دبلوماسي أمريكي : المفاوضات تراوح مكانها ولا مجال لاتفاقيات دائمة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي

Negotiations Israeli - Palestinian

 

تتطلع الإدارة الأمريكية الى تحقيق إنجاز على صعيد السياسة الخارجية، في ظل تراجع واضح لهذه السياسة، وتحديدا بخصوص بعض ملفات المنطقة.

وتحاول بعض الدوائر في الخارجية الأمريكية الإجابة على بعض التساؤلات المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، ساعية من خلال الردود عليها تحسين خريطة الطريق التي وضعها رئيس الدبلوماسية الأمريكية جون كيري بالتزامن مع اعلان استئناف المفاوضات بين الجانبين في شهر تموز الماضي، وأيضا تحديد سقف التطلعات الأمريكية للدفع باتجاه تحقيق اتفاق اسرائيلي فلسطيني.

ويقول دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى لـصحيفة المنــار أن هذه المحاولات التي تقوم بها وزارة الخارجية تأتي في أعقاب عدم إحراز أي تقدم منذ إعلان كيري في عمان عن استئناف الاتصالات بين الجانبين، حيث جميع الجلسات واللقاءات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي التي عقدت حتى الآن لم تنجح في وضع برنامج تحرك متفق عليه بينهما، لمناقشة القضايا المختلف عليها، كما أن هناك خلافا حول أولوية القضايا التي ستتم مناقشتها وبحثها، وتحديد مستوى الرعاية الأمريكية للمفاوضات.

ويضيف الدبلوماسي الأمريكي أنه في الوقت الذي يطالب فيه الفلسطينيون بأن يكون الدور الأمريكي أكثر تفاعلا وفاعلية وحضورا في جلسات التفاوض، وطرح الأفكار للتقريب بين الجانبين المتصارعين، أي أن يكون هناك دور ديناميكي وإيجابي من جانب الولايات المتحدة، لكن اسرائيل تتمسك بدور أمريكي يقوم على الرعاية عن بعد والمراقبة دون طرح أفكار على طاولة التفاوض، والسماح للجانبين بادارة مفاوضات مباشرة دون تدخل طرف ثالث.

وموضوع التدخل الأمريكي وشكله في المفاوضات، كان من أبرز المسائل التي ناقشها الرئيس باراك أوباما مع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

ويعترف الدبلوماسي الأمريكي بأن هناك حديثا عن شكل من أشكال التدخل المحدود لواشنطن في جلسات التفاوض، لكن، ليس بالشكل الذي يطالب به الجانب الفلسطيني.

وبالعودة الى المساعي الأمريكية الحالية لتحديد سقف التطلعات نحو اتفاق فلسطيني ـ اسرائيلي، فقد كشف الدبلوماسي الأمريكي لـصحيفة المنــار عن لقاءات عقدتها طواقم أمريكية مع شخصيات اسرائيلية وفلسطينية، بعضها شبه رسمية، وفي غالبيتها شخصيات تولت في السابق مناصب في العمل السياسي والبرلماني في الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، والهدف من هذه اللقاءات هو الاستماع لتوقعات وتقديرات تلك الشخصيات بالنسبة للمفاوضات الجارية بين الجانبين وطبيعة وشكل الاتفاق الذي ترى الأطراف ذات العلاقة بأن هناك فرصة لتمريره داخليا في الساحتين الفلسطينية والاسرائيلية.

ويشير الدبلوماسية الأمريكي الى أن اللقاءات هذه مع الشخصيات المختارة من جانب الخارجية الأمريكية، وتضم اسرائيليين وفلسطينيين، ما زالت قائمة ولم تنته.

وعن الانطباع الأولي لنتائج تلك اللقاءات، يرى الدبلوماسي الأمريكي أن التقديرات الحالية عن هذه اللقاءات ليست مشجعة، وأن غالبية تلك الشخصيات الفلسطينية والاسرائيلية أكدت للدبلوماسيين الأمريكيين أن القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية ستواجهات صعوبات كبيرة جدا في تمرير أية حلول تتناول وتتطرق الى مسائل جوهرية في الصراع، وبشكل خاص مسألتي القدس واللاجئين، وأن الظروف الداخلية، سواء في الجانب الفلسطيني أو الاسرائيلي تشكل عوائق وعراقيل في طريق التقدم في مسار المفاوضات.

