منظومة السيطرة والتحكم لدى حزب الله.. ماركة مسجلة!

a7651d33-b197-4fdb-a529-fcbdd70c5815

علي شهاب – الميادين

لم تفلح النيران الاسرائيلية التي صبّت جام حممها على تقاطع القرى والمدن الجنوبية وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت في قطع خطوط شبكة الاتصالات، وبالتالي عزل مقاتلي حزب الله عن بعضهم البعض وعن قيادتهم ومنع وصول الامدادات. واستطاعت قيادة الحزب الذي لم يمسّ أحد من رموزها العسكرية أو الأمنية إدارة عملية لوجستية معقدة لا تزال أسرارها خافية حتى اليوم في التواصل مع كافة الوحدات العمليانية.
في الثلاثين من تموز/ يوليو 2006، ضغطت الولايات المتحدة الأميركية على اسرائيل للقبول بهدنة 48 لثمان وأربعين ساعة في أعقاب مجزرة قانا، ما أثار السخط والتململ عند قيادات الجيش الاسرائيلي، وناقش بعضهم الأمر بحدة مع وزير الدفاع عامير بيرتس، ورأوا أن الهدنة فرصة لحزب الله لتجديد مخزون أسلحته، بينما شكك آخرون في قدرته على إدارة عمليات لوجستية كبيرة تسمح له بنقل أسلحة من البقاع وبيروت وشمال الليطاني لتصل إلى جنوبه الذي قطعت الحملة الجوية كافة شرايينه المتصلة ببقية المناطق.
لم يدخل إعلان الهدنة حيز التنفيذ في اسرائيل إلا عند الساعة الثالثة فجراً من يوم الحادي والثلاثين من تموز/ يوليو وذلك بعد ابلاغ السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الاسرائيلية غادي شمني نص القرار لهيئة الأركان الذي قضى بمنع مهاجمة بنى تحتية وطرقات وجسور ومبان مشبوهة لم يشخص فيها هدف يهدد اسرائيل.
عندما تأكدت قيادة حزب الله من سريان الهدنة في الجانب الاسرائيلي أبلغت قرار وقف إطلاق الصواريخ على شمال ووسط اسرائيل إلى كافة المستويات القيادية لديها المسؤولة عن عمل الوحدات العسكرية الصاروخية في منطقة شمالي نهر الليطاني وجنوبه، ووصل البلاغ حتى إلى المجموعات الصغيرة التي لا تبعد سوى كيلو متر ونصف عن الحدود، والمتحصنة في أنفاق على طول الحدود من الناقورة حتى مزارع شبعا، والتي تعمل على إطلاق الصواريخ القصيرة المدى التي كان يصل مدى بعضها إلى ثلاثين كيلومتراً.
في أصول الحرب يعتمد على عنصر أساس وهو وحدة القيادة، التي تحتاج في الحرب إلى عامل الاتصال لتكون الأوامر للفرق الميدانية أو الوحدات العسكرية متسقة ومنسجمة مع بعضها. وتعتبر منظومة الاتصالات القوية أحد أهم مرتكزات الحرب لأي قوة أو جيش، إذ يضبط من خلالها ايقاع المعركة، ويدير قواته وسلاحه، ويرتبط الفعل ورد الفعل بشكل مباشر بعامل الاتصالات، وفي حال فقدانها تصاب القيادة والمقاتلون بالعمى على حد سواء، ويصبح استخدام السلاح غير متناسق ولا يخدم أهداف القيادة.
أثبتت قيادة حزب الله طوال حرب تموز/ يوليو تماسكها وفعالية التنسيق بين مختلف وحداتها العاملة في محطات عدة، فالأهداف الكبيرة والاستراتيجية كحيفا وما بعدها، التي كانت تقصف بصواريخ رعد كانت مرتبطة بالقيادة العليا، ما يعني أن اطلاقها كان بأمر مباشر منها، وكذلك الأمر أثناء هدنة الثماني والأربعين ساعة حيث لم يطلق أي صاروخ على امتداد الجبهة. وما إن انتهت الهدنة حتى أطلقت الوحدات الصاروخية في حزب الله نحو ثلاثمائة صاروخ في يوم واحد، أغلبها كان متزامناً مع بعضه، واستمر هذا التناسق حتى اللحظة الأخيرة من الحرب.
لم تفلح النيران الاسرائيلية التي صبّت جام حممها على تقاطع القرى والمدن الجنوبية وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت في قطع خطوط شبكة الاتصالات، وبالتالي عزل مقاتلي حزب الله عن بعضهم البعض وعن قيادتهم ومنع وصول الامدادات.
واستطاعت قيادة الحزب، الذي لم يمسّ أحد من رموزها العسكرية أو الأمنية، إدارة عملية لوجستية معقدة لا تزال أسرارها خافية حتى اليوم في التواصل مع كافة الوحدات العمليانية.
وتبين لأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية أن قيادة حزب الله استطاعت التواصل مع كافة المجموعات حتى آخر لحظة من الحرب، فأظهر ذلك مدى قوة وتماسك منظومة السيطرة والتحكم. بل قام الحزب بنقل عدد من صواريخ خيبر من منطقة البقاع إلى منطقة شمال الليطاني، وكذلك نقل عدداً كبيراً من صواريخ الكورنيت المضادة للدروع من الحدود اللبنانية ـ السورية إلى منطقة جنوب النهر خلال الحرب ما مكّنه من تغطية جميع الممرات المفترضة لتقدم الجيش الاسرائيلي في حال اتخاذه قرار شنّ حملة برية واسعة. حتى أن طائرات الاستطلاع الاسرائيلية رصدت فرقاً عملت على تركيب جسور حديد صغيرة عند بعض النقاط التي تربط منطقة شمال الليطاني بجنوبه ولم يتم قصفها لأن قرار الهدنة قيّد هذا النوع من الهجمات.
خلاصة القول إن اسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً في مسّ منظومة السيطرة والتحكم لدى حزب الله، رغم أن هذا الأمر يعدّ من أول أهداف أي حرب يخوضها جيش تقليدي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.