لغة ودراسة في روسيا لتجسير العقول والقلوب بين الشعوب

fouad-rajeh-russia-education

موقع إنباء الإخباري ـ
فؤاد راجح*
لن ندخل في متاهات الأرقام الكثيرة التي تتحدث عن عدد الطلبة الأجانب الذين درسوا واولئك الذين يدرسون حالياً في روسيا، وتخصصاتهم وجامعاتهم وغيرها من الحقائق والوقائع الكثيرة التي تتعلق بهم، فرقم هؤلاء كبير ويزداد سنة بعد اخرى، وهو ما يؤكد على ان روسيا والحكومات الروسية المتعاقبة، بدون استثناء، أولت جل اهتمامها لملف دراسة الاجانب لديها، لما لذلك من اولوية في جَسر العلاقات الثقافية والانسانية وتعظيم القواسم والتفاهم بين موسكو وعواصم العالم.

لكن وإلى جانب ذلك، تهدف موسكو من العناية بهذا الملف الى ما هو هام للغاية، إذ أن مسألة مساعدة شعوب الدول الأجنبية في إعداد الكوادر الوطنية هي مهمة روسية برزت منذ عهد بناء الجامعات والمعاهد في ذاك البلد الصديق، إبّان القيصرية، ومروراً بالحقبة السوفييتية، والى الحقبة البوتينية حالياً، حيث تضاعف عدد الطلاب الاجانب المنخرطين في المؤسـسات التعليمية العليا الروسية، وتوسّعت عناوين دراساتهم وتخصصاتهم ، ما يُشير الى عمل دؤوب تبذله وزارة التعليم والعلوم في روسيا الإتحادية (وزارة التعليم والعلوم الروسية) في مجمل علاقاتها العالمية، في إطار النهج السياسي الروسي بتمكين روابط موسكو مع بلدان وشعوب العالم.

والملاحظ على وجه التحديد، ان عدد المنح الدراسية الروسية المقدمة للبلدن العربية يزداد، برغم الصقيع العربي الذي يضربها بلا رحمة ويدمّر مقوماتها، وربما تحاول موسكو من خلال ذلك التسريع بعملية هادفة للحفاظ عى الكوادر الوطنية للدول العربية وتعظيم أدوارها، خشية من هروبها النهائي لبلدان جاذبة في اوروبا وامريكا، وانعكاسات ذلك كارثياً على الاقتصادات والمجتمعات العربية التي تئن من ازمات كثيرة تنهكها.

وفي هذا السياق، نلمس في تأكيدات وزارة التعليم والعلوم في روسيا ضرورة وحتمية تلازم الطلبة الاجانب مع زملائهم الروس في العملية التعليمية، وفي العيش المشترك، والتزامل اليومي، ولذلك أبعاداً حضارية عديدة، ليس أولها إرساء الصداقات والعلاقات بين الطلبة، وهم قادة المستقبل في بلدانهم، واستمرارية هذه الصداقة لعقود، إذ أنها تؤسس لتفاهمات شعبية وسياسية وثقافية وإنسانية واسعة.

والمهم في أمر سياسة التعليم الروسية للأجانب هو سرعة الإنجاز وتفهّم اوضاع الاجانب من شريحة “رقيقي الحال”، وتوفير المنح والمقاعد الدراسية المجانية وغير المجانية للأجانب وبخاصة لفئة اصطلح بتسميتها “الأقل حظًاً!”، أي المُهمّشة اجتماعياً وطبقياً واقتصادياً في مجتمعاتها.

وفي العديد من التخصصات في روسيا تدني كلفتها المالية والمعيشية، وضمان العلاج والسكن للطلبة الاجانب، فتكلفة الدراسة في تلك التخصصات في روسيا هي أقل من تكلفتها في بلدان الطلبة أنفسهم، ما يؤكد مرة اخرى ان سياسة التعليم الروسية للاجانب بعيدة البصيرة وتهدف، حقيقة، لكسب العقول والقلوب في أن واحد، وسبر أغوار النفس البشرية وإظهار نوازعها الانسانية، لدمجها مع الآخر وتفاهمها مع غيرها من القوميات والشعوب، وتهيئتها لتقيم قواعد ثابتة للعيش المشترك المستقبلي الثابت على قاعدة الصداقة والمصالح المشتركة.

وفي تفاهم الطلبة الاجانب تلعب اللغة الروسية دوراً رئيسياً لم يتغير منذ مئات السنين. فهذه اللغة هي الجسر الناقل للصداقة والتفاهم بين الطلبة وشعوبهم، وسيستمرون في إتقانها والتحدث بها للتقريب مابين بعضهم البعض، وكيف لا وهي لغة الشاعر الروسي العظيم، الافريقي الاصل، الكسندر بوشكين، الذي تفاخر به روسيا ولا ترى بديلاً عنه ولا عن اصوله القومية لتجسير الصداقة والعلاقات الثقافية والانسانية مع أمم العالم، فتحتفل بيوم مولده يوماً وطنياً للغة الروسية.

*صحفي ومراسل صحفي وكاتب وعضو في هيئة القيادة العالمية ورئيس المجموعة الرئاسية اليمنية والرئيس العام لـ”ديوان أرباط” (مكتب أرباط) للصحافة والإعلام والنشر والترجمات في رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين الاَلِكْتْروُنِيّةِ لمُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ فِيِ الأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.