“نيويورك تايمز” تكشف تفاصيل احتجاز الحريري في الرياض!

 

 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لكل من آن برنارد وماريا أبي حبيب، عن “الرحلة الغريبة لسعد الحريري” إلى الرياض، التي انتهت باحتجازه وقادت إلى أزمة دولية.

ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن تفاصيل الرحلة لا تزال غير معروفة؛ كون سعد الحريري لم يتحدث عنها منذ تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإخراجه.

وتقول الكاتبتان: “استدعي رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الساعة الـ8:30 صباحا إلى الديوان الملكي السعودي، وهو طلب مبكر في معايير المملكة، أبكر مما هو متوقع في اليوم الثاني”.

وتكشف الصحيفة عن أن الحريري، الحليف القديم، ارتدى في ذلك الصباح الجينز والقميص “تي شيرت”، حيث اعتقد أنه سيذهب إلى الصحراء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبدلا من ذلك فإنه جرد من هاتفه النقال، وحرم من حرسه باستثناء واحد، وتعرضوا للشتيمة من الأمن السعودي، مشيرة إلى أن “الإهانة الكبرى جاءت بعد ذلك: سُلّم خطابا معدّا مسبقا للاستقالة، وأجبر على قراءته من على التلفزيون السعودي”.

ويبين التقرير أن “هذا كان على ما يبدو السبب الرئيسي وراء دعوته إلى العاصمة السعودية في اليوم السابق: الاستقالة تحت الضغط، ولوم إيران، وكأنه (موظف)، وليس رئيس وزراء (دولة ذات سيادة)، وكان عليه الطلب من الحرس إحضار بدلته”.

وتعلق الكاتبتان قائلتين إن “القصة مثيرة وغريبة، وهي جزء من خطة الأمير الطموح، ليس هز وتغيير بلده فقط بل المنطقة كلها بشكل عام، ففي الخارج شن حملة ضد قطر واليمن، وفي ذلك اليوم الذي طلب من الحريري الحضور إلى الرياض كان مجرد (بيدق) في يد الأمير السعودي ومعركته الشاملة لمواجهة عدوة السعودية اللدودة: إيران”.

وتقول الصحيفة إن “هذا هو الإطار العام لرحلة الحريري الغريبة الشهر الماضي كما أن خيوطها جمعت من عدد من الأشخاص، لبنانيين وغربيين ومسؤولين في المنطقة، على علاقة مع الحريري”.

ويلفت التقرير إلى أنه بعد عدة محاولات يائسة من المسؤولين في بيروت للاتصال مع الحريري في الرياض، فإنه قضى أخيرا المساء مع ولي العهد في الصحراء، بحسب مسؤول لبناني بارز.

وتصف الكاتبتان ذلك بأنه كان “نقطة لقاء غريبة تمزج الواقع بالخيال، حيث بدأت تتكشف الأحداث في تلك الليلة عن صاروخ باليستي أطلق على الرياض، وحملة اعتقالات للأمراء، وتُرك اللبنانيون مندهشين ولا يعلمون ماذا يجري، حيث شن الأمير حربا ضد الحوثيين في اليمن، وتورط هناك، ودفع هؤلاء أقرب لإيران، وحاصر قطر، وانتهى بدفعها أقرب إلى طهران، والآن يحاول أن يسقط رئيس حكومة بلد آخر شعر أنه ليس مطيعا بما فيه الكفاية لرعاته السعوديين، وكان الأمير راغبا بإرسال رسالة: حان الوقت لوقف إيران ووكيلها في لبنان حزب الله من زيادة قوتهما”.

وتعلق الصحيفة قائلة إن “ملحمة غياب رئيس الوزراء، التي استمرت شهرا، هي مثال على زعيم متهور جديد يحاول تغيير الطريقة التي عملت فيها السعودية في الماضي، لكنه يحصل على نتائج غير متوقعة، خاصة أن الحريري بقي في السلطة وبشعبية أكبر، وأصبح حزب الله أقوى من السابق”.

