ما لم يُعلن من «اتفاق الكيماوي» الأميركي – الروسي

 

Free Syrian Army fighters run to take cover in a village in Aleppo's countryside

صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ

غسان جواد:

في التسويات والتفاهمات الدولية، ثمّة نقاط يجري الإعلان عنها وإبرازها، وتبقى نقاط وتفاهمات طيّ الكتمان.

في “أزمة الصواريخ الكوبية” عام 1962، إتفقت الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي على تفكيك منظومة الصواريخ السوفياتية في كوبا، مقابل تراجع واشنطن عن ضرب النظام الكوبي ومهاجمته. وفي حين أُعلن عن هذا الاتفاق برعاية الأمم المتحدة، ظلّت نقاط منه غير معلنة ومنها التزام واشنطن تفكيك وتخفيف منظومات صواريخ متطوّرة كانت تنصبها في تركيا، وتشكل خطراً استراتيجياً على موسكو.

ما حصل في شأن السلاح الكيماوي السوري، قريب من هذا النموذج. أُعلن عن الجزء الذي يرضي “غرور” واشنطن ويحفظ هيبتها. لكن ما لم يتمّ تظهيره في هذا الصدد، هو انّ موسكو وعدت دمشق والحلفاء بإتمام صفقة صواريخ “اس ـ 300” الروسية، واسلحة أُخرى متطوّرة وطائرات حديثة، مقابل تعاون دمشق في إنجاح المقترح الروسي حول الكيماوي السوري لإنهاء الازمة.

ظهرت ملامح هذه التسوية في قمّة العشرين الأخيرة في سان بطرسبورغ. إقترح الروس على الاميركيين مخرجاً “لائقاً” من المأزق الذي وضعوا انفسهم فيه، وجاء الطرح على شكل “مبادرة روسية” سبق لموسكو أن نسَّقتها مع دمشق وطهران، سأل الاميركيون عن قابلية السوريين والإيرانيين في الموافقة على هذه المبادرة، وجاء الجواب الروسي أنّ موسكو تضمن جواباً ايجابياً، شريطة وقف أيّ نيات “عدوانية” تجاه دمشق، ودعم الحلّ السياسي والإقلاع عن نظريات “إسقاط الاسد”.

إستمرَّت واشنطن بعدها بالتصعيد والتهويل الاعلامي، علّها تأخذ مزيداً، لكنها وجدت في المقابل إصراراً على “صفقة عادلة”. والصفقة هنا أنقَذت واشنطن من مستنقع جديد يشبه العراق وافغانستان ويهدّد الامن الاقليمي، في مقابل موافقة دمشق على وضع ترسانتها من السلاح الكيماوي تحت رقابة دولية.

السيناريوـ المخرج أطلقه عملياً وزير الخارجية الأميركية جون كيري عندما تحدث عن مهلة اسبوع لتسليم السلاح الكيماوي السوري، وفي اليوم التالي جاء جواب دمشق من موسكو بالموافقة على رعاية دولية لهذا السلاح. لكنّ هذا ليس كلّ شيء. لا تزال القضية في بداياتها، ولا تتعدّى كونها “إعلان نيات” تحفظ لواشنطن ماء وجهها في العالم، وتجنّب دمشق ضربة عسكرية أميركيّة وعدواناً من شأنه إرباك الجيش السوري في معركته مع المسلحين على الارض.

إعلان النيات هذا يحتاج الى متابعة واستكمال. موسكو وضعت سقفاً للجموح الاميركي ـ الغربي ـ الخليجي ـ التركي. لم يعد في الإمكان التذرّع بالسلاح الكيماوي لشنّ عدوان على سوريا. اما مسار الازمة السورية بمختلف تشعباتها الداخلية والإقليمية فيظلّ مساراً منفصلاً. الجيش السوري مستمرّ في معركته على الارض ضدّ المسلّحين، وفي عملية استعادة المناطق التي يسيطرون عليها. المعارضة السورية وحلفاؤها الاقليميون يعانون الآن من معضلة “صرير الاسنان”. لا عدوان على دمشق من شأنه تغيير موازين القوى على الارض وإطاحة النظام. لا ذهاب الى حوار سياسي مشروط، والجهد الدولي عموماً سينصبّ على “تأمين” السلاح الكيماوي، وليس تأمين مستقبل “المعارضة” وطموحات رعاتها الاقليميين.

واشنطن تأخذ من خلال “المقترح الروسي” وعداً بمناقشة ما تريده وما يشغل بالها بالفعل، أي السلاح السوري الكاسر للتوازن مع إسرائيل، وهذا مسار تفاوضي طويل لا أحد يضمن نهاياته في هذا النوع من النزاعات. النظام والحلفاء اخذوا وقتاً لاستكمال استعادة الارض وتعزيز الجهود الدفاعية وخطط المواجهة. في حين انّ بقية شروط المواجهة وظروفها لا تزال قائمة، والأزمة السورية مفتوحة على جملة من التطورات الميدانية والسياسية. فقد عدنا في هذا الصدد الى المربّع الاول، الى “النقلة” الاولى في أحجار الشطرنج في لعبة جديدة ـ قديمة. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.