“كامب ديفيد الخليجية”.. صفر حلول للمأزق السعوأمريكي .. إلا ّ إذا؟

hassan-choukeir-campdavid

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:  
تنعقد اليوم قمة كامب ديفيد، فيما بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، و قادة الدول الخليجية، بأشخاص بعضهم، وبمن ينوب عنهم، من البعض الأخر..
إذا تجاوزنا البحث عن الأسباب الحقيقية وراء تخلف البعض منهم عن الحضور بأنفسهم إلى أمريكا، كون ذلك قد تناوله كثرٌ في اليومين الماضيين، وحرصاً منا على عدم التكرار، فإن جميع ما ذُكر من أسباب قد تكون  وجيهة وتحتمل الصحة في معظم ثنايا تأويلاتها… لأجل ذلك فإننا سنترك هذا الجانب من مقدمات القمة – على أهميته –  وذلك لمصلحة الغوص بالقضايا الجوهرية، والتي دفعت بأوباما لدعوة هؤلاء القادة إلى هذه القمة، وذلك في الساعة التي تلت إعلان البيان النووي المتفاهم عليه ما بين إيران و”الخمسة زائد واحد” في الثاني من نيسان الماضي..
إذاً، فإن ظروف الدعوة الأمريكية، وتوقيت حصولها ، تفترض أن جدول أعمالها سيتصدره  بلا شك جميع تلك الهواجس الخليجية من لحظة إتمام الإتفاق النووي مع إيران، وذلك دون حصول أمريكا لقاء ذلك على أية ضمانات إيرانية حول الدور الإيراني في الإقليم، إن لجهة تحجيمه أو تحديده، أو حتى التعهد الإيراني بعدم متابعة توسعه في المنطقة على حساب هذه الدول، وكما يردد قادتها على الدوام.
أسئلةٌ ثلاثة تفرض نفسها بقوة، وبشكل منطقي، وذلك بعد شبه اتفاق الجميع على أن المأمول الخليجي من هذه القمة، في فرملة الإندفاعة الأمريكية نحو توقيع الإتفاق، لهو ضربٌ من الخيال…
١- ما الذي يدفع بأوباما على الإصرار لتوقيع الإتفاق النووي، وذلك خلافاً لرغبة حلفائه الخليجيين؟
٢-  وما الذي سيحاول أوباما تعويضهم  به، جرّاء موقفه هذا؟
٣- وهل ستُشكل هذه التعويضات مظلة أمريكية فعلية لحماية الدولة الخليجية من أي خطر؟
في محاولتنا الإجابة عن السؤال الأول، فإن منطق المصالح في العلاقات بين الدول يفترض بأن أوباما يرى بأن ما ستجنيه أمريكا بتوقيعها على الإتفاق النووي القادم هو أكثر مما تُحصّله في حال امتناعها عن السير به، لا بل إنه – أي أوباما – يرى بأن التعويضات التي سيعرضها على حلفائه ستحقق له ولهم، وعلى حد سواء، ما يرتأيه كل طرف … لأجل ذلك فإننا نستطيع أن نحصر دوافع الإصرار الأمريكي على توقيع الإتفاق، ضمن نقاطٍ ثلاث تحقق – باعتقاد أوباما – مصالح أمريكا الإستراتيجية وعقيدته التي يسير بها:
– الإتفاق النووي العتيد سيعزز من استراتيجية أوباما المركزية في التخفف من الإلتزامات الأمنية المباشرة لحلفائه.. وبالتالي فإن ذلك سيجعل من رؤيته المتمثلة بـ “صفر حروب مباشرة” واقعاً على الأرض، فضلاً عن أن هذا الإتفاق يدخل ضمن سياق تنفيذ العقيدة الأوبامية للقيادة من الخلف…
إذاً، والحال كذلك، فإن هذا الإتفاق سيجعل من إمكانية تحقيق رؤية الربط الأمني الصهيوني – الخليجي، والتي وردت في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأولى في أيار من العام ٢٠١٠، وذلك بغض النظر عن تطورات مسار ما يُسمى بعملية السلام الصهيونية – الفلسطينية، والتي يجعلها العرب، وتحديداً الخليجيين منهم، شرطاً لإبراز وإظهار هذا التكامل الأمني مع الكيان الصهيوني إلى العلن… بحيث أن هذا التوقيع الأمريكي، سيدفع بهذه الدول مُرغمةً للبحث عن إقامة حلف مضاد لخصمهم الإيراني ومحوره في المنطقة!