ويجد التقرير أن “اليد الحديدية المتهورة وأساليب السعودية نفرت حتى حلفاء الولايات المتحدة الأشداء، مثل الكويت والأردن ومصر، ومعظم أعضاء كتلة المستقبل التي يترأسها الحريري، كما يقول المسؤولون والمحللون”.

وتذكر الكاتبتان أن المسؤولين، الذين تحدثوا للصحيفة، طلبوا عدم ذكر أسمائهم؛ لأنهم تحدثوا عن أحداث لا تزال سرية، ولا تزال هناك عدد من الثغرات غير واضحة؛ بسبب الضغط ولأنه لا يوجد أحد يريد التطوع والحديث عن أمور سرية، باستثناء الحريري، الذي تراجع عن استقالته بعد عودته إلى بيروت، مشيرتين إلى أن الحريري رفض الرد على اسئلة الصحيفة المتكررة، وقال إنه يريد وضع حادثة الرياض وراء ظهره.

وتنقل الصحيفة عن مسؤول سعودي بارز، قوله في بيان إن الحريري “عومل بأعلى درجات الاحترام”، وقرر الاستقالة بناء على إرادته، و”لا يزال صديقا مهما”، بدعم من المملكة.

وينوه التقرير إلى أن التحرك السعودي في يوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر كان سريعا، وفي أقل من يوم انتزع السعوديون استقالة الحريري منه، واتهموا إيران ولبنان بإعلان الحرب بعد إطلاق الحوثيين الصاروخ على الرياض، وتم اعتقال عدد من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين والحاليين في الحكومة، وبعد أسبوع طلبت الحكومة السعودية من رعاياها مغادرة لبنان، ما أشار إلى قرب وقوع حرب في المنطقة.

وتبين الكاتبتان أن المسؤولين اللبنانيين عملوا لمنع ما خافوا أن تكون خطة سعودية طويلة لزعزعة استقرار المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث كانت هناك مظاهر قلق في بيروت عن محاولات سعودية لإنشاء مليشيا معادية لحزب الله في المخيمات أو مناطق أخرى، بحسب ما قال مسؤولون لبنانيون بارزون وغربيون، لافتتين إلى أنه لم يحدث أي شيء من ذلك، ونفى السعوديون أن تكون خطط كهذه كانت من ضمن إجراءاتهم.

وتقول الصحيفة إن المسؤولين الغربيين والعرب لا يزالون مندهشين حول ما كانت السعودية راغبة في تحقيقه، ومنهم من لم يستبعد محاولة إثارة النزاع الداخلي، إن لم يكن الحرب في لبنان.

وتعلق الكاتبتان قائلتين: “ما هو واضح أن السعودية حاولت إعادة تشكيل السياسة اللبنانية، وتخفيف دور حزب الله في السلطة عبر تفكيك حكومة الحريري، التي تضم حزب الله وحلفاءه”.

ويورد التقرير نقلا عن بريان كاتوليس، من مركز التقدم الأمريكي في واشنطن، قوله إن “تشكيل سياسة ذكية وناشطة في مجال الخارجية من الأمير ابن سلمان يحتاج فهما عميقا للديناميات السياسية في البلدان الأخرى، والاستثمار في العلاقات الدبلوماسية التي لا يمكن خلقها في ليلة وضحاها”، ويضيف كاتوليس أن “التنافس على السلطة والتأثير في الشرق الأوسط اليوم قد تغيرا بشكل كبير.. والسعوديون يحاولون اللحاق بالركب بنتائج متباينة”، مشيرا إلى أن الخطأ في الحساب والتصعيد يحملان مخاطر اندلاع الحرب.

