل أنصار الجماعة، وقد نشرت وسائل إعلام تابعة لأنصار الله صوراً لأطفال يزورون الضريح في زي موحد، وذلك بمناسبة ما يطلقون عليه “يوم الصرخة”. ويحرص الحوثيون على نشر أسماء وصور مقاتليهم في الحروب السابقة ويعرضونها بشكل شبه مستمر في قناتهم الفضائية “المسيرة “، إضافة لإحيائهم فعالية “أسبوع الشهيد” في شهر جمادي الأول من كل سنة لتذكر مآثر شهدائها وتخليد ذكراهم.
اتهمت الحكومة اليمنية، أكثر من مرة، الحوثيين بتلقي الأموال من إيران، وتحدث الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي صراحة عن تدخل إيراني في اليمن والقبض على خلايا تابعة لها في صنعاء أثناء زيارته للولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2012، كما أنّ وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي دعا في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2009 إيران إلى التوقف عن دعم الحوثيين، لكن الحوثيين ينفون اتهامات الحكومة اليمنية لهم بتلقي الدعم من إيران، متهمين النظام اليمني بأنه يسعى من خلال ذلك، إلى صرف الانتباه عن الدور السعودي في اليمن.
وتشير تقارير عسكرية رسمية إلى أنّ هناك دعماً لوجستياً إيرانياً لجماعة “أنصار الله”، وخصوصاً في مسألة تدفق الأسلحة إليهم. وأكّد خبراء عسكريون أن صواريخ الكاتيوشا التي استخدمها الحوثيون في الحرب السادسة في العام 2010، من ذات النوعية التي سبق لحزب الله اللبناني استخدامها، معتبرين أن ظهور مثل تلك الصواريخ لدى الحوثيين دليل قاطع على التمويل الكبير الذي تتلقاه الجماعة من إيران وحزب الله. وكانت تقارير دولية قد أشارت، في وقت سابق، إلى قيام إيران بإنشاء قاعدة لها في إريتريا لمدّ الحوثيين بالسلاح عبر رحلات بحرية إلى المناطق القريبة من سواحل مينائي “ميدي” و”اللحية” القريبين من صعدة (معقل الحوثيين)، كما أنّ هناك أنباء تشير إلى قيام السفن الإيرانية في منطقة خليج عدن بحجة المساهمة في مكافحة القرصنة، إضافة إلى سفن تجارية إيرانية، بتهريب كميات من الأسلحة عبر قوارب صيد يمنية لتهريبها إلى داخل اليمن.
وفي 23 يناير/ كانون الثاني بداية عام 2013 احتجزت قوات خفر السواحل اليمنية سفينة تُدعى “جيهان 1” وعلى متنها أسلحة إيرانية، قيل إنها كانت في طريقها إلى الحوثيين، وكشفت تقارير رسمية أن جماعة الحوثي قايضت بتسليم جثه القائد العسكري “حميد القشيبي” الذي قتل في محافظة عمران على أيدي الحوثيين، بالإفراج عن بحارة السفينة الإيرانيين. وإضافة إلى الدعم التسليحي الخارجي يتواجد في محافظة صعدة واحداً من أكبر مصانع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في اليمن هو سوق “الطلح” وغالبية التجار هناك يدينون بالولاء لجماعة “الحوثي” (51).

المسار السياسي
بعد الوحدة اليمنية في مايو/أيار 1990 وفتح المجال أمام التعددية الحزبية، تحول اتحاد الشباب المؤمن من الأنشطة التربوية إلى مشروع سياسي من خلال حزب الحق الذي يمثل الطائفة الزيدية، ففي عام 1992 أسس محمد بدر الدين الحوثي وآخرون منتدى الشباب المؤمن. وفي عام 1997 تحول المنتدى من جمعية ثقافية إلى حركة سياسية باسم “تنظيم الشباب المؤمن” التي اتخذت لها منذ 2002 “الله أكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام” شعاراً تردده عقب كل صلاة. ذكرت بعض المصادر، أنّ منع السلطات أتباع الحركة من ترديد شعارهم بالمساجد كان أحد أهم أسباب اندلاع المواجهات بين الجماعة والحكومة اليمنية.
تولى قيادة الحركة أثناء المواجهة الأولى مع القوات اليمنية في 2004 حسين الحوثي وكان نائباً في البرلمان اليمني في انتخابات 1993 و 1997 لكنه قتل في السنة نفسها في مواجهة مع السلطات اليمنية، فتولى والده الشيخ بدر الدين الحوثي قيادة الحركة، وخلفه ابنه الأصغر عبد الملك الحوثي. خاضت حركة الحوثيين بعد ذلك مواجهات عديدة مع الحكومة اليمنية استمرت لغاية 2011، كما دخلت في مواجهة مع قوات سعودية عام 2009 على حدود صعدة (52).
