نظرة أخرى للضربات الجوية على اليمن والدور المصري فيها

150328225147-48825-0.jpg

موقع إنباء الإخباري ـ
القاهرة ـ محمد منصور:
في اليوم الثاني للعمليات الجوية التي تنفذها القوات الجوية لثماني دول عربية على اليمن نستطيع أن نقول إن هذه العملية تبقى فى أطار “العمليات الجوية المحدودة الأهداف و النطاق”.
فالأهداف التى تم استهدافها تقع جميعها في أقصى الغرب اليمني، و تحديداً “عدن ولحج والحديدة وأرحب وصنعاء وصعدة”. وتتميز هذه الأهداف في مجملها بطبيعة عسكرية عموماً وطبيعة مرتبطة بالدفاع الجوي والقوة الجوية اليمنية، وهذا لا ينفي حقيقة إصابة أهداف مدنية وسقوط ضحايا بين المدنيين.
القوة المشاركة في الهجوم كبيرة جداً بالمقارنة بالرقعة الجغرافية ونوعية الأهداف، حيث بلغ عدد الطائرات المشاركة في الهجمات الجوية المستمرة منذ فجر الخميس 185 مقاتلة وقاذفة موزعة على النحو التالي:
ـ مائة طائرة سعودية توزعت ما بين طائرات “أف-15″ و”تايفون” و”تورنيدو”، بالإضافة إلى طائرات الحرب الإلكترونية والمراقبة من نوع “أواكس” و”بوينج – أيه3″ ومروحيات قتالية من نوع “أباتشي”
ـ 30 مقاتلة اماراتية من نوع “أف-16”
ـ 15 مقاتلة بحرينية من نوع “أف-16”
ـ 15 مقاتلة كويتية من نوع “أف-18”
ـ 10 مقاتلات قطرية من نوع “ميراج2000”
ـ 6 مقاتلات أردنية من نوع “أف-16”
ـ 6 مقاتلات مغربية من نوع “أف-16”
ـ 3 مقاتلات سودانية من نوع “ميج-29”.
كانت الأهداف الأساسية للغارات التي نفذتها هذه المقاتلات في اليوم الأول مواقع صواريخ الدفاع الجوي “سام 2 فولجا” و”سام3 بيتشورا” ورادارات تشغيلها بجانب مرابض مدفعية الدفاع الجوي والقواعد الجوية وتحديداً “قاعدة الديلمي الجوية ومطار صنعاء الدولي ـ قاعدة العند الجوية في لحج ـ قاعدة الحديدة الجوية ـ قاعدة تعز الجوية”.
واستهدفت المقاتلات السعودية أربع مقاتلات من نوع “ميج29” تابعة للسرب التاسع في سلاح الجو اليمني كانت على وشك الإقلاع من قاعدة الديلمي الجوية لمحاولة اعتراض الطائرات المغيرة ومروحيات ايطالية الصنع من نوع “بيل205″ و”بيل2012” تابعتين للسرب الجوي الثالث كانت ضمن طائرات نقل يمنية أخرى داخل أحدى الهناجر التي تم قصفها في المطار.
بجانب الأهداف السابقة تم قصف مستودعات لصواريخ أرض ـ أرض في صنعاء وفي صعدة، ومقرات ومعسكرات القوات الخاصة والشرطة العسكرية في صنعاء والقصور الرئاسية في صنعاء وعدن ومقرات تابعة لجماعة أنصار الله في صعدة.
وشمل بنك الأهداف في اليوم الثاني معسكرات تابعة للحرس الجمهوري وعدة مواقع للرادار “و ما سبق لا ينفي حقيقة وقوع اصابات لمواقع مدنية و سقوط قتلى و جرحى في صفوف المدنيين”.
ظهرت علامات استفهام كبرى فى ما يتعلق بدور كل من سلطنة عمان ومصر وباكستان في هذه العمليات، في ظل مبالغات صحافية وإعلامية كبيرة لوحظت منذ بدء العمليات الجوية وصلت في بعض المراحل الى ذكر تفاصيل لم تحدث على الأطلاق. سلطنة عمان لم تشارك بأي صورة من الصور فى العمليات الجوية للقوة الخليجية، لكنها أعلنت دعمها للعمليات وقامت بأستقبال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وتمكينه من السفر إلى السعودية، وهذا قد يؤشر إلى احتمالية وجود دور تفاوضي وسياسي ما قد تلعبه سلطنة عمان في مرحلة لاحقة في هذه الأزمة.
بالنسبة للدور المصري والباكستاني، فعلى الرغم من إعلان السعودية ووسائل الإعلام المدعومة منها عن مشاركة البلدين في العمليات العسكرية، إلا أن الوقائع الميدانية تفيد بأن مصر وباكستان إلى لحظة نشر هذا المقال لم تشاركا في أي عمليات عسكرية.
