مَن فاز في القضية الكورية؟

 

 

موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*

لقاء القائد الأعلى المحترم لحزب العمل الكوري وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، كيم جونغ وون، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في سنغافورة، الثلاثاء 12 يونيو (حزيران) الحالي، أكد على السياسة والنهج الرفيعين للقائد الكوري وحكمته في المفاوضات وتكتيكاته وإستراتيجيته، الذي أرى بأنه هو وحده قد حقق فوزاً كاسحاً في هذه القضية وفي لقائه مع ترامب.

القائد كيم جونغ وون، هو الحامل لفلسفة كوريا زوتشيه وسونكون والكيمئيلسونغية والكيمجونغئيلية، ولا يَحيد عنها قيد أنملة، كما هم أعضاء قيادات الدولة الكورية الحزبية والسياسية والعسكرية.

ولا يجب أن ننسى هنا أبداً، أن كوريا يقودها حزب العمل الكوري، وهو حزب مقاتل، وأكثر حزب مرصوص الصفوف، صلب المراس وعميق التعبئة الفكرية في العالم، ولا يمكن له التراجع عن واقع تم الوصول إليه خلال السنوات الماضية بالكثير من التضحيات – ومنها تضحيات كورية على جبهات القتال العربية ضد الكيان الصهيوني – ، وبالكثير من تدعيم قدرات كوريا في كل المجالات، وهو وضع وصلت كوريا الديمقراطية إليه برغم كل الحصارات الوحشية التي فُرضت عليها ومن حولها دولياً وبقرارات الأمم المتحدة، فأفشلتها كوريا وفشلت كلها فشلاً ذريعاً، ما أدى بالضرورة إلى تراجع واشنطن أمام بيونغيانغ، بطرح اللقاء مع القائد كيم جونغ وون، من أجل ترويج ما يُسمّى ب “قدرات ترامب العجائبية!”، الذي يريد الحصول على مزيد من الدعم والتعاطف الشعبي الأمريكي معه ليس إلا، والخروج بنصر موهوم من لقائه مع الزعيم كيم جونغ وون، الذي هو المُنتصر الحقيقي من كل ما جرى وسيجري في الملف الكوري، تماماً كما كانت كوريا الديمقراطية رابحة في هذا الملف خلال كل السنوات السابقة، التي شهدت مَداً وجَزراً سياسياً وعسكرياً، وعلاقات تجارية وغيرها ما بين أمريكا وسيول من جهة، وبيونغيانغ من جهة أخرى.

فوز القائد كيم جونغ وون في ملف القضية الكورية، وإلى جانبه فوز حلفاؤه الصين وروسيا، يَتبّدى ويَظهر إلي بكل جَلاء على قاعدة خبراتي وعلاقاتي المباشرة الشخصية الطويلة على مدار عشرات عشرات السنين مع كوريا الديمقراطية قيادةً حزبية وحكومية وشعباً وواقعاً، والمس هذا الفوز من خلال بعض الأهم وهو:

1/ تمكنت كوريا الديمقراطية من تعرية السياسة الأمريكية و “تنفيسها”، وعرضت أمام كل العالم طبيعتها المتأرجِحة وغير المبدئية، وكذلك بيّنتها لشعبها الكوري وشعوب العالم.. وكشفت كوريا الديمقراطية كذلك إلى أن واشنطن لا تفي بتعهداتها ووعودها حتى قبل لقاء القمة في سنغافورة، عندما يُطالب ترامب بعقد لقاء مع القائد كيم جونغ وون، ثم ما يلبث أن ينسحب ويُهدّد ويتوعّد، ثم يعود الكرّة بقدرة قادر، ليُعلن من جديد بأنه هو الذي فاز بهذا اللقاء وبضغطٍ منه!

لقاء القائد كيم جونغ وون مع ترامب، حَمى كوريا الديمقراطية شعبها لزمن مُقبل، وأبعد شبح الحرب الامريكية عنها وعن جيرانها روسيا والصين وعن شعب جنوب كوريا ومنطقة شرق آسيا برمّتها، وأوصل ما يجري إلى حالةً من اللاسلم واللاحرب، والتي ستستمر لسنوات طويلة مُقبلة، ستُنهك أمريكاً لا محالة في مفاوضات عبثية، لن تُنتج لأمريكا تجريداً لكوريا الديمقراطية من أسلحتها التي تضمن إستقلاليتها الكاملة، بل يمكن أن تُفضي الى انفتاح من جانب بعض دول العالم على كوريا، وخرق الحصارات الامريكية المفروضة عنوةً عليها، برغم استمرار أمريكا في حصاراتها على كوريا في أجواء إنعقاد اللقاء بين كوريا وأمريكا، وإطلاق ترامب خلالها كلمات مَعسولة لكنها مَجبولة بالسموم!

2/ترامب هو أول رئيس أمريكي (عامل)، على رأس عمله، يجتمع مع قائد كوري، هو كيم جونغ وون، ما يعني بأنه في الحقيقة هرول بسرعة البرق للقاء القائد الكوري فور قبول القائد الكوري الاجتماع معه، برغم مشاق السفر، رغبةً من ترامب بتحصيل موافقة كورية بتوظيف استثماراته “الترامبية” الشخصية في بيونغيانغ، التي سبقه إليها عدد من الدول، التي منها على سبيل المَثل لا الحصر، مصر والكويت، فلم يكن بينها أية استثمارات ترامبية شخصية، ولا استثمارات امريكية.

