لطفاً وزارة الحج.. إنهن نيجيريات.. لسن سعوديات

صحيفة الرياض السعودية ـ
حصة بنت محمد آل الشيخ:

كلنا هنا؛ عندما يكون طرف الموضوع امرأة، تختل الموازين، تختلط الأمور، تتصادم البدهيات، وتغفو نهايات الأمور؛ “القرارات”على مسلمة اسمها “فتنة المرأة”، وما أدراك مافتنة المرأة ؟!! الفتنة الحاضرة في تفاصيل مناحي الحياة؛ في الدراسة والعمل، والخروج والسفر، في أداء العبادات والطقوس، والمناسك والعقائد، بل ونية الأعمال كلها ماكان دينياً منها أو دنيوياً، ولن ترضى عنك الفضيلة والأخلاق حتى تغلق على تلك المرأة الجدران الأربعة، ولئن خرجَتْ من مربعها المغلق فتحت من في ظل ستره لا ظل إلا ظله “المحرم ” الذي يتولى من المهمات ماتتوارى منه المرويات، وما قيمة المرأة إلا أن تُخلق من هوىً يطغى أن رآه الرجل استغنى؛ عن إيمانه، عن تقواه، عن فضيلته، ليهيم – معذوراً- في بحر لجي يغشاه موج الفتنة من بين يديه، وموج الشيطان من تحته وما هو إلا أن تصبح المرأة في ظل تلاطم الأمواج إما؛ مسجونة ك”عورة”، أو مطاردة ك “فتنة”..

حديث المرأة الفتنة ساقه قبل أيام قلائل خبر يقول:

“أكدت وزارة الحج إعادة أكثر من 1000 حاجة نيجيرية لبلادهن، ومنعهن من الدخول إلى السعودية بسبب مجيئهن الحج من دون محرم”

وقد أوضح وكيل الوزارة سبب إعادة الحاجات: «إنه يوجد اتفاق بين وزارته وبعثة الحج النيجيرية ينص على جملة من الاشتراطات من ضمنها ضرورة مرافقة محرم شرعي للحاجات اللائي تقل أعمارهن عن سن 45 عاما” مبيناً أنه أمرٌ مطبقٌ على عموم النساء اللاتي يتقدّمن للحصول على تأشيرة الدخول للمملكة، مضيفاً ” يتوجب في كل جواز سفر للحاجات القادمات وجود اسم المحرم المرافق لها أثناء أدائها مناسك الحج، إذاً حتى بيانات الجواز لابد أن تتغير كي يضاف اسم المحرم حسب تصريح وكيل الحج،

لاينقص وزارة الحج إلا أن ترسل صورة الجواز المقبول كي يتسنى للبلدان الإسلامية أن تضيف بيانات المحرم عندما تستخرج لمواطناتها جوازاً..

ثم أوضح وكيل الوزارة” أن الجوازات أوقفت نحو 150 حاجة نيجيرية في مطار الملك عبدالعزيز بسبب مخالفتهن، مؤكداً أنه تم التعامل مع الحاجات بمقتضى الواجب الإنساني بتوفير الرعاية اللازمة لبقائهن داخل المنفذ الجوي”.

حقيقة مصطلح ” الواجب ووصفه بالإنساني” يحتاج لوقفة تأمل ربما تعاد به مفاهيم الأنسنة أو تقلب على رأسها علها تجد مايربطها بتصور الموقف مكتملاً، فأول متطلبات الأنسنة يقتضي التعامل باعتبار المرأة إنساناً كامل الأهلية ومسؤولاً بنفسه عن خيره وشره..

والسؤال الموجه للوزارة هل القادمات للسعودية في غرض آخر غير الحج كذلك يفعل بهن، أم أن الأمر خاص بالحج؟، فخروج المرأة من بلدها يخضع لمعايير السفر في ذاك البلد، أما أن يلزم المسافر بثقافة خاصة بالمجتمع القادم إليه فتلك بحق خصوصية فاقت السعودة لترتبط بوزارة الحج مسجلة السبق العظيم !

