زيارة بومبيو محاولة للتعمية على سقوط المشروع الأميركي الصهيوني وأدواته

 

صحيفة البناء اللبنانية ـ
ريمون هنود:

قبل أن يأتي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان، عرّج على فلسطين المحتلّة ليحفظ عن ظهر قلب دروساً في الوقاحة والصلافة من قادة أخطر كيان صهيوني عنصري استيطاني دموي توسّعي، معادِ للإنسان ولكلّ مبادئ الإنسانيّة والعدالة الاجتماعيّة.

جاء بومبيو إلى لبنان، وقد حفظ درسه جيداً، وفحوى الدرس الممجوج أنّ حزب الله يزرع الإرهاب في المنطقة والعالم، متعامياً عن حقيقة أنّ مقاومة الشعوب للاحتلال والعدوان حق تكفله المواثيق الدولية، وأنّ بلاده هي الراعية الأولى للإرهاب في العالم، وهي التي تستخدم الإرهاب لتأبيد هيمنتها الآحادية القطب ولنهب مقدرات العالم وثرواته وموارده.

حين تعلن الولايات المتحدة الأميركية أنّ حزب الله حزب إرهابي، فهذا معناه، أنّ المقاومة تشكل عقبة كأداء بوجه مشاريع الهيمنة الأميركية الصهيونية، وهذا الاتهام الأميركي ليس جديداً، ففي الأمس القريب والماضي البعيد أصابت تهمة الإرهاب الأميركي ـ الصهيوني، قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية والقومية.

القاصي والداني يعلم أنّ كلّ حروب الإبادة الأميركية ضدّ الدول والشعوب، هدفها السيطرة على كافة منابع النفط والغاز في العالم لا سيما في منطقتنا، لذا نطق عهرها السياسي قائلاً مع كليمنصو، إنّ كلّ قطرة من البترول نفوز بها توفر علينا قطرة دم وفي حال لم نفز بها من دون سفك دماء حلالٌ علينا إراقة الدماء.

إنّ كلّ من يقف عائقاً وحائط صدّ منيع في وجه الغطرسة الأميركية يُتّهم بالإرهاب وهي تُهمة أباحتها كذبة كبيرة اسمها صدام الحضارات وضعها زبيغينيو بريجنسكي وقد أوصى رفيقه صموئيل هينغتنغتون بتنفيذ وصاياها بكامل حذافيرها، والتي تتيح حق التوسّع اللانهائي الأميركي وكلّ ذلك طبقاً لمقولة الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ولسن، «انّ القيادة المعنوية للعالم قد أعطيت لأميركا وحدها».

