روسيا وأمريكا.. السِّلاح والقَمح

موقع إنباء الإخباري ـ
مَارِينَا سُودَاح*
يَلينا نِيدوغِينَا*:
أكثر من خمسة وخمسين بالمئة من المواطنين الأمريكيين أعلنوا معارضتهم لسياسة ترامب بشن الحرب على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، كذلك هي غالبية الشعب الأمريكي الذي يقف بمواجهة حالة عداء الإدارة الأمريكية لروسيا والتحرّش بها واستفزازها وعَينها منصبّة على آخرين لمضايقتهم، وهو ما بيّنته آخر حملات استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة.
يقول المُحلّل الشهير جيرمان غوريز لوبيز، أننا سنشهد في عهد ترامب إنبلاج عهد التشاركية الجيوسياسية الجديدة (G3)، وإنتهاء القطبية الأحادية للولايات المتحدة ودورها كشرطي عالمي، وستتم الاستعاضة عن ذلك بمذهب جديد يَعتمد التعددية القطبية أو “مبدأ التشاركية الجيوسياسية”، التي يُشكّلها الثلاثي الأكبر والأقوى المُتكوّن من روسيا والصين والولايات المتحدة (G3).
ومن ناحية أخرى، يقودنا تحليل القوى الفاعلة على الأرض، وسياسة ترامب وروسيا والصين، الى استنتاج مفادهُ، أن سوريا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية بدأتا تشكّلان تحدياً غير مسبوق للولايات المتحدة الترامبـية، بسبب المأزق الذي وضعه ترامب لنفسه في مواجهتهما، لذلك سيشرع الرئيس إلى تفعيل مختلف الأدوار، التي من بينها الآسيوي والأفريقي والعربي، والبحث مع روسيا والصين بخاصةٍ في وسائل إنهاء الحرب حفاظاً على ما تبقى من التأثير الأمريكي على العالم والتطلع الى ديمومة ما تبّقى منه.
ويبدو بحسب كثيرين، أن سياسة ترامب الخارجية يَشوبها اليوم التقهقر ويَعتريها التخبّط، برغم محاولته بعد ضرباته على مطار “الشعيرات” السوري، الظهور التلفزيوني بمظهر (السوبرمان) إذ فشلت غالبية صواريخه بالوصول الى أهدافها، فقد تم تحييدها ولم تُصب أهدافاً حيوية(!)، فعاد المطار فوراً الى سابق عمله بضرب أهداف حيوية للارهابيين. أما قَـنْبَلة(بفتح القاف والباء) ترامب لأفغانستان فلا يتوافر للآن مصدر عالمي أو آسيوي محايد، أو محايد متخصّص، يؤكد فعاليتها أو نجاحها باستهداف عددٍ كبير من المتطرفين وشل قدراتهم وقصم ظهورهم العَملانية بقنبلة هي الأكبر والأكثر تدميراً خارج نطاق القنابل النووية.
لكن الثابت من خلال الصحافة الأمريكية نفسها، وغالبيتها لا تتعاطف مع ترامب، وكذلك ناشروها و(التروستات) القابعة مِن خلفها، أن الحملة الدعائية الامريكية في تصوير الضربات ب”العظيمة” و”الكاسحة” نجحت في استهدافات محددة فقط هي ارتفاع قيمة أسهم شركات الأسلحة ومكانتها في السياسة الترامبية/ كذلك ارتفاع أسهم شركات ترامب وعائدات استثماراته/ وتحقيق إنتعاش ضئيل في مداخيل المصانع والمؤسسات العسكرية التي تعتاش على عمليات الحرب الخارجية. وهنا نُعرّج على المراجع المُتاحة للجميع على شبكة الانترنت، لنقرأ أن الحروب الأمريكية في العالم “حققت” إبادة 112مليون إنسان، من 400شعب وثقافة، وهي تزعم نشر الحرية، والتعتيم على مردودها على صناعات السلاح!
