قضية بلدة الطفيل اللبنانية بالإسم السورية بالجغرافيا هل تعيد إحياء سبل التنسيق بين بيروت ودمشق؟

tfail-gunmen

صحيفة النهار اللبنانية ـ
ابراهيم بيرم:

منذ سقوط آخر بلدات منطقة القلمون بيد القوات النظامية السورية، تكبر في واجهة الحدث مشكلة جديدة هي مشكلة بلدة الطفيل اللبنانية، لتصير الشغل الشاغل للمسؤولين اللبنانيين على اعلى المستويات.

الطفيل، كما صار معلوماً في الآونة الاخيرة، هي بلدة لبنانية بالاسم، سورية بالواقع، تقع في نقطة تداخل في الجغرافيا السورية بعمق نحو 24 كيلومتراً. سكانها اللبنانيون ينتمون الى ثلاث طوائف منهم سنّة وشيعة ومسيحيون.
والمعلوم ايضاً ان لا طريق يصل بين الاراضي اللبنانية وهذه البلدة التي ألفت منذ عقود وعقود واقعها المر حيث ارتاحت للعيش في الكنف السوري اقتصادياً واجتماعياً، ولم تكن تكلّف نفسها حتى عناء المطالبة بما يعزز ارتباطها بالداخل اللبناني الذي أهمل هذه البلدة وارتضى بواقع انفصالها كأمر واقع عن لبنان بفعل الحسابات والحساسيات التاريخية الضيقة المعروفة.

الطفيل عادت لتفرض نفسها في الايام القليلة الماضية عبئاً جديداً على النخبة الحاكمة اللبنانية بفعل مستجدات ميدانية أبرزها ان البلدة تحولت محطة أخيرة للمجموعات السورية المعارضة المسلحة التي بدأت رحلات هروب وهزيمة متتالية بدءاً من القصير الى قارة فيبرود واخيراً رنكوس وتوابعها. ففي داخل هذه البلدة يتجمع حالياً بحسب بعض التقديرات شبه الرسمية ما لا يقل عن 350 مقاتلاً من المعارضة.

وكان بالإمكان ان تتعايش كل من دمشق وبيروت مع هذا الواقع المر، خصوصاً ان نحو 80 في المئة من سكان البلدة اللبنانيين ولا سيما الشيعة والمسيحيين قد نزحوا عنها منذ زمن بعيد، اما إلى الداخل اللبناني واما الى الداخل السوري.

لكن برز من المستجدات والوقائع الميدانية في الايام القليلة الماضية، ما يخلق اشكالية امنية – سياسية حقيقية، تتأتى من معطى اساسي هو ان السلطات السورية لا يمكنها اطلاقاً ان تتغاضى عن هذا الوجود الضخم نسبياً للمجموعات المسلحة، فهذه السلطات التي دفعت اثماناً باهظة “لتحرير” منطقة القلمون من وجود المجموعات المسلحة المتمردة والمحترفة ابلغت من يعنيهم الامر انها تخشى من مخاطر وجود هذه “القنبلة الموقوتة” في الخاصرة اللبنانية – السورية الرخوة، وبالتالي فهي لن تقبل اطلاقاً بأن تظل هذه “الدملة” قائمة طويلاً.

أرض الطفيل هي ضمن السيادة اللبنانية، لذا فإن الجيش السوري ما زال حتى الساعة يحاذر الاقتراب من هذه البلدة وتحريرها على غرار ما حصل في القرى والبلدات المجاورة، لانه ما زال يخشى ردة فعل لبنانية ودولية تعتبر اي عمل عسكري ارضي او جوي لهذا الجيش باتجاه الطفيل اعتداء على السيادة اللبنانية وتجاوزاً لحدود لبنان، وهو ما من شأنه ان يزيد تعقيد العلاقة اللبنانية – السورية.
وفي مقابل التمهل او الخشية السورية من عمل عسكري باتجاه الطفيل تحسباً للمحاذير الموجودة بفعل الواقع الجغرافي، ثمة ما يشبه العجز اللبناني الرسمي عن القيام بأية خطوات من شأنها تجاوز هذا المأزق الحقيقي.