اتهمتها الحكومة بأنها مسنودة وممولة ومسلحة من الدولة الإيرانية لزعزعة الاستقرار باليمن، وتعددت المرات التي أعلنت فيها السلطات اليمنية أنها اعتقلت خلايا تابعة لإيران اتهمتها بالتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية. بعد اندلاع الثورة اليمنية ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح عام 2011، شاركت جماعة الحوثيين في الاحتجاجات والمظاهرات، ووقعت على مخرجات الحوار الوطني التي أقرت أواخر يناير/كانون الثاني 2014 بعد أنّ كانت المبادرة الخليجية ضمنت حصانة لـ«صالح»، ورجال حكمه من أي ملاحقات قضائية تسهيلاً لرحيله في 20 فبراير 2011.
لم تلتزم ببند نزع السلاح ودخلت في الشهر التالي في صراع مسلح مع القوات الحكومية للسيطرة على مدينة عمران الشمالية (معقل بني الأحمر)، وانتهت المعارك بسيطرة الحوثيين على المدينة في 9 يوليو/تموز 2014. اتهمها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بإشعال الحرب في عمران بهدف الالتفاف على قرارات مؤتمر الحوار الوطني، وتعهد بطردها من محافظة عمران، لكن الجماعة نزلت بأتباعها إلى العاصمة صنعاء ونظمت في 18 أغسطس/آب 2014 احتجاجات ضد زيادة أسعار الوقود، وطالبت بإسقاط الحكومة وتطبيق قرارات الحوار الوطني.
في 21 من الشهر التالي سيطر أنصار الله على كامل العاصمة، واستولوا على مقر الحكومة ومقار الوزارات وأولها وزارة الدفاع وغيرها من المقرات الإستراتيجية كمقر البنك المركزي. تمّ توقيع اتفاق السلام والشراكة برعاية الأمم المتحدة، وقد استقالت حكومة محمد سالم باسنودة تحت ضغط أنصار الله ووافقت على تكليف خالد محفوظ بحاح بتشكيل حكومة التوافق الوطني (53).
بعد ذلك، تدخلت السعودية بشكل مفاجيء على خط الأزمة، حيث أعلن سفيرها (عيّن لاحقاً وزيراً للخارجية) في الولايات المتحدة عادل الجبير في 26 آذار 2015 عملية عاصفة الحزم العسكرية بهدف إجبار أنصار الله على تسليم البلاد “للحكومة الشرعية” والإنسحاب من المدن والمناطق التي احتلتها، وذهب ضحية هذه العملية آلاف الضحايا من المدنيين جلّهم بقصف طائرات التحالف الذي أقامته السعودية من عدة دول عربية أبرزها مصر والإمارات وعدد آخر من الدول. ويعتقد أنّ هروب الرئيس اليمني من صنعاء إثر سيطرة أنصار الله عليها وتأسيسه مجلس ثوري لإدارة البلاد، وتوجهه بداية إلى عدن في الجنوب ومن ثمّ إلى السعودية، بتدبير من السعودية لإدارة تحرك مضاد ضدّ أنصار الله والتدخل الإيراني في اليمن أشركت فيه التجمع اليمني للإصلاح السلفي وبشكل غير مباشر مناوئيها من تنظيم القاعدة…
ج ـ القضية الجنوبية
حكم العثمانيون ساحل اليمن منذ العام 1545، وفي عام 1636 نزل الزيديون المتمركزون في الجبال واحتلوا صنعاء واتخذوها عاصمة لليمن الموحد. بقي الوضع على حاله حتى عام 1728 حيث حصل تمرد في لحج وكان هذا بداية انقسام اليمن. عندما تدخلت قوات محمد علي في الجزيرة العربية تمركزت قوات بريطانية في عدن ولحج عام 1839. استعاد الأتراك السيطرة على صنعاء عام 1871 لكنهم اضطروا لإخلائها عام 1904 نتيجة المقاومة الشديدة، لكنهم عادوا ووقعوا اتفاقاً مع الإمام يحيى يعترفون له فيه بزعامة الطائفة الزيدية وإدارة المنطقة الساحلية.
كانت اليمن الجنوبية تؤلف مع اليمن الشمالية وحدة سياسية حتى عام 1728 تاريخ تمرد لحج حيث قام وكيل الإمام بدر بالإنفصال عن المناطق الشمالية فساندته بريطانيا تحقيقاً لمآربها في السيطرة على المنطقة، واحتلت عدن عام 1839 كونها أفضل ميناء بحري على طريق الهند.
