معركة #حلب … ومصداقية التّرويج لبداية النهاية

b8892072-9aee-49db-98ae-b949a56ee743

ساعود جمال ساعود – الميادين نت

إن الكلام بشكل عشوائي عن أحداث حلب مرفوض عملياً لأن هناك مشهداً مُعقّداً تتشابك فيه آلاف العناصر، لذا لا بدّ من ذِكر مُعطيات دقيقة لاستنباط ما يُمكن أن يحصل في حلب خاصة وسوريا عامة بأسلوب منطقي نُقرّ فيه بما يُفرحنا ويُحزننا بنفس الوقت لنتبيّن في ما إذا ستكون معركة حلب بداية النهاية أو لا…

تُعتبر معركة حلب التي بدأت منذ فترة ليست بالبعيدة من المعارك الهامّة على صعيدي الحسم والتوازن إنطلاقاً من كونها معركة مُركّبة ومُعقّدة وبالغة الصعوبة، في ظلّ استمرار تدفّق الدعم الخارجي عَبر وفي ظلّ الأهداف المنشودة من تحرّكات الجيش العربي السوري والمُتمثّلة في حسم البُعد الداخلي، وحسم البُعد الإقليمي من دون التغافل عن احتمال استمرار المساعي الأميركية لفرض سيناريو التقسيم وجعله قابلاً للتطبيق .
يبدو أن المُتطرّفين وداعميهم يتوهّمون بأن حلب هي أفغانستان الثانية، ويحاولون تكرار التجربة ذاتها مُتجاهلين الفرق بين سوريا وغيرها تماماً .
ولعلّ ما سَلَفَ ببساطة السبب في استماتة المُعارضة الإرهابية وداعميها الخارجيين في التصدّي للقوات الحكومية في حلب، حيث نجد جذوراً تاريخية لما تقدّم ذكره ، حيث إن تجارب العدّو الصهيوني الأمريكي في استخدام المُسلمين المُتطرّفين كأداة تتكرّر نفسها في أغلب مناطق العالم وتكاد أن تتماثل من حيث الظروف وكيفية الإستخدام والنتائج.
ونذكر عندما توجّه الإسلاميون المُتطرّفون من مختلف البلدان نحو أفغانستان التي كانت أرضاً لتصفية الحِسابات بين المُعسكرين الشرقي والغربي، واستغلّت العواطف الإسلامية الساذجِة عند الأغلبية لدفعهم إلى المُشاركة تلبية لطموح أمريكي في تفتيت الاتّحاد السوفياتي والقضاء على الفكرة الشيوعية، حين اقترب موعد الحسم بداية التسعينات، كيف كان يُروّج للمعركة القائمة في كابول بين ما عُرِف “بالمُجاهدين” الأفغان والقوات الموالية للجيش الأحمر على أنها المعركة الفاصلة، التي ستُحدّد مسارات الأمّة الإسلامية، وستعلن عن تاريخ جديد لها، وستمهّد لمعركة القدس الكبرى.. إلى آخره من أضغاث الأحلام التي كانت تُخدّر بها العقول من طرف مُخدّرين محليين وعالميين كانوا يمارسون هذه المهنة، ومازال كثير منهم إلى اليوم تلبية لرغبات الحكومات الموالية للمُعسكر الغربي والقائمة على تنفيذ أجنداته وتسهيل حصوله على مطامعه.
سقطت كابول بيد المُتطرّفين الأفغان، وانهارت الأحلام بل تحوّلت إلى كوابيس، بدءاً باندلاع الإقتتال بين الفصائل المُجاهِدة، مروراً بتلاشي ملامح الدولة الإسلامية التي كانت حُلم المُقاتلين والمُتعاطفين، وإنتهاء بتسليم المُقاتلين العرب لسجون الأنظمة العربية خوفاً من تغوّل الفكر الجهادي وتحوّله إلى ديارها، وعلى غِرار أفغانستان وكابول تقوم أمريكا بتسيير أدواتها في هذا الإتجاه الخطير الكارثي الذي سيُعقّد المشهد الداخلي في سوريا ويزيده اضطراباً وفوضى وللتدليل على التشابُه نذكر ما قاله السعودي عوض القرني حول ما جرى مؤخراً من معارك حول مدينة حلب إذ قال: “معركة حلب ستقرّر مصير سوريا كلها، ومعركة سوريا ستقرّر مصير المنطقة والأمّة لمائة عام قادمة”، وبذلك تكون سياسة أمريكا نفسها سواء في أفغانستان أو كابول أو البوسنة أو كوسوفا أو الصومال أو العراق، وفي كل مرّة ينتهي الحال باقتتال داخلي وخيبات ونَكَسات، من دون إتّعاظ ولا اعتبار ولا تغيير في الخطاب، ولا وعي بتلاعب القوى الدولية بوجدان الشعوب وتوجيهها نحو مصالحها ومطامعها، في سذاجة تظهر كأنها أزليّة لا انفكاك عنها عند النُخبة المُتعصبين من الإسلاميين .
