من الحسكة الى ريف ادلب طعنات جديدة للربيع العربي

syria-muslims-christians

موقع التيار الوطني الحر ـ
إدمون ساسين:
كانت الساعة الرابعة فجرا عندما بدأت أربع عائلات أشورية  تسمع أصوات القذائف الصاروخية والاشتباكات العنيفة في تل دمشيح في الحسكة السورية. هذه القرية هي واحدة من خمسة وثلاثين قرية ينتشر فيها الأشوريون في سوريا بين الحسكة وتل تمر. أبناء العائلات الأشورية ناموا يومها على أمان ولم يعرفوا أنها الليلة الأخيرة التي يمضونها في قرى التاريخ الذي يشهد على أصالتهم في تلك المنطقة. شنت داعش فجرا هجوما مباغتا. من وصل اليه هذا التنظيم وقع أسيرا وممن قاوم استشهد العشرات. تروي أربع عائلات أشورية لحطات الرعب تلك وكيف عاشت سباقا بين الموت وبين النجاة. تركت العائلات الأربع كما عائلات أخرى كل شيىء وفتشت عن الأمان. قبل أن يصل داعش اليهم انتقلوا بثيابهم فقط الى مطرانية الحسكة ومن هناك الى القامشلي عبر السيارة. وبعدها انتقلوا الى الشام ومنها الى الحدود اللبنانية السورية في نقطة المصنع حيث انتظرت العائلات الأربع انتهاء الاجراءات اللبنانية ثم دخلت الى زحلة لاجئين عند بعض أقربائهم. ومن زحلة لم يعد أمامهم سوى الصلاة على النجاة من اسر وقع فيه بعض اخوتهم ومن قتل لحق بآخرين ومن فظائع راحوا يتابعونها مع حرقة البعد والتهجير من ديار لم يتوقعوا يوما أنهم سيرحلوا عنها قسرا.

 

في ريف ادلب لم يحجب الصمت ما يعانيه حوالى عشرين ألف درزي يعيشون في ثمانية عشر قرية أصبحت تحت سيطرة النصرة منذ مدة. بعضهم رحل الى السويداء أو الى جرمانا وبقي سبعة آلاف اضطروا الى مشاهدة النصرة تهدم قبور أوليائهم وتفرض عليهم ممارسات من الفكر الوهابي لم تكن يوما جزءا من عاداتهم وتقاليدهم الدينية . ويذهب البعض ليقول ان ما فرض على الدروز هناك هو التبرؤ من ديانتهم والتزام عقيدة أهل السنة والجماعة.

 

بين الحسكة وريف ادلب مشاهد وصور مستنسخة من مأساة الموصل التي هجرت المسيحيين ومن معاناة أخرى يعيشها أبناء من الطائفة السنية نفسها أجبروا على ممارسات جديدة تحت وطأة التهديد بالقتل .

 

بين تهديم كنائس ومساجد ومقامات دينية لكل الطوائف وبين تهجير مئات الآلاف بسبب العقيدة الدينية والايمان ثمة ما يقود الى السؤال عن ماعرف بالربيع العربي الذي وعدت به الشعوب العربية والذي تحول الى أبشع صور الارتكابات من ذبح وحرق وتهجير واضطهاد. ما يرتكب في الحسكة وريف ادلب وقبلها في الموصل وغيرها من القرى والبلدات السورية والعراقية على اساس ديني قد يقود الكثير من ابناء المنطقة الى التفكير وفق ومعادلة بسيطة. الأنظمة التوتاليتارية والدكتاتورية  تحرم الانسان حريته ودوره في الحياة السياسية وتترك الى حد بعيد حرية ممارسة الشعائر الدينية سوءا للأقليات أو للأكثرية القائمة. أما ما يجري حاليا هو نموذج يطرح نفسه بديلا لهذه الأنظمة لكن على قاعدة لا للحرية السياسية ولا للحرية الدينية  ومن ضمن منهج حياة تحدده هذه الجماعات المتشددة. وبالتالي بدل  أن يدفع الربيع العربي نحو الحصول على  الحقوق والحريات السياسية لتضاف الى الحقوق والحريات الدينية وجعل حرية الاعتقاد مطلقة  فان عودة حقيقية الى الوراء حصلت وتحصل بحرمان الانسان من حريته الدينية التي كانت مؤمنة وجعل شعوب هذه المنطقة تعيش في زمن شبيه بأزمنة قديمة للاضطهاد والبرابرة والوحشية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.