كيف تحررت الشرقاط خلال 72 ساعة من #داعش؟

sherkat
عادل الجبوري – موقع العهد الإخباري
خلال فترة زمنية قياسية لم تتجاوز الاثنين والسبعين ساعة، نجحت القوات العراقية ومعها تشكيلات من الحشد الشعبي وقوات البيشمركة الكردية بتحرير قضاء الشرقاط التابع لمحافظة نينوى من عصابات داعش الاجرامية.

ومن اي زاوية نظرنا لذلك الانتصار، فأنه يعد منجزا ومكسبا مهما للغاية، لابد ان يؤثر الى حد كبير في مسارات ومعطيات المعركة الحاسمة المرتقبة في الموصل.

الفرضية-او القراءة-الاولى، لتحرير الشرقاط خلال وقت قصير جدا، وبأقل قدر من الخسائر المادية والبشرية في صفوف قوات الجيش والحشد والبيشمركة، تقول ان الهزائم والانكسارات التي تعرض لها تنظيم داعش خلال الشهور القلائل الماضية في عدة مواقع وجبهات، والتي تسببت في مقتل اعداد لايستهان بها من عناصره، وفرار اعداد اخرى، من بينها قيادات ميدانية محورية مهمة للتنظيم، ادت تلك الهزائم والانكسارات العسكرية الى تراجع وتدني معنويات مقاتلي التنظيم، بحيث ان غالبيتهم لم يعودوا مستعدين لخوض معارك يقدرون انها خاسرة مسبقا، ولن تختلف في نتائجها النهائية عن معارك الرمادي والفلوجة وغيرها.

ومايعزز ويكمل تلك الفرضية-القراءة-هو ان الجهات الرسمية العراقية، شنت حملات اعلامية مكثفة في مختلف وسائل الاعلام اظهرت ضعف التنظيم الارهابي، في مقابل قوة وقدرة الاجهزة والقوات الامنية والعسكرية الحكومية والشعبية، فمن التقارير والبرامج التلفزيونية التي تظهر الاوضاع المزرية لتنظيم داعش، الى تلك التي تبرز دمويته واجرامه، الى مئات الالاف من المنشورات التي القتها الطائرات العراقية على مختلف المناطق السكنية في محافظة نينوى، والتي كانت تحض المدنيين على الابتعاد عن اماكن وجود عصابات داعش، وتحذرهم من التعاون معها، وتؤكد لهم بأن الخلاص من تلك العصابات بات قريبا جدا.

 

ولعل من بين ابرز مؤشرات الانكسارات النفسية والمعنوية لتنظيم داعش، هو اتخاذه اجراءات قمعية ضد ابناء المناطق الخاضعة لسيطرته، من قبيل انزال اقصى العقوبات بكل من يتعاون مع القوات والاجهزة الامنية والعسكرية العراقية، وحظر مشاهدة القنوات التلفزيونية التي تكشف جرائم داعش وهزائمه وانكساراته، ووضع قيود على استخدام شبكة الانترنت، لاسيما مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية، وغير ذلك، في ذات الوقت، يؤكد مواطنون من الموصل-مركز محافظة نينوى- ومدن اخرى تابعة للمحافظة، ان حالة الرعب والقلق لدى التنظيم، دفعته الى محاولة استمالة الناس وكسب تعاطفهم، من خلال تخويفهم والايحاء لهم بأن الجيش العراقي والحشد الشعبي والبيشمركة في حال سيطروا على الموصل سيقتلونهم ويدمرون بيوتهم وممتلكاتهم، وان حياتهم في ظل داعش افضل حالا واكثر امانا.

فضلا عن ذلك، فأن افراد التنظيم الذين ينتمون الى عشائر المحافظة اخذوا يرتبون اتصالات وينسقون مع ابناء عشائرهم ممن لم ينضووا تحت مظلة داعش، حتى يضمنوا ملاذا لهم ويحافظوا على حياتهم بعد هزيمة التنظيم الوشيكة في الموصل، بينما راح عناصر التنظيم الذين يحملون جنسيات عربية واجنبية، يهيئون انفسهم للهروب، من خلال التنسيق مع افراد وخلايا تابعة للتنظيم في سوريا وتركيا، علما ان الضغوطات عليهم في هاتين الدولتين باتت كبيرة جدا، و عناصر التنظيم هناك راحوا  هم ايضا يبحثون عن مهرب الى مكان اخر.