باكستان أعلنت على لسان وزير دفاعها أنها لم تتخذ حتى الآن قراراً بالمشاركة في العمليات العسكرية في اليمن لكنها تؤيد هذه العمليات ومستعدة لحماية السعودية في حال تعرضت إلى أي مخاطر “وهذا ينفي نفياً قاطعاً كل الأنباء التي تداولتها الصحف العربية عموماً والمصرية خصوصاً عن تحريك باكستان لغواصات وقطع بحرية وطائرات في اتجاه اليمن”.
بالنسبة لمصر الوضع يبدو أكثر غموضاً وتعقيداً. الواضح أيضاً أن مصر حتى اللحظة لم تشارك في أي عمل عسكري جوي في اليمن، و ثبت عدم صحة كل الأنباء التي تداولتها الصحف المصرية عن وصول قطع بحرية إلى اليمن وحصارها للسواحل اليمنية واشتباكها مع قطع بحرية إيرانية. كل ما تأكد هو توجه فرقاطتين مصريتين وزورقي صواريخ إلى قناة السويس انطلاقاً من الاسكندرية إلى مضيق باب المندب لتأمينه، وهو تحرك قد يضعه البعض في خانة المشاركة في الهجوم الخليجى على اليمن، وقد يضعه البعض الآخر فب خانة حق مصر في حماية مدخل قناة السويس، شريان الاقتصاد المصري. لكن الأكيد أن هذه السفن وصلت إلى المضيق في مساء اليوم الثاني لبدء العمليات الجوية السعودية، وبالتالى هذا ينفي أي مشاركة مصرية حتى الآن في الهجوم الخليجي.
إذاً، لماذ أعلنت غرفة العمليات المشتركة للهجوم العسكري الخليجي ـ والذى تم تسميته بـ “عملية عاصفة الحزم” ـ عن مشاركة مصرية وباكستانية في الهجوم دون أن تشرح ما هي طبيعة هذه المشاركة كما حدث مع باقى الدول المشاركة ودون حتى أن تكون هناك مشاركة حقيقية للدولتين؟
نستطيع أن نقول إن التعجّل السعودي في بدء الهجوم الجوي، حتى قبل بدء القمة العربية في شرم الشيخ، مضافاً إليه المشاركة الجوية السودانية والمغربية منذ اللحظات الأولى في الهجوم الجوي وثبوت عدم وجود أي مشاركة مصرية أو باكستانية حتى الآن في الغارات الجوية في يوميها الأول والثاني دلائل تؤكد عدم معرفة مصر بساعة انطلاق الهجوم السعودي إلا بعد انطلاقه فعلياً. وهذا الهجوم مخطط له منذ ثلاثة اسابيع على الأقل حسب ما نشرته وكالة بلومبرج فيو، وهذه النقطة هامة جداً إذا اضفنا لها وقائع حدثت خلال الشهور الماضية تم فيها مشاورات و لقاءات بين مصر وجماعة “أنصار الله” بدأت بلقاءات كشف عنها عضو المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله” محمد البخيتي حول زيارة سابقة لوفد برئاسة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام عارف الزوكا للقاء مسؤولين مصريين، ولقاء آخر تم بين ممثلين لجماعة “أنصار الله” في السفارة المصرية في اليمن منذ أسابيع. وفي هذا اللقاء تم التفاهم حول تامين وضع مضيق باب المندب. وهذه اللقاءات سبقت زيارتين على الأقل لوفدين من جماعة “أنصار الله” إلى القاهرة أواخر الشهر الماضي.
يبدو أن مصر كانت ضد التدخل العسكري فى اليمن وأنها فتحت باباً للتواصل مع الحوثيين على أمل تقديم حل سياسي للأزمة في اليمن، وبالتالي كان القرار السعودى بإخفاء ساعة الصفر عن مصر ثم الإعلان عن مشاركتها في الهجوم “وهي المشاركة التي لم تحدث حتى الأن”، لتضع مصر أمام موقف صعب لا بدّ فيه من أن توازن ما بين قناعاتها السياسية وواجبها تجاه دول دعمت مصر خلال فترة صعبة.