عرفت اليمن اضطرابات عدة كانت معظمها موجهة ضدّ الوجود الإنكليزي. ظهرت رابطة أبناء الجنوب عام 1952 وتحولت إلى رابطة الجنوب العربي وطالبت بتوحيد شطري اليمن. واستمرت الإضطرابات عامي 1956 و 1957 إلى أنّ اقتنعت بريطانيا بضرورة توحيد عدن والداخل بعد أن كانت قد قسمتها في أوائل الخمسينات.
تزامن إعلان الجمهورية العربية اليمنية في الشمال عام 1962 مع تأليف المجلس التشريعي في الجنوب للمصادقة على قانون العمل فقامت المظاهرات، لكنّ بريطانيا مضت في خطتها بضم عدن وإمارات الجنوب في كانون الثاني 1963، فكان الرد اليمني بإعلان المقاومة الشعبية بقيادة الجبهة القومية، إلى أنّ انهار الاتحاد الذي بناه الإنكليز عام 1967 فاضطرت الحكومة البريطانية إلى الاعتراف باستقلال اليمن الجنوبية في تشرين الثاني عام 1967. وهكذا أصبح اليمن يمنين بنظامين مختلفين، الأول يغلب عليه طابع القومي العربي في الشمال والثاني اعتنق الماركسية في الجنوب.
لم يكن الصراع بين شطري اليمن من أجل الوحدة كقضية جوهرية، حيث أنّ قضية تدعيم وتثبيت دعائم كل نظام منهما هي الشغل الاساسي للقيادة القطرية. وتعود أسباب الخلاف بين شطري اليمن الذي تطور إلى حرب بينهما عام 1972 إلى:
ـ اختلاف طبيعة توجهات النظامين
ـ اختلاف درجة التطور السياسي والإقتصادي والإجتماعي بين شطري اليمن
ـ أمّا السبب المباشر فهو اغتيال مجموعة من مشايخ الجنوب في 20/2/1972 ما أدّى إلى تفاقم الصراع بينهما فقامت قوات اليمن العربية باجتياح حدود اليمن الجنوبية في أيلول من نفس السنة. وانتهت هذه الحرب بتوقيع اتفاق طرابلس في 28 تشرين أول 1972 قضت بالدعوة إلى وحدة اليمن لوضع حدٍّ للصراع الدائر بينهما (54).
بين عامي 1979 و 1989 لم تحصل حوادث خطيرة بين البلدين باستثناء النزاع الدموي الذي وقع بين أجنحة السلطة في اليمن الجنوبية في كانون الثاني عام 1986 وأثبتت هذه المعارك عمق الخلافات داخل المجتمع في اليمن الجنوبية وهشاشة الشعارات التقدمية والديموقراطية. وزاد من ضعف النظام سياسة غورباتشوف الدولية التي تخلّى من خلالها عن أصدقاء الاتحاد السوفياتي في العالم.
أمّا في اليمن الشمالي فقد تأزّم الوضع بسبب انتشار الصراع القبلي ومحدودية قدرة الدولة على حسم الوضع، وزاد الأمر تعقيداً نزوح عدد كبير من أهل الجنوب نحو الشمال بعد معارك 1986. في ظل هذه الظروف ودون سابق تحضير، جاء إعلان وحدة شطري اليمن في تشرين الثاني 1989، وتزامن هذا الإعلان مع نهاية حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران وحظي بدعم عراقي ما أضعف قدرة القوى الإقليمية الأخرى عن التدخل، الأمر الذي انعكس إيجابياً على مسيرة الوحدة اليمنية بالرغم من مختلف الصعوبات التي كادت أن تودي بالوحدة جراء الصدامات الدموية بين جيشي الشمال والجنوب في شباط 1994 (55) .
عام 1839 كان عدد سكان عدن في 600 شخصاً فقط أي في سنة احتلالها من قبل بريطانيا، وبلغ عدد سكانها في عام 1964م 265 ألف نسمة، 200 ألف نسمة من العرب، 60 ألفاً منهم من مواليد عدن، و 60 ألفاً من أبناء المحمية، و 80 ألفاً من أبناء الشمال. اتبعت السياسة الاستعمارية سياسة تمييزية ضد سكان عدن غير الأصليين المنحدرين من مناطق المحميات والمناطق الشمالية كحرمان أبنائهم من الالتحاق بالمدارس الحكومية مثلاً وغيرها من السياسات التمييزية. ونتيجة لتلك السياسة والاحتقان، ظهرت حركة “الجمعية العدنية ” التي أطلقت شعار “عدن للعدنيين” في نهاية الأربعينيات ثم ظهرت “جمعية رابطة أبناء الجنوب العربي” بشعار أوسع هو ” وحدة الجنوب العربي”. ولم يكن ذلك كما يراه بعض المؤرخين إلا لمواجهة المد القومي في اليمن خصوصاً بعد اندلاع ثورتي 26 سبتمبر/أيلول 1962 و 14 أكتوبر 1963 المجيدتين.
