من يحاسب السفيرة الأميركية في لبنان؟

1280x960_7_900084_large

موقع العهد الإخباري – ياسمين مصطفى

عادةً ما يقوم التعامل الدبلوماسي على بناء علاقات جيدة وندية بين دولتين، فتكون مهمة رئيس البعثة الدبلوماسية أو ما يعرف بالسفير تمثيل دولته ورعاية مصالحها والتفاوض مع الحكومة المعتمد لديها، وفق ما تنص عليها المادة 3 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وبالتالي فإنه لا يجوز لها التدخل في شؤون هذه الدولة أو التصويب على مكون أساسي فيها، وذلك استنادًا للمادة 41 من الاتفاقية، التي تؤكد أنه “مع عدم المساس بالمزايا والحصانات، على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدولة”. لكن، وللأسف، في لبنان نموذج مغاير كلياً، حيث تحمل سفيرة من قبل الولايات المتحدة في جعبتها نوايا معلنة وغير مبيَّتة، تستهدف مكونًا أساسيًا له قاعدة شعبيَّة عريضة في لبنان. السفيرة الأميركية الجديدة في لبنان إليزابيث ريتشارد، تبدو كأنها لم تمرّ على الاتفاقيات الدبلوماسية، أو أن الاستبداد وصل بها إلى تجاهل استقلالية وسيادة لبنان، لتصرح في شهادتها أمام الكونغرس الأميركي بعد ترشيحها للمنصب قبل أشهر، بمواقف ضد المقاومة في لبنان، حيث كشفت عن نيتها العمل على شل حزب الله مالياً، ولم تكتف بلك بل رأت أن حزب الله والمقاومة هما السبب في كل ما يعاني منه اللبنانيون حالياً في الاقتصاد والأمن والسياسة، حسب ادعاءاتها!

“إنَّ تصريحات السفير الأميركية الجديدة اليزابيث ريتشارد حول شلِّ حزب الله ماليًا، وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية”، هو تدخلٌ سافر في شؤون لبنان الداخلية، وهو من الخطورة بمكان لتعلقه بشريحة واسعة من مكونات الشعب اللبناني، الأمر الذي من شأنه تهديد الامن في لبنان ونشر التَّفرِقَة بين أبناء الشعب الواحد”، الكلام لوزير الخارجية السابق عدنان منصور في اتصال مع موقع “العهد الإخباري”.

يوضح منصور لـ”العهد” أنه “عندما يتجاوز السفير أو القائم بأعمال سفارة ما حدوده ويتجاوز الأعراف والأصول الدبلوماسية المتبعة، والتي تحكم العلاقات الدبلوماسية بين بلدين، فإن أضعف الإيمان أن يستدعي البلد المضيف السفير ويطالبه باستيضاح عما بدر منه، بهدف وضع حدٍ للتجاوزات”.

وعليه يلفت منصور إلى أن “دور الخارجية اللبنانية اليوم يتمثل بعدم الرضوخ للإساءة لسيادة لبنان ومؤسساته الدستورية”، ويتساءل الوزير السابق عما “كان سيحصل لو انقلبت الأمور وأدلى سفير لبنان في واشنطن بمواقف مماثلة تهين الولايات المتحدة وحكومتها وشعبها”.

في المُحصِّلة، يرفض الوزير السابق رفضًا قاطعًا ما بدر من السفيرة الأميركية حديثة العهد حول لبنان ومقاومته التي انتصرت على العدو الصهيوني الذي لا يقهر، ويؤكد أنه لا يحق لأي سفير دولةٍ كانت أن يتخطى الأعراف الدبلوماسية التي تُأطِّرُ العلاقات الدبلوماسيَّة بين الدول ولا يحق أيضًا لأي سفير أن يتحدث باسم الشعب اللبناني كما فعلت ريتشارد في ادعائها أن مشاركة حزب الله في سوريا هو رغمًا عن اللبنانيين كافة”.