ويكشف الدبلوماسي الأمريكي عن أن الشخصيات الاسرائيلية في لقاءاتها مع الدبلوماسيين الأمريكيين أكدت على حقيقة الصعوبات التي يواجهها نتنياهو داخل ائتلافه الحكومي، وداخل حزبه وأن هذه الصعوبات قد تشكل عاملا رادعا لرئيس الوزراء الاسرائيلي للتقدم بشكل جدي في المفاوضات وأنه قد يسعى الى اضاعة الوقت قدر المستطاع هروبا من أزمات ائتلافية، أو حركات تمرد داخل حزبه، كما أن الوضع الداخلي في اسرائيل قد لا يكون حاليا مؤهلا لتقبل اتفاقيات دائمة مع الفلسطينيين، وأن حديث نتنياهو بعد استئناف المفاوضات عن طرج أي اتفاق على استفتاء شعبي هو هروب مسبق من ضغوطات خارجية، قد تحاول دفعه للتعاطي مع اتفاقيات دائمة تهدد سلامة ائتلافه وتماسك صفوف حزبه.

الشخصيات الاسرائيلية استبعدت حدوث حركة انشقاقية يقودها نتنياهو لاستقطاب جديد في الساحة الحزبية، كما فعل في حينه أريئيل شارون، عندما أقدم على خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، واعتبرت معظم هذه الشخصيات أن الظروف والأجواء في اسرائيل الآن مختلفة، كما أن القضايا التي سيتم تناولها مختلفة عن القضايا التي دفعت شارون الى اتخاذ خطوة الانشقاق عن الليكود واقامة حزب جديد ـ كاديما ـ ، فهناك اليوم مسائل صعبة كقضية القدس واللاجئين وقضايا الحل الدائم التي تعتبر الغاما صعبة التفكيك، كما أن الظروف في الساحة الحزبية الاسرائيلية قد لا توفر لنتنياهو ما يكفي من المنتسبين الجدد لأي اطار حزبي يفكر في اقامته، والأهم من ذلك كله، أن نتنياهو ليس شارون، والتنازلات التي قد يقدم عليها في مناطق بالضفة والقدس والأغوار ومسائل حساسة أخرى ، هي ليست قطاع غزة، فالموضوع هنا أكثر خطورة، لذلك من المستبعد تكرار سيناريو الانشقاقات واقامة اطار حزبي جديد.

وبالنسبة للوضع الداخلي في الجانب الفلسطيني واستنادا الى الشخصيات التي التقاها دبلوماسيون أمريكيون ليس بالأفضل، من الوضع الاسرائيلي، فواشنطن وخلال مساعيها لقراءة المشهد الداخلي في الساحتين الفلسطينية والاسرائيلية توصلت الى نتيجة مبنية على الاراء المستطلعة، بأن الفلسطينيين لا يمكنهم تمرير أي اتفاق في الشارع الفلسطيني لا يحقق الحد الأدني مما يمكن القبول به، فالمسائل والقضايا الجوهرية الحساسة، هي قضايا خطيرة تفرض ضغوطات كبيرة على الفلسطينيين، وتمنعهم من التقدم نحو تسوية للقضايا، ومن هنا تحدث الرئيس الفلسطيني فور الاعلان عن استئناف المفاوضات عن أن أي اتفاق يتم التوصل اليه مع الاسرائيليين يتعلق بالحل الدائم سيعرض للاستفتاء الشعبي عليه، وهذا الاعلان يساهم في تخفيف الضغط على الرئيس محمود عباس.

كما أن الشخصيات الفلسطينية المستطلعة أراؤهم تحدثت عن وجود معارضة قوية متصاعدة في أوساط الفلسطينيين، معارضة ترفض الدوران المستمر في دائرة المفاوضات التي لا تنتهي، ولا تصل الى أية نتائج، كما أن هناك أصوات مقربة من القيادة الفلسطينية تحدثت هي الاخرى عن عدم ثقة الفريق التفاوضي من تحقيق أي تقدم مقبول على الفلسطينيين من جانب الحكومة التي يتزعمها نتنياهو، وأن طريقة تعاطي نتنياهو مع جلسات التفاوض تؤكد وتعزز هذا الشعور الفلسطيني.

هذه الآراء والمواقف التي استمع اليها الدبلوماسيون الامريكيون من الجانبين تعتبر مخيبة لطموح كيري في التوصل الى اتفاق وانجاز حقيقي في الاتصالات الجارية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.

المصدر: صحيفة المنار الصادرة في فلسطين عام 1948

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.