إن الكلام بشكل عشوائي عن أحداث حلب مرفوض عملياً لأن هناك مشهداً مُعقّداً تتشابك فيه آلاف العناصر، لذا لا بدّ من ذِكر مُعطيات دقيقة لاستنباط ما يُمكن أن يحصل في حلب خاصة وسوريا عامة بأسلوب منطقي نُقرّ فيه بما يُفرحنا ويُحزننا بنفس الوقت لنتبيّن في ما إذا ستكون معركة حلب بداية النهاية أو لا، ومن بين هذه المُعطيات نذكر:
أولاً: إنّ حدوث هذه المعركة واستمرارها دليل على انّه لا يوجد تفاهم روسي- أميركي فعلي يُرضي الأطراف كلها أو بالأحرى تقاسم نفوذ مُرضٍ، وإلا لتبيّن أثره في وقف دعم غُرَف العمليات التي يقودها الأميركيون وغيرهم في أكثر من مكان للمجموعات التي تقوم بالهجوم على حلب.
ثانياً: لم يفهم البعض لغاية اليوم إن العلاقات الدولية علاقات مصالح وليس حب وعشق، وإن ما يجري بين أمريكا وروسيا صراعُ نفوذٍ سواء في شرق أوروبا أو في الشرق الأوسط، فكلا الطرفين مالك للقوّة والإستراتيجيات طويلة الأمد، وبالنسبة إلى مُفاوضات الطرفين بخصوص سوريا، فهناك تناسب عكسي بين المُفاوضات الإعلامية الناعمة التي تجري بينهم من جهة والواقع العَمَلي من جهة أخرى .
ثالثاً: بالنسبة إلى الأطراف الإقليمية التي تقوم بدعم المُسلّحين في الداخل السوري، فإننا نجد خلافاً لما أشار إليه الكثير من المُحلّلين السياسيين والإعلاميين أن الإنقلاب الأخير في تركيا سينعكس إيجاباً لصالح سوريا بخصوص معركتها في حلب، والمُلاحظ لغاية اليوم أنه لا أثر لأي تغيير في الموقف التركي بعد الإنقلاب وإلا لما تواصل تدفّق المُسلّحين عبر الحدود التركية، والكلام هنا بحَسب المعلومات عن أربعة موثّقة عن خمسة آلاف مُسلّح عبروا الحدود في الأيام الأخيرة .
رابعاً: في نفس الوقت الذي تندلع فيه معركة حلب، فإن هناك أكثر من جبهة تشهد أحداثاً إرهابية تتطلّب مُكافحة عسكرية سريعة، ما يستلزم الحشد العسكري تِعداداً وعَتاداً، وهذا ما يحدث بشأن الغوطة الشرقية التي يقوم فيها الجيش السوري بمساندة من القوّات الحليفة بتحقيق تقدّم ملحوظ بريفها بالقرب من العاصمة دمشق، وكذلك المنطقة الشرقية ومنها الرقّة التي استشرى فيها سرطان الإرهاب بشكل يستدعي تدخلاً سريعاً رفيع المستوى، حيث أن إنتشار المعارك على أكثر من جبهة مدروس بشكل دقيق من قِبَل المُسلّحين، والهدف دائماً هو إضعاف الجيش العربي السوري، وفي هذا الصَدَد نذكر تماماً ما كتبته صحيفة “كوميرسانت” الروسية أن الوزراء الروسي سيرغي شويغو والسوري فهد جاسم الفريج والإيراني حسين دهقاني الذين اجتمعوا في وقت سابق، قد ركّزوا خلال المُباحثات على الأهداف التي يتوجّب ضربها في إطار إجتثاث “الخلافة” المزعومة في الرقّة، والمُراد بهذا كله أن هناك جبهات كثيرة ستكون بانتظار جيشنا الباسل .
خامساً: تبرز مهام تفكيك الخلايا النائمة كعائقٍ جدير التحدّث به والإشارة إليه لا سيما بعدما قامت الخلايا النائمة في مدينتي جبلة وطرطوس السوريتين بأحداث دموية هناك .
