سْوتُشي: شَرعية دولِية.. وأمريكا والغرب خارج التسوية الأَوسطية

موقع إنباء الإخباري ـ
الأَكاديمي مَروان سودَاح*:

كما كتبت في مقالتي الأُولى عن حوار سوتشي، فقد تأكد بأنه دولي وشرعي، ويتم تنظيمه في الإطار الأُممي للشرعية الدولية بالذات، إذ حَجزت الامم المتحدة فيه مَقعداً لائقاً ورئيسياً بدون تواجد أمريكي، لتكون المنظمة الدولية بدون واشنطن هذه المرة في خِضم الحدث السوري – الروسي المشترك والرئيس، والذي تريده موسكو أن يكون التظاهرة الأكبر والأضخم عالمياً في الشأن السوري، وليؤكد خيارها السلمي على خيار الحرب الأمريكي، إذ يُراد لهذا الحوار الذي تبذل موسكو كامل جهدها لإنجاحه أن يتميّز بمخرجات أساسية مُستدامة يتوصّل اليها السوريون أنفسهم، دون “سوريي الخمس نجوم” وأصحاب الارتباطات العسكرتارية، ممن لا مكان لهم في سورية الغد ولا في موسكو اليوم وكل يوم.

ويُشير نأي أمريكا بنفسها عن حوار سوتشي الى حالة العجز التي تعاني منها الإدارة الامريكية والسياسة الامريكية عموماً في المنطقة العربية، وعلى الارض الحليفة لروسيا، وعجزها عن التشكيل النهائي للمنطقة من خلال الخريف العربي، بل أن البعض ذهب الى القول بأنه لا يوجد معالم للسياسة الامريكية في المنطقة حتى نقول بعجز السياسة الامريكية فيها..!

حوار سوتشي واستمراريته علامة مهمة وجديدة لفعالية تمثل أوسع أطياف ومؤسسات الشعب السوري ومؤسساته السياسية والاجتماعية والمدنية، فهو يَحترم السيادة السورية ويؤكدها، ويُساند استقلالية الدولة السورية وقرارها السيادي المستقل طبقاً لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي الإنساني، ويُطالب بنتائج إيجابية حَصراً يتوصّل إليها السوريون أنفسهم، وهو الأمر الذي تطمح إليه روسيا برعايتها الحوار على أراضها بالذات، لاسيّما أن سوتشي قد اكتسبت منذ ولادة الاقتراح الروسي شرعية دولية بمسيرتها الملازمة للأمم المتحدة، وباستنادها إلى قراراتها، وبخاصة “استنساخها” مخرجات “جنيف8” “طبق الأصل” كما يَصف ذلك صحفيون ومعلقون سياسيون مشاركون في حوار سوتشي، الى تأكيد موسكو والدول الحليفة لها لدورهم الأول والأساسي أيضاً في التخلص الحقيقي والنهائي من الارهاب بكل أشكاله المادية والمعنوية والإعلامية.

لذلك، نشهد كيف أن حوار سوتشي يُساهم في إنجاح اجتماعات جنيف بإنعاشها خشية مواتها من خلال مفاوضات وحوارات في روسيا، تؤكد الارتقاء الى تحمّل مسؤولية اللحظة التاريخية الحاسمة في سورية، ومساندةً جهود استقلال سورية بأيدي السوريين أنفسهم، وهو ما تدعمه رعاية جماعية من روسيا والامم المتحدة وإيران وتركيا، إضافة لمشاركة دول عربية في سوتشي منها الاردن الذي يُشارك بصفة مراقب، حيث أعلنت وزارة الخارجية الاردنية الأحد الماضي، أن مستشار الوزير، نواف التل، سيرأس الجانب الاردني، وهو تطوّر ملحوظ يَعود الى أسباب وعوامل مهمة منها، ضرورة تحجيم الارهاب والقضاء عليه قبل أن يُشكّل مَخاطر تتمثل في ارتداده على الأردن ودول أُخرى، ولوجود حدود طويلة بين الدولتين سورية والاردن، وبين سورية وتركيا. ومن الملاحظ كذلك أن وجود تركيا والاردن في سوتشي، إنما يَعكس تعمّق علاقاتهما السياسية والعسكرية مع الراعي الروسي للحوار السوري – السوري، ويتخذ ملامح جديدة، بينما إيران تعتبر حَليفاً للروس في شتى المجالات.

