ناقل البحرين… أم ناقل الأمنين في خدمة الإستتباع!

hassan-choukeir-jordan-israel

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:  

يُعرّف  الدكتور زكريا حسين، أستاذ الدراسات الإستراتيجية في مصر، مفهوم الأمن القومي بأنه “القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين إنطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الإقتصادية والعسكرية، في شتَّى المجالات في مواجهة المخاطر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع إستمرار الإنطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة”….
يُعتبر توقيع الأردن ومعه السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، أمس الأول على مشروع ربط البحرين (الأحمر والميت) بعضهما ببعض، وذلك بحسب ما أعلن عن مشروع إحياء البحر الميت، والإفادة من المشاريع الإقتصادية المشتركة لهذا الثلاثي، إنطلاقاً من تحلية المياه، إلى إنتاج الطاقة الكهربائية، إلى غيرها من تلك المنافع، الحقيقية منها وكذا الواهمة، المعلنة منها وكذا الخفية … كل ذلك  دفعني  إلى العودة  مجدداً للبحث في مصطلح الأمن القومي للدول، وذلك بمفهومه العام، وكما عبّر عنه الدكتور حسين أعلاه..
هذا المشروع الحيوي، والمشار إليه أعلاه، والذي اعتبره أكثر من مسؤول صهيوني، بأنه تحقيق لحلم ٍ راود الصهيوني الأكبر  هرتزل، وذلك من بدايات القرن الماضي … والذي جُمِّد العمل فيه لعقود وعقود، وذلك لأسباب متعددة، لا مجال للتفصيل بها في هذه العجالة، وليصبح اليوم واقعاً، وذلك بعد أن  أدخلت عليه تعديلات مختلفة، تتناسب مع الدراسات التي جرت بشأنه…
لقد أفاض الخبراء المائيون والإقتصاديون، وذلك من لحظة التوقيع تلك، بالكثير الكثير من المعلومات القيّمة حول الجدوى الإقتصادية لهذا المشروع، مفصّلين الحصص المنفعية لكل طرفٍ من الأطراف الثلاثة… بحيث أجمع هؤلاء على أن للكيان الصهيوني  حصة الأسد منها!!! هذا إن سارت الأمور على ما هو متفق عليه، وإذا نحّينا جانباً كل تلك الأهداف الصهيونية الخفية، والتي تحدث عنها كثرٌ من أولئك الخبراء، تبدأ عند تحويل المياه الحلوة إلى منطقة النقب، حيث تم هدم القرى العربية هناك، تمهيداً لإقامة المستوطنات على أنقاضها… ولا تنتهي عند استعمال هذه المياه في تبريد المفاعلات النووية…
لن نقارب الموضوع من هذه الزاوية، إنما من زاوية الأمن القومي الأردني، ومعه العربي على حد سواء … فهل يُسهم هكذا مشروع في خدمة الأمن القومي الصهيوني؟ وفي أي اتجاه؟
في العام 1967، حددت جولدا مائير ـ حيث كانت تتولى آنذاك وزارة الخارجية، ومتابعة الملف الأفريقي – في خطاب لها أمام الحكومة الصهيونية، رؤيتها المستقبلية لدول الطوق العربية ومن هم خلفها أيضاً.. قائلةً: “إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة لدينا فى إطار المواجهة مع أعدائنا. وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارةً والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارةً أخرى”.
وفي العام 1982، نشرت  مجلة “كيفونيم” الصهيونية ـ وهي للتذكير لسان حال الصهيونية العالمية – وثيقة إستراتيجية مهمة بعنوان “الإستراتيجية الإسرائيلية في الثمانينات”… تتحدث أيضاً حول مستقبل الكيان الصهيوني وكيفية إضعاف الدول العربية…، وفي 4- 06- 2008، ألقى آفي ديختر (وزير الأمن الصهيوني الأسبق) محاضرة أمام معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني، والتي تُعبّر عن السياق نفسه.