الفرضية-او القراءة-الثانية، تقول ان تنظيم داعش ادرك مبكرا ان المقاومة وخوض مواجهة مع قوات الجيش في الشرقاط يعد امرا عقيما ولا جدوى منه، لاسيما وان الشرقاط كانت محاصرة من ثلاث جهات بالكامل، وممسوكة من الجهة الرابعة، لذلك ارتأت قيادات تنظيم داعش، ان تنسحب وتتراجع في الشرقاط، لتوفر امكانياتها البشرية والمادية لمعركة الموصل.

وينقل ضباط شاركوا في عمليات تحرير الشرقاط، انه “وفق الحسابات العسكرية لم تكن هناك ادنى فرصة لداعش في الاحتفاظ بالشرقاط، او حتى تحقيق مكاسب وقتية جزئية، لان كل الحقائق والمعطيات على الارض كانت تؤكد على رجحان كفة قواتنا بالكامل”.

ويؤكد هؤلاء الضباط انه”لو افترضنا ان الدواعش انسحبوا وتراجعوا تكتيكيا في الشرقاط، فهذا لايعني ابدا انهم يمكن ان يحققوا انتصارا في الموصل، واقصى ما يمكن ان يفعلوه هو ان يدمروا ويخربوا ما يستطيعون تدميره وتخريبه قبل هزيمتهم وفرارهم”.

وبالفعل فأن التجارب السابقة اثبتت ان تنظيم داعش يلجأ الى تطبيق سياسة “الارض المحروقة” حينما يشعر ان هزيمته باتت حتمية، وانه ليس امامه اي خيار اخر.

وخلال الاسابيع القلائل الماضية تداولت بعض وسائل الاعلام والاوساط السياسية العراقية وغير العراقية معلومات عن نية داعش استخدام الاسلحة الكيمياوية والغازات السامة في معركة الموصل، ومثل تلك المعلومات، يمكن ان تفهم وتفسر من زاويتين، الاولى هي ان تنظيم داعش فقد اي امل في امكانية الاحتفاظ بالموصل، والزاوية الثانية، ان التنظيم يتعمد –في اطار الحرب النفسية-الترويج بأنه سوف يستخدم الاسلحة الكيمياوية، لتقوم وسائل الاعلام المختلفة بتداول تلك الاخبار والمعلومات، وبالتالي، ينجح بخلق اجواء من الرعب والقلق لدى الرأي العام، وخصوصا ابناء محافظة نينوى.

ومهما يكن من امر فأن تنظيم داعش بعد هزيمته في الشرقاط بات يعيش مرحلته الاخيرة في العراق.

فمن ينظر الى الخريطة، يجد ان قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين اداريا، يقع شمال بيجي وتكريت اللتين تحررتا من عصابات داعش قبل عدة شهور، وغرب قضاء الحويجة الذي يبدو ان قضية تحريره من الدواعش، هو وقضاء الحضر الواقع شمال الشرقاط اصبحت مسألة وقت، لاسيما وان كافة الاستحضارات والاستعدادات لقوات الجيش والتشكيلات الساندة له من قوات الحشد الشعبي والبيشمركه والحشد العشائري، قد استكملت بنسبة كبيرة جدا.

وفضلا عن الموقع الجغرافي، فأن العشائر القاطنة في الشرقاط ، كالجبور والجميلات واللهيب والدليم والجغايفة، ضاقت ذرعا بعصابات داعش، وقررت التصدي لها والتخلص منها.

لاشك انه بتحرير الشرقاط تكون حلقة حصار داعش في الموصل قد احكمت بدرجة اكبر وضاقت الى حد كبير، بحيث ان هامش المناورة لدى التنظيم انحسر، ويكاد يكون قد تلاشى بالكامل، وهو ما يشبه وضعه في سوريا، الذي لم يبق له هناك الا مدينة الرقة، ومسارات حسم معركتها يبدو انها  تتحرك بخط متواز مع مسارات معركة تحرير الموصل، وفي ذلك دلالات ومؤشرات مهمة على معالم وملامح المرحلة المقبلة، التي يفترض ان يختفي منها داعش، لتبقى اثاره وافرازاته شاخصة لفترة من الزمن، قد تطول وقد تقصر، وذلك يتوقف على معطيات الظروف والوقائع على الارض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.