وتفيد الصحيفة بأن “المشكلة تتخمر منذ سنوات بين الحريري والسعوديين، فهو مثل والده مدين للسعوديين بحظوظه السياسة والمالية، لكن رعاته في الرياض تذمروا من أن حكومة الحريري تمنح التأييد وتتنازل لحزب الله، الذي هو حزب سياسي ومنظمة عسكرية في الوقت ذاته، وكان الحريري زار الرياض في تشرين الأول/ أكتوبر، واعتقد أنه أقنع السعوديين بأنه يحتاج إلى تسويات مع حزب الله؛ ليتجنب الانسداد السياسي، وطلب الحريري بعد العودة إلى بيروت من خلال وسطاء من الأمين العام لحزب الله حسن نصر تخفيف حملته ضد الحرب المدمرة في اليمن والأمير ابن سلمان شخصيا”.

ويلفت التقرير إلى أنه في الأسبوع ذاته حذر الوزير السعودي “المستفز” ثامر السبهان من “مفاجآت قريبة في الأفق”، وحذر حزب الله من شن حرب على السعودية، مشيرا إلى أن الحريري التقى في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر مع مسؤولين إيرانيين بارزين في بيروت، وكان على رأسهم علي أكبر ولايتي، وأثنى على تعاون إيران مع لبنان.

وتعلق الكاتبتان قائلتين إن “هذه كانت ربما القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للسعوديين، وخلال ساعات تلقى الحريري رسالة من الملك سلمان تطالبه بالحضور السريع، وقبل اجتماع مهم كان سيحضره الحريري في ذلك اليوم”.

وتورد الصحيفة نقلا عن شخصية مقربة من الحريري، قولها إن الحريري دعي لقضاء اليوم في الصحراء مع الأمير، وعندما وصل أخذ المسؤولون السعوديون الحريري إلى بيته، وطلبوا منه الانتظار، وظل ينتظر من الساعة السادسة مساء حتى الواحدة صباحا، وفي صباح اليوم التالي دعي للقاء الأمير، ولم يكن هناك موكب، كما هو معتاد، ولهذا ركب الحريري سيارته، وبدلا من مقابلة الأمير تعامل معه المسؤولون السعوديون، حيث يصف المسؤولون اللبنانيون الانتظار بين وصول الحريري واستقالته بـ”الصندوق الأسود”، وقالوا إنهم مترددون بالضغط على الحريري ليقدم تفاصيل، وعندما سأله أحدهم نظر الحريري للطاولة، وقال لهم إنها كانت أسوأ مما يعرفون.

وينوه التقرير إلى أنه “كان لدى السعوديين أكثر من نقطة ضغط لاستخدامها ضد الحريري، منها التهديد بطرد 250 ألف عامل لبناني في السعودية، بشكل يدمر اقتصاد لبنان، ولأن الحريري يحمل الجنسية السعودية، ولديه مصالح مالية واسعة، حيث تعد الرشاوى أمرا عاديا فلربما هددوده شخصيا، وقال مسؤول عربي إن الحريري هدد بتوجيه اتهامات فساد ضده”.

وتقول الكاتبتان إن رسالة الاستقالة التي قرأها الحريري في الساعة 2.30 مساء قدمت من غرفة كانت تقع تحت مكتب الأمير، حيث اتسم الخطاب بلوم حزب الله، وزعم فيه أن حياته تعرضت للخطر، واستخدم كلمات لم تكن تعبر عنه، كما قال أحد المقربين منه، مشيرتين إلى انه بعد ساعات بدأت حملة الاعتقالات في مكافحة الفساد، وتم اعتقال شريكين للحريري؛ “لتذكيره بأنه ليس محصنا من الاعتقال”.

وتفيد الصحيفة بأن “ما توقعه السعوديون من تقوية معارضي حزب الله وخروجهم للشوارع لم يحدث، بل لم يصدق أحد من اللبنانيين استقالة الحريري، ورفض ميشيل عون، حليف حزب الله، قبول الاستقالة، وبعد اختفائه لساعات اتصل الحريري بعون، الذي اكتشف أنه لم يكن يتحدث بحرية، وعندها بدأ المسؤولون اللبنانيون جولات حديث مع المسؤولين الغربيين، وأخبروهم أن لديهم أسبابا للاعتقاد بأن رئيس وزرائهم معتقل”.

