محاكمة الأمين وخياط.. أهكذا يُكتشف قتلة الحريري؟

international-court

صحيفة السفير اللبنانية ـ
نبيل هيثم:

اليوم تحاكم المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، الصحافة في لبنان، عبر الزميلين ابراهيم الامين وكرمى خياط، في خطوة أثارت المزيد من الالتباس حول المحكمة، وزرعت المزيد من علامات الاستفهام حولها، والمهمة التي أُنشئت لأجلها وما اذا كان إرهاب الصحافة والإعلام في لبنان يخدم هدف كشف حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري.
ولعل ما يزيد الريبة والالتباس، هو ما يجمع عليه اللبنانيون من استقواء واضح من قبل المحكمة على الصحافة والإعلام في لبنان، فيما هي تتجاهل الإعلام العربي والغربي، الذي سرّب المعلومات من داخل المحكمة، وكذلك رسم المسار الذي ستسلكه المحكمة خطوة خطوة، وقبل أن تبادر هي الى سلوكه عمليا، وصولا الى القرار الظني لمدعي عام المحكمة الذي كشف مضمونه قبل صدوره بسنوات وعرضت تفاصيله في الصحافة الغربية، وخصوصاً في «دير شبيغل» الالمانية و«لو فيغارو» و«لو موند» الفرنسيتين، وكذلك في صحف الخليج. ومن دون الأخذ بشهود الزور والتسجيلات الصوتية لبعض المسؤولين اللبنانيين التي تثبت دورهم في تجنيد شهود الزور وحمايتهم وتمويلهم.
الواضح في مسار المحاكمة، هو أن المحكمة الدولية هي الخصم والحكم في آن واحد، وهذا يفتح الاحتمالات على المدى الأبعد وصولا الى حد النطق بالحكم على الزميلين الأمين وخياط، خاصة أن تجريمهما قد ورد أصلا في متن الاتهام الاولي لهما بـ«تحقير المحكمة»، على ان المثير للتساؤل هو غياب الدولة اللبنانية عن هذه المسألة، على اعتبارها «الفريق الثاني» في بروتوكول إنشاء المحكمة، حيث يبدو ان الأمور تتم بمعزل عنها، ولا رأي لها في ذلك، فكأنها مسلّمة أوراقها كلها الى المحكمة ومسلّمة بقضائها.
وعليه، لا تبدو مقدّمات محاكمة الزميلين الأمين وخياط مشجعة، خاصة أن حالات مماثلة تزيد عن العشرين حالة، كلها خسرت أمام المحكمة، وفق ما يقول الاستاذ في القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني، الذي يلاحظ «ان من ادعى على الصحافيين هو المحكمة، ومن يحاكمهما هو المحكمة، ومن شرع للمحكمة التجريم بالتحقير هو المحكمة. فكيف لقضية أمام قضاء يكون القاضي فيها، هو المدعي والمشرّع؟ فكيف لمثل هذه القضية ان تخسرها المحكمة، وكيف يمكن ان يربحها المدعى عليه في هذه الحالة؟
ويوضح أن فكرة تحقير المحكمة موجودة في القانون الوطني كما في قوانين العالم، وأقرت المحاكم الدولية الجنائية السابقة هذا الجرم كما هي حال المحكمة الخاصة بلبنان، وعدلت قواعد الإثبات والإجراءات. وثمة سوابق متعددة اتهمت محامين وصحافيين بهذا الجرم. وكل تلك السوابق قد خسرها المدعى عليهم من صحافيين ومحامين.
يقود ذلك الى السؤال عن وظيفة الدفاع في قضيتي الزميلين الأمين وخياط، فيلاحظ جوني أن الدفاع في هذه الحالة يعتمد على مرتكزات عدة:
الاول، موضوع نشر المدعى عليهما لبعض المعلومات التي كانت قد سربت سابقا، وما دامت قد سربت فمعنى ذلك انها لم تعد سرية. أي ان ما نشرته «الأخبار» وقناة «الجديد» لا يعيق سير العدالة، وان ما نُشر سابقا عن المحكمة وعن لجان التحقيق وعن المدعي العام يشكل خطرا ليس على سير العدالة فقط، بل على القضاء والقانون الوطني والدولي، وعلى عدد كبير من الأشخاص الذين أصبحت حياتهم في خطر نتيجة التسريبات.