الجدير ذكره أن شبه التطابق  في مضمون هذه الرؤى الثلاث حول الرؤية الصهيونية الإستراتيجية  للمنطقة العربية، تكاد تتمحور حول فكرة وحيدة، وهي فكرة تفتيت المنطقة العربية إلى كيانات متنازعة فيما بينها وذلك كمقدمة لإضعافها والسيطرة عليها سياسياً وإقتصادياً وثقافياً… وإلى ما هنالك من ميادين تجعل من الكيان يتسيّد على المنطقة العربية والشرق أوسطية، وذلك تنفيذأ لتوصيات مؤتمر “فان لير” الصهيوني،  والذي انعقد في العام 1988، حيث صدر عنه  وثيقة إستراتيجية، جاءت تحت عنوان “إسرائيل على مشارف القرن 21″ والتي تضمنت الغايات والأهداف الصهيونية (العليا) والتي سيعمل الكيان على تحقيقها في القرن الحالي…. حيث احتل”الهدف السياسي” المرتبة الثانية من الغايات والأهداف العشرة.. ليرد فيه ما يؤكد “فكرة التسيّد الصهيونية… ضمان بقاء الدولة العبرية في الشرق الأوسط داخل حدود آمنة معترف بها دولياً، وفي ظل تفوق حضاري….. وبما يؤمن سيادة إسرائيل على المنطقة سياسياً واقتصادياً…”
بالعودة إلى ذاك المشروع ، فإن طبيعة المشروع وتوقيت التوقيع، والمدة الزمنية اللازمة لتنفيذه، فضلا ً عن إطلاقه لاحقاً… فإن ذلك جميعاْ ، يُسهم – وبشكل مؤكد – في جعل مصادر القوة لدى الكيان  الصهيوني تنبعث وتتحصن رويداً رويداً مع تقدم الزمن، وخصوصاً من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، واللتين تخدمان وتعززان معاً الناحية السياسية لدى الكيان.. هذا فضلاً عن أن هذا المشروع، المائي في ظاهره، يُشكل رافعة مهمة لتعزيز الأهداف الصهيونية الكبرى على أرض فلسطين حصراً، والذي يجعل من مشروع يهودية الدولة فيها متمدداً في الجغرافيا، بدلاً من انحساره، وذلك مرده إلى أن من يمتلك مفاتيح القوة، هو وحده الذي يستطيع فتح الأقفال لذاته، ويتقن فن إقفالها على الآخر متى يشاء.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وفيما يتعلق بالبيئة الإستراتيجية التي تحيط بهذا المشروع اليوم، فإننا نلحظ  بأن هذا الأخير يصب في خدمة تحقيق الرؤية التي تحدثت عنها جولدا مائير، وذلك لناحية تعزيز وتعظيم القدرات الصهيونية، وإكسابها المنعة.. واستنزاف القدرات والطاقات المقابلة، والتحكم بها، وذلك منعاً لأي تفلّتٍ سياسي قد يفكر فيه أصحاب القرار في الدول والكيانات العربية، في الحاضر والمستقبل على حد سواء… مما يجعل من التسيّد الصهيوني أمراً واقعاً لدى هؤلاء.
في رؤية أفي داختر، والتي أشرنا إليها أعلاه، جزم الرجل بأن انقسام السودان قد اصبح واقعاً، وذلك قبل حوالي العام والنصف عن موعد استفتاء الجنوب السوداني على الإنفصال!!! مشيراً إلى ضرورة الإلتفات بعدها إلى دارفور لتكرار التجربة!!!
هكذا – باعتقادي – ينظر الكيان الصهيوني إلى هذا المشروع، بعين الأمن القومي لديه، لأن مشروعاً كهذا يجعل من الأردن مرتهناً بالكامل إلى البنك الدولي من جهة، وإلى النافذين فيه من الأمريكيين والصهاينة بشكل خاص .. وبالتالي يكون  الكيان الصهيوني قد طوّق الأردن، ومعه أي كيان فلسطيني قادم، وبغض النظر عن كيفيته، وذلك بدلا ً من العكس تماماً!! ويكون أيضاً، ومن خلال فعلته السابقة بجعل البحر الميت، ميتاً، وذلك بفعل سد داغانيا، والذي يمنع المياه الحلوة من التدفق من بحيرة طبريا عبر نهر الأردن إلى مياه هذا  البحر، وبالتالي فإنه – أي الكيان الصهيوني – وبوضعه لليد الأمنية الأخرى على خطوط النقل من البحر الأحمر إلى البحر الميت، فإنه يكون قد أحكم الطوق على هذين الكيانين معاً!!!
الناظر إلى المشهد من بعيد، يرى الأردن ومعه أراضي السلطة الفلسطينية، والكيان الفلسطيني الموعود برمته، قد ارتبطا، وبشكل آلي، بالكيان الصهيوني، كنتيجة حتمية لهذا المشروع… ويرى أيضاً، ومن خلال دور الكيان في جنوب السودان ، حيث يعبره مسار النيل الأبيض ، وكذا العلاقات الصهيونية مع أثيوبيا ، والمشروع المقلق الذي تقوم به هذه  الأخيرة ، من بناء لسد النهضة على النيل الأزرق، مما سيجعل من هاتين المسألتين تؤثران، وبرأي كثير من الخبراء ، على الأمن المائي والاقتصادي للدولة المصرية برمتها، وذلك بيدٍ صهيونية خلفية، قد تظهر في أي وقت ضروري لدى الكيان…
خلاصة القول، فإذا كانت أمريكا – وبحسب اعتقادنا – قد جعلت من الإرهاب، وإنباته  وتفريخه، والسياحة به من مكانٍ إلى آخر، وفي جميع أماكن النفوذ المستهدفة أمريكياً في العالم وسيلة لها، وذلك في سبيل ربط هذه الأماكن بقضّها وقضيضها ضمن القيد الأمريكي الأحادي، حاضراً ومستقبلاً.. فإن الكيان الصهيوني – وتماشياً مع المدرسة الأمريكية ذاتها – ينسج من منابع المياه ومجاريها، وخطوط نقلها أيضاً … قيوداً  تُكبّلُ حلفاءه الراهنين في المنطقة، وذلك لمنعهم من التحرر من الاستتباع، وذلك ضمن أية ظروف قادمة، قد لا تجري كما تشتهيها سفن الكيان الصهيوني، والتي تسعى حاضراً ومستقبلاً، على أن تمخُر عباب الأمنين العربي والإقليمي على حد سواء، وذلك تحت غطاء ناقل البحرين في هذه المرحلة.
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.