هذه الشعارات انتهت برحيل الاستعمار وبجلاء آخر جندي بريطاني من اليمن حيث نشأت دولة جديدة باسم”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” وحل اسم “اليمن ” بدلاً من “الجنوب” لأنها قامت على أسس قومية ترتبط بأصل الشعب وألغت أي سياسة سابقه انتهجها الاستعمار فاختفت السلطنات ونشأت دولة مترابطة سعت بعد ذلك بكل مراحلها المختلفة باتجاه الوحدة مع الشمال. وكل الاختلافات والصراعات مع الشمال كانت تنتهي باتفاقات على خطوات تطبيق الوحدة (56).
من جهة أخرى، أرّخت وثيقة الحوار الوطني لظهور القضية الجنوبية ابتداء من حرب عام 1994م وما حدث بعدها، من إلغاء الشراكة السياسية للجنوب وتحجيم موقعه ومكانته وحضوره في المعادلة السياسية وما رافقها من ممارسات وأخطاء، أصبحت معها القضية الجنوبية تنمو وتتزايد مطالبها كقضية سياسية حقوقية تحظى باهتمام إقليمي ودولي، غير أن الحديث عن جذور ومحتوى القضية الجنوبية كقضية سياسية عادلة ينبغي أن يقودنا إلى الاعتراف بأن بعضاً من مظاهر المعاناة والإشكالات السياسية تعود بدايتها الى الفترة التي نال فيها الجنوب استقلاله الناجز من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967م وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وما تلاها والتي اتسم اداؤها كنظيرتها في الشمال بالشمولية والإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر وحقه بالاختلاف، وما نتج عن ذلك من دورات عنف وقمع وإقصاء لشرائح اجتماعية وقوى سياسية إلى جانب اعتمادهما سياسات وقرارات نالت من حقوق مواطنين وممتلكاتهم.
تضيف الوثيقة: إنّ الوحدة اليمنية هي اتفاق بين دولتين كانتا طرفان سياسيان في الشمال والجنوب إلا أنّ الممارسات العبثية والخاطئة التي وقعت خلال الفترة الماضية منذ قيام الوحدة والفتاوى التكفيرية خلقت قناعة كاملة عند عدد كبير من الجنوبيين بتقويض الوحدة السلمية وأنّ مكانتهم في إطار دولة الوحدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعسكرياً وامنياً قد دمرت وضربت في مقتل. إنّ واقع الحرب والممارسات الخاطئة والإقصاءات قد حفّزت وجذّرت المشاعر الرافضة للواقع السائد وصولاً إلى انطلاق الحراك الشعبي الجنوبي السلمي بكافة مكوناته في 2007/7/7م كحركة شعبية نضالية سلمية شاملة وحامل للقضية الجنوبية بعد أن أجهضت الوحدة السلمية ومشروعها النهضوي القائم على التكامل والشراكة في صياغة المستقبل الأفضل بآفاقه الرحبة الواسعة وخاصة وانه لم يتم معالجة آثار حرب صيف 94م على مختلف الأصعدة الحياتية السياسية والمعيشية والخدمية (57) .

الحراك الجنوبي
بدأ تشكّل الحراك الجنوبي بكيان لجمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين الذين سرحتهم صنعاء، خاصة في منطقة الضالع، ومعظم هؤلاء سُرّح بأوامر مباشرة من نائب الرئيس اليمني وقتها عبد ربه منصور هادي. وقد تنوعت مطالبات الكيان الجديد هذا ما بين الانفصال والعدالة في توزيع الوظائف والخدمات. لكن التغيير الأساسي جاء مع اتساع ما سُمّي في العام 2011 بـ «ثورة الشباب»، التي شملت معظم أرجاء اليمن وشارك فيها الحوثيون إلى جانب التجمع اليمني للإصلاح وأحزاب قومية ويسارية، وتمثل مطلبها الأساسي في إسقاط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
انقسم الحراك الجنوبي وقتها في التعاطي مع الواقع المستجد. فذهب فريق منه إلى تأييد التحركات الشعبية والتوقف «مرحلياً» عن المناداة بـ «الاستقلال». ومثّلت هذا العنوانَ جماعة الأمين العام للحراك الجنوبي عبد الله حسن الناخبي، التي انضمت إلى التظاهرات والاحتجاجات اليمنية. فيما امتنعت فصائل الحراك الأخرى عن المشاركة في هذه التحركات، وحافظت على نسقها المطالب بالانفصال بمعزل عما يحدث في صنعاء (58).