وبناء على هذا المشهد العسكري – السياسي المعقّد والبالغ الخطورة ثمة مشكلة تتقدم في طريقها الى الواجهة، موجزها الآتي: سوريا لا يمكنها ان تسكت طويلاً على وجود هذا الكم الكبير من المجموعات المسلحة المتمردة في خاصرتها القلمونية، خصوصاً إذا ما انطلقت هذه المجموعات من ارض الطفيل باتجاه المناطق السورية العائدة للتو الى حضن الدولة السورية، لذا فثمة من يحذر من لحظة ستقدم فيها دمشق على الطلب من لبنان بشكل رسمي ان يتعامل جدياً مع واحدة من اربع خطوات:

– ان يبادر الى بسط سيادته على هذه البلدة واعادتها الى مربع الأمن والاستقرار وتحريرها من مجموعات تشكل خطراً داهماً على الامن السوري.
وهو امر يعني عملياً ان على لبنان أن يحصن حدوده وأراضيه على نحو تنتفي معه مسألة تحولها قاعدة انطلاق ضد الأمن السوري.
– او أن تبادر بيروت رسمياً الى ابلاغ دمشق أنها غير قادرة على القيام بأية خطوات من شأنها ترجمة الاتفاقات والمعاهدات المبرمة بين البلدين.
– أن تعتبر دمشق هذا الرد بمثابة ضوء أخضر لإطلاق يدها في مبادرة ميدانية سياسية لحماية اراضيها من خطر حقيقي ماثل.
– أو أن يعاد الاعتبار لاتفاقات ومعاهدات التنسيق بين البلدين خصوصاً على المستوى الأمني والعسكري، فيكون ذلك ممراً اجبارياً لإعادة إحياء اللجان الامنية المشتركة التي يمكن ان تضع خططاً مشتركة لحماية أمن البلدين والحيلولة دون تعريض العلاقة بينهما ومجال امنهما الحيوي لمزيد من السلبية والتعقيد.
اللافت في الأمر ان حكومة الرئيس تمام سلام لا تتعامل مع الموضوع بالجدية اللازمة، فهي تتجاهل المخاطر الكامنة في الطفيل وتتحدث الآن وبعد أكثر من 60 عاماً من الاستقلال عن قرار لفتح طريق رسمي يمتد من الاراضي اللبنانية نحو هذه البلدة الطرفية.

عندما سقطت أجزاء كبرى من منطقة القلمون ومن منطقة قلعة الحصن وريفها بيد القوات السورية، ثمة من تحدث عن امكان طي صفحة الحدود الملتهبة بين لبنان وسوريا، فهذا الواقع الميداني المستجد في الجانب السوري من الحدود أنهى دور 30 معبراً غير شرعي من معابر الولوج اللبناني الى الداخل السوري، وطوى ايضاً صفحات بلدات لبنانية اهتزت الحياة فيها بفعل هذا الواقع كعرسال ووادي خالد وسواهما.

وبناء على صورة هذا الواقع المستجد، ثمة من تحدث صراحة عن اوان نجاح الخطط الامنية في طرابلس بعدما ظلت نحو سنوات ثلاث قاصرة عن التطبيق والنفاذ. وابعد من ذلك ثمة من تحدث بصوت اعلى من أي وقت مضى عن انتهاء زمن الاستثمار اللبناني للواقع السوري المتفجر.

وعليه فإن السؤال المطروح: هل تكون قضية بلدة الطفيل آخر حلقات هذا المسلسل المتوتر الذي عاشه لبنان طويلا وتكون فاتحة لإعادة إحياء قنوات التنسيق والمعالجة بين البلدين وقد انقطع قسم منها وظل قسم آخر طي الكتمان؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.