وفي مجال آخر نلاحظ ان القيادة الروسية البوتينية تتمتع كعهدنا بها، بالهدوء والاستقرار السياسي والدبلوماسي على عكس التخبّط الامريكي الحالي والسابق، الذي “يتميّز” بالتصريحات الانتقامية/ وانتقاد الكل/ والتهديد والوعيد/ وسياسة العصا الطاغية على الجَزرة.
وبغض النظر عن إنشغالات روسيا الكبيرة بإطفاء بؤتر التوتر الدولي المُتكاثِرة في عدة قارات بفعل الاستعمار العالمي الذي يتطلع للعودة إليها، إلا أن سياسة ودبلوماسية بوتين وميدفيديف رئيس الوزراء وسيرغي لافروف وزير الخارجية ومساعديه ونوابه، لم تتغير لهجتها الدبلوماسية التي تتسم مدرستها الروسية العريقة بالعقلانية والرُّقي والحذر السياسي واحترام الآخرين وحتى ألد الأعداء والخصوم منهم، وضرورة الوصول معهم وبهم الى قواعد وقرارات وتصوّرات مشتركة، ترى مشاركة جماعية في إنقاذ الحياة البشرية وتحقيق إنسانية الانسان وسيادة واستقلال الامم. وجدير بالذكر هنا، تعزيزاً لما أشرنا إليه، الى أن المبعوث الاممي (دي ميستورا)، وهو خصم لروسيا وسوريا، وموالي للسياسات الغربية، أكد العام الماضي بالحرف أن: “السياسة الروسية عقلانية”.
والمُلاحَظ، أن الأهم في السياسة الروسية البوتينية هو، أن نجاحها وازدهارها لا يَعتمد على بيع السلاح عالمياً، ولا على دوران الحروب أيّاً كانت، ولا على التوترات الدولية، كما هو حال الاقتصاد الأمريكي الذي يَنتعش مع كل تصريح حربي وتحرّك انتقامي. فبيع السلاح الروسي هو أحد عناوين الصادرات وليس أولها، بينما نرى أن أوضاع بيع السلاح الامريكي تجري قسراً لدول عديدة واطراف مختلفة ليس أمامها سوى شرائه!
تقول الوقائع الروسية، أن صادرات روسيا من الحبوب تتجاوز عادة صادراتها من الأسلحة، وتتجه نحو التعادل مع صادراتها من النفط والغاز، ما يدل على تنوّع الاقتصاد الروسي وقوته خصوصاً في ظل أسعار الطاقة المتدنية. وتشير (نون بوست) في تحليل واقعي لها، أن القمح الروسي في موسم العام الماضي 2016، كان أرخص من القمح الفرنسي بواقع 15 دولارًا للطن الواحد، فالقمح الروسي يتم تصديره للأسواق العالمية من موانئ البحر الأسود بسعر 165 دولار للطن.
من ناحيته ينقل موقع “أراب فاينانس” عن وكالة “بلومبرغ”، أن الولايات المتحدة خسرت مرتبة الصدارة الاقتصادية بسبب عدة عوامل، منها قوة العملة الأمريكية/ وتغيّر المناخ/ وضعف الإنتاج في الولايات المتحدة/، ما جعل من الحبوب الأمريكية أقل جاذبية في أعين المشترين. وينقل “أراب فاينانس” أقوال وزير الزراعة الروسي، ألكسندر تكاشوف، بأن صادرات روسيا من المُنتجات الزراعية تبلغ في العام الجاري2017 نحو 177مليار دولار، إذ تحتل روسيا المرتبة الأولى في قائمة مصدري القمح في العالم، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة وكندا، بصادرات بلغت 25 مليون طن في العام الزراعي الماضي.
وبذلك، تكون روسيا قد حقّقت إقتصاد السلام، تاركة لغيرها إقتصاد الحرب، الذي لن يدوم طويلا!
*مارينا سوداح ويلينا نيدوغينا: عضوتان ناشطتان وقياديتان في رَابِطةُ القَلَمِيِّين مُحِبِّي بُوتِين وَرُوُسيّه للأُردنِ وَالعَالَم العَربِيِّ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.