عندما تصبح المدرسة كابوسًا لطلابها

موقع العهد الاخباري ـ
نور الهدى صالح:

رشوةٌ إلى بوّاب المدرسة كفيلة لإطلاق سراحك. تهرب من الجوّ الدراسيّ، فتتناول وجبة الفطور في مطعم مجاور، أو تخرج في نزهة مع الرفاق الذين شاركوك المهمة. يحكي حسين أحد طلاب الثاني ثانوي تجربته في الهروب خلال الدوام، معتبراً أن المدرسة تحدّ من حريات الطالب بشكل كبير، ما يجعله يبحث عن طريقة للهروب منها.
“الناطور” أي حارس البوّابة يشكّل العائق الأساس أمام الطلاّب أثناء هروبهم. لذلك يلجأ حسين إلى تقديم علب دخان له. “من حسن حظي بيقبل رشوات” يعلّق ساخراً. ويشير إلى أنّ الملل الناتج عن التلقي المتواصل للمعلومات يعدّ الدافع الأبرز للهرب.

حسين واحد من طلاب كثر لجؤوا للفرار من مدارسهم، فتنوّعت أساليبهم ودوافعهم مبرِّرةً من وجهة نظرهم ممارسة هذه الخطوة. أمّا علي فيعتبر في الهروب “فشّة خلق” لما يواجهه الطالب من ضغط يوميّ ضمن دوامه الدراسيّ. فهو يفرّ مستعيناً بأحد رفاقه ليلهي حارس البوّابة أثناء تسلقه الجدار الخلفي للمدرسة. ويقفز إلى الشارع محققاً بذلك “انتصاراً” على حدّ قوله. علي أحد طلاّب الاجتماع والاقتصاد يستمتع بمحاولات الهرب خلال الدّوام. ويعترف أنّ أولى تلك المحاولات كانت في الصفّ الثامن، حين وبّخته إحدى المعلّمات. وعلى الرغم من حساسيّة صفّه لازال يعمد إلى الفرار مستخدماً الأسلوب نفسه.

تعارض نسرين، طالبة العلوم المخبرية فكرة هروب التلاميذ من مدارسهم، معتبرة أن هذا العمل “طائش” وغير مسؤول. وتستدرك أهميّة أن يلتزم الطالب بالأنظمة الّتي تشكل سبيلاً من سبل النّجاح، الّذي يجهد الأهل بكل الوسائل من أجل أن يحققه أبناؤهم. بينما يرى زميلها محمّد أنّ النجاح لا يرتبط دائماً بمسألة الفرار من المدرسة، بل بالإصرار عليه. ويكمل قائلاً “ياما هربنا، ونجحنا.”

أمّا أيمن فيبرر هروبه بكونه مجبراً على دراسة اختصاص لا يحبّذه، فلم تمنعه كثرة الوشايا به من الاستمرار بالهرب. يرمي محفظته من نافذة الصف، ويفرّ مستغلا غياب الناطور وغير عابئ بالكاميرات المزروعة في محيط المدرسة. يعدد أيمن الانذارات التي استلمها بعد اكتشاف مسألة هروبه بشكل متكرر. “أكلنيها أكتر من مرّة طرد” يقول ضاحكاً، متوعداً الفرار بأسلوب جديد في المرّة القادمة.

متى يصبح الهروب ظاهرة خطرة؟

يعدّ الهروب واحداً من المشاكسات التي يحب المراهق تجربتها بدافع الفضول واختبار أمور جديدة. إلاً أنّها قد تتحوّل إلى مشكلة تحتاج إلى علاج عند تخطيها الحدّ الطبيعي. “فالهروب غير المتكرر من المدرسة يعدّ أمراً شائعًا يلجأ إليه معظم الطلاب في مراحلهم التعليمية”. هذا ما يبيّنه في مقابلة مع موقع “العهد” وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس. درباس الذي يجد الأمر عاديًا، يستدرك كلامه مشددا على “خطورة أن تتطوّر هذه الحالات الفردية غير المتكررة وتصبح ظاهرة، أو يتعدّى الطالب مرحلة الهروب إلى مرحلة التسّرب”.