– تيقن أوباما أن جبل العقوبات التي تفرضها أمريكا  على إيران قد بدأ ينهار رويداً رويداً، وأن تباشير ذلك قد بدأت فعلياً مع الإعلان الروسي الشهير برفع الحظر عن توريد السلاح لإيران، وذلك قبل رفعه دولياً، وبشكل رسمي من قبل مجلس الأمن.. يضاف إلى ذلك، تلك  الإتفاقات الإقتصادية الأخرى، والتي تم توقيعها ما بين روسيا وإيران من جهة  والصين من جهة ثانية، والتي تلتف على بعض العقوبات وتفرغها من مضمونها، إضافة إلى الحراك الأخير لمنظمة شنغهاي ومجموعة البريكس للخلاص من نير التبعية لأمريكا ومنظومتها المرتبطة بها..
– محاولة أوباما توظيف التوقيع على الإتفاق النووي ضمن سياق الحرب الناعمة التي يشنها على الرأي العام الإيراني، وذلك في سبيل محاولاته المستمرة في اللعب على التلاوين السياسية المختلفة للشارع الإيراني، محاولاً تغليب فئة على أخرى، وذلك للتأثير على التوجهات السياسية العامة للشعب والقيادة الإيرانية على حد سواء، بغية ما يسميه أوباما “دمج إيران أكثر فأكثر في المجتمع الدولي وإبعادها عن إفتعال الحروب والأزمات في المنطقة”..
– يعتقد أوباما أن  الإتفاق الذي يزمع توقيعه مع الإيرانيين سيحقق لأمريكا مصالحها الحيوية والإقتصادية.. وذلك لأنه من أولى تداعياته – بحسب اعتقاده – سيجعل من أمريكا بيضة قبان بين محورين، أحدهما خليجي – صهيوني من جهة، وإيراني وحلفائه من جهة ثانية، واللذين لا شك أنهما يقفان على طرفي نقيض… مما يعني أن ذلك سيؤدي إلى استجلاب المزيد المزيد من المنافع الكبرى للمجمعات العسكرية والصناعية الأمريكية، وعلى مدى طويل…
من خلال هذه النقاط الثلاث، وغيرها التي لا مجال لذكرها، فإنه يظهر جلياً بأن أوباما سيمضي قدماً في السير بالإتفاق النووي، وبغض النظر عن اقتناع من يستضيفهم في كامب ديفيد أم لا.