ولأنّ «القيادة المعنوية أعطيت لأميركا وحدها» بحسب وودرو ولسن، فإنّ أميركا هي المسؤولة عن كلّ ما يصيب العالم من إرهاب وإجرام ودمار وفوضى، وفي هذا السياق تقع جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وهذا ما يؤكده رجل القانون الألماني والباحث في علم الجنائيات في جامعة هومبلت ببرلين يورغن كولبل، في كتابه أدلّة مخفيّة الصادر عام 2005، حيث يستشهد بما ورد في كتاب الكابوس الأميركي لمؤلفه واين ماديسن، الذي قال إنّ اغتيال الحريري تمّ إقراره بموافقة إدارة بوش الابن وحكومة شارون الليكوديّة، لأنّ الحريري عارض بشدة بناء قاعدة جويّة أميركيّة في شمال لبنان، كانت واشنطن تهدف من خلالها الى حماية خطوط نقل النفط الأميركي في المنطقة باكو نفليس، جيجان والموصل كركوك، وكذلك لزعزعة حكومة الأسد في سورية، ويضيف ماديسون في كتابه أنّ اغتيال شخصيات سياسية بمستوى الحريري قرارٌ يتخذه مسؤولان فقط لهما موقعان حسّاسان في البيت الأبيض، هما معاون موظفي البيت الأبيض كارل روف، ومعاون مستشار الأمن الوطني اليوت أبرمز، والأخير يُعتبر حلقة الوصل الأساسية بين البيت الأبيض ومكتب شارون للعمليات الاستخباراتيّة بما في ذلك الاغتيالات السياسيّة، فضلاً عن أنّ مجلة انتيليجنس ريفيو الأميركية، وفي عددها الصادر بتاريخ 27/2/2005، قالت إنّ اغتيال الرئيس الحريري في بيروت كان عملاً خططت له عصبة المحافظين الجدد التي تدير البيت الأبيض، والتي وضعت حينها وثيقة اسمها وثيقة التغيير الجذري Clean Break، وكانت مسودّتها قد دوّنت في العام 1996 تحت إشراف ديك تشيني وبالتعاون مع ريشارد بيرل ودوغ فيت وديفيد وورمسر. وتدعو أيّ تلك الوثيقة الى القضاء بشكل كامل على كلّ ما أقرّته اتفاقية أوسلو عام 1993، بحيث يتمّ بعد ذلك استهداف العراق أولاً، ثم سورية ثانياً، ثم لبنان ثالثاً، ثم حزب الله وإيران بهجمات عسكريّة، كما نصّت الوثيقة على ضرورة استخدام عناصر المعارضة اللبنانيّة، بهدف زعزعة السيطرة السورية على لبنان، تمهيداً لبناء شرق أوسط جديد، يكون الكيان الصهيوني هو المهيمن عليه من خلال إشرافه على مجموعة دول تمسي أنظمتها عميلة للمشروع الأميركي الصهيوني.

التذكير بما تمّ كشفه في أعقاب اغتيال الحريري، هو لفضح أهداف زيارة بومبيو إلى لبنان، والتي ترمي إلى التحريض لإحداث فتنة داخلية في لبنان، لأنّ الأميركي لا يزال يتوهّم بأنه قادر على تعميق الانقسامات على غرار ما كانت عليه على أثر اغتيال الحريري.

الولايات المتحدة غزت العراق لنهب ثرواته ونفطه، وقادت حربا إرهابية كونية على سورية لإسقاط الدولة ونهب النفط والغاز السوريّين، خصوصاً أنّ انتاج النفط في سورية قبل اندلاع الحرب الكونيّة عليها، بلغ 385 ألف برميل، وكذلك الأمر بالنسبة الى الغاز الطبيعي التي كانت تنتج البلاد فيه نحو 21 مليون متر مكعب وهذا ما أشارت اليه وزارة النفط السوريّة.

والجدير ذكره أنّ مخطط مشروع القرن الأميركي الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد تحت عنوان إعادة بناء الدفاعات الأميركيّة قبيل غزو أفغانستان والعراق، وهدف الى دمج منطقة الشرق الأوسط في منطقتي الشرق الأدنى وآسيا الوسطى، على أساس اعتبارات جيولوجية جرّاء تمركز مخزونات النفط العالمي فيها.

أما نظرية الفوضى الخلاقة فهي لم تنطلق في العام 2003 بل في العام 1982، فقد كتب عوديد ينون الصحافي والموظف في وزارة الخارجية الصهيونية في شهر شباط 1982 مقالاً في مجلة «كيفونيم» المتخصصة في الشؤون العسكريّة الصهيونية يقول فيها، إنّ غايتنا من خلق الفوضى الخلاقة هي سيطرة الغرب على نفط العالم الثالث لأنّ الغرب هو بأمسّ الحاجة الى استيراد معظم مواد الخام من دول العالم الثالث. وغايتنا لن تتحقق والكلام لـ ينون الّا بتفتيت لبنان الى خمس مقاطعات، ومن ثم تفتيت سورية والعراق لاحقاً الى مناطق ذات خصوصية اثنية ودينية، وتفتيت سورية بنوع خاص وتقسيمها الى دويلات سنيّة وعلويّة وكرديّة ودرزيّة، هو من سلّم أولوياتنا، لأنّه بنجاحنا بذلك سيكون الأمن والسلام في المنطقة في متناول أيدينا.