بدأت أؤمن بأن نظرية منع الاختلاط هي الحل الوحيد للحالة الذهنية التي استقرت النظرة الأخلاقية فيها للعلاقة بين الرجل والمرأة، فلم تعد تفرق بين وزير قدير، أو واعظ درويش، أو أن يكون الحج سنة نساء وأخرى رجال، أو منع الحج نهائياً إلا لمن هي فوق ال 45 سنة، فربما يستتب أمن الفتن ويستقر إيمان الرجال خاصة وهم يقومون بمناسك ركن من أركان الإسلام، فهلا نظرت بعناية الوزارة مشكورة للمقترحات، فأقل خيراتها استلهام تدارك الزحام الذي سيسببه المحارم لمن هن دون ال 45، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فنجد حلًا للفتن، أو نجد حلاً للمرأة من حياة تخنق قراراتها وتسلط السجون على فضيلتها الفردانية..

كلنا يعرف قيمة الحج وأهميته لكل مسلم ومسلمة، وكلنا يدرك ويقدر ويثمن دور المملكة في مسؤولية الحج كتنظيم يوالي نجاحاته عاماً بعد عام، ولكن لا يقبل إنسان أن ينقلب التنظيم إلى تحكم في خيار اصطحاب محرم من عدمه للنساء القادمات من مشارق الأرض ومغاربها، فضلاً عن إعادتهن لأجل هذا السبب قبل أن يؤدين فريضة الحج.

ما يبعث على الحزن أن الحال تتراجع للخلف للأسف على مستوى العلاقات الإنسانية التي تهبط بالإنسان حتى وهو متجه لله إلى حضن الفتنة الذي سيطر حتى بات أمراً محتوماً مسطورا، كما أن التضييق على الحريات في أمر هو من المسائل الإيمانية الخاصة بالفرد هو تدخل في الحريات غير مبرر، ولا مقبول، وإلزام بمذهب خاص متشدد لا يقبل سواه!!

لذلك أجد ضرورة توجيه السؤال التالي: ما مصير فطرة الخيرية في ظل هوس تحكم الفتن؟!! ومتى ستحضر الخيرية إن لم تحضر في موسم الحج؟!

المصيبة أن الشرط”المحرم” سيق في جو مشحون بتنميط صورة المرأة “الفتنة”، وعندما تكون الحال هكذا فلا تسأل عن العقل فماذا بعد الإضرار بالفطرة، هل للعقل جواب حينها أو حتى مجرد سؤال..؟

أما التقسيم الرقمي العجائبي الخاص بما دون ال 45 عاماً فالسؤال حول مبرره العقلي أو الديني يضيف للعجب قهراً، فمن الذي يقرر الشروط وفق أدلجة الفتن، بل من أي وحي آية أو حديث استوحى الوزير حكاية الخمسة والأربعين عاماً؟!، إنه لو تفرغ الفكر للحاجات الإنسانية واستبرأ من تحكم التنميط الفقهي المصرّ على سيطرة الفتن لكان الكبير أولى بإحضار من يهتم به رجلاً كان أو امرأة، لكنها دسيسة الفتنة المؤلبة على العقول، المصادمة للفطرة السوية، إن سؤال الإنسانية الجدير بالتأمل هو بأي دين أم بأية حجة ترد نساء من المطار وقد جئن بشوقهن لأداء عبادة يفترض خصوصيتها المعمورة بالإيمان بين المرء وربه؟!!

