مـن خـان الأسـد… ؟

Bashar Al-Assad

موقع شام تايمز الإخباري ـ
سمير الفزاع:
سوريا ، عاصمة الرفض العربي ، وعرين المقاومة ، ومفتاح الإقليم ، و”حجر رشيد” المشرق العربي لا يمكن أن تُحكم بسهولة ، ولا يمكن لمن يستمر بحكمها منذ العام 2000 حتى اليوم أن يكون رجلاً عاديّاً . لسوريا قدرة هائلة على مفاجئة الخصوم والأعداء بخيارات ومواقف تتخطى حدود الممكن والمعقول ، وهذه الميزة تعود لأسباب كثرة جداً كعبقرية المكان ، وثقل التاريخ ، والإرث الحضاري الهائل والحيّ في آن واحد ، والتنوع الغني والخلّاق ، والإنسان الفاعل والمغامر … ولذلك من الصعب جداً أن “تتقبّل” هذا الأرض حاكماً لها إلا إذا كان بمرتبة ” إله” أو بطل . ومن قرأ تاريخ هذه الأرض يُدرك كم هي خصبة ، وقادرة على توليد الألهة ، وصناعة الأبطال .
عندما أصبح الدكتور بشار حافظ الأسد في العام 2000 رئيساً للجمهورية العربيّة السوريّة وجد نفسه على نحو مفاجيء رئيساً لدولة أكبر من حجمها بكثير ، وإن عانت بعض أراضيها من إحتلال ، لها شبكة معقدة جداً من العلاقات والإتصالات تعطي الميزات كما تفرض الإلتزامات ، وفي بيئة قلقة جداً كُثر فيها الأعداء والخصوم وقليل فيها الأصدقاء والحلفاء ، وسؤال كبير جداً ومركب : إلى أين ؟ ومثل هذا السؤال يستلزم تقديم الإجابة على عدة أسئلة حيويّة وكبرى معاً ، مثل ، أي هوية سيتموضع فيها هذا الرجل ؟ وأي خيارات سيلتزم ؟ وما هي شبكة التحالفات التي يحتاجها للمضي بهذه الخيارات وهذه الهويّة ؟ من هم الأعداء ، ومن هم الخصوم ؟ … . حاول أعداء سوريا وخصومها الإنفتاح عليها “لمساعدة” الرئيس الشاب بشار الأسد على أخذ خياراته ، ورسم هوية سوريا الغد ، وبالوقت ذاته حاول حلفاء سوريا وأصدقائها القيام بذات الدور . أخطأ الطرفان – لا سيما الأعداء والخصوم – أحياناً في تقدير تأثير الأرض والتاريخ والموقع والدولة العميقة … وشخص الرئيس وإرثه الشخصي وثقافته وجيناته … فكان كما أراد وأرادت سوريا ، ولكنّ جوابه على السؤال : إلى أين ؟ ثبّت الحلفاء والأصدقاء ، وكذلك الخصوم والأعداء .
1- التهيئة السياسيّة :
في اللحظة التي تقرر فيها خوض معركتك الكبرى يجب أن تعمل على تهيئة الميدان بتبريد الخلافات الثانوية أو الأقل إلحاحاً ، وتحييد الخصوم المحتملين إن لم تتمكن من إكتسابهم في صفك ، وتوفير شبكة أمان للجبهات البعيدة عن جبهة الصراع … لتنصرف بكليتك إلى المعركة الكبرى والفاصلة . زار الرئيس الأسد بعد تسلمه الحكم بأشهر القاهرة ، ومن القاهرة إنتقل مباشرة إلى الرياض … كان يحاول خلق نوع من التضامن العربي الضروري لإنجاز المهمة . حدثت كارثة غزو العراق عام 2003 ، وبدأ تصدّع كبير يهزّ العلاقات العربيّة العربيّة ، وأصبحت أمريكا “جارة” لسوريا . إنفتح الأسد على تركيا ، وزارها للمرة الأولى في العام 2004 ، وبدا أنّ ثلاثة عقود من الشك والعداء في طريقها للزوال ، وكانت الزيارة الثانية في العام 2007 . فُتحت المعابر ، وعقدت إتفاقيات متنوعة ، وأصبح للجيشين السوري والتركي مناورات مشتركة ، وأوكلت مهمة حراسة الحدود للجيش التركي ، وأكتفت سوريا بنقاط للمراقبة ، ومنحت تركيا ميزة الوسيط في مفاوضات “التسوية” بين سوريا وكيان العدو الصهيوني . العراق يستعيد عافيته ، وتقرير بيكر – هاملتون يدعو الإدارة الأمريكيّة للإنسحاب من العراق بالإتفاق مع سوريا وإيران . حزب الله يقهر كيان العدو في العام 2006 . فصائل المقاومة الفلسطينيّة تكسر إرادة الكيان ، وتمنعه من تحقيق أهدافه في حرب دامت لواحد وعشرين يوماً في 2009 . حكومة وحدة في لبنان ، مصالحة في قمة الكويت الإقتصادية بين الأسد والملك السعودي عام 2010 ، ويقوم الأسد بزيارة الرياض في ذات العام . 2010 سعد الحريري في ضيافة الأسد ، ويعترف ” لقد أخطأنا بإتهام سوريا بإغتيال الحريري” . الملك السعودي في ضيافة الأسد ، ويقلع كلاهما بطائرة واحدة إلى بيروت في عام 2010 ، الأسد ضيف الشرف في إحتفالات باريس باليوم الوطني ، ورجل العام على شبكة( cnn) الأمريكيّة .
