عقيدة الحرب التي لا تتحدث عنها #إسرائيل

1280x960-35

استعرض “رون تيرا”، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في مقال نشره موقع War on the Rocks ما أسماه عقيدة الحرب الثانية للجيش الإسرائيلي، والتي قال إن إسرائيل لا تريد أن تتحدث عنها.
وقال الكاتب بداية: “تشتهر قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بعقيدتها العسكرية: سلسلة من العمليات الحاسمة السريعة، التي تستند على هجمات مثيرة للدهشة للأسلحة المشتركة. في حرب الأيام الستة وحرب يوم الغفران، كسرت الدبابات الإسرائيلية أرقامًا قياسية عالمية في التوغل في عمق الأراضي في يوم واحد. ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي عمل بطريقة تتعارض مع عقيدته الرسمية خلال حملاته العسكرية الرئيسية الستة الماضية وهي: عملية “تصفية الحساب” (1993)، عملية “عناقيد الغضب” (1996)، وحرب “لبنان الثانية” (2006)، وعملية “الرصاص المصبوب” (2008- 2009)، وعملية “عمود السحاب” (2012)، وعملية “الجرف الصامد” (2014). أدعو هذه الحملات الست “حملات يحكمها منطق المحاسبة”.

وأشار الكاتب إلى أنه اقتبس هذا الاسم من عملية “تصفية الحساب” الأصلية في عام 1993، عندما تدخلت إسرائيل في لبنان لمحاربة “حزب الله”.

وفقًا للكاتب، فقد سعت هذه العمليات الست فقط لتشكيل السلوك المستقبلي للعدو من خلال توجيه ضربة أو التسبب في الاستنزاف من خلال القوة النارية، في الوقت الذي يتم فيه تقليص الموارد المخصصة وتقليل المخاطر.

وأضاف الكاتب أنه إذا نُظر إلى كل حملة كحلقة معزولة، فإنه يمكن تفسير الطريقة القتالية التي تبدو شاذة في الجيش الإسرائيلي بعيدًا عن حالات من حكم الفرد أو الانحراف عن العقيدة التي قد تتطلب التحقيق (كما حدث في عام 2006). ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي التزم بأنماط عملية متكررة خلال ستة حملات على مدار عقدين ونصف. على هذا النحو، هذه ليست انحرافات بل تطبيق لعقيدة الحرب الثانية – العلنية، ولكنها لم تكتب رسميًا أو مؤسسيًا. والنتيجة هي التوتر المتكرر والتنافر بسبب التوقعات السائدة داخل الجيش الإسرائيلي ولدى العامة، استنادًا إلى وثائق رسمية والاختلاف عن وثائق العقيدة الرسمية.

الفكرة المركزية: ضربة قوية أو استنزاف بدلًا من الحسم

وذكر الكاتب أن الجيش الإسرائيلي لم يهدف في أي من الحملات الست للإطاحة بالخصم والوصول إلى الحسم العسكري. بدلًا من ذلك، فقد سعى لتوجيه ضربة أو لإضعاف الخصم.

وفي الوقت نفسه، يقوم الجيش الإسرائيلي بتفعيل وسائل ضغط غير مباشرة (سواء كان ذلك عن طريق الجو أو حصار بحري) لإفساح المجال أمام آليات الدبلوماسية، التي من شأنها تسهيل إنهاء القتال والسماح لإسرائيل بتحقيق أهدافها الإستراتيجية. وهذا يشمل الحالات التي تحدث فيها المسئولون الرسميون عن إزالة هذا التهديد. حتى عندما حُددت أهداف بعيدة المدى رسميًا ظاهريًا، مثل “طرد حزب الله من منطقة جنوب لبنان” أو “نشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان”، لم يسع الجيش الإسرائيلي لتنفيذ حملة لتحقيق هذه الأهداف. ولذلك فمن المشكوك فيه ما إذا كان يمكن اعتبار هذه الأهداف حقيقية.

في هذه الحملات، كانت العمليات البرية محدودة النطاق وكانت مصممة وفقًا لمنطق الغارات الصغيرة، والعمليات الخاصة، والضغط العام (على مشارف مدينة غزة أثناء عملية الرصاص المصبوب)، أو لتحقيق هدفٍ بعينه (مثل تحييد حماس هجوميًا عبر الأنفاق الحدودية في عملية الجرف الصامد). لم تجر أية هجمات برية وفقًا لمنطق أوسع أو أكثر طموحًا. ولم يُتخذ أي هجوم جريء واسع النطاق.

أشار الكاتب إلى أن الهدف الرئيسي “الحقيقي” للجيش الإسرائيلي كان أن يسبب المزيد من الضرر للخصم (كمًا وكيفًا) أكثر مما سببه الخصم لإسرائيل في نفس الفترة الزمنية. وبهذه الطريقة، كان الجيش الإسرائيلي يأمل في إقناع خصمه أن القتال كان عديم الجدوى، وإقناعه بقبول بعض الشروط الإسرائيلية -على الأقل- لترتيبات مرحلة ما بعد الصراع، وإقامة الردع الذي من شأنه تأجيل الجولة المقبلة من القتال.