إن التدين العفوي عندما يحوّل إلى تدين إكراهي مؤسسي ينتقل من العفوية والصدق إلى النفاق والإجحاف، وعلم أصول الفقه يبقى أوضح الأمثلة على تحول التدين العفوي إلى مؤسسة، فتفاصيل التفاصيل التي زرعت الحياة بفيض إفتائي لا يؤمن بشاردة أو واردة إلا ويضمنها محدداته وتفنيداته وتأطيراته هو نتاج التحول من الإيمان العفوي إلى الإيمان المؤسس والمسيّس، الذي يمارس الجبروت الإيماني ويلغي مسؤولية الضمير؛ مصدر الإيمان والأخلاق بلا منازع.

ولئن كانت الظروف التاريخية والاجتماعية هي التي حتمت أحكاماً خاصة في زمن مخصوص، كوجوب سفر المرأة مع محرم، فإن إغفال التاريخية وظفت الحديث لتبرير السائد من الأنظمة وشرعنته في زمان غير الزمان، وحال غير الحال، وهو استغفال مفتعل بحكم سلطة التراث الجامدة على سياقاتها ومضامينها، وإلا فالانتاج الفقهي ليس أوامر إلهية، وهو موقف تبناه العديد من المحدثين مؤكدين على المماهاة بين الدين والفقه، إذ أصبحت النصوص تبريرية لأحكام مستبقة مرتهنة في حقيقتها للعادات والموروث..

مشكلة الانزياح الكبير عن النص، وعن مقاصده الأخلاقية هو مشكلة فهم مستمرة وعابرة للزمان والأفهام، تؤكد على الدوام أن النظرة للمرأة هي التي وجهت الأحكام الفقهية المتعلقة بها، لكن أن تنتقل النظرة لوزارات فأمر غير سائغ، يكشف عن مدى سطوة الموروث الفقهي الذي يكرس عقائد ملزمة إكراهية على أناس أحرار.

إن افتراض عدم الوعي وانعدام المسؤولية الذاتية يتحكم في النظرة للمرأة ويُعبأ له في الثقافة والتعليم، بل ويكتسب هيمنة عامة تدار بها المؤسسات، ولا زال تأثيره يؤدي إلى تنميط الحياة الاجتماعية حتى في أبسط جزئياتها، فمجتمعنا سلب ثقته من المرأة طوال القرون الماضية وحصر أهداف تربيته لها على الصيانة الجنسية حتى إنها لم تعد تحتاج سوى أن تصون نفسها بين أربعة جدران، وهي صيانة في نهاية المطاف لا تعني العفة بل تعني العجز عن العفة بدون جدران، تتحول الجدران بفعل خروج المرأة إلى محرم لصيق، يستغفل إنسانيتها ويستغل حريتها..

يرى الصادق النيهوم في كتابه نقاش أن “الفرق كامن دائماً تحت السطح، هذا هو السبب في إجماع الأديان على أن النية وراء الفعل هي حقيقة الفعل نفسه”، ولكن هل ترك العتاة لموقع النية “القلب” موطئاً لم يطؤوه، ويشوهوه ويؤطروه بنظرتهم المهيمن بها؛ تلك النظرة المجرمة تجاه؛ أهلية المرأة، كرامة المرأة، إنسانية المرأة، حرية المرأة، بل وآدمية المرأة؟!

إن المجتمع القادر على النمو بالأخلاق لا ينطلق من خطة جامدة وتراث مضى، بل من خطط حديثة واقعية، تتبنى الثقة والنمو بمفهوم الإنسان، وإذا كان غاية قوانين الشريعة أن يعمل كل فرد بوحي من فطرته المؤمنة، فإن الإلحاح على إحلال المسؤولية الفردية المكانة التي تستحقها هو الكفيل بتقويم الضمائر وفق المبادئ القرآنية الجوهرية التي تحمل مبدأ الخير والشر بك أو عليك، وذلك يتطلب الإعراض صفحاً عن اعتبار المرأة حرماً جنسياً والنظر إليها كما الرجل في ضوء القرآن “خليفة الله” ومخلوقاً مسؤولاً عن مصيره مسؤولية كاملة..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.