2- الإستعداد للمعركة :
خلال ثلاث سنوات يزور الرئيس بشار حافظ الأسد روسيا ثلاث مرات ، الأولى في كانون الثاني عام 2005 ، والثانية في كانون الأول عام 2006 ، والثالثة آب عام 2008 . تم توقيع عدة إتفاقيات في شتى المجالات ، وكان أهمها العسكرية . حيث إتفق الجانبان على توريد منظومات للدفاع الجوي ، وتحديداً الفعالة على إرتفاعات منخفضة ومتوسطه ، مثل منظومة “بانتسير” و ” “بوك – 2 إم” ومنظومة “S-300PMU1″ القادرة على إعتراض الصواريخ الجوالة والباليستية والطائرات النفاثة والمروحية ، وتستطيع ضرب من 24 إلى 36 هدفا في آن واحد على بعد يصل إلى 300 كيلومتر ، وعلى ارتفاع يتراوح بين 10 أمتار و30 كيلومترا . وتمّ التعاقد على شراء عدد كبير من طائرات “ياك- 130 ” للتدريبات المتقدمة ، والتي يمكنها أن تحاكي خصائص طائرات الجيل الرابع والخامس ، كما يمكنها ان تنفذ مهمات الاستطلاع والدعم والاسناد بفضل قدرتها على حمل ما يقارب 3 أطنان تشمل أنواعا مختلفة من الصواريخ والقنابل ، وطائرات “ميج 29 إم2″ الأكثر تطوراً ، وصواريخ “الياخونت” المضادة للسفن … بصفقة تقدر بخمسة مليارات دولار .
3- حلفاء الجبهة ، وسلاحها الإستراتيجي :
كانت حرب تموز 2006 الفرصة الذهبيّة ، و”التجربة المخبريّة” الأثمن لإختبار إستراتيجيّة سوريا وحلف المقاومة للتحرير . أُكتشفت نقاط الضعف لدى العدو ، وعلى نطاق واسع جداً . إنخرطت سوريا وحلفائها للإعداد للمعركة الكبرى قبل حرب تموز ، وخلالها ، وبعدها إتخذت هذه الإستعدادات منحى أكثر كثافة ، مع التركيز على سلاحها الإستراتيجي ؛ الصواريخ . لقد أظهرت حرب تموز العجز الكلّي لكيان العدو أمام هذه النوع من السلاح ، لا سيما أن هذا النوع من السلاح بإمكانه أن يقوم إضافة لدوره بدور سلاحي الجو والمدفعيّة بكفاءة عالية جداً ، وبخسائر تكاد تكون معدومة مبدئياً . فأعطي هذا السلاح قسطاً كبيراً جداً من المجهود الحربي لتطوير المدى ، ودقة الإصابة ، والشحنة المتفجرة ، ومقاومة التشويش المضاد … وإمتلاك أكبر عدد ممكن من الصواريخ ومنصات إطلاقها على امتداد ميدان المعركة الممتد من غزة إلى لبنان إلى سوريا … .
