“قنبلة بوتين”.. هل حان وقت انتزاع صاعقها؟

hassan-choukeir-putin

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير*:
ما إن رمى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قنبلته السياسية بالأمس حول سعيه لإقامة ما اصطلح على تسميته بحلفٍ رباعي إقليمي جديد لمحاربة الإرهاب ، قوامه الثالوث التركي ، السعودي ، الأردني بالإضافة إلى سوريا… حتى انهالت التحليلات من كل حدبٍ وصوب حول إمكانية تحقق “معجزة” الرئيس الروسي تلك، وذلك على حد تعبير شيخ الدبلوماسية السورية ، الوزير وليد المعلم .
في كل محطة مفصلية من محطات الصراع والحرب على سوريا، كانت تطفو على سطح الأزمة السورية دعوات من هنا وهناك، كانت تنادي بضرورة محاربة الإرهاب فيها، وفي المنطقة برمتها، كون هذا الإرهاب قد اقترب من تشكيله خطراً على السلم والأمن الدوليين، وخصوصاً أن هذا الوحش الإرهابي يبدو أنه قد تفلّت من عقاله، وتشظت “الريموت” التي يُدار بها، إن بالمباشر أو بالتقاطع… فالأمر سيّان.
لم يتغير الموقف السوري، ومن خلفه المحور الممانع، ومن وراءهم موقفي روسيا والصين، لناحية المحددات التي وضعها هؤلاء، وذلك لتكوين رؤية شبه موحدة فيما بينهم في كيفية اجتثاث الإرهاب من المنطقة، والتي تتعارض بلا شك مع الرؤية التي تبنتها دول ما سُمي بالتحالف الأمريكي لمواجهته في المنطقة.. وقد فصلنا في مقالة سابقة، تلك المحددات الخاصة بالدولة السورية، والتي كانت تحت عنوان “المحددات والمحذورات السورية في محاربة الإرهاب” والمنشورة بتاريخ 03-01-2014 .
تنطلق قنبلة بوتين أعلاه، من صميم تلك المحددات السورية، كونها تفترض التنسيق بين الأضداد والخصوم ودول طرفي النقيض في الرؤى والتوجهات لمقاربة الحرب على سوريا ومجابهة الإرهاب فيها…
قبل الغوص في استشراف إمكانية اختمار شروط انتزاع صاعق تلك القنبلة الدبلوماسية الروسية، لا بد لنا أن نُعرّج على البيئة الإستراتيجية في المنطقة، والتي بلا شك، تُمكن الراصد لها من أن يستشرف إمكانية تحقق المعجزة من عدمها…
سأستعرض – وبشكل مختصر – في البيئة وظروف الإطلاق:
– دخول الحرب السعودية على اليمن مرحلة من اليأس السعودي من إمكانية تحقيق التغيير المنشود سعودياً، هذا فضلا ً عن تدحرج كرة النار اليمنية، وارتدادها رويداً رويداً نحو الداخل السعودي.. وهذا بالتأكيد ليس من مصلحة الدولة الخليجية، ولا حتى راعيتها أمريكا، وقد فصلّنا كثيراً في أسباب ذلك.
– تفلت الوحش الإرهابي من عقاله في المنطقة وخارجها، وإن كان لغاية اليوم – وبحسب اعتقادنا – لم يصل إلى مرحلة الإرتداد المخيف على أمريكا تحديداً، والذي يمكن أن يُسبب انقلاباً جذرياً ساعتئذٍ في كيفية مواجهته لدى من ترعاه بالواسطة أو بالتقاطع اليوم..
– وصول المفاوضات النووية الإيرانية إلى نقطة الحسم – الأقرب منها للإيجاب بعيداً عن الفشل – والتي تعني فيما تعنيه بأن القيادة الإيرانية لا شك بأنها قد انتصرت في فن التفاوض النووي، مستكملة ًمسارها إلى فن التفاوض التقليدي، وذلك بزخم أوسع وأفعل وبتحرر أكثر في دعم أطراف محور الممانعة في مواجهتهم للإرهاب، والذي تستثمر به أمريكا وتحالفها في استنزاف قدراتها ومواردها الحالية، وكذلك الأمر نفسه، في مرحلة بدء تدفق عوائد رفع العقوبات عنها لاحقاً (وقد فصلنا في ذلك أيضاً في مقالة سابقة).
– الإعلان الأمريكي – شبه الصريح – عن فشل التعويل على تدريب من يسمونهم بالمعتدلين في دول تحالف العدوان على سوريا، وذلك بحجة نقص الأعداد تارةً، أو بانقلاب “عقيدة” هؤلاء تارةً أخرى..