ثانوية

وهنا يجدر بنا أن نفرق بين الهروب والتسرّب الذي يعدّ أكثر خطراً.  فالتسرب بحسب تعريف اليونسيف (عام 1992) هو ترك الأطفال مدرستهم دون اكمال المرحلة التعليمية أو عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لعوامل أخرى. هذه الظاهرة التي يصفها الوزير درباس “بالخطيرة جداً” لما لها من تأثير سلبي على المجتمع، تتجه إلى مزيد من التفاقم في لبنان وهذا ما بينته مقارنة الاحصاءات خلال الأعوام الماضية. وهنا بعض الاحصاءات التي بيّنها المركز التربوي للبحوث والانماء، حيث سجلت نسبة التسرب بين عامي 2007 و2008 2% في الاول اساسي، و 1% في الصفين اللاحقين لتعود وترتفع الى 3.4% في صف الرابع و 3.1% في الخامس و 4.7% في السادس، أمّا في صفوف المرحلة الثانوية فقد بلغت 7%.

الأسباب الكامنة وراء الهروب والتسرب

من وجهة نظر الاختصاصيين في علم النفس التربوي – الاجتماعي، تعدد الاختصاصيّة في الإدارة التربويّة فاطمة نصر اللّه في مقابلة مع موقع “العهد الاخباري”، بعض الأسباب الكامنة خلف هذه الظاهرة. ومن بينها محاولات الطالب لإثبات تميّزه على الآخرين، “فالهرب من وجهة نظر الطالب مغامرة، أمّا من وجهة نظر البالغين هو نوع من التّهور على حساب تحصيله العلميّ”. وتضيف “أنّ قصور الطالب وبالأخص في المواد العلميّة، يدفع الأخير للهروب معتبراً أنّ دراسة هذه المواد هي نوع من تضييع الوقت”. كذلك تعتبر نصر الله “أنّ ضعف أداء المدرسة من النّاحية التربويّة والتعليميّة، واستخدام أسلوب القسوة والتعنيف قد يحفّز الطالب على الهرب”. يثني على رأيها درباس مشيراً إلى التقصير الذي تعاني منه بعض المدارس في لبنان، فتفتقد قواعد جذب التلميذ للدراسة، سواء “باعتماد هذه المدارس على مناهج وبرامج تنفر الطلاب من التعليم، أو حتى باختيارهم لأساتذة غير مؤهلين”. لذلك فعلى هذه المدارس إنماء كفاءاتها والاعتماد على أساليب تعليمية جديدة وأنشطة مختلفة تبعد الملل وتوصل المعلومة بطريقة أسهل تفادياً لانتشار ظاهرة هروب أو تسرّب الطلاب من مدارسهم.

مسؤولية الأهل

يشير درباس إلى أهمية دور الأهل في تعزيز هذه الظاهرة أو تخطيها. “حيث يكمن دور الأهل في المساهمة بدفع أبنائهم نحو الاستنارة والعلم للتخلص من الجهل والفقر”، وهذا ما توافقه عليه نصر الله، التي تبين “أهمية تشجيع الأهل لأبنائهم ومواكبة مستواهم التعليمي بشكل دائم من أجل خفض مستويات التسرب المدرسي”. وتشدد على ضرورة وجود علاقة بين الأسرة والمدرسة لمعرفة نقاط ضعف وقوّة الطلاّب وإيجاد الحلول اللازمة. وتعتبر نصر اللّه أنّ الأسرة تلعب دوراً أساسيّا في التّأثير على الولد وسلوكه الدّراسيّ، “فعدم استقرار العائلة ينعكس على نفسيّة التلميذ، ما يجعله عاجزاً عن فهم المعلومات أو تقبلها”. وتضيف أنّ الحاجة إلى العمل مكرهاً كان الطالب أو بإرادته، يعد سبباً للفرار في سبيل تأمين لقمة العيش، “وهنا يأتي دور الدّولة في تحمّل المسؤوليّة ووضع خطّة اجتماعيّة لمواجهة هذه الظاهرة”، تقول نصرالله.

مسؤولية الدولة

تناشد نصر الله الدولة وتأمل “وضع خطّة فعّالة لمواجهة عمالة الأطفال، ولتوفير النفقات المترتبة على الأهل من ناحية تأمين التعليم لأبنائهم”. وتستدرك المسؤوليّة الّتي تتحملها وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في تعزيز أو منع هذه الظاهرة.

في الإطار نفسه يشدد وزير الشؤون الاجتماعية على أهمية دور الرقابة الاجتماعية في الحد من هذه الظاهرة. ويبين درباس أن كل من وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة التربية، الجمعيات الأهلية وبعض المدارس وضعوا التدابير لمواجهة هذه الظاهرة، “إلا أن الحل الأبرز للمشكلة يكمن في خلق مناخ جيدٍ لهؤلاء الطلاب لجذبهم وتحفيزهم علميًا”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.