4- قمّة القرار :
في الثلث الأخير من شهر شباط عام 2010 تُعقد في دمشق قمّة تهتز لها المنطقة ، قمة جمعت بين الرئيس بشار حافظ الأسد والسيد حسن نصر الله والرئيس أحمدي نجاد ، وشارك في اللقاءات التي سبقتها خالد مشعل وأحمد جبريل ورمضان شلح وبقية قادة الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق . قمّة كانت “غريبة” ، وإستثنائية . تحسّب لها الخصوم والأعداء ، بل وحتى الأصدقاء . الكلّ كان يريد معرفة تفاصيل هذه القمّة ، ودوافع إنعقادها ، والنتائج التي تمخضت عنها . إستشعر الصهاينة – وهم الباروميتر الفعلي للمنطقة – خطورة الموقف ، وقال مصدر أمني صهيوني رفيع المستوى ” نحن قلقون من نتائج لقاء دمشق” ، وأضاف ” التصريحات التي صدرت ( عقب هذا اللقاء ) ، تُجسِّد الحاجة للاستعداد والتأهب بشكلٍ شفافٍ جداً ، خصوصاً مع إتفاق التقييم السنوي للاستخبارات العسكرية مع تصريحات المستويين السياسي والعسكري في وضع شروط معقدة لأي حرب قد تقع” ، وقال “آفي يسخروف” المختص بالشؤون العربية : “ما يقلقني ويجب أن يقلقنا جميعاً أن هناك رسالة يبعث بها احمدي نجاد ونسمع مثلها من حسن نصر الله وبشار الأسد بأنَّهم يهيئون لنا شيئاً ما ، وفي حال حصلت معركة في الشمال فإنَّ الجميع سيكونون فيها ضد اسرائيل ، ويجب أن ننظر بخشية كبيرة إلى اجتماع الأسد واحمدي نجاد وحضور نصرالله ومشعل” . يبدو أن قراراً بالحرب قد اتَّخذ ، ولن تكون هذه الحرب قبل إنتهاء الإنسحاب الأمريكي من العراق ، والذي أنجز يوم الأحد 18 كانون الأول لعام 2011 . بعد أقل من ثلاثة أشهر على قمة دمشق ، وتحديد في 11/ 5 /2010 يصل الرئيس مدفيدف لدمشق في أول زيارة لرئيس روسي لها ، و قال المتحدث باسم السفارة الروسية عن الزيارة : “بأن بلاده تتطلع إلى إستعادة ما فُقد بين أصدقاء قدامى” ، وتناولت محادثات ميدفيديف مع الرئيس بشار الأسد ، العلاقات الاقتصادية والتعاون العسكري بين البلدين ، إضافة إلى البرنامج النووي الإيراني ، و السلام في الشرق الأوسط . في حين قالت مصادر صهيونيّة : “إن الرئيس الروسي يحمل رسالة من نظيره الإسرائيلي شمعون بيريز إلى الأسد ، تفيد بأن إسرائيل تريد السلام ، و أنها لا ترغب في تسخين الوضع على الحدود بين البلدين” .
5- العدو يتحسب ، والحبل يطوق عنقه :
لم تكد حرب تموز عام 2006 تنتهي ، حتى انطلق حزب الله في أكبر عملية لإعادة ترميم بنيته العسكرية ورفع مستوى التسليح والتجهيز لمواجهة احتمال تجدد العدوان . وقد تولى الشهيد عماد مغنية مهمة تطوير وتعزيز القدرات القتالية والعسكرية للمقاومة في لبنان ، كما تولى تنفيذ قرار إتخذ على أعلى المستويات في سوريا وإيران ولبنان برفد المقاومة في فلسطين بكل خبرات ودروس الحرب ، وتأمين جسر تواصل بشري ودعم لوجستي ، وخصوصاً الى قطاع غزة . وكانت دمشق هي المحطة الرئيسية لمتابعة المهمة ، ما اقتضى من “الحاج رضوان” تكثيف زياراته وتنقلاته من سوريا وإليها ، وكان الشهيد العميد محمد سلمان الضابط السوري المكلف بعدة مهام منها توفير إحتياجات المقاومة ، وفي الزاوية البعيدة كان الشهيد سعيد صيام في غزة . جاء مائير داغان رئيساً للموساد ، وكُلّف بمهمة أساسيّة تتلخص “بضرب مفاصل هذه الشبكة المعقدة التي باتت تلّتف حول عنق الكيان ” . كتبت صحيفة “الغارديان” نقلاً عن برقية ديبلوماسية للسفارة الأميركية في دمشق “إن اغتيال العميد سليمان جرى في وقت متقدم من مساء يوم الأول من آب 2008 في مدينة طرطوس الساحلية بواسطة قنّاص ، وكان الاسرائيليون المشتبه فيهم الأكثر وضوحاً في عملية الاغتيال” . مساء 12 شباط لعام 2008 بعد العاشرة بربع ساعة تقريباً وبعد أن أنهى للتو اجتماعات مع أرفع القيادات الفلسطينية المقيمة في دمشق ، وأمام أحد مباني حي كفرسوسة تحديداً عبوة ناسفة تودي بحياة الشهيد عماد مغنية . مساء يوم الخميس 15 كانون الثاني العام 2009، وفي غارة نفذتها طائرات “إف 16″ الصهيونية قصفت منزل في حي اليرموك بمدينة غزة ، ما أدى لاستشهاد وإصابة عدد كبير من المواطنين بينهم الشهيد سعيد صيام وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية . لكن ما أنجزه هؤلاء القادة وغيرهم غير قابل “للكسر” مع وفاتهم ، وبقي المأزق الصهيوني الإستراتيجي حيّاً بكامل تفاصيله .
