خطة ماجينو بين لبنان وسوريا

 syria - turkya - houdoud

نبيه البرجي –
صحيفة الديار اللبنانية:

«لا يكفي ان نضع رؤوسنا في الثلاجة اذ يمكن للتاريخ ان يلهو بها بين الحين والاّخر»!

كتب هذا ريجيس دوبريه عندما شاهد الطائرات الالمانية تحلق في سماء باريس، وهي تشارك في عرض جوي اثناء الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي. خط ماجينو سقط من الذاكرة، فمتى يسقط من ذاكرة البعض خط ماجينو بين لبنان وسوريا؟

لا ريب ان ثمة تعقيدات هائلة، تجاوزات هائلة، مرارات هائلة واكبت الوجود السوري في لبنان، دون اغفال انعكاسات الصراعات والصفقات الدولية والاقليمية على هذا الوجود الذي انتهى في مثل هذا الشهر منذ تسع سنوات لتبقى الذاكرة على تأججها.

لم يعد هناك احد في عنجر، ولا مجال لكي نتصور ان يكون لبنان خالياً من حلفاء لدمشق، فهذا هو المنطق الجيوسياسي الذي يتجلى في كل ارجاء الكرة الارضية. لكننا الان امام زلزال كان يفترض ان يغيّر الكثير من اشياء الذاكرة . هذا لم يحصل….

قطعاً لم تعد المشكلة مشكلة النظام الذي لا يمكن، بأي حال، ان يعود كما كان في ظل ذلك التصدع الكارثي، وحيث الدمار يفوق الخيال، بما فيه الخيال النووي، وحيث تحولت سوريا التي طالما كانت مثالاً للأمن والأمان دون ان يعني هذا اغفالاً لسياسات القمع والتعليب، الى مسرح للمرتزقة وشذاذ الآفاق الذين جندتهم دول من اجل مصالحها الاستراتيجية او المذهبية او القبلية….

المشكلة هي سوريا. اين هي الان لكي يبقى البعض في لبنان داخل تلك القوقعة، ودون اي اعتبار لتداعيات اضمحلال الدولة في سوريا، وهناك، فعلاً، من يراهن على ذلك, فماذالو حدث الامر واصبح لبنان على حدود تركيا، وبطبيعة الحال على حدود العراق وعلى حدود الاردن, مع اقتناعنا بانه لن يكون على الارض سوى ذلك الكوندومينيوم ( الحكم الثنائي) بين بني عثمان وبني اسرائيل لان العرب اما انهم اندثروا او هم في الطريق الى الاندثار ….

لا يخفي احمد داوود اوغلو المدى الاستراتيجي لنظريته( النيو عثمانية). انه الغاز , وانه النفط ,ايها السادة. لدى الروس تسجيلات ووثائق حول ما قاله اوغلو في اجتماعين لقادة حزب العدالة والتنمية حول حقول الغاز في المياه، كما في الاراضي، السورية واللبنانية، اذ ان تركيا التي تشاطىء اربعة بحار (المتوسط والاسود وايجه ومرمرة) لن تعود مجرد مصبّ لشبكات الانابيب التي تتجه الى القادة العجوز . يفترض ان تمسك بالمفاتيح السورية واللبنانية على السواء…

ليست بريئة ابداً الاتصالات التي تجري مع تل ابيب لترميم العلاقات، العلاقات الاستراتيجية بالدرجة الاولى، بعدما حاول طيب اردوغان ان يظهر، وفي تلك اللحظات الفولكلورية التي انطلت علينا، بمظهر من يقود العرب والمسلمين الى البيت المقدس, وهو الذي طالما تغنى بماّذن اسطنبول على انها الحراب وبقباب اسطنبول على انها السقف المقدس للخلافة …

وليست بريئة ابداً الاتصالات التي تجري مع سلطات نيقوسيا من اجل اعادة توحيد جزيرة قبرص التي اجتاحت تركيا الجزء الشمالي منها ( اين كانت اميركا واين كانت اوروبا انذاك) فلا مناص من بناء خارطة جديدة للعلاقات بعدما فوجىء الباب العالي ( وهو اللقب الذي كان يطلق على السلطان العثماني ودون ان نكتفي بلقب الصدر الاعظم اي رئيس الوزراء) بانهيار حلمه في القاهرة التي كان يخطط للامساك بها. فتتساقط حجارة الدومينو الواحد تلو الاّخر….

منذ بداية الازمة في سوريا، وانقرة تخطط لاجتياح الساحل السوري، ربما الساحل اللبناني،و فالغاز هو الذي يعيد للسلطنة بهاءها وجبروتها. وهل هي تتدخل في شمال ريف اللاذقية من اجل اولئك المرتزقة او من اجل اولئك المجانين الذين اقامت لهم معسكرات التدريب ونقلتهم بالحافلات الى الدخل السوري ؟ بطبيعة الحال لا يعمل رجب طيب اردوغان الا من اجل رجب طيب اردوغان…..

كل هذا وما زال بعض اللبنانيين ينظر الى الازمة السورية من ثقب في الذاكرة ( الثقب الاسود)، فعندما تكون سوريا امام تلك الاحتمالات الخطيرة، من الزوال الى التجزئة او الى الارتباط بثنائية اسطنبول – اورشليم، هل يمكن ان يبقى لبنان بمنأى عن هذه الاحتمالات ؟

ما يحكى حول ما يمكن ان ينتظر سوريا اكثر من ان يكون هائلاً. حتى الاّن، وبالرغم ما يقال، ما زالت هناك دول واجهزة استخبارات دولية واقليمية وعربية تدعم «تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)» وكذلك «جبهة النصرة» وغيرهما من المجموعات المتطرفة التي علينا ان نتصور ماذا كان سيحصل لنا لو امسكت بالحدود في البقاع. في وادي النصارى توعدوا باقتلاع تمثال السيدة العذراء من احدى التلال باعتبار ان التمثال تكريس للشرك والزندقة، فهل كان يمكن لتمثال السيدة العذراء على احدى تلال مدينة زحلة ان يبقى؟

هذا غيض من فيض. هناك البرابرة وهناك دول تتعامل بربرياً مع سوريا التي امام اختبار تاريخي. اما ان تبقى او ان تزول. حتى الاّن لا نزال حيثما كنا قبل الازمة. الا يفترض بتلك العيون العرجاء، والادمغة العرجاء، ان ترى وان تفكر؟!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.