ردود فعل الأطراف الأقليمية والمحلية الأساسية في هذا النزاع كانت لها دلالات مهمة. ردود فعل زعيم جماعة “أنصار الله” في خطابه الأخير تؤكد أن جماعته ربما “ستحتوي” الضربة الجوية الخليجية وأنها لن تبادر إلى ردود مهمة على المستوى العسكري إلا إذا حدث تطور في الهجمات السعودية وتحولت إلى هجمات برية، وهذا رهن بالهدف الاستراتيجي للضربة الخليجية: إذا كان الهدف هو انقاذ الرئيس اليمني و تقديم دعم عسكري محدود للموالين له وضرب إمكانيات “أنصار الله” الجوية فهذه الأهداف تحققت بالفعل. لكن إن كان الهدف هو حرب مفتوحة على الجماعة والمتحالفين معها، حينها سيتحول النزاع إلى حرب إقليمية مفتوحة. وهو الأحتمال غير المرجح حتى الآن، خصوصاً وأن السعودية تعي جيداً منذ عام 2009 أن قدرات “أنصار الله” العسكرية والصاروخية لا يمكن الاستهانة بها، خصوصاً فى ظل وقوع أعداد غير محددة من الصواريخ متوسطة المدى من نوع “سكود” فب يد قوات أنصار الله وسقوط طائرتين حتى الآن من طائرات التحالف الخليجي، واحدة “أف ١٥” سعودية فوق خليج عدن وإنقاذ طيارها وملاحها بعد القفز، والأخرى “ميج٢٩” سودانية تم إسقاطها في أجواء مديرية بني الحارث ما زال مصير طيارها مجهولاً.
رد الفعل الإيراني “الهادئ نسبياً” على الغارات السعودية على حليفها مبرر وأسبابه واضحة. فإيران تراهن أيضاً على أن التحرك السعودي هو تحرك محدود زمنياً وغير مخطط له أن يستمر لمدة طويلة وأن الغرض الرئيسي لهذه العملية العسكرية على المستوى السياسي هو محاولة خلط الأوراق لإجهاض اتفاق نووي إيراني / أمريكي متوقع أو على الأقل استغلال عدم تمكن إيران من التصعيد نتيجة للمفاوضات التي تهم إيران بقدر ما تهمّ الولايات المتحدة .
كان اللافت هنا أن مصر كانت خارج أي انتقادات، سواء من جماعة “أنصار الله” او إيران أو حتى دول و كيانات اخرى رافضة للتدخل العسكري في اليمن مثل الجزائر وسوريا وحزب الله.
بل غن سوريا لم تكتفِ فقط باتباع نفس الأسلوب الإيراني في رد فعلها على الغارات السعودية “وهو رد اكتفت فيه الخارجية السورية بالإعراب عن قلقها من التطورات في اليمن ودعوتها كل الأطراف إلى الحوار” بل تعدى ذلك إلى استمرار المراهنة الضمنية التي تضعها سوريا على القيادة المصرية في تحجيم النوايا الخليجية تجاه سوريا، وهذا كان واضحا في تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد لقناة أر تي الروسية حين أفاد “أن هناك وعياً في مصر بشكلٍ عام على مستوى الدولة وعلى مستوى الشعب لحقيقة ما حصل في سوريا مؤخراً، وهناك علاقة ولكن في إطار محدود جداً بين الدولتين، عملياً على مستوى الأجهزة الأمنية”. كذلك الأمر بالنسبة للجزائر ـ التي برغم عدم مشاركتها في الهجوم على اليمن ـ إلا أن وزير خارجيتها قال في تصريحات صحفية “إن العلاقات المصرية الجزائرية استراتيجية وقوية مبنية على التضامن ودفع الخطر أثناء الحروب والتاريخ يشهد بذلك” .
نستطيع أن نستخلص مما سبق أن عملية “عاصفة الحزم” ربما تكون في الأساس محاولة سعودية أخيرة لتأخير اتفاق محتوم بين إيران والولايات المتحدة ، وبالتالي تتقلص احتمالات تطور هذه الضربات الجوية إلى تحرك بري، خصوصاً وأن طريقة بدء هذا الهجوم أطلقت إشارة واضحة على بدء انهيار متوقع لتحالف الأمر الواقع المصري/ الخليجي في إعادة ربما تكون مطابقة لتطور سير العلاقات المصرية الخليجية خلال حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
أيضا من الواضح أن التناول “الهادئ والعقلاني” للملف السوري خلال القمة العربية يؤشر إلى أن الميدان اليمني ربما يكون هو “المخرج” الذي تنزل به دول الخليج من على قمة جبل مواقفها المتشددة حيال سوريا، هذه العملية أيضاً أطلقت إشارة أخرى تحذر من تدهور واضح ومتفاقم في الموضوعية والمهنية الصحفية لوسائل الإعلام العربية في التعامل مع الشؤون العسكرية، حيث طالعنا أخباراً من نوعية “سربي أف18 تابعين للقوات الجوية الكويتية” و”سقوط طائرتي أف16 سعوديتين”، وكلها أخبار خاطئة ومضللة وتحتوي على معلومات لا علاقة لها بالواقع، وللأسف اعتمد الكثير من الزملاء على مثل هذه المعلومات لبناء قناعات وآراء وانتقادات. وهذا الوضع دليل آخر على حاجة المواطن العربي، قبل إعلامه، لوقفة طويله مع النفس يدفعها فيها إلى إعمال العقل في كل ما يقرأه أو يسمعه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.