في توطين الإرهاب الإحلالي والتطبيع معه

marwan-soudah-terror

 

موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*

تَشي نتاجات العَملانية الارهابية الدولية التي نشهدها في العالمين العربي والإسلامي بنجاح بُنيوي وفكري مؤسف للغاية لم يكن له مثيل في التاريخ، إذ أفضت هذه العملانية في نقلاتها التاريخية الواسعة الى إستكمال تشكيل النظام الارهابي الدولي على يد قوى دولية غاشمة شرعت بحياكته منذ حرب أفغانستان.

ومؤخراً، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة شاملة له أمام سفراء روسيا في بلدان العالم، من دور الارهاب الدولي والبلدان الراعية له، إذ تطرّق الى العديد من المفاصل والوقائع التي تعزّز التحليل العلمي لطبيعة الارهاب الحالي في رياح العالم، والذي تقوم على توجيهه قوى دولية ذات أذرع كثيرة وخطيرة.

ومما قاله الرئيس بوتين “إن سورية وجدت نفسها في وسط المعركة ضد الإرهاب.. ويمكننا أن نقول بلا مبالغة إن منطقة الشرق الأوسط ليست الوحيدة التي مستقبلها مرهون بمستقبل هذا البلد وفي الأرض السورية يتم حسم المعركة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي الذي تجمع تحت راياته إرهابيون ومتطرفون من جميع الألوان يوحدهم سعيهم المشترك لتوسيع نطاق سيطرتهم (بمعنى توطين – الكاتب) لتشمل العالم الإسلامي برمته”.

وأضاف بوتين “يكمن هدفهم في تعزيز مواقعهم في ليبيا واليمن وأفغانستان ودول آسيا الوسطى قرب حدودنا ولذلك قررنا في الخريف الماضي الاستجابة لطلب القيادة السورية بشأن مساعدتها في محاربة العدوان الإرهابي”.

وأوضح الرئيس الروسي أن الإرهابيين يستغلون نتائج التجارب الخاطئة لـ”تصدير الديمقراطية” إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “بنجاح لتوسيع مناطق سيطرتهم”.
كما وبيّن بوتين الى أن الإرهابيين يسعون للحصول على الأسلحة الكيميائية ويوسعون “أنشطتهم” إلى مناطق بعيدة عن حدود المنطقة ولذلك فمن الصعب التنبؤ إلى أين سيوجه الإرهابيون ضرباتهم القادمة.

وأشار الرئيس إلى أن الإرهاب أصبح أكبر خطر يهدّد الأمن الدولي لافتاً إلى أن استخدام الغرب “القوة الخشنة” أدى إلى ظهور الإرهابيين في عدد من الدول ومثال على ذلك ما حدث في ليبيا.

ففي البدء، في أفغانستان المُعذّبة، نجحت أمريكا بإرساء بذور الارهاب الدولي بتجييش تدريجي لنصف العالم لإدامة حربها الارهابية، وشدِّ نطاقات تنظيمها الكوني، فخلق بؤر توتر مُستدامة في آسيا وتمدّده لأفريقيا، حيث شنّ الارهاب الدولي أنذاك حرباً شعواء على الوجودين المادي والثقافي للشعبين الأفغاني والسوفييتي وبضمنه الروسي ودولة الاتحاد السوفييتي، وترافقت الحرب بفتح جبهات إعلامية وفكرية كونية جديدة ذات تجهيزات أمريكية كانت الأحدث أنذاك في تقنياتها وخطابها، وافضت الى تعزيز الوجود الواقعي للكولونيالية الغرب اوروبية القديمة وواشنطن في مواقعها الاستيطانية والاحتلالية الآسيوية والافريقية العربية وغير العربية.

لم تأتِ حرب أفغانستان التي شنّها الارهاب الدولي غير التقليدي والقوى العالمية  الداعمة له لأجل اللهو السياسي ولمجرد المناورة العسكرية العالمية أو لمحاولة توريط السوفييت فقط، بل كذلك لتفعيل أهداف أوسع من هذه كلها، سيّما وان القوات السوفييتية لم تنكسر شوكتها أمام ذلك الارهاب وفي مواجهته، بل أنها خرجت من المرجل الأفغاني مُنتصرة ومزهوّة ومرفوعة الرأس، وتوجّهت بعد إتمامها مهامها والعرض العسكري الختامي الشديد التنظيم في كابول، الى ثكناتها التقليدية في أفغانستان، الى ان صار توجيهها الى موسكو لتشغل ثكناتها الأصلية.

ومنذ أفغانستان، وخروج القوات السوفييتية منها، غدا التنظيم الارهابي الدولي المُستحدث أشد تعقيداً، فقد تبلورت قواعده على نحو أوسع، وتنوّعت وتفرّعت أسماء قياداته التي أفرزها عبر تطورات فكرية وعقائدية في زنازين أمريكية وغربية واسرائيلية، وتوسعت قاعدة المهام التي أُنيطت به، وقد تم في خضم تلك العمليات الفكرية المُدارة في فضاءات مُسيطر عليها دولياً، إستيلاد تنظيمات إرهابية مختلفة بتوجّهاتها ومذاهبها، وصولاً الى تمكنها من نيل أوسع سيطرة على الجماهير الاسلامية والعربية وإدارتها فتوجيهها نحو مواقع الخصم، لتخوض حروباً إرهابية تدميرية على شاكلة ثورة “إسلامية” عالمية، كما لو كانت نسخة من لّهبٍ ثوريٍ تروتسكي تجديدي و “كومنترن” دولي منطلقاته هي أرضيات مذهبية وطائفية متناقضة في أشكالها، لكنها في الواقع تتوحّد في عملانية دولية واحدة، تبعاً لمصادر تمويلها وعسكرتها وتنظيمها وشحنها الأيديولوجي والإتصالي والتقني وغيره.

