رقصة الورد والوداع ..

kadmous-facebook-roses

من الفايسبوك ـ
صفحة الصديق قدموس السوري:

صديقي عارف كان في رحلة قصيرة إلى وطن تهجّر منه قسراً، وطن أصبح فيه غريباّ.
يوماّ ما أتى محملاّ بالمشاعر الرقيقة إلى شرق قاسي الملامح كثير الألم لا يشبه غربته الجميلة، لكنه عاد إلى وطنه كما يعود الطير المهاجر.
شيء ما لا يستطيع السيطرة عليه يجذبه إلى هذه الأرض الفقيرة بالحياة والفرح، الغنية بالتضحيات والحزن والعاطفة، بالدين والمذاهب، بالمآسي، بالتطرف في الحب والكراهية.. عاد يحمل أخباراً متناثرة في ذهنه، فهو عاجز عن التغيير ولكنه لا يعجز عن التعبير عن ما في داخله.
لقد كان بارعاً في ذلك.. يوم ماطر وبارد يوم وداعه للوطن والأصدقاء وذكرياته من جديد. لقد كانت إجازته قصيرة وحان وقت العودة إلى الدفء.. جلس يشرب نخب الوداع مع أصحابه القدامى في خمارة دافئة على زاوية الشارع وموسيقى جميلة تداعب مخيلته الخصبة.. التفت وهو يشعر بحركة غريبة من خلف الزجاج الملطخ بالبخار .. اندهش .. أجساد ترقص على وقع الموسيقى.. أجساد صغيرة تائهة وباردة تتمايل حاملة في أيديها وروداً للبيع .. نعم إنهم بائعو الورد السوريون المهجرون من وطنهم الحنون. وكأنه وجد كنزاً.. نسي الأولاد كل ألمهم البارد في لحظة وأخذوا يرقصون ويرقصون.
كانت رائحة الورد تلف أجسادهم الهزيلة التعبة.. أخذت حرارة الأجساد ترتفع وشعروا بقليل من الدفء فخرج إليهم ذلك الإنسان الحق متحمساً تاركاً أصدقاءه في الداخل يتساءلون ما الذي يحدث، ورقص معهم رقصة الوداع.. كان ثملاً بالفرح والحزن.. متواضعا لدرجة أنك لا تستطيع التفريق بينه وبينهم. اتحدوا بالموسيقى، بالورد، بالجرح والغربة، ففي لحظة لا تنسى من حياته أصبح بائع ورد مثلهم .. ولكن ورده كان مختلفاً.. ورد لا يستطيع من لم يكن مثله أن يراه..
صرخ أصحابه بغرابة وسخرية: ماذا تفعل مع هؤلاء المشردين؟
لم يأبه لكلامهم وتابع الرقص، اشترى ذلك الورد منهم وبعد حين بعثه لهم كهدية.. نعم قد يكونون فقراء مشردين مضطهدين.. لكنهم بائعو ورد.. وهو أيضاً يحب الورد ويحبهم ويعرف الغربة جيداً..
صديقي عارف، لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول عن هذه القصة الواقعية. صحيح أنني لم ألتقيك يوماً وقد تجادلنا وتشاجرنا وفرحنا وحزنا سوية في هذا العالم الافتراضي المليء بالصدق، لكننا سنظل غرباء عن بعضنا حتى نلتقي، لأن هذا الواقع فرض علينا الغربة..
اليوم فقط التقيت بك في كل شيء .. بالإنسانية، بالورد، بالهجرة، بالغربة والوداع..
صديقك القدموسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.