هجمة الإعلام المتسعوِد: حرب بلا رجال!

 

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

 

يملك السعوديون منظومة إعلامية ضخمة، في داخل السعودية وