كوريا.. الرّد بعد أُسبوع وقرن!

موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*
يلينا نيدوغينا*:
بعد يوم واحد فقط من إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد، من أراضي جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، بإتجاه المحيط، وصل عدد المُحلّلين السياسيين والإعلاميين والاستراتيجيين المزعومين الى عدة ألوف، وتضاربت آراؤهم وتعدّدت استنتاجاتهم بشأن الصاروخ، والقضايا التي تتصل به، لكن غالبية مَن تابعناهم لم يَصلوا الى كبد الحقيقة، فيما يخص أسباب إطلاقه وأهدافه، فغالبية هؤلاء لا يَعرفون كوريا، ولم تطأ أقدامهم أراضيها، ولم يتعاملوا مع يومياتها، ولا يَشعرون بآلم شعبها ومِحنه التاريخية، ولم يذرفوا دموعاً على شهدائها.
إن غالبية مَن تم تسويقهم من أصحاب التصريحات الإعلامية والسياسية والعسكرية، يسترشدون في آرائهم بدائرة ضيقة من الآراء والمواقف المُسبقة والاستنتاجات المَمجوجة، ويلتزمون بمنطلقات غرب سياسية تقليدية. وجزء غير قليل من هذا الرهط الذي يَعشق الأضواء، يَعتبر أن بيونغيانغ مدعومة من بيجين وموسكو في موقفها النووي، وبأن حربها هي حرب روسيا والصين بالوكالة، “للجم واشنطن ولي عصاتها” المرفوعة بوجه الدولتين!
في الحقيقة، أن غالبية الامم والشعوب لا تعرف تاريخ كوريا، فالإعلام العالمي برمته تقريباً، مُدار أمريكياً وغريباً. وقد يُصدم مَن سيعرف للمرة الاولى، أن الامريكان شيّدوا منذ عشرات السنين جداراً ضخماً وشاهقاً جداً على طول خط الهدنة بين الكوريتين، ويُقسّمهما جغرافياً وسياسياً، “الى حد” أن جدار برلين السابق يَبدو أمامه متواضعاً للغاية وحزينا ومتهالكاً!.
إضافة الى ذلك، لا تعلم الغالبية البشرية عن ملايين الكوريين والصينيين والروس، الذين قتلهم ما يُسمّى بالتحالف الدولي على كوريا الديمقراطية في حرب1950-1953، التي نشبت على أرض كوريا الشمالية، كما لا يعرف ناس العالم، عن أن كوريا كانت محكومة لليابان العسكريتارية الامبرطورية السابقة، وبأن مصيرها كان مرتبطاً بطوكيو وبالذوبان ضمن اليابان، التي أرادت ضمّها رسمياً بمراسيم عديدة، لتغدو الثانية بعد الأراضي الصينية، التي “تضمن” جلاء اليابانيين الى البَر الآسيوي الفسيح، فبدء وضمان حياة جديدة لهم، خارج إطار مجموعة الجُزر اليابانية، المُهدّدة بلسان علماء يابانيين أنفسهم، بالذوبان في قَعر بَحرها المُتلاطم.
الصاروخ الكوري الأجد الذي تم إطلاقه بمناسبة أليمة للكوريين، لم يُحلّق فوق اليابان سوى لدقيقتين فقط، أما مناسبة إطلاقه بحسب كوريا، فهي مضي نحو قرن على اختلاق الاستعمار الياباني لما يُسمّى “معاهدة ضم كوريا إلى اليابان”، بطريقة تصفها كوريا بأنها “جد لصوصية”، وهي تريد أن يعرف عالم اليوم عن بشاعتها وسوادها.
ففي عام 1905، أعلن الاستعماريون اليابانيون “معاهدة وولسا ببنودها الخمسة”، وهدّدوا الكوريين عسكرياً في حالة رفضهم لها، وأقاموا حَاكماً عاماً على كوريا، وانتزعوا من الكوريين كامل صلاحياتهم الحكومية والدبلوماسية والسيادية واستقلالهم. وفي عام 1907، اصطنعوا “معاهدة زونغمي ذات البنود السبعة”، وسادوا بها حتى على أصغر الشؤون الداخلية والإنسانية في كوريا برمتها!
كذلك، جاء إطلاق الصاروخ الكوري، ليس من باب الصدف والتسلية، إنما بعد تكشّف التسلل الامريكي المتتالي والملغوم – قبل بدء المناورات العسكرية الامريكية المشتركة وبعدها إلى أراضي كوريا الجنوبية – وتحديداً بعد يوم الـ13 وإلى الـ20من آب 2017م.. فقد تكشّف عن وصول المدعو “دونفورد” قائد هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الى جنوب كوريا، وما لبث أن لحق به زملاؤه، قائد القوات الباسفيكية الأمريكية؛ وقائد القوات الإستراتيجية الأمريكية؛ ورئيس وكالة الدفاع الصاروخي، وقد وافق كل هؤلاء على خطة الـ”التدبير الحربية والضربات الاستباقية” ضد الشمال الكوري.