ويصف القيادي بالحراك الجنوبي صالح اليافعي مسألة اختيار رئيس الدولة في الإنتخابات الرئاسية المبكرة عام 2012 ورئيس الحكومة والوزراء السياديون من الجنوب، وكون ذلك ينهي الانقسام، بـ “الفكر الضيّق والرؤية الناقصة لقضية الجنوب”، مؤكداً أنّ القضية هي استعادة الشعب والأرض والهوية، والمشكلة فيمن احتل الارض وشرّد الشعب ولا يزال يقتلهم، معتبراً أنّ هدف الحراك استعادة الدولة (الجنوبية) ودحر الاحتلال، وحل الاحتلال هو الاستقلال وليس كرسي رئاسة (59).
من منظور آخر، يرى البعض أنّ القضية الجنوبية لها بعد آخر يتمثّل في تسلط الزيديين على الشوافع، وأنّ الصراع في اليمن لن ينتهي إلا “بتصحيح التاريخ” من خلال تمكين الأغلبية الشافعية من الحكم وتقرير أمورها دون وصاية زيدية ونقرأ لـ “حركة استقلال أبناء الشوافع اليمنيين”، ما يلي:
“إنّ ما جرى ويجري الآن في اليمن هو سيطرة القبائل الزيدية على أراضي ومقدرات أبناء الشوافع، وأن المواجهة القائمة حالياً هي بين نظام زيدي يمثل الأقلية المتغطرسة المنبوذة من الداخل والخارج من جهة، والشعب اليمني الشافعي في معظمه والذي يمثل أكثر من 75% من اليمنيين الذين ضحوا من أجل اليمن في كافة المراحل وما زالوا يقدمون التضحيات تلو الأخرى ويعانون كثيراً من جور نظام آل سنحان الزيدي المتلفع بوشاح “الوحدة اليمنية” زوراً وبهتانا لإطالة سيطرته على أبناء الشوافع وأرضهم ومقدراتهم. فمنذ احتلال قبائل الزيود لأراضي دولة الأدارسة الشافعية واعتداءاتهم على أراضي ما وراء معبر والمحابشة والحجرية والبيضاء وما حولها وعلى ما كانوا يطلقون عليه اسم اليمن الأسفل وحتى نجاحهم في السيطرة على عدن وبقية أراضي جنوب اليمن وتدميرهم لجيش الجنوب الشافعي وشعبه باسم الوحدة اليمنية في صيف 1994م، منذ ذلك الحين ومحاولات النظام تعزيز سيطرة الزيود وخاصة المقربين منه من قبائل سنحان وحاشد وبكيل مازالت مستمرة وتعبر عن نفسها بكل الأشكال والسبل. كما أن صورية منصب رئيس الوزراء الذي يحرص النظام على أن يكون من أبناء الشوافع ما هو إلا محاولة لذر الرماد في العيون. فمتى كان لأي رئيس وزراء شافعي في نظام صنعاء الزيدي قبل الوحدة وبعدها أي تأثير على صناعة القرار خارج ما يريده مكتب الرئاسة، وكم سياسي تمّ اغتياله في صنعاء وخارجها ومازالت قضايا اغتيالهم مقيدة ضد مجهول” (60).
د ـ التجمع اليمني الإصلاح
يعتبر التجمع اليمني للإصلاح من أكبر الأحزاب المعارضة في اليمن، وتأسس بعد الوحدة بين شطري اليمن يوم 13 سبتمبر/ أيلول 1990 على يد الراحل عبد الله الأحمر شيخ مشايخ اليمن ورئيس مجلس النواب بذلك الحين بصفته تجمعاً سياسياً ذا خلفية إسلامية، وامتداداً لفكر الإخوان المسلمين. في البداية، ضم الحزب بعض الشيوخ السلفيين وشيوخ القبائل المؤثرين بالخارطة السياسية بغية جرهم لتحقيق لقاء سياسي معهم وتوحيد مواقفهم تحت مظلة الدولة، وبعد ذلك تبنى مبدأ الديمقراطية والتعددية كنظام سياسي موحد لكن هذا الهدف لم يتحقق بشكل كامل لطبيعة القبائل اليمنية المتشبثة بمبدأ المناطقية.