أما الآلام النفسية التي نجمت عن هزيمة أميركا في سورية، أصابت سهامها هنري كيسنجر، وزير خارجية أميركا الأسبق، في الصميم إذ إنه بتاريخ 15/2/2012 نشرت صحيفة «نيويوركور» الأميركية، حديثاً له، أهمّ ما جاء فيه، لن نتمكن من هزيمة سورية لأنّ الغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري تحبّ الرئيس بشار الأسد ولم تخذله، وأضاف أنّ الرئيس حافظ الأسد هو الرجل الوحيد الذي هزمني في حياتي وقهرني وأذلّني، واليوم سورية بشار الأسد أدهشتني، وما يثير استغرابي كيف استطاع السوريون بناء هذه البنية التحتية العملاقة مقارنةً مع مواردهم، انظروا إليهم، الطبابة مجانية، والتعليم مجّاني، ومخزونهم من القمح يكفي لخمس سنوات، إنما أكثر ما أثار دهشتي، هو تلاحم الجيش حول الرئيس بشّار، وما لدينا من معلومات عمّن انشق وهرب من الجيش لا يزيد عن 1500 جندي من أصل 500 ألف. أنا لا أعرف كيف لهذا الشعب أن يكون موحّداً وهو مكوّن من 40 عرقاً أو طائفة؟

وبعد كلّ هذا السرد، أيُعقل أن يسأل عاقلٌ منّا اليوم لمَ أتى بومبيو الى لبنان؟!

نعم لقد أتى عقب سقوط المشروع الأميركي الصهيوني في سورية ليشعل نار الفتنة في لبنان عبر التهديد والتحريض، وواجبه يبرّر سلوكه، إذ أنّ من يتحكّم في صناعة القرار الأميركي هي منظمة ايباك الصهيونية منذ العام 1959، وقد أوعز ذلك الكيان اليه بالتحريض الهائل ضدّ الحزب، خصوصاً أنّ الرئيس الأميركي ترامب اعترف بالسيادة الصهيونية على الجولان المحتلّ، وفي ظلّ استمرار تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة، برعاية صفقة القرن الهادفة الى تصفية قضيتنا المركزيّة فلسطين تصفية نهائيًة، وتجدر الإشارة، الى أنه غداة إعلان مندرجات تلك الصفقة، ذكرت أغلبية وسائل الإعلام الصهيونيّة كلاماً منسوباً الى المبعوث الأميركي لما يسمّى بعملية السلام في الشرق الأوسط جايسون غرينبلات، مفاده أنّ مقترح حلّ الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقيّة على حدود 4 حزيران 1967 ليس أساساً لخطة السلام الجديدة!

من هنا، يصحّ القول يا مستر بومبيو، بأنّ ما أخذتموه بقوة السلاح والقتل والتدمير لن تعيدوه بالحسنى، وأنا أصدق ذلك، لكن في المقابل يجب أن تتقبّلوا، أنّ من انتصر على مؤامرتكم على سورية وعلى محاولة سيطرتكم على الشريط الحدودي في جنوب لبنان مجدّداً عام 2006، لن يقدّم تنازلات لكم في السياسة لأنه انتصر عليكم بالسلاح، ولأنّ حزب الله نجح في تحويل المخرز الصهيوني الى عينٍ جبانة لم تعد تقوى على مقارعة المخرز اللبناني، والمثل يقول إنّ الضربة التي لا تميتك تقوّيك أضعافاً، فكيف يمكن أن يكون حجم قوّة الحزب اليوم وهو الذي انتصر على ضرباتٍ برمّتها استهدفته ولم تستطع إماتته؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.