أما الموقف البريطاني فهو كما يبدو يبقى مُلحقاً بالركب الأمريكي، إذ يُكثِرُ من التشكيك بسوتشي بمختلف الاتجاهات وبدون أسباب وجيهة، ويتناسى مشاركة الامم المتحدة فيه، وكأن القيادة في لندن لم تسمع عن مشاركة ديميستورا وغيره في سوتشي، ولم تسمع كذلك تصريحات غوتيريش الامين العام للأمم المتحدة حول تأييده لسوتشي التي يُعارضها الفرنسيون أيضاً، لكن أهداف هؤلاء إنما تتكشف عن رغبتهم الإبقاء على القضية السورية بيدهم هم وحدهم دون السوريين!

بالنسبة للموقف البريطاني، فهو يأتي بعد سلسلة مواقف معادية لروسيا لإبعادها عن مناطق النفوذ البريطانية التقليدية عبر التاريخ في البلدان العربية، ويُخيّل إلينا ونحن نستمع للتصريحات “الانجليزية”، بأن روسيا هي العدو الأول لبريطانيا وليس الارهابيين الدوليين (!).

ان الموقف الغربي الموحَّد المعادي لسوتشي هو عملياً اعترافات واضحة منها بدور روسياً المحوري في سورية والمنطقة العربية، والذي تؤيدة سورية رئيساً ودولةً، وبأهمية حوار سوتشي دولياً، وبأنه يَعمل فعلاً ضمن إطار الامم المتحدة وتحت مظلتها الاممية وفي اتجاهها ولتعظيم قراراتها، ولدعم مسيرة الشرعية الدولية التي كانت موسكو وما زالت تشدّد عليها من أجل تكتيل الجهود لدعم حوار مفتوح وحر بين السوريين الأصلاء للوصول الى حل حقيقي للقضية السورية، واستبعاد التدخلات الاجنبية في شؤونها الداخلية عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وفي غيرها من المجالات.

عدة مئات من السوريين ومن بينهم ممثلو المعارضات الوطنية وصلوا من دمشق ومن خارجها على متن عدة طائرات، إضافة الى وفود من تركيا ودول الجوار السوري، لكن “المعارضات الوطنية!” المتمترسة في عواصم مناهضة للسيادة للسورية، لم تحضر، وهو ما يؤشّر الى وجود عواصم تديرها وتتحكم بمساراتها وتصريحاتها ومطالباتها، وبدون مشاركة هذه المعارضات تتفق الوفود المشاركة في الحوار على نجاحه بدون مَن ينأى بنفسه عنها، حيث يبتعد “المَنئي بنفسه” عن الحدث الأهم الذي هو صناعة القرار السياسي، والذي ينسحب كذلك على مُشغّلي تلك المعارضات الذين أفشلوا أنفسهم بالحصول على مقعد في سوتشي، كما أفشلت واشنطن نفسها ليس في الحل السوري – السوري فحسب، بل وفي القضية الفلسطينية أيضاً، حين وحيث بقيت إدراتها الحالية، ولحقت بها الإدارة الفرنسية، خارج حَركية التسوية في المنطقة برمتها لصالح روسيا والدول الضد لأمريكا، لاسيّما بعد إنقاذ واشنطن أبو بكر البغدادي وقادة تنظيمه من حتمية التصفية روسياً، ونقلهم الى أفغانستان على جناح السرعة ليُديرون من هناك بالذات.. من الـ”هارد لاند الأُوراسية”.. تدخّلاً سافراً جديداً على الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية سابقاً!

مهمة حوار سوتشي الأن وقف تحويل سورية الى فلسطين ثانية، ووقف أنشطة تجار الحروب وباعة السلاح الى الفرقاء السوريين وغير السوريين، ومنع دخول المزيد من الارهابيين الاجانب الى سورية ودول الجوار السوري، وإيجاد قواسم مشتركة أكثر للوصول بسورية الى بر الأمن والآمان، لأن هذا بالذات يجب ان يكون الهدف الأول والأسمى والأعلى والإستراتيجي المَاثل اليوم أمام جميع المشاركين في سوتشي.

*#مروان_سوداحمؤسس ورئيس #رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين الاَلِكْتْروُنِيّةِ مُحِبِّيِ #بُوُتِيِن ورُوسيِّهَ فِيِ الأُردُن والعَالَم العَرَبِيِ ومتخصص أردني بالشأن الروسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.