من الضروري الاعتراف أن العالم العربي تقّبل تدريجياً هذه الحرب بشكل أو بآخر، لاسباب منها تأثير وهيمنة القوى الرجعية القابعة فيه منذ سنوات طويلة والتي أَسندت إليها بعض الحكومات مناصب وزارية وأطلقت يدها في التغييرات الفكرية والدينية المحلية، ولكونِ العالم العربي مُقسّماً ومُفتّتاً مادياً وروحياً، ولأنه شارك ويُشارك بدوران عجلة الارهاب الطاحنة، والى جانبه يُشاركه العالم الاسلامي الذي تورّط جزئياً فيها، لكون هذا العالم المترامي الأطراف جزءاً جوهرياً من العالم العربي بشرياً وروحياً ودينياً وثقافياً وحضارياً، وهو ما تَعيه القوى العالمية المنظِّمة للارهاب الدولي والتي تقوم على توظف فقراء المسلمين في صالحها، إذ  تُشكّل القواعد الشعبية التي فقدت الأمل بالمستقبل والعدالة في العالم الاسلامي خزّاناً بشرياً لا يَنضب لتنظيم جيوش إرهابية تتحدر أساساً من اوساطها غير المثقفة وغير الواعية، ومن تلك الشديدة الفقر والتي هي الأوسع عدداً، والمُهمّشة في بلدانها طبقياً، والراضخة لحكومات رجعية وعميلة أو دكتاتورية تُلهب يومياتها المتحدية لمجتمعاتها المزيد والمزيد من المقاتلين الثورجيين والمطحونين بالفقر والاهانات والعسف والقهر للتقدم في معركة دولية يَخالونها عادلة للانتقام من قيادات محلية طاغية ومجتمعات متقاتلة ومقسّمة جهوياً وطائفياً، لكن حقيقة ما يجري هو غير ذلك تماماً، إذ تقف وراء التنظيم الارهابي قوى إمبريالية ورجعية توظفه لصالح نجاح صراعها الدولي على العرب والمسلمين، والأهم لديها هو استكمال محاصرة روسيا والصين وهدم بنيانهما وتحييدهما عن العرب والمسلمين ووأد كل ارهاصات الوحدة والتحالف بين تلك الاطراف المتفاهمة تاريخياً، فإعادة رسم خريطة العالم برمته للعودة به القهقرى الى سيطرة إمبرطورية روما وبيزنطة واسطنبول التي عاثت خراباً في الارض العربية والاسلامية.

لقد صار واضحاً للغاية في العالمين العربي والاسلامي أنه وبعد سنوات طويلة من “العملانية الافغانية الدولية” للتنظيم والتعبئة والعناية الفائقة بالتنظيم الارهابي الدولي، أن توطين هذا التنظيم في الدول القُطرية العربية والبلدان الاسلامية غدا واقعاً، بل وأصبح التطبيع معه حقيقة واقعة كذلك لجهة جعله أحد وجوه الحياة اليومية، وعاملاً بين السكان ومُستنفذاً قِواهم، وقائماً بتجنيدهم واستخدامهم في مراميه، ومُرغِماً السكان على تقبّل وجوده القهري، ليغدو أحد سِمات المرحلة الراهنة المؤسسة لمستقبلٍ يَسود فيه الفكر والوجود الارهابيين كتنظيم ومنظمة تستولدها التطورات والوقائع العربية والاسلامية اليومية التي تزخر بأسباب هذا الاستيلاد في ظل الظلامية الفكرية والايديولوجية، والصراعات الدينية والمذهبية والاقليمية والجهوية والاجتماعية والتي يُخيل إلينا بأن لا نهاية ولا حدَّ لها في المستقبل المنظور.

لذا، يَدفع هذا الوضع البائس الى ضرورة تكثيف عمل القوى الواعية في الامتين العربية والاسلامية من أجل وقف التغوّل الدولي علينا والعدوان على شاكلة تنظيم إرهابي – إحلالي واستيطاني ينغرس في الارض العربية والاسلامية ولا ينزاح منها، وبغير ذلك سيُصبح العالم العربي ومعه العالم الاسلامي حقولاً أبدية للارهاب الراعي لمصالح الغرب السياسي والمتصالح معه بنيوياً وروحياً ومادياً، وأول تلك المصالح تزويده بالطاقات الرخيصة والعمالة السوداء المنقطعة الجذور وهذه المرة ليس من افريقيا فقط، بل ومن آسيا أيضاً.

فحِذاراً مما سيدنو من تطورات أعمق مأساوية!

*مؤسس ورئيس رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين الاَلِكْتْروُنِيّةِ مُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ فِيِ الأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ و الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (حُلفاء) الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.