في الضاحية: “ما وقفت على مخالفتي أنا”

iman-moustafa-dahieh

موقع إنباء الإخباري ـ
إيمان مصطفى:

عزيزي المواطن، إذا أردت العبور في شوراع ضاحية بيروت الجنوبية، عليك أن تتوقع أي شيء! حيث الأرصفة العتيقة، ومصابيح الشارع المستريحة من عملها، وأسلاك الكهرباء الكثيفة المتشابكة، ويافطات “ممنوع المرور” المختبئة بين أغصان الشجر، إلى إشارات المرور المعطلة.
فإذا اخترت أن تسير على الأقدام لتصل إلى عملك، أو قررت أن تستقل النقل العام، أو حتى فضّلت قيادة سيارتك الخاصة، ستواجه السيناريو نفسه مع بعض التعديلات.
فبينما أنت تسير، قد يأتيك “فان” (واسطة النقل العام ـ الخاص) بسرعة جنونية، ويقاتل السيارات و”الفانات” الأخرى ليقلّك، ويصر عليك،  “ويا ويلك تقول لا”، بأحسن الحالات ستسمع كلمة: “بتوفّر”، وإن حالفك الحظ، سيتفهم رغبتك.
من المعروف أن الرصيف للمشاة، ولكن ليس في الضاحية أيها الكرام! انه معرضٌ للبضاعة ومفرشٌ للصناديق وعربات الباعة وأحياناً تجمع للنفايات، وليس بعيداً أن يكون موقفاً للسيارات وممراً للداراجات النارية التي ترى فيه طريقاً مختصراً خالياً من الزحمة. و قد يعاتبك أحد سائقي الدراجات النارية إذا ما اعترضت طريقه: “ولو يا خيي، شايفني مستعجل”. طبعاً إنه الشعب اللبناني، دائما ً في عجلة من أمره!
الآن ستعبر الشارع، احذر أنت على وشك خوض غمار معركة، فإذا اعتمدت الإشارة فإنك ستقابل العديد من هؤلاء الذين يجلسون وراء المقود، وهم في أحسن الحالات لا يميّزون الأحمر من الأخضر، وإشارات السير بالنسبة إليهم عبارة عن عامود بدوائر ثلاث يزين الشارع. وإذا اعتبرت أنه يراك، فلا تثق بذلك، فالبعض يقود السيارة باليد اليسرى ويستخدم “الواتساب” باليد اليمنى، وتارة يجلب علبة المحارم من المقعد الخلفي وأخرى يلهو بتشغيل المذياع. وأحيانا ً تقطع وأنت مطمئن بأن السير موجه بالاتجاه الآخر، فيباغتك سائق يقود سيارته عكس السير و يعرض حياتك للخطر. و هنا سينهال عليك سيل من الشتائم ـ ضربني وبكى،  سبقني واشتكى ـ ولا ننسى أن الكثير يجعلون من الطرقات والأوتوسترادات مسرحاً لإبداعاتهم القيادية، و”غزلهم” السيارة في الباحات الواسعة نسبياً، والذي بإمكانه في أي لحظة إرسالك إلى السماء في رحلة جوية، لن تعود بعدها.
الآن أنت تفكر بالنقل العام، فمن خلال صعودك إلى “الفانات” المنتشرة في الضاحية، يمكنك بسرعة وسهولة إدراك أنك في صدد رحلة شيقة، انطلاقا من المقاعد الرثة ومنها “بلا ضهر”، إلى الباب الذي تحوّل إلى شباك لا يمكن إغلاقه، وصولاً إلى شعورك بأنك في ميدان سباق “فورميلا 1”. و من السهولة ملاحظة المخالفات القانونية التي تقوم بها “الفانات”، بالإضافة إلى النقاشات الممتعة التي ستسمعها، والتعليقات الساخرة التي تتبع كل من نزل من الفان، ومنها “إنو كان نقص كيلو لو سكّر الباب وراه”.
أما سيارات الأجرة، فحدّث ولا حرج: توقّف متكرر من دون إنذار أو إشارة أو إيماءة باليد. نصحيتي لك عندما يسألك السائق “وين واصل” أن تُجيب: “خدني وين ما رايح”، لأنك قد تقف كثيراً وتواجه الرفض، أو تقبل أن يأخد منك أجار راكبين ليقلّك، وهذا ما يرفضه أغلب الناس. وإن حالفك الحظ وركبت إحدى سيارات الأجرة فأهلاً بك… ستقوم بسياحة محلية في كل الأحياء والشوارع لتصل إلى مبتغاك. ابتسم أنت في سيارة الأجرة…
بالطبع الآن تفضّل أن تستقل سيارتك الخاصة… و لكن تمهّل، فلن تفلت من سيارات النقل العمومي، إذ تراهم يقفزون أمامك من دون إنذار، وعلى براعتك أن تتولى مهمة الإفلات منهم، يخيّل لك أنهم  مدرّعون لا يخافون الاصطدام بشيء. وإن كنت تسير بسيارتك خلف أحد “الفانات”، وأطلقت “زمورك”، فعليك أن تتهيأ لردات فعل عديدة، و منها أن ترى السائق ترجل وتوجّه إليك وأطلق تهديداته وشتائمه. ومن ناحية أخرى، ستحار كيف تفلت من دهس المشاة الذين يقطعون الطريق بتهوّر، ناهيك عن استخدامهم الواتساب أيضاً…. وعلى الأوتوسترادات، أودّ توجيه الشكر للدولة التي وضعت جسر المشاة لكي يقي الناس الأمطار شتاءً وحرّ الشمس صيفاً، وهم يعبرون تحته ويتسابقون مع السيارات!
أيها المواطن في الضاحية، عليك أن تقود عن نفسك وعن غيرك، وأن تتوقع أي مخالفة قانونية وتتصدى لها، والخسارة قد تفقدك حياتك فقط، “وأنت وحظك يا شاطر”!
“شو حلوة” ضاحية بيروت الجنوبية، صباحها زحمة وظهرها خنقة وليلها ضجة!
هي مواعيد روتينية لبنانية شبه ثابتة، تفرض ثقلها على هذه البقعة الصغيرة من بيروت. والأجمل أنه صار للدولة عيون على طرقاتها بعد قانون السير الجديد، ولكن كما يبدو نامت بعد نعاس إصابها… وإن استيقظت فإنها عمياء عند المخالفات القانونية للأشخاص الذين يتمتعون بغطاء سياسي أو حزبي أو نفوذ مالي. ويعمد البعض لمغافلة هذه العيون، فعند الحواجز والأمن والشرطة يطبق القانون بحذافيره، والكلّ يرمي السلام، فغالباً ما نسمع “الله معو يا وطن”، أو “صباحك يا وطن”. وما هي إلا أمتار حتى يعود البطل الشهم لمخالفة القانون، وحين تسأل المواطن عن سبب مخالفته لقوانين وإشارات السير، يرد ساخراً: “كل شي فلتان بهل البلد، شو وقفت على مخالفتي أنا”.

ملاحظة: إن هذا المقال لا يشمل الجميع، إنما هي عينة من المجتمع، فاقتضى التوضيح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.