ويورد التقرير نقلا عن المسؤولين اللبنانيين، قولهم إن الحريري وضع بعد ذلك في قسم الضيافة في بيته تحت حراسة سعودية، وكان وحيدا، ومنع من مشاهدة أبنائه وزوجته، وزاره عدد من الدبلوماسيين الغربيين، وخرجوا بانطباعات متعددة حول حريته، لافتا إلى أنه عندما سأل الدبلوسايون الحريري عما إذا كانت هناك إمكانية لمغادرة الحرس، فإنه قأجاب لا يجب أن يبقوا.

وتذكر الكاتبتان أن مدير الاستخبارات اللبنانية الجنرال عباس إبراهيم وصف الوضع لدبلوماسيين دهشته عن الكيفية التي يجبر فيها رئيس وزراء على الاستقالة في بلد غير بلده، قائلا: “من السهل أن أحضر جنديين وأضعك أمام شاشة تلفاز واجعلك تقول إنك تكره بلدك”.

وتقول الصحيفة إنه “في الوقت ذاته يبدو أن الأمير لم يكن مهتما بالقلق الدولي، فاستدعى زعيما آخر، وهو الرئيس محمود عباس، وقدم له تعليمات حول السياسة الفلسطينية، ويختلف المسؤولون حول ما قيل لعباس، إلا أن اللبنانيين شعروا بالقلق، وأرسلوا الجنرال إبراهيم ومبعوثا فلسطينيا إلى عمان في الأردن؛ من أجل مقابلة عباس”.

وبحسب التقرير، فإن “القلق كان كبيرا، فمقترحات السعوديين لعباس لديها الإمكانية لزعزعة استقرار المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبشكل منفصل دعا حليف لبناني للسعوديين جماعة جهادية في مخيم فلسطيني لإنشاء (مليشيا مقاومة سنية) لمقاومة حزب الله، وهي فكرة خطيرة رفضها الجهاديون اللبنانيون والفلسطينيون، بحسب المسؤولين، ونفى السعوديون وعباس كل ما تم التكهن به حول الزيارة”.

وتنوه الكاتبتان إلى أن السبهان قام بعد ذلك بزيارة إلى واشنطن، لكنه وجد لقاء باردا، بحسب مسؤولين غربيين وعرب، وطلب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، من السبهان توضيح السبب الذي تقوم فيه السعودية بزعزعة استقرار لبنان، وتبعت ذلك دبلوماسية واسعة من فرنسا والولايات المتحدة ومصر، أدت إلى صفقة تسمح للحريري بالمغادرة.

وتستدرك الصحيفة بأن الأمير محمد أرسل السبهان إلى لبنان من أجل مهمة، وهي إخراج مقاتلي حزب الله من اليمن، بحسب ما قال مسؤولون لبنانيون وغربيون ودبلوماسيون عرب، حيث يرى هؤلاء أن الأمير لم يكن عارفا بدقة ما يجري في اليمن، الذي يطلق عليه “فيتنام الرياض”، فلا يوجد للحزب في اليمن سوى 50 مقاتلا، فيما تؤدي إيران دورا أكبر في تدريب ومساعدة الحوثيين هناك، وكما قال مسؤول لبناني “فمن أجل وقف الحرب في اليمن ذهب السعوديون للعنوان الخطأ”.

ويفيد التقرير بأن السعوديين حصلوا على شيء من الاضطراب الذي أحدوثه في لبنان، وهو تخفيف خطاب حزب الله ضد السعودية، وهو ما طلبه الحريري قبل الملحمة التي تعرض لها، بالإضافة إلى طلب إغلاق قناة تابعة للحوثيين تبث من بيروت.

وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أنه من غير المعلوم إن كان الحريري سيكون قادرا على تحقيق ما تريده الرياض، حيث لوحظ في الفترة الأخيرة أن الحريري حذف انتقاداته لمحمد بن سلمان، ودعا يوم الأربعاء لتسوية سلمية في اليمن، مستدركة بأن الحوثيين استهدفوا الرياض يوم الثلاثاء بصاروخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.