ويتألف التجمع، من: المؤتمر العام، مجلس الشورى، الهيئة العليا، الأمانة العامة، أجهزة القضاء التنظيمي، هيئات وأجهزة وحدات التنظيم. وبعد وفاة مؤسس ورئيس الحزب الشيخ عبد الله الأحمر يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول 2007 تم انتخاب محمد عبد الله اليدومي أمينا عاماً للتجمع. ومن الشخصيات البارزة فيه الشيخ عبد المجيد الزنداني، وتعد صحيفة الصحوة لسان حال الحزب الذي نجح في الانتقال من المعارضة إلى السلطة بعد فوزه في انتخابات أبريل/ نيسان 1993. ومع تدهور العلاقة بين المعارضة والحزب الحاكم، شارك التجمع في تشكيل مجلس التشاور الوطني في يونيو/ حزيران 2008 والذي عقدت هيئاته المختلفة ملتقاً وطنياً يومي 12 و22 مايو/ أيار 2009 انبثق عنه تأسيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني (61).
يزعم ياسين عبد العزيز أحد القادة المؤسسين للتجمّع، أنّ الحركة الإسلامية اليمنية هي امتداد لحركة الإخـوان المسلمين ابـتـداءً، والتجمع اليمني للإصلاح انتهاءً. وقد عمل الإصلاح على إيجاد رؤى فكرية وصيغ تنظيمية مناسبة لبيئته، ولم تكن تجربته مجرد استدعاء ومحاكاة للنموذج المصري، بحسب محمد قحطان أحد قادة الإصلاح .
تشكل البناء الفكري لحزب الإصـلاح مـن مجموعة روافــد: الـرافـد الأول داخـلـي يرجع في أصوله إلى حركة الإصلاح والتجديد الإسلامية في اليمن، والرافد الثاني خارجي من حركة الإخوان المسلمين، والـرافـد الـثـالـث أفـكـار السلفية الـوهـابـيـة. فبسبب ذهـاب الكثير مـن الـشـبـاب إلـى السعودية فـي الستينيات والسبعينيات مـن أجـل الـدراسـة أو البحث عـن الــرزق، التحق بعضهم بالمدارس والجامعات السعودية، ولما عـادوا إلـى اليمن كانوا يَجمعون بين رؤيـة المدرسة الوهابية وبين رؤية حركة الإخوان المسلمين التي تأثروا بها من خلال بعض مشايخ الإخوان في السعودية (62).
وهنا نشير إلى أن حركة الإخوان في اليمن، وخصوصاً في فترة السبعينيات، شهدت طغيان المكون الفكري السلفي عليها؛ وهـو ما أبعدها عن المكونات الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع، وأحـدث نـوعـاً مـن العزلة فـي لحظة تاريخية عـن المجتمع، وألـحـق أضــراراً فـي مسار الـحـركـة على المستوى السياسي والـثـقـافـي أخّـر كـثـيـراً مـن الأفـكـار، إضـافـة إلـى تجميد حركية الاجتهاد العلمي والدعوي والتنظيمي.
عاشت الحركة الإسلامية في اليمن ممثلة بالتجمع اليمني للإصلاح مرحلتين: الأولى، مرحلة سرية تمتد إلى ما قبل ثورة 1948 الدستورية، لكن التأسيس الفعلي تمّ في القاهرة عام 1963 على يد مجموعة من الشباب أبرزهم عبده محمد المخلافي؛ والثانية مع تحقيق الوحدة اليمنية في 22٢ أيار/مايو 1990، حينها خرجت الحركة الإسلامية إلى العلن تحت مسمى التجمع اليمني للإصلاح، في 3 أيلول/سبتمبر 1990 (63).
لا تختلف رؤيـة التجمع اليمني للإصلاح كثيراً عن رؤيـة حركة الإخـوان المسلمين في مصر، التي «بـدأت بالدعوة إلـى الخلافة، وانتهت إلـى تسمية واسعة بـ «النظام الإسلامي». وهذا ما يعتمده إخوان اليمن، فالسعي لإقامة الحكم الإسلامي، من الأهداف التي وضعها الإصلاحيون في اليمن، تمثّل بالعمل على أن يكون الحكم إسلامياً، يراعي مقاصد الدين، ويحقق حاجات الناس ومصالحهم، باعتبار الشريعة الإسلامية مصدر التشريعات جميعاً.
في اليمن تُعَدُّ ً القبيلة مكوناً أساسياً للمجتمع اليمني، كما أنها من أكثر العناصر الاجتماعية والسياسية فاعلية، ومن أهم المتغيِّرات التفسيرية للواقع الاجتماعي لليمن. يمكن القبول بصحة تأثير القبيلة على الأحزاب والإصلاح بشكل خاص في البدايات الأولى من دولة الوحدة. ومع قطع العلاقة بين المؤتمر والإصلاح في عام 2001، يمكن ملاحظة ضعف الهيمنة القبلية داخل الإصـلاح، ووفقاً لبعض المراقبين، فهو قلّل من اعتماده على زعماء القبائل، وخلق بيئة داخلية أكثر تقبّلاً لفعالية الحزب.