وتابع بقوله إنه الفكرة الرئيسية كانت لتنفيذ حملة “موازية”: السماح للخصم الأضعف بتنفيذ حملته المخططة ضد إسرائيل في الوقت الذي ينفذ فيه الجيش الإسرائيلي حملة من شأنها أن تسبب ضررًا أسوأ للخصم.

واستطرد الكاتب قائلًا إنه بشكل عام يمكن القول إن الحملات العسكرية الست “حملات يحكمها منطق المحاسبة” قد شملت أربع مراحل: الأولى، مرحلة توجيه ضربة نارية [ضربة جوية مكثفة] ضد الأهداف المدرجة قبل بدء الحملة؛ الثانية، مرحلة تريث بعد استنفاد الأهداف المدرجة مسبقًا، وقبل صدور قرار بشأن مناورة برية هجومية؛ الثالثة، مرحلة العمليات البرية (بشكل عام محدودة النطاق)؛ والرابعة، مرحلة إبقاء الضغط حتى ينضج الطرفان بشكل كافٍ لوقف إطلاق النار.

وتساءل الكاتب بقوله: لماذا اختارت إسرائيل أن تعمل ست مرات وفقًا لهذا النمط؟

وأجاب بقوله: “قد يكون الجواب ببساطة لأنها كان باستطاعتها القيام بذلك. وتعكس الحملات العسكرية الستة “حملات يحكمها منطق المحاسبة” تفضيلًا لإدارة الموارد وإدارة المخاطر، بدلًا من المخاطرة واحتمالية دفع الثمن غاليًا. وقد تكون إسرائيل عجزت عن اتباع ذات النمط في حال مواجهتها خصمًا عالي الكفاءة، قادرًا على الدفاع عن مجاله الجوي، وقادرًا على مواجهة المخابرات الإسرائيلية أو مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي، أو قادرًا على تشكل تهديد أكثر أهمية لا تستطيع إسرائيل أن تواجهه بشكل دائم”.

تكشف هذه الحملات الست-بحسب الكاتب- عن أن صناع القرار في إسرائيل قد رأوا أن نتيجة متواضعة للحملة تتحقق بتكلفة متواضعة ومخاطرة أقل كانت أفضل من تحقيق نتيجة ممتازة تحققت بتكلفة عالية المخاطر.

هذه التفضيلات ممكنة عندما تواجه إسرائيل عدوًّا للدولة شبه ضعيف نسبيًا. وعلاوة على ذلك، كانت المخاطر في الحملات الستة ليست عالية جدًا، إن ما كان على المحك في الحملات العسكرية الست لم يكن أمرًا من العيار الثقيل: عمومًا، مفاوضات عنيفة بشأن الحدود الدقيقة لحرية السلوك العنيف للأطراف في “الأوقات الاعتيادية”، أو حادثة خرجت عن السيطرة، مما جعل صانع القرار الإسرائيلي يعتقد، على ما يبدو، عن معرفة أو عدم دراية، بأن الأمر لا يستدعي وسائل وأساليب من العيار الثقيل.

بشكل عام، نشأت الحملات العسكرية الست “حملات يحكمها منطق المحاسبة” من عدم وجود اتفاق حول حدود كل طرف في الصراع منخفض الحدة.

كما أنه ووفقًا للكاتب، لم يحسم الحل العسكري الوضع النهائي مباشرة في أي من هذه الحملات الست.

بعد مرور وقت كاف، كان طرفا الصراع يخلصان إلى أنهم قد استنفدوا التدابير التي كانوا على استعداد لاستخدامها (وليس بالضرورة كل الوسائل المتاحة لها)، وأن الوقت لم يعد يعمل لصالحهم، وأنهم اختاروا الخروج من النزاع.

الكاتب ذكر أنه في معظم الحملات الست، وافق خصوم إسرائيل على وقف إطلاق النار أولًا، وإسرائيل هي التي أصرت على المزيد من الوقت للقتال. الإصرار على وقت إضافي ربما نتج من التنافر في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، بينما انتظر البعض تحقيق حسم عسكري، وحتى إن أجرى الجيش الإسرائيلي حملة قسرية أو حربًا للاستنزاف.

واختتم قائلًا إن معظم هذه الحملات انتهت مع ترتيب دبلوماسي دولي، ولكن السمة الرئيسية للانتهاء من معظم الحملات العسكرية الستة “حملات يحكمها منطق المحاسبة” هو الفرق بين الترتيبات الرسمية التي وضعت حد لها وتشكيل عوامل الواقع التي تنبثق منها.

المصدر: لبنان 24

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.