سادساً: إن خوف أعداء سوريا منها نابع من الإيديولوجيا التي تتبنّاها سوريا، وهي ما تُشكّل خطراً عليهم حتى من داخل دولهم، وتُحبِط مشاريعهم خارجها، لذلك نحن نرى من جهة إئتلافاً خلف هذه المجموعات من كل المستفيدين من إطالة الحرب أي أميركا وتركيا والسعودية والإرهاب معاً.
سابعاً: تجاذبات الموقف الدولي وإتسامه بعدم الإستقرار على سياسة مُحدّدة، ومثالُ ذلك ما يجري الحديث عنه من اقتراب الموقفين الأميركي والروسي بشأن حلب هو في الحقيقة تخلّي واشنطن عن خيار حلفائها الذي دعمته على مدى السنوات الماضية، بعد أن عجزت مع حلفائها الأتراك والخليجيين والأوروبيين عن تحقيقه بفعل صمود المقاومة، وفي الحقيقة إن مثل هذا التقلّب لا يخدم عملية إتّخاذ موقف يخدم إنهاء الحرب في سوريا.
ثامناً: القتال إرتقى إلى قتال بين جيوش ولم يَعُد بين مجموعات مُسلّحة والجيش كما اعتدنا القول، وفي الواقع رأينا عشرات الدبّابات والمُدرّعات تشترك في القِتال وبطاريّات المدفعية وهي كلّها أسلحة حصلت عليها المجموعات المُسلّحة من خلال آلاف الأطنان التي إشترتها أميركا والسعودية من أوروبا الشرقية وسلّمتها في الاْردن وتركيا إلى هذه المجموعات المُسلّحة .
تاسعاً: ما يحدث في سوريا حرب بالوكالة بامتياز التي تعني استخدام القوى المُتحاربة أطرافاً أخرى للقتال بدلاً عنها بشكل مُباشر، والخطير في الأمر أن القوى التي تستخدم المرتزقة والأطراف العنيفة غير القانونية وأطراف أخرى يتم استخدامها بشكل أكبر حين تأمل القوى أن تتمكّن هذه الأطراف من ضرب أطراف أخرى من دون الإنجرار إلى حرب شاملة، ما يعني طول أمد الحرب، ولإثبات الفكرة إن الجيش السوري بمواجهة جيوش الإرهابيين المُحيسني والجولاني التي تملك غرف عمليات وهيئات أركان أوروبية وأميركية وغيرها تقود هذه العمليات من أنطاكية أي إنها حرب بالوكالة عن كل هؤلاء ضدّ سوريا وضدّ الجيش السوري، لذلك (الحرب بالوكالة عند جولة من الجولات).
عاشراً: احتدام التدخّل الدولي في معركة قد تكون آخر وأكبر المعارك في سوريا إذا ما انتصر فيها الجيش السوري، ما قد يُسبّب عدم إنتهاء هذه الحرب، وعدم توقّف الدول عن العَبَث بأمن سوريا إلا بحرب شبه عالمية لا تُبقي ولا تُذِر وعندها ستكون كل الدول بحاجة إلى برامج إعادة إعمار وليس سوريا فقط .
الحادي عشر: هناك رغبة مخفيّة دولية بإطالة أمد الحرب في سوريا نظراً إلى المكاسب الجمّة التي ستجنيها من ضعف سوريا، وللتدليل نذكر ما نقلته جريدة البديل المصرية عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي (آي إن إس إس) إن الأهم بالنسبة “لإسرائيل” (العدّو) وبالحدّ الأدنى هو ضمان إضعاف محور المقاومة بما فيها سوريا في المستقبل، وإبعاد الأخيرة كدولة وقدرة عسكرية قدر المُستطاع عن هضبة الجولان، وذلك عن طريق التعاون مع التنظيمات التي تدعمها وترعاها دول مثل السعودية وقطر وتركيا والأردن، مع الأخذ في الإعتبار مسلك هذه الدول في ضمان توجيه دعمها للمُسلّحين المُتطرّفين سواء المنضويين فكرياً وتنظيمياً تحت “داعش” أو “القاعدة” أو مَن سينضم إليهم بحكم الواقع وتطوّرات الأحداث مُستقبلاً، وما يعني ذلك من تفضيل أن تضع تل أبيب خطّة أمنية شاملة لجبهة الجولان تتضمّن في جوهرها هذه الإشكاليات بالإضافة إلى محاولة إجهاض تمدّد محور المقاومة إلى هذه الجبهة، سواء بالإستناد إلى واقع الجولان المعهود منذ 1974حتى 2010، والذي تكفله الهيئات الأممية وإتفاق فصل القوات، أو بالواقع الجديد القائم على توازنات الردع والذي ستحقّقه “إسرائيل” بالتعاون مع الأطراف سابقة الذِكر.