كان الحزب الاشتراكي اليمني القادم من الجنوب بمنزلة الخصم الذي ساهم وجوده في تعزيز العلاقة بين حزبي الإصلاح والمؤتمر، إلا أن هزيمة الاشتراكي في 7 تموز/يوليو 1994، خلقت دينامية جديدة في السياسة اليمنية، حيث أصبح بإمكان حزب المؤتمر الذي ازداد قوة، أن يستغني عن تحالفه مع الإصلاح. وبالفعل فقد بدأ الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يفكر في كيفية التخلص من شركاء الأمس، الذين يحملون مشروعاً يتصادم جملةً وتفصيلاً مع توجهاته، الأمر الذي جعله يكرر في أكثر من مناسبة أنه يتربع فوق رؤوس الثعابين.
خاض الإصلاح تجربتين مع المؤتمر الشعبي العام: تجربة التحالفات والعلاقات الاستراتيجية، وتجربة فك الارتباط ومن ثم إعلان النضال السلمي من أجل تعزيز المسار الديمقراطي وتداول السلطة سلمياً. وهذا ما انسحب على العلاقة مع الأحزاب الأخرى، حيث انتقل الإصلاح من مرحلة العداء والصراع الأيديولوجي مع بعض الأحزاب اليمنية التي كانت تختلف معه فكرياً إلى مرحلة لالتقاء على القواسم المشتركة، إلى أن تطور الحال وتم الإعلان عن تكتل لأحزاب اللقاء المشترك (64) .

هـ ـ التيارات الإسلامية في اليمن
التيارات السلفية، برغم نشأتها تحت تأثير ظاهرة الإحياء السلفي في السعودية والخليج، تمزقت إلى تكتلات وجماعات صغيرة؛ نتيجة الآراء المتشددة التي تبناها المؤسس الأول مقبل الوادعي. يجمع تلك التيارات عدم امتلاكها مشروعاً سياسياً أو استحالة دمجها في العملية السياسية، وإن كانت جمعية الإحسان أحـد تلك التيارات أقـرب إلـى القبول بالعملية السياسية، بل إنها دشّـنـت الـعـمـل الـسـيـاسـي بـتـأسـيـس حــزب الـرشـاد الـيـمـنـي فـي 24/6/2012، بخلفيته الدينية الـواضـحـة. ويـعـود سبب هـذا الـتـطـور السياسي إلـى بعض الـعـوامـل؛ منها الارتـبـاط المباشر بين الجمعية ومحمد سرور صاحب الخلفية السياسية التي ورثها من انتمائه السابق لحركة الإخوان المسلمين. أما تيار الشيخ مقبل الوادعي التيار الأكثر تشدداً ـ فقد عرف بالجمود والحَرْفِيَّة والتعسير في الفتوى والابتعاد عن هموم الواقع والاقتصار على دراسة علوم الشريعة وبالأخص علم الحديث النبوي، في حين يسير التيار الثالث تيار جمعية الحكمةـ بخطى بطيئة نحو الواقع السياسي، والتحرر من أسر التاريخ والاستفادة من ثقافة العصر.
ومـن جهة تنظيم الـقـاعـدة، فقد وجـد بغيته فـي اليمن بسبب تـوافـر معظم عناصر النجاح السببية، ولا سيَّما بعد قيام الوحدة بحسب منظّر الفكر الجهادي أبو مصعب السوري. بدأ التنظيم نشاطه في اليمن مطلع الثمانينيات، ومع تأسيس “الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين” عام 1998، أخذ التيار الجهادي يتسم بالخطورة، وخصوصاً مع استهداف اليمن كمحطة جديدة ينطلق منها، وبدأ يتسع وينتشر، حيث أقدم على عمليات اختطاف وتفجير واستهداف لمنشآت أوروبية وأمريكية.
وبعد هـروب قـيـادات التنظيم من سجن الأمن الـسـيـاسـي فــي صـنـعـاء بـتـاريـخ 3 شـبـاط/فـبـرايـر 2006، بدأ تنظيم القاعدة في اليمن مرحلة جديدة اتسمت بالتنظيم والتخطيط أكثر من ذي قبل حيث أعـلـن فــي مـطـلـع الــعــام 2009 عــن تـشـكـيـل قـيـادة إقـلـيـمـيـة جــديــدة لـلـتـنـظـيـم، تـحـت ّ مـسـمـى « تـنـظـيـم الـقـاعـدة فـي جـزيـرة الـعـرب»، الأمــر الــذي نقله من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم.