6 – هل سبقونا بخطوة :
في تشرين الثاني 2010 اجتمعت في “لشبونه” لجنة “الحكماء الإثناعشر ” برئاسة ” مادلين أولبرايت ” وزيرة سابقة للخارجيّة الأمريكيّة ، وعضوية برنارد لويس وفوكوياما وهتنغتون … وقالت في تقريرها “للنيتو” : “إننا نواجه تهديدات غير محددة ، ليست لها حدود سياسية وجغرافية ، … كيف نواجهها ؟ حيث لن نستطيع تكوين حلف مشابه لحلف بغداد ويستلزم طريقة مختلفة تسمى “الباب المفتوح” ، ومعناها أنه سوف تنشأ أحداث لم نستطيع أن نتنبأ بها ، ولكن من واجبنا أن نتحسب لها ، وليس لدينا قوات كافية لمواجهتها معاً ، الحلف تكون له مسؤولية موجهة لجنوب المتوسط بالدرجة الأولى ، ويتحرك موضعيّاً حيث يجب على دول الحلف بقدر المستطاع ، أن يتقدموا طبقا لإستراتيجية الباب المفتوح “أي بإنتهاك السيادة والحدود الوطنية” “لإتمام المهمة”. في مؤتمر لشبونة قدروا مخاطرهم وأهدافهم ، في أن سياسة الباب المفتوح “إنتهاك الحدود” تُكمل مهمة “طي البساط” “أي الإستيلاء على الإرث الشيوعي وما تبقى من آثار الحرب الباردة ” . “كُلّفت” فرنسا وإيطاليا بشمال إفريقيا من الحدود الليبية المصرية حتى المغرب ، والأمريكيون كُلّفوا بمصر و”إسرائيل” والسعودية ، وأما سوريا ولبنان ، فتركيا هي الأقرب . ببساطة إنهم يُعدّون للتعامل مع “الربيع العربي” ، ويساهمون في صناعته . في 17 كانون الأول تندلع أول “ثورة” في سلسلة “الربيع العربي” في تونس ، أي بعد شهر تقريباً من توصيات لجنة “الحكماء الإثناعشر ” ؛ فأي صدفة هذه !!! .
7 – أسقطنا مشروعهم ، وأجلوا حربنا :
صحيح أنهم سبقونا إلى حربنا بمداهمتنا “بربيع الدم” ، ولكن إستعدادنا لحربنا الكبرى كان “بوليصة” النجاة لنا . لو كنا مسترخين مستسلمين للإرادة الغربية كغيرنا لكان ربيعهم قد إنتصر ، ولأصبحنا اليوم نطرق الباب العالي في السيلية أو الظهران ، أو أصبحنا بعضاً من طابور طويل يقف بذل أمام قصر أمير المؤمنين الطيب رجب بن أردوغان . لا تجزعوا ، ولا تتحسروا ، كلّ ما فعله هؤلاء أنهم أجلوا حربنا ، وتأكدوا لو علمت أمريكا وحلفائها أنهم قادرون على خوض الحرب التي هددوا بشنها قبل أشهر لفعلوا ، إنها المرة الأولى التي تهدد بها أمريكا بالحرب وتعجز أن تفعل . وهذا الحلف العريض الذي يقف ضد سوريا اليوم هو ذات الحلف الذي كان سيتضرر لو شنت سوريا وحلفائها حربهم بالأمس . لا يحتاج الأمر لأكثر من نظرة في عيونهم لتروا الخسارة المؤكدة ، ولن يحتاج الأمر لأكثر من نظرة لعيون الأسد لتروا بريق النصر فيها ، نصر تأجل ولم يتسرب . ختاماً ، يصعب عليّ الإجابة عن السؤال الذي طرحته سالفاً ، من خان الأسد … ؟ لأن الأمر يشبه إلى حدّ بعيد إلتقاء صفيحتان أرضيتان بفارق زمني بسيط فأجل أحدهما فعل الأخرى ، أو بإغتيال الراحل جمال عبد الناصر قبل أشهر من الحركة التصحيحية ، وأقل من عامين من حرب تشرين . ماذا لو بقي جمال عبد الناصر ، وخاض مع حافظ الأسد حرب تشرين ؛ هل كنا هنا اليوم ؟ وهذا يشبه جداً ما قلت ، ماذا لو نجحنا بشنّ حربنا قبل أن يقع “الربيع” ، وأنتصرنا ؟ هل كنّا هنا اليوم ؟ كم أنت ملعونة يا أيتها الـ”لو” . لكن إستعدادنا ما زال قائما ، وحربنا ما زالت ممكنة ؛ وإن تأجلت .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.