محكمة لبنان: آداة أو نتيجة للفتنة السنية الشيعية؟

tribunal-international

بانوراما الشرق الاوسط ـ
د. ليلى نقولا الرحباني:

من المتوقع، أن تبدأ المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان، أولى جلساتها في السادس عشر من شهر كانون الثاني الجاري، مع بعض الاشكاليات القانونية المتعلقة بضم ملف المتهم الخامس الى القضية. ولقد تزامن هذا الحدث مع “احتفالية” اعلانية في المحكمة، وجولة اعلامية للناطق باسم المحكمة مارتن يوسف لتسويقها داخل لبنان، ودخول اسرائيلي اعلامي على المشهد المتعلق بالمحكمة.

وما يهمنا في كل هذا أمران:

الأمر الأول- إعلان مارتن يوسف بأن “المحكمة غير مخوّلة اتهام حزب أو فريق أو جهة سياسية معينة بل الأفراد المنتمين للأحزاب وتحصر اهتمامها بالأدلة التي تثبت علاقتهم بالاعتداء”. بالمبدأ، ما يقوله يوسف صحيح من ناحية أن المسؤولية في المحاكم الجنائية الدولية – ومنها محكمة لبنان- هي مسؤولية فردية وليست جماعية، وبالتالي هي توّجه لأفراد وليس لشخصيات معنوية. لكن يوسف لم يقل كل الحقيقة، وتعامى عن مبدأ أساسي طورته المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا، وقد ادرجه نظام محكمة لبنان في مادته الثالثة، وهو مبدأ المشروع الجنائي المشترك، والذي يُعتبر بدعة في القانون الجنائي الدولي.

وبموجب هذا المبدأ الذي أكدت عليه المادة الثالثة من نظام محكمة لبنان، يمكن للمحكمة – حين تثبت الحكم على عناصر من حزب الله- أن تلجأ الى التوسع في التحقيق لتتهم من تشاء ضمن المجموعة التي ينتمي اليها هؤلاء، على أساس الجرم الجنائي بموجب الهدف المشترك، وحتى لو لم يكن هذا الهدف المشترك جرميًا بالأساس. ونلاحظ أن محكمة يوغسلافيا قامت- من ضمن هذا المبدأ- بالحكم جنائيًا على العديد من الأشخاص لمجرد تشاركهم بـ “النية الذهنية” مع الجاني، أو لأنهم انتموا الى نفس المجموعة التي انتمى اليها الجناة.

الأمر الثاني الذي يجب لفت النظر اليه، وهو في الفقرة الثانية ضمن المادة 3 ايضًا من نظام محكمة لبنان، أنه يمكن للمحكمة انطلاقًا من مبدأ مسؤولية الرئيس عن المرؤوس أن تطلب تحويل السيد حسن نصرالله وسائر قيادات حزب الله، سواء بسبب الفعل أو عدم الفعل، وهذا يعني أن يُقدموا الى المحاكمة في حال كانوا يعلمون بالجريمة وأمروا بها، أو أنهم علموا ولم يمنعوا ارتكابها، أو ببساطة لأنهم كان من المفترض أن يعرفوا ولم يعرفوا، أو لم يبلغوا السلطات المختصة.

الأمر الثاني والأخطر، هو الدخول الاسرائيلي على المشهد من خلال بابين: أولاً تسريب إحدى الوثائق المتعلقة بالمحكمة، والثاني الاعتراف بأن اسرائيل كانت قد زودت المحكمة بأدلة تورط قادة من حزب الله بقضية اغتيال الحريري.

أ- بالنسبة لتسريب ونشر وثيقة من الوثائق الرسمية التابعة للمحكمة، والادعاء بأن أحد الباحثين الاسرائيليين قد “عثر” عليها، فهذا يشير الى أمور عدّة أهمها:

محاولة اسرائيل تثبيت الاتهام على حزب الله اعلاميًا حتى قبل تثبيته قضائيًا وشحن الأجواء المذهبية في ظل الحرب السنية الشيعية الدائرة في المنطقة. بالاضافة الى تشويه صورة المحكمة أكثر مما هي مشوهة بالأساس، وفقدانها ما تبقى لها من مصداقية هشّة. ولعل عبارة “عثر عليها”، تشير الى أن ابسط معايير العدالة لم تطبق في هذه المحكمة، فكيف يمكن لوثائق مصنّفة سرّية، وتدخل في صلب القرار الاتهامي بأن يعثر عليها باحث وكأنها مرمية في المهملات، أو موضوعة في أرشيف علني، وهذا لا يجوز اطلاقًا.

ب- بالنسبة للإعلان الاسرائيلي بأن اسرائيل قد زوّدت المحكمة بالأدلة عن تورط عن حزب الله، فهذا ليس بالأمر الجديد، فقد كشف مساعد بلمار في وقت سابق بأن اسرائيل هي مصدر من مصادر القرار الاتهامي، وذلك بالرغم من أن جميع المحققين كانوا قد أقرّوا بأن اسرائيل لم تتعاون مع المحكمة بالنسبة لما طلبه المحققين منها من معلومات. إذًا، اسرائيل قدمت الدليل الاتهامي، وهذا يطرح شكوكًا كبيرة على القرار الاتهامي بحد ذاته المبني على الاتصالات بين المتهمين، وهذا الاعتراف الاسرائيلي يصعّب المهمة على المحكمة ويجعلها مطالبة بمزيد من الشفافية والصدقية، فكيف يمكن الوثوق بقرار اتهامي يدين حزب الله، قد قدمته عدوته اسرائيل، علمًا أن اسرائيل مدانة دوليًا باختراق الشبكة الخلوية والهاتفية اللبنانية.

بكل الأحوال، من المتوقع أن يتم تأجيل جلسات المحاكمة مرة أخرى، وكما معظم المحاكم الدولية في العالم، ستكون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أداة بيد الدول الكبرى، تستخدمها في محاولة تغيير الموازين القوى في الداخل أو لسحق المهزومين، وبدون أن ينسحق أو ينهزم لن تستطيع أن تقوم بمهمتها تلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.