أمــا الـصـوفـيـون فـبـرغـم استنكافهم وعـزوفـهـم عن العمل السياسي، فإنهم دخلوا في مصالحة وارتباط مع سلطة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الأمر الذي ساعد على الانتشار والتوسع في أكثر من مكان (65)

 

هوامش
ـــــــــــــــــ
33 ـ عارف أبو حاتم/ اليمن.. الاحتفاء الجريح بذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي/ الجزيرة نت 13/9/2012
34 ـ نفس المصدر
35 ـ الجزيرة نت 11/12/2014
36 ـ الحوثيون.. من حركة ثقافية إلى قوة تهز كيان اليمن/وكالة الأناضول التركية/ 02 سبتمبر 2014
37 ـ جريدة الوطن المصرية/ رحلة صعود الحوثيين من «جبال صعدة» إلى «قصر الرئاسة» / 21-01-2015
38 ـ أحمد محمد الدغشي الأكاديمي اليمني، أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك في كلية التربية بجامعة صنعاء/ مؤلف كتاب الحوثيون دراسة منهجية شاملة / الدار العربية للعلوم لبنان والمورد للإعلام قطر
39 ـ علي عبد الله فضل الله/ أخطاء في فهم الحالة اليمنية/ جريدة الأخبار ٢١ نيسان ٢٠١٥
40 ـ أحمد محمد الدغشي/ الحوثيون دراسة منهجية شاملة / الدار العربية للعلوم- لبنان- والمورد للإعلام – قطر
41 ـ دراسة لمركز راند لأبحاث الدفاع القومي الأميركي بعنوان:”الظاهرة الحوثية وتهديداتها لاستقرار اليمن وبقائه دولة موحدة”/ مأرب برس 11 فبراير- شباط 2012
42 ـ علي عبد الله فضل الله/ أخطاء في فهم الحالة اليمنية/ جريدة الأخبار ٢١ نيسان ٢٠١٥
43 ـ رضوان السيّد/ الإضطراب في اليمن: أصل تمرد الحوثي وفصله/ جريدة المستقبل 9-7-2004
44 ـ دراسة لمركز راند لأبحاث الدفاع القومي الأميركي بعنوان:”الظاهرة الحوثية وتهديداتها لاستقرار اليمن وبقائه دولة موحدة”/ مأرب برس 11 فبراير- شباط 2012
45 ـ نفس المصدر
46 ـ نزاع صعدة/ ويكيبيديا الموسوعة الحرة (بتصرف)
47 ـ نفس المصدر
48 ـ حروب الحوثيين الست.. رؤية تاريخية/ الجزيرة نت 21/10/2009
49 ـ نفس المصدر
50 ـ نزاع صعدة/ ويكيبيديا الموسوعة الحرة (بتصرف)
51 ـ الحوثيون.. من حركة ثقافية إلى قوة تهز كيان اليمن/وكالة الأناضول التركية/ 02 سبتمبر 2014
52 ـ أنظر ملحق الحروب الستة التي خاضها الحوثيون مع السلطة آخر البحث
53 ـ الجزيرة نت 11/12/2014
54 ـ علي صبح/ النزاعات الإقليمية في نصف قرن 1945 ـ 1995/ دار المنهل اللبناني
55 ـ نفس المصدر
56 ـ محمد الكلدي/ القضية الجنوبية في اليمن.. قضية عادلة في مسارات متعرجة/ مجلة البيان 17-5-2014
57 ـ الوثيقة الرسمية الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل/ صنعاء من 18 مارس ـ آذار 2013 إلى 25 ينايرـ كانون الثاني 2014م.
58 ـ عبد الله زغيب/ جريدة السفير: هل خسر الحوثي جنوب اليمن؟ 22-04-2015
59 ـ صالح اليافعي قيادي بالحراك الجنوبي ورئيس التجمع الديمقراطي الجنوبي “تاج”/ حوار مع جريدة الشرق اليمنية 21/2/2012.
60 ـ سامي العدني / حركة استقلال أبناء الشوافع اليمنيين ليست بديلا للتجمع الديمقراطي الجنوبي “تاج”/ مجلّة آفاق 9/3/2008
61 ـ الجزيرة نت 29/3/2011
62 ـ عبد القوي ّحسان/ الحركة الإسلامية في اليمن، دراسة في الفكر والممارسة/ مركز دراسات الوحدة العربية
63 ـ نفس المصدر
64 ـ نفس المصدر
65 ـ نفس المصدر