الى ذلك، جرى اطلاق الصاروخ الكوري بعد نحو أسبوع واحد من (22 آب)، الذي شهد تصريحات الناطق بلسان ممثلية منطقة بانمونزوم للهدنة للجيش الشعبي الكوري، الذي كشف عن “أن الإمبرياليين الأمريكيين شرعوا “بمناورات عسكرية مشتركة”، تحت إسم “وولزي فريدوم غارديان 17″، وضعَت هدفاً صريحاً وعلنياً لنفسها هو: “غزو كوريا الشمالية”، وذلك “بالتواطئ مع الطبقة الحاكمة في الجنوب”.
المؤلم والمُستهجن في آنٍ، أن أيّا من وسائل الاعلام العالمية والشخصيات الدولية النافذة، لم تُعلن عن حقيقة هذه المناورات وأهدافها وحجم القوات المشاركة فيها، وقوات الدفعة الثانية المُساندة لها، ضمن الهجوم على كوريا الشمالية تحت يافطة مناوارت، ورغبة واشنطن و “سول” بالتخلص من كوريا الشمالية، “بضربة صاروخية نووية واحدة، مرة واحد والى الأبد”!
وهنا، وللأمانة الإعلامية، نضع بين يدي القارئ بعض المعلومات عن الهجوم المباغت الذي كان متوقعاً للكوريين الشماليين على وطنهم:
1/ زُج في هذه المناورات بنحو480 ألف شرطي وموظف وإداري ومسؤول، من المؤسسات الحكومية لجنوب كوريا؛
2/ يُشارك في المناورات أكثر من 17500 من العسكريين الأمريكيين، المرابطين في قواعد عسكرية أمريكية في جنوب كوريا وفي خارجها؛
3/ وظـّف في المناورات أكثر من خمسين ألف عسكري، من جيش جنوب كوريا، الى جانب فيالق من قوات الدول السبع الحليفة لأمريكا؛
4/ تم الربط المشترك لقوات أمريكية ترابط على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، والمنطقة العملياتية في المحيط الهادي، بحيث تم تخليق أجواء “مناسبة” لحرب شاملة على شمال شبه الجزيرة الكورية.
من أهداف المناورات المزعومة كان تالياً:
1/الهدف الأساسي هو استغباء العالم بمناورات عسكرية “عادية”، والشروع بهجوم على شمال كوريا، إدعاء بـ”استفزازات” شمالية، وتنفيذ لـ”هجوم أول استباقي”، تليه مرحلة ثانية لـِ “هجوم واقعي” على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية؛
2/تنفيذ مخطط ” قطع الرأس”، والى جانب ذلك تعزيز المخطط بتلاحق “العمليات السرية”، الرامية إلى “إزالة” الهيئتين القياديتين العليتين السياسية والعسكرية داخل شمال كوريا؛
3/إنجاح إيجاد أوضاع “مناسبة” “للرد” على تجارب الصواريخ البالستية اكوريا الديمقراطية، وللتطبيق “المُبدع!” لـِ”الخطة العملياتية رقم 5015″؛
وفي هذا الإطار، تكشّف عن أنه كان يُخطط طوال الفترة المنصرمة من التهويل الإعلامي عن “خطر كوريا الشمالية!”، بغية الرفع الأقصى لِحِدّة التوتر العسكري في شبه الجزيرة الكورية، بهدف ضمان نجاح عَملانية القوات المسلحة الأمريكية والحليفة لها، المُحتشدة حالياً على أراضي جنوب كوريا منذ سنة 1953 والتي تُسمّن بين حين وآخر، والمدعومة بروافع من قوات نووية وإستراتيجية وصواريخ بطاريات “ثاد” – التي تهدّد كل منطقة جنوب وجنوب شرق أسيا.
المُثير للألم والحزن والغضب في آنٍ واحد، أن اليابان وأمريكا والدول الحليفة لواشنطن في الحرب العالمية السابقة على شمال كوريا، لم تعتذر للآن عما ارتكبته من جرائم بحق الكوريين الشماليين والجنوبيين على حد سواء!
في تلك الحرب، أذلّت أمريكا واليابان الشعب الكوري، وأرغمتاه على ما لا يمكن وصفه بأية لغة، فقد حاولتا واجترحتا السُبل المُتاحة لتصفية الكوريين والصينيين جسدياً، تماماً كما تحاول داعش اليوم في عالم العرب تصفيتهم وبيعهم بالقطّاعي..، وإزالة هاتين الامتين من الوجود.
بل، ان المحتلين اليابانيين كانوا اقتادوا مئات ألوف النساء والفتيات الكوريات والصينيات، بعد اختطافهن، لممارسة الدعارة عُنوة مع جنود اليابان وأمريكا، وهو ما يُوصف بإجبارهن على العمل ضمن “الرقيق الأبيض”، الممنوع إنسانياً والمشجوب قانونياً، بل أن هؤلاء الاستعماريين دفعوا بالملايين من الشباب والكهول الكوريين والصينيين إلى مواقع الأعمال الشاقة وساحات الحرب، ليموتوا موتاً حتمياً، فقتل جراء ذلك أكثر من مليون مواطن مدني كوري، كانوا رفضوا الانصياع لاأوامر المحتلين.
والأسوأ من كل ذلك، أن الاستعمار الياباني حَظَرَ اللغة الكورية كتابةً ونطقاً على الكوريين، ومنع تداول الأسماء الكورية ومعالم الثقافة القومية، وجرى استبدالها باليابانية، وتم رسمياً تحويل من بقي حياً من الكوريين إلى “رعايا للإمبراطورية اليابانية”، وسلب التراث الثقافي الكوري الروحي والمادي، وسرقة الموارد الطبيعية الكورية، ونهب الملاعق والأواني المطبخية حتى!
تتلخص المشكلة في شبه جزيرة كوريا المعذبة، برغبة الاستعمار اقناع العالم ومنظمة الامم المتحدة بقانونية عودته الاستعمارية الى الجزء الشمالي من كوريا وإن بيافطات كاذبة..، فالجزء الشمالي من كوريا، غني جداً بل وطافح بالموارد الطبيعية النادرة، ومنها اليورانيوم. وقد حاول الكيان الصهيوني مراراً وتكراراً التقرّب من كوريا الديمقراطية، وإقامة العلاقات معها، في محاولة لنهبها ولمساعدة واشنطن بنهبها أيضاً، ولفصلها عن النضال العربي والعالمي ضد الاستعمار والإحلالية والاستيطانية الامبريالية، لكن قادة كوريا العِظام إبتداء من كيم إيل سونغ، ومروراً بكيم جونغ إيل، وانتهاءً الآن بكيم جونغ وون، رفضوا ذلك رفضاً تاماً، وبقيت كوريا المناصرة للقضايا العربية، الدولة الوحيدة في العالم التي تنتفض على كل ذلك، وتدير ظهرها للعلاقات من كل شكل مع الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية، أياً كان إسم تلك العلاقات وصفتها وتلاوينها وشكلها..
في المشكلة الكورية، محاولة الحلف الأمريكي، تلميع هجماته على الدولة الكورية وأنسنتها، وتنميق رغباته الاستعمارية، استناداً الى جهل العالم ببشاعات حربية أمريكية يَندى لها جبين الانسانية المُتحضِّرة، التي يجب ان ترفض بنشاط منطق العدوان على الدول المستقلة ومنها كوريا، التي يريدون التخلص منها تمهيداً لمحاصرة أشرس للصين وروسيا، فتحويل البحر الشرقي الى بحر أمريكي بامتياز..
ان منطق المؤامرات وتحريف التاريخ ولي ذراعه مرفوضة تماماً، وهي تتناقض مع مطالب المجتمع الدولي بتصفية الماضي الامبريالي للدوائر الامبريالية، ومنعها من الاستمرار والتطوّر، وتجفيف منابع قواها اللصوصية.
ويقيناً، أن واشنطن لن تستطيع التملّص من ماضيها البشع في كوريا بضرب هذا البلد، وانتاج تاريخ أمريكي له، كما حصل مع دول شرق أسيوية أخرى، والمطلوب اليوم إيجاد آلية دولية ترغم الولايات المتحدة على الاعتراف بجرائمها وجرائم تحالفها الدولي في كوريا والصين، وإرغامها على السير على طريق السلام والأمن لآسيا والعالم، ما يَضمن لها ولحليفاتها عضوية جديرة في المجتمع الدولي الجديد الخالي من اللصوص الدوليين واللصوصية الدولية.

*مروان سوداح: رئيس الفعاليات العربية للتضامن مع الشعب الكوري، والصحفي الفخري لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وحامل الأوسمة الكورية.
*يلينا نيدوغينا: رئيسة تحرير وناشطة في الفعاليات العربية للتضامن مع الشعب الكوري وحاملة أوسمة كورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.