هنا، يقول جوني، ان المحكمة ستقول إنها هي صاحبة الحق وحدها في تحديد ما الذي يعيق سير العدالة وما الذي لا يعيقه. وثمة حالة مماثلة، جرت مع محكمة يوغوسلافيا، حيث اعتبرت المحكمة ان لا علاقة لموضوع السرية بالتسريب، بل هي فصلت بينهما، أي بين معلومات مسربة ومعلومات منشورة، مدعية ان السرية تقرها المحكمة. وتبعا لهذا الاجتهاد حكمت على الصحافيين، معتبرة انه كان عليهم ان يستأذنوا المحكمة ويطلبوا نزع سرية التحقيق من المحكمة حتى ولو كان ذلك قد سُرّب أو نُشر في مكان آخر. من هنا يأتي كلام الناطق الرسمي باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مارتن يوسف بأن المدعي العام للمحكمة هو الذي يحتفظ بسرية المعلومات. ومن هنا ينبغي على فريق الدفاع عن الأمين وخياط ان يدرسا هذه النقطة من كل جوانبها.
المرتكز الثاني، موضوع حق التعبير وحق الصحافة والإعلام والنشر المصون بالدستور اللبناني وكل القوانين اللبنانية والدولية. إلا ان اجتهاد المحاكم الدولية، كما يذكر جوني، يبرز كيف تمسكت تلك المحاكم بالمادة 29 من الإعلان العالمي وبالفقرة الثانية من المادة 19 من العهد الدولي اللتين تضعان حدودا لهذه الحريات، حيث يجب ان تمارس في إطار احترام القانون، ليس القانون الداخلي فقط بل القانون الدولي، وبما ان المحكمة تعتبر نفسها جزءًا من القضاء الدولي، وأُنشئت على أساس الفصل السابع في مجلس الامن، فهي تعتبر أن ما تصدره جزءًا من القانون الدولي العام.
المرتكز الثالث، حول شرعية أو لا شرعية المحكمة. يقول جوني ان «المحكمة غير شرعية، وتأسيسها لم يكن إلا لأهداف سياسية خطيرة على لبنان وعلى المنطقة. وقد سبق لي ان قلت لبعض المسؤولين في المحكمة إنها كبوسطة عين الرمانة التي أشعلت الحرب في لبنان. وبالرغم من ذلك صارت المحكمة أمرا واقعا، كسابقتيها محكمة يوغوسلافيا ومحكمة رواندا. واذا أردنا ان نبحث في شرعية إصدار هذه المحاكم على أساس الفصل السابع التي يعتمد عليها مجلس الامن في المادة 29 من ميثاق الامم المتحدة التي تعطيه حق إصدار هيئات فرعية للقيام بوظائفه، فعلينا ان نحاسب مجلس الامن ايضا على قرار حصار العراق الذي أدى الى مليون قتيل».
وعندما يسأل جوني عما يمكن القيام به حيال ذلك، يرى ضرورة «الرفض المطلق للاعتراف بشرعية المحكمة، برغم انها أصبحت أمرا واقعا، وضرورة ان يرفض لبنان التعاون معها اذا ما حكمت بإدانة الصحافيين، على غرار ما قامت به الحكومة الفرنسية عندما رفضت تسليم صحافية فرنسية في لوموند بعدما حكمت عليها محكمة يوغوسلافيا بالسجن سبعة ايام بالجرم نفسه، فوزارة الخارجية الفرنسية آنذاك رفضت تسليم الصحافية معللة ذلك ليس فقط بحرية الصحافة، بل ايضا بأن التعاون بين فرنسا والمحكمة ينحصر بتسليم المتهمين بارتكاب الجرائم الكبرى التي تدخل في اختصاص المحكمة وليس من يتهم باحتقار المحكمة. إلا ان مشكلتنا في لبنان تكمن في ان من صاغ مشروع إنشاء المحكمة سلّم سيادة لبنان واستقلاله الى المحكمة ويمكن اتهامه بالخيانة العظمى».
ماذا لو تمنّع الصحافيان عن المحاكمة؟
يقول جوني، «اذا حضر الصحافيان فستتم المحاكمة وجاهيا، وان لم يحضرا فستتم المحاكمة غيابيا وتصدر حكمها في حق المتغيب. وهنا ستطلب المحكمة من لبنان تسليم المحكوم عليه اذا كان الحكم بالسجن، أو الطلب من الحكومة اللبنانية تنفيذ الحكم اذا كان الحكم بالغرامة المالية. أما اذا لم يتعاون لبنان في هذا المجال فللمحكمة الحق في إحالة القضية الى مجلس الامن، وفي رأيي لا ضرر من ذلك، بل يمكن ان تشكل هذه الإحالة فرصة لإعادة البحث في كل الثغرات التي تعتري المحكمة».
وخلص جوني الى القول: «لا أعتقد أن المستهدف هو الصحافة فقط بل لبنان، فما أخشاه ان يكون استهداف الأمين وخياط مقدمة للادعاء على سياسيين ونواب ووزراء ورموز كبيرة في المقاومة للمثول أمامها للمحاكمة.. وهنا يكمن الخطر الاكبر».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.