هذه النتيجة التي توصلنا إليها، تفرض علينا البحث عن الإجابة حول السؤال الثاني، والذي يتمثل بالتعويضات الأمريكية للدول الخليجية مقابل إصراره ذاك…
تكاد تُجمع المعلومات التي تقاطرت من واشنطن في اليومين المنصرمين بأن أمريكا ليست في وارد الإستجابة للمطلب الرئيس للقادة الخليجيين في الدخول ضمن الأمن والحماية الأمنية الأمريكية المباشرة، وذلك يكون من خلال توقيع ما يسمونه بـ “معاهدة دفاع مشترك”، وبالتالي فإن ما سيعرضه أوباما على هؤلاء كبديل عن ذلك – كونه يتعارض مع عقيدته في القيادة من الخلف وصفر الحروب المباشرة – سيكون ربما مشابه لما يجري اليوم من دعم لوجستي أمريكي للحرب السعودية على  اليمن من جهة، ومن جهة أخرى سيعمل أوباما على تجسيد رؤية  المستشارة الإلمانية أنجيلا ميركل لدور الحلف الأطلسي في العالم ، وذلك بعد تهشيم دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وذلك سيكون، كما عبّرت عنها ميركل في أذار من العام ٢٠٠٩ ، ” .. إني لا أرى ناتو عالمياً، إنما يمكن للحلف أن يقدم خدماته العسكرية خارج منطقته..”، وهذا بحد ذاته سيكون ربحاً مضافاً لأمريكا وللحلف الأطلسي من خلفها، وذلك على حساب البقرة الخليجية الحلوب على الدوام…
هذا الشكل من التعويض الخليجي لا يُصرف اليوم في بنك المخاوف السعودية والخليجية بشكل عام ، وذلك مرده إلى أن مصدر التهديدات، وكيفيتها وبساطتها وفعاليتها  في أن واحد، لا يتناسب مطلقا مع نوعية التعويض والمحفز الأمريكي والأطلسي معاً  على حد سواء.. فإيران المعنية بتلك التهديدات ما فتئت تعلن، يوماً بعد يوم، بأنها ترغب في تطبيع العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع  السعودية ، على الرغم من استمرار هذه الأخيرة بحربها العدوانية على اليمن.. وبالتالي فلن يكون لكل ما يمكن أن يؤمنه الحلف الأطلسي للدول الخليجية، وكما سيعرضه أوباما، أية منافع تُذكر على الخطر الحقيقي المحدق بالسعودية، والدولة الخليجية برمتها… وذلك بعيد الكمين الذي أوقعت السعودية نفسها فيه، جراء عدوانها المستمر على اليمن…
إنطلاقاً من ذلك، فإن التعويض الأمريكي الموعود للقادة الخليجيين، سيكون صفرياً في حماية الدول الخليجية من طبيعة المخاطر الحقيقية التي قد تطل برأسها انطلاقاً من السعودية، على إثر حربها الظالمة على الشعب اليمني الأعزل، وذلك قد بدأ يظهر رويداً رويداً في بدايات الرد اليمني المحدود – لغاية الآن – وذلك عبر تحرك بعض القبائل اليمنية على الحدود السعودية للرد على مصادر النيران في المنطقة الحدودية..
إذا ما استمرت الردود اليمنية الحالية – وبشكل متدحرج – على العدوان السعودي، وذلك على شكل حرب استنزاف في المناطق الحدودية الثلاث، وربما إلى داخل الأراضي السعودية نفسها… فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل يتناسب التعويض الأمريكي أعلاه مع شكل التهديد الآني والمرتقب على الدولة الخليجية؟ الإجابة هي بالتأكيد لا…
إذاً، فإن النتيجة الصفرية للسعودية، ولتحالفها الجديد ، هي أيضاً تتحكم بالإجابة عن التساؤل الثالث.
خلاصة القول، لا يمكن المواءمة، وبأي شكلٍ من الأشكال، ما بين أصناف التهديد الجديد للدولة الخليجية، والتعويض الأمريكي المرتقب للقادة الخليجيين في قمتهم اليوم مع أوباما، وذلك لعدم تناسب التهديد الحقيقي على دولهم مع المعروض عليهم، والذي يُعتبر هذا الأخير صافياً في أرباحه المادية  دون الإستراتيجية، نحو الكفة الأمريكية والأطلسية على حد سواء..
بكلمة أخيرة، إذا لم تسترد أمريكا للملف اليمني من السعودية وتحالفها العشري، وتفرض عليهم السير بمقدمات تسوية موضوعية لأزمات المنطقة برمتها، وذلك من خلال الباب اليمني، بغية الحفاظ على المصالح الأمريكية والخليجية على حد سواء في المنطقة… فإن ذلك قد يجعل من كرة النار اليمنية تتدحرج إلى خارج اليمن، ومن البوابة السعودية تحديداً، وذلك وإلى ما لا تحمد عقباه، وتحديداً على معظم أولئك المجتمعين اليوم في كامب ديفيد، وعلى كل من يتترّس بهم من إرهابيين وصهاينة على حد سواء.
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.