الثاني عشر: ولا ننسى ما نشره مركز فيريـل للدراسـات في برليـن بشأن قيام واشنطن ردّاً على التقارُب التركي الروسي، ولتحويل الأنظار عن فشل هجوم إرهابيي السعودية على حلب، حرّكت واشنطن أصحاب الأحلام الوردية من الإنفصاليين في محافظة الحَسَكَة، فقامت مجموعات إرهابية من الأسايش بمُهاجمة مواقع الجيش السوري بالمدفعية والدبّابات. وقد ذكر بيان صادر عن القيادة العامّة للجيش والقوات المُسلّحة السورية الجمعة 19.08.2016: صعّد “الأسايش”، الجناح العسكري لحزب العمّال الكُردستاني، في الآونة الأخيرة من أعماله الإستفزازية في مدينة الحَسَكَة، كالإعتداء على مؤسّسات الدولة وسرقة النفط والأقطان وتعطيل الإمتحانات وارتكاب أعمال الخطف بحقّ المواطنين الآمنين، وإشاعة حال من الفوضى وعدم الإستقرار. إنّ أعمال “الأسايش” أخذت طابعاً أكثر خطورة بتطويق مدينة الحَسَكَة، وقصفها بالمدفعية والدبّابات واستهداف مواقع الجيش السوري داخلها ما أدّى إلى مقتل العسكريين والمدنيين “والتي أعقبتها تحرّكات سريعة للجيش العربي السوري، ورغم ما تمّ من مُحادثات في قاعدة حميمم بين الروس والكُرد بشأن وقف إطلاق النار، فإن هذه الورقة الضاغطة تبقى سلاحاً بيد أمريكا.
بالتحليل يُمكن للمُتمَعّن بالوضع السوري الوصول إلى العديد من النتائج على شتّى المُستويات فأولها ما يتعلّق بمعركة حلب، فهناك سيناريوهان بديهيّان لهذه المعركة الأول إنتصار الجيش السوري وهو إنتصار للتسوية، ومن المُبكر الحديث اليوم تحت نيران حلب عن إطارها أو عناوينها جينيف أو غيرها، وإن هذا مُعتَمد لدرجة كبيرة على حلفائنا كقوى كبرى خاصة روسيا وإيران، والثاني يقول إذا نجحت المجموعات المُسلّحة بخرق الحصار سيؤدّي ذلك إلى إطالة أمد الحرب، وعلى صعيد آخر يمكن لنا ملاحظة التطوّر الأخير بخصوص ردود الفعل، ففيما سبق شاهدنا ردود فعل (دولة ضدّ دولة)، واليوم تتحرّك واشنطن والسعودية ومن معهما بإتجاه معاكس روسياً وتركياً كما أسلفنا في الحَسَكَة، ما يعني إن المواجهة في الوقت الراهن بين أحلاف علناً على الأرض السورية الأمر الذي سيقود في حال تطورّه إلى إحتكاك مُباشَر بين أحلاف ما يُنذِر بحرب موسّعة، ولعلّ تتالي الأحداث واضطرابها وتعقّد المشهد الدولي بخصوص الأزمة السورية يُشير بانحدار مُجريات الأمور على النحو الذي يروّج له إعلامياً بحرب عالمية ثالثة تدقّ الأبواب رغم عدم تشديدي على هذا السيناريو الذي يحتاج إلى زمن طويل.
وجل ما نريد الإشارة إليه هو الإتضاح الشديد لإرادة الجيش العربي السوري وحلفائه على إفشال المخطّطات الجديدة للمُسلّحين ورُعاتهم تأكيداً لما أعلنه سماحة الأمين العام لحزب الله بقوله: إن “القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقية سوريا، وهو دفاع عن دمشق، وهو دفاع أيضاً عن لبنان، وهو دفاع عن العراق، وهو دفاع عن الأردن”، وهذا ما أكّده الأسد في مُقابلة حصرية أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية أنه يؤمن ” أن نفاوض لا يعني أن نتوقّف عن مكافحة الإرهاب”، ولهذه الأسباب مُجتمعة وبناء على ما سلف فإن معركة حلب لا ولن تكون نهاية الأزمة في سوريا من منظور المعارك العسكرية الشرسة بل سنشهد حلب إثنين وثلاثة ..إلخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.