جوني: هناك إجراءات قانونية ودبلوماسية لا بد أن تحصل قبل تعيين أي سفير

من جهته، أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية حسن جوني يوضح أن ” هناك إجراءات قانونية ودبلوماسية لا بد أن تحصل قبل تعيين أي سفير أو قائم بالأعمال في أي بلدٍ حول العالم”. ويلفت جوني إلى أن “مضمون هذه الإجراءات أن ترسل واشنطن قبل ستة أشهر من موعد تسلم البعثة أعمالها في البلد المضيف، سيرة ذاتية تتضمن هوية السفير الجديد المزمع إرساله وسيرته الذاتية، وعليه تعمد الدولة المضيفة أي لبنان إلى البحث في سيرته الذاتية وفي كل مواقفه السابقة للتأكد من سلامة ملفها الدبلوماسي ومطابقة هذا السفير للمعايير التي تضعها الدولة المضيفة، من قبيل أن يكون صرح مسبقًا بمواقف مسيئة للبلد المضيف وصولاً إلى رفض الاسم الجديد أو قبوله، وهذه الإجراءات هي أبجد هوز العلاقات الدولية بين الدول”.

يبدي جوني استغرابه، من أن تكون النبذة التي أرسلتها واشنطن للبنان لم تحظ بالاهتمام المطلوب عبر التدقيق والاطلاع الواسع حول هوية السفيرة الجديدة اليزابيث ريتشارد التي أدلت بتصريحات أقل ما فيها تدخل بالشؤون الداخلية لدولة لبنان.

ويضيف جوني ” لو كان الأمر العكس أي أن يجرأ سفير أي بلد على إهانة المقاومة الفرنسية للفاشية أو المقاومة الأميركية للإنكليز فأقل ما يمكن انتظاره أن تقوم الدنيا عليه ويتم طرده، وكذلك حزب الله يشرف لبنان ويشرف كل أحرار العالم خاصة أن تصريحاتها تعمل على تقسيم الشعب اللبناني وإهانته”.

ومن وجهة نظر قانونية، يشرح جوني بنود اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1963 والتي تعتبر حجر الزاوية الأساس في العلاقات الدولية الحديثة والتي تحدد للبعثات الدبلوماسية وظيفتها وحدود عملها، فيقول إن المادة 41 من الاتفاقية تنص على احترام البعثة للأعراف والقوانين الدبلوماسية في التعامل مع الدولة المضيفة ومن ضمن ذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد المضيف.

يعطي جوني مثالاً من امثلة كثيرة طردت فيها دول سفراء دول اخرى لتدخلهم في الشؤون الداخلية، أو لتطبيعهم مع عدو، مثلا الدنمارك حين رفضت اعتماد السفير الإسرائيلي لانه كان مسؤولاً في سجن الخيام في لبنان، وكذلك فعلت فنزويلا حين طرد وزير الخارجية نيكولاس مادورو السفير الإسرائيلي شلومو كوهين تضامنًا مع الشعب الفلسطيني واحتجاجاً على العدوان الإسرائيلي ضد غزة في العام 2009.

قانصوه: يجب التحرك واستدعاء السفيرة الاميركية

عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي النائب عاصم قانصوه، يشدد بدوره على ضرورة تحرك وزارة الخارجية اللبنانية سريعًا لأنَّه لا يجوز أن تُترك الأمور على حالها، ويؤكد أن أقل ما يمكن استدعاء السفيرة ومطالبتها بتوضيح لمواقفها تجاه لبنان ومقاومته.

ويضيف قانصوه مذكرًا بالأمجاد التي سطرها وما يزال حزب الله بوجه العدو الصهيوني فيقول “ليس جديدًا أن يلاحق الأميركيون حزب الله في شتى المجالات لمحاصرته فهو الذي قهر الجيش الإسرائيلي في العام 2000 وجدد الانتصار في تموز العام 2006، وهو الذي أبقى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيًا حتى يومنا هذا، وعليه أقل ما يكن أن يتم وضع حد لمواقف مثل التي اطلقتها السفيرة الأميركية الجديدة”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.