روسيا البوتينية بألوان سوفييتية

 

 

موقع إنباء الإخباري ـ
مارينا سوداح*:

في العودة مجدداً الى روسيا بعد سنوات وسنوات من الانقطاع القسري في العمل وشؤون وشجون الحياة، تشعر في الوطن وترى بأن لا شيئاً هنا يكاد يكون قد تغيّر في هذه البلاد الكبيرة، التي هي قارة قائمة بذاتها ومكتفية بذاتها ومواردها وشعبها.

في روسيا بوتين وبرغم الأعباء الدولية التي تتحملها في مواجهة حملات الحصار والعقوبات الجائرة عليها، وثِقل المساهمات الطوعية والانسانية للدولة الروسية في عملياتها الإنسانية في سوريا وبلدان أُخرى، إلا أن الحياة الطبيعية لم تتوقف أبداً عن إمداد المواطنين بكل الخدمات الاساسية المجانية، من الطبابة والتعليم الإلزاميين والفعليين والحقيقيين وبدون شروط، وإلى تلقي التلاميذ والطلبة المتفوقين على مقاعد دراساتهم رواتب شهرية على شكل منحة مالية، إضافة الى أن الكثير من المعاهد والمدارس المهنية تقدم لطلبتها وجبة واحدة أو وجبتين اثنتين من الطعام اليومي مجاناً زد على ذلك خدمات أخرى مجانية، ناهيك عن تقديم مساعدات مالية وأخرى متعددة من الأشكال، وهي فعلية للمتزوجين حديثاً، وللعائلات عديدة الأطفال لحثهم على إنجاب المزيد في دولة كبيرة المساحة تتطلع الى التعمير الواسع، واليد الخبيرة والمتخصصة والعاملة، والإبداع في العلوم المدنية والاجتماعية، والاختراعات وريادة الفضاء الكوني وغيرها الكثير.

في الدولة الروسية الحديثة بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، نهضت روسيا من كبوتها، وانتقلت الى دولةً قوية للغاية كان يُخطّط لها أن تكون تابعة مباشرة لغيرها، وتحطيمها وتفتيتها بطابور خامس داخلي مُكبّل بقوى خارجية، الى أخرى قوية يسودها قرارها السياسي المستقل والاقتصادي الوطني، ونمطها الاجتماعي الشرقي المتلاقح مع نمط شرقي أوروبا السلافي، وتشعر هنا بأنك فعلاً في دولة اوروبية حديثة، لكنها شرقية الملامح حتى في علاقاتها الاجتماعية والعائلية بين الأقارب والأنسباء وعموم المجتمع، وفي الشارع العام، وبين المسؤولين أيضاً، فلا استعلائية لأحد على أحد، ولا تفرقة بين طوائف وقوميات ولغات، ولا علو مجموعة على أخرى، والقانون سيّد الموقف، وهو الحّكم والفيصل بينهم.

وبالرغم من الحرب في سوريا وما تكبّدته روسيا من ثمن مالي باهظ، واستشهاد عدد من عسكرييها الأبطال على الأرض السورية دفاعاً عن استقلال الشعب السوري الصديق القديم والثابت لروسيا، إلا أن الدولة الروسية تحقّق نجاحات يومية تأسر الألباب في الصناعة والزراعة، وفي التعليم والطب، والنجاح الأهم هو في سلوكيات شعبها المثقف والوطني، والمُعبٍّر عن ولاء تام لقيادته ومصالحه وتطلعاته الى حياة سلمية في المحيط السوفييتي السابق، وفي الشرق الأوسط القريب من روسيا ترابياً، والذي هو مَنبع إيمانها وحياتها الروحية والمعنوية وفضاءها العالمي.

أما وجود العربي في روسيا فحدِّث ولا حرج، فبرغم محاولات البعض تسويد صفحة العربي وتصويره على شاكلة لا تروق لعاقل، إلا أن الغالبية من الروس وقوميات روسيا تنظر للشرق العربي والعرب نظرة إيجابية، ونظرة محبة وتعاون وتعارف ورغبة في معرفة المزيد عن الاردن والبلدان العربية، وهي النظرة الروسية الإيجابية للعرب والذي هو ما أكده مونديال روسيا الأخير، برغم أن السياحة لم تأخذ بُعدُ بُعدها الانساني ومأخذها في روسيا وبينها وبين البلدان العربية، لكن يُنتظر أن تصبح واسعة وعاملة على تبادل عميق للعلاقات الإنسانية، وفي هذا الإطار يَلعب الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، ورئيس جمهورية أبخازيا راؤول خادجيمبا (الأباظة القوقازية)، ورئاسة الجمهوريتين الأُوسيتيتين الجنوبية والشمالية، دوراً كبيراً وملموساً في هذا المِضمار، ونتطلع الى المزيد في هذه العلاقات، لتنتقل الى مرحلة أخرى أكثر فعالية وللحديث بقية.

* #مارينا_سوداح: كاتبة ومثقفة من الاردن وعضو في #رابطة_القلميين العرب حُلفاء روسيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.