3/مرامي ترامب من العلاقة مع كوريا الديمقراطية هو في الغالب رغبة بتنفيذ الإرداة الاسرائيلية الصهيونية بتسليم الملف الكوري للحركة الصهيونية وتل أبيب بالذات ـ وليس تسليمه لأية دول غربية صديقة أو حليفة لأمريكا، فجميع تلك الدول، شأنها شأن أمريكا والكيان، تنظر بنهم كبير لا حدود له ومنذ عشرات السنين الى الاستثمار الأوسع في شمال كوريا، لا سيّما بعدما أقصت أمريكا تل أبيب عن هدفها الاستثماري هذا في كوريا الديمقراطية قبل سنوات طويلة، بخاصة بشأن استخراج الذهب وبعض المعادن الثمينة الاخرى، وقالت واشنطن لتل أبيب آنذاك متوعّدة: ملف كوريا هو ملف أمريكي بإمتياز.. سياسياً وإقتصادياً وتجارياً وليس أخيراً إستخبارياً..

الكيان الصهيوني الذي لعب دوراً قذراً جداً في حروب كورياً (1950-1953) إلى جانب أمريكا ودول حليفة لها، وأنزلوا الويلات قتلاً وتدميراً بكوريا والكوريين الى حد تسوية العاصمة بيونغيانغ بالأرض تسوية كاملة!!!، يلعب أدواراً كثيرة في دول العالم، إستخبارية وسياسية، لكنه للآن فشل بذلك فشلاً ذريعاً في كوريا الديمقراطية. ذات الكيان المرصوص والعقائدي.

فالقيادة الكورية الديمقراطية والشعب الكوري وتاريخ كوريا المُعذّبة والقابضة على جمر النضال، يؤكد بقاء كوريا على موقفها التاريخي باعتبار أمريكا والكيان الاسرائيلي الحليف لواشنطن، بخاصة في حقبة ترامب وأحفاده “الإسرائيليين”، أعداءً ألداء لها.

4/كوريا الديمقراطية تُدرك إدراكاً عميقاً ومتأصلاً بأن أمريكا لا يمكن الوثوق بها إطلاقاً. والكوريون هم مِن طينة غير طينة غيرهم. فهم عقائديون إلى درجة يندر وجودها في العالم، ولديهم قيادة حكيمة أثبتت حكمتها وقيادتها الصحيحة على مدار كل السنين السابقة وفي كل ما جرى من علاقات بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، وبين الشمالية مع الولايات المتحدة وخلال توقيع وثائق الهدنة سابقاً، دون توقيع وثيقة إنهاء الحرب، وإقتصار وجود حالة هدنة بين الدول المتحاربة منذ نهاية الحرب العالمية الثالثة – الكورية، في عام 1953.

الكوريون لم ولا ولن يوافقوا على تحييد دورهم وواقعهم بأية مظلة نووية أجنبية من أي طرف، وتلك الأطراف تعرف بأن هذا أمر غير واقعي أبداً. والكوريون لا يثقون بأية وثائق يتم توقيعها مع أمريكا. شخصياً أدرك ذلك جيداً وأعرف أن الكوريين يتخذون موقفاً تاريخياً هو هذا بالذات، أي أن الدفاع عن أنفسهم سيجري بأنفسهم وبقدراتهم الذاتية. الكوريون لا يثقون سوى بذواتهم وبقدراتهم الذاتية، وهو ما تقوم عليه فلسفتهم الزوتشية، التي تنفي أن يكون إعتمادهم المصيري على أي آخرين، لأن ذلك يَعني لهم الفشل المُحقق.

الولايات المتحدة بدورها لن تقبل بتصفية قواعدها النووية في جنوب كوريا وسحب عشرات الالاف من قواتها من هناك، فهي كانت أعلنت عن ذلك صراحة، وبالتالي لا يمكن أن تعوّل كوريا الديمقراطية الزوتشية والسونكونية وجيرانها على تصريحات أمريكية تطلق اليوم، ويتم “لحسُها” أمريكياً غداً، فهذه الوعود تأتي وتذهب مع الرياح الكثيرة يومياً.. ويَطلق ترامب والغرب العنان لها ساعةً بعد ساعةً، لكنهم ما يلبثون إن “يَلحسوها” كل مرة!

القائد العظيم كيم جونغ وون لا يمكن أن يكون غورباتشوف أو يلتسين الثاني، وأمريكا ترامب واهمة جداً بإمكانية تحويل زعيم مخلص لحزبه وبلاده وشعبه الذي يلتف من حوله بقوة فولاذية إلى خائن لها، وسيُدرك الجميع قريباً، بأن كيم جونغ وون صديقي وحليفي العزيز – سليل العائلة الثورية التقدمية التي حرّرت كوريا وضمنت استقلالها ـ سيَصل بكوريا الديمقراطية إلى برّ الأمان والرفعة الأعلى، وهي اليوم قوة نووية وإستراتيجية دولية مهابة الجانب ومتطورة، وهي لن تقبل أن تتراجع أمام أمريكا لعيون ترامب ورهطه الصهيوني، الذي يُمثِّل الحرب والمَجمع الصناعي – العسكري، ومؤامرات تدمير دول العالم، واحدة بعد أخرى، و “لحس” تعهداتهم “دون أن يرمش لهم رمش”!.

وللحديث بقية.

*الأكاديمي #مروان #سوداح: مواطن فخري لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ورئيس منظمات التضامن العربية و #زوتشيه وفكرة الاستقلالية مع الشعب #الكوري ومناصرة توحيد شطري #كوريا، وحامل الأوسمة #الكورية وعضو في #الاتحاد_المركزي للصحفيين #الكوريين.

تعليق 1
  1. فيصل ناصيف يقول

    ششكرا لكل جهود الاستاذ محمود ريا الخبير بشؤون أسيا ومدير عام الموقع للنشر والنشاط المستمر.. فهو المتواصل دوما مع الجميع وفي خدمة الجميع برغم المشاق والمشاغل التي لا تنتهي. حماك الله استاذ محمود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.