– إفشال روسيا وإيران تحديداً لأهداف تلك الحرب السعوأمريكية الإقتصادية عليهما، لا بل أن التطورات الأخيرة في المنطقة، فرضت على الجناح السعودي في تلك الحرب، أن يستبدلها بصفقاتٍ ضخمة مع روسيا، وذلك دون انتزاع أية ليونة روسية تجاه تغيير في مواقف هذه الدولة من قضايا تعتبرها المملكة حيوية، وتحديداً في سوريا، وذلك بعيداً عن سياسة الرشى التي كانت تُقدّم لها سابقاً .
ولكن في مقابل هذه البيئة الإستراتيجية القائمة في المنطقة اليوم، والتي يميل ميزان الربح فيها بوضوح إلى محور الممانعة برمته… تُطرح في مقابل كل ذلك أسئلة محورية :
– هل استنفدت أمريكا وأوروبا وتحالفهما الدولي ضد الإرهاب، ما كررناه من اليوم الأول لتشكيله في الإستثمار بالإرهاب واستغلاله كعاملٍ حيوي لتحقيق مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة، وتحديداً في تفتيت الدول، أو أقلمتها، أو حتى جعلها “مسالمة” كما يكرر جو بايدن بإستمرار، وعن سوريا بالتحديد؟
– هل حصل الكيان الصهيوني على تطمينات أمريكية معينة لناحية بحثه الدائم عن أمنه المنشود، خارج إطار نظام الحوافز التي يبتغيها الكيان الصهيوني في الإستثمار بالحرب على داعش، أو خارج استخدام أخواتها في الحفاظ على استقرار طوقه؟
– هل ما يجري اليوم على الحدود التركية – السورية، والأردنية – السورية، من تجدد الكلام حول إقامة المناطق العازلة، أو الآمنة، أو ما يشابهها، يمكن لها أن تكون اليوم كجوائز ترضية أمريكية لهاتين الدولتين، وذلك في سبيل الموافقة على الانخراط الفعلي في محاربتهم للإرهاب هذه المرة؟
– هل اللقاءات الأمريكية – الروسية المكوكية حول الأزمات التي تشكل ميادين الصراع الروسية والأمريكية قد أثمرت، أو هي تكاد تفعل ذلك، وبالتالي فإن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة دمج مساري جنيف وموسكو مع بعضهما البعض، وذلك تمهيداً لعزل الإرهاب؟
لا شك أن الإجابة على تلك الأسئلة ، ليس متيسراً بهذه البساطة، كون ذلك يُعد إما مؤشراً هاماً على حصول تطور مفصلي في دينامية النظام العالمي الجديد برمته، يتخطى سوريا بكثير… وإما أن مشروع الإتفاق الحاصل اليوم لا يتخطى إتفاقاً لتبريد الجبهات بين الطبقات السياسية العليا في العالم، وذلك في عملية احتساب واقتسام للخسائر في هذه المرحلة من عمر الصراع بينهما…
ولكن، وبغض النظر عن الأهداف والدوافع الحقيقة لرمي بوتين تلك “القنبلة”، والتي قد تكون موازية في أهدافها لأهداف تلك القنبلة الأمريكية التي رماها جون كيري في صيف العام ٢٠١٣، وذلك بعيد وصول أزمة ما سُمي بكيميائي الغوطة في حينه، إلى حدود الحرب الشاملة في المنطقة، بحيث كانت تلك الصفقة الشهيرة التي نزعت فتيل تلك الحرب… وبالتالي، فهل هذا السيناريو في رمي روسيا لأطواق النجاة المعكوسة، عبر هذا الطرح، يمثل بالوناً لاختبار الطرف المقابل في الحرب على سوريا؟ أم أن هذه المبادرة هي حصيلة وناتج لمسار دبلوماسي طويل بين الكبار، وهي تنتظر آلياتها التنفيذية اليوم؟
خلاصة القول، لا بد للأيام والأسابيع القليلة المقبلة أن تكشف سريعاً بأي مسار تصب تلك القنبلة الروسية، والتي رماها القيصر على مسامع الوزير المعلم في موسكو، فهل يمكن أن تكون شروط نزع صاعقها قد اختمرت فعلاً؟ أم أنها ليست أكثر من قنبلة صوتية، أريد لصدى صوتها أن يتردد في الميادين السياسية الراكدة، وذلك بفعل تطورات الميدان المتقلبة في أكثر من اتجاه؟
*باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.