خلط الأوراق في سوريا

827a3edf-20cc-4889-a0c9-93d0a429e553

صحيفة السفير اللبنانية ـ                                                                                                                                  سمير العيطة :

بيان «لقاء فيينّا» الأخير مهمّ من حيث أنّه نجم عن اجتماع جميع القوى الإقليميّة المعنيّة بالأزمة السوريّة، خاصّة منها تلك التي تغذّي الحرب. ولا ضير من عدم حضور السوريّين فيه لأنّ ما يجب الحصول عليه أوّلاً هو توافق هذه القوى على إنهاء الحرب على سوريا عبر السوريين. وللتذكير، لم يكن هناك أيّ سوريّ عند صياغة بيان «جنيف 1» في 30 حزيران 2012. لقد رفضت معظم أطياف المعارضة الإشارة حينها إليه في وثائق «مؤتمر القاهرة» الذي أعقب ذلك ببضعة أيّام. ذلك قبل أن يصبح «بيان جنيف» بعد أشهر عدّة وثيقة مقدّسة ومرجعيّة لقرارات لمجلس الأمن، يفسّرها كلٌّ كما يريد.

ظاهريّاً لا يبدو أنّ «بيان فيينّا»، الذي يستند إلى «بيان جنيف»، قد أطلق ديناميّة لحلٍّ ما. فالحرب قد استعرت أكثر فأكثر. والغموض يسود حول الخطوة القادمة وعمّا سيتحدّث عنه وزراء خارجيّة «لجنة الاتصال الدوليّة» (بحسب تعبير المبعوث الأمميّ ستيفان دي ميستورا والبيان الرئاسي لمجلس الأمن) في اجتماعهم بعد أسبوع، هذا في حال عقده.

في المقابل، تشهد الساحة الإعلاميّة إشاعات هدفها خلط الأوراق.ثمة إشاعات عن تشكيل مجلسٍ عسكريّ للمعارضة في القاهرة مع تفاصيل مثيرة عن خلافات بين الضباط المنشقّين وبين الفصائل المعارضة المسلحّة. لكن يكفي التمعّن في الخلاف الجوهريّ بين مصر وتركيا كي تنتفي إمكانيّة عقد لقاء لمثل هذا الغرض في القاهرة. ويكفي النظر إلى أسماء المشاركين لمعرفة أنّ الحوارات التي نسبت إليهم لا أساس لها. ويبقى السؤال حول من فبرك هذه الإشاعة ولأيّ هدف؟

وهناك إشاعات عن لقاءات بين بعض فصائل المعارضة المسلّحة ومبعوثين روس في موسكو. هنا تكفي معرفة أنّ أيّ فصيل مدعوم من تركيا سيخسر هذا الدعم بمجرّد ذهابه إلى موسكو. صحيحٌ أنّ موسكو تستطيع ضمان هدن في مناطق محاصرة. لكنّ المنطق والواقع يقولان إنّ اللقاءات مع المعارضة المسلّحة التي تخوض المعارك اليوم لن تحدث إلاّ إذا أنهت رباعيّة جنيف، أي روسيا والولايات المتحدة والسعودية وتركيا، والدول الأخرى المشاركة، خلافاتها المعلنة حول الحلّ.
وهناك إشاعات عن قائمة أسماء معارضين بارزين قدّمتها روسيا للبدء سريعاً في المفاوضات مع السلطة. في حين يعرف الجميع أنّ هذه القائمة تضمّ أسماء من دُعيَ إلى مفاوضات موسكو 1 و2، وموسكو تشير باستمرار إلى أنّها لن تقوم بعقد لقاء «موسكو 3». وماذا حينها عن لجان السيّد دي ميستورا الأربع؟

أمّا المعارضة السوريّة، فكلّ ما تفعله هو التموضع حول هذه الإشاعات من دون التدقيق فيها، بدل البحث عن آليّات لمواقف موحّدة تضع ثقلها كطرفٍ سوريّ مستقلّ ضمن العقد المستحكمة بين الدول المتصارعة.
مرحلة خلط الأوراق الحاليّة تذكّر بما حدث في بدايات الانتفاضة السوريّة، حين فبركت أجهزة الأمن السوريّة كما تلك التابعة للقوى المناهضة للسلطة، أموراً دفعت لإبعاد الثورة عن منطق الحريّة والكرامة والمساواة والانحراف نحو الطائفيّة والسلاح والحرب. فهل تهدف الفبركات الحاليّة إلى ضرب مقوّمات الحلّ في سوريا، أم لخلق دخّانٍ كثيف يحجب عن المشهد ما يجري في كواليس الديبلوماسيّة الدوليّة بين لقائي فيينّا الثاني والثالث؟

الأمر الوحيد الذي أصبح أكثر وضوحاً اليوم، هو سقوط مقولتي أنّ «داعش» والمعارضة المسلّحة شيءٌ واحد سمّي التكفيريين، وما يقابل ذلك من أنّ «داعش» صنيعة السلطة السوريّة وحليفتها. لقد بات ظاهراً للعيان أنّ طرفي الصراع يستخدمان ورقة «داعش»، يهادنانها أو يحاربانها بحسب الظروف. عدا الطرف الثالث المتمثّل بقوّات الكرد السوريين وحلفائهم.
لكنّ هذا الوضوح لا يدلّ على أنّ مرحلة توحيد الجهود ضدّ «داعش»، أو على الأقلّ منعها من الاستفادة من ظروف الصراع، قد انطلقت. لكنّه يعني أنّ أساس الحلّ في سوريا ما زال يحتاج إلى توافقٍ مُعلن أو مُضمر أكثر عُمقاً في فيينّا.
النبأ الوحيد الذي قد يكون له دلالات نحو الحلّ هو تعرّض الليرة السوريّة لهزّة حقيقيّة. إنّه يزيد من معاناة المواطنين السوريين، إلاّ أنّه قد يعني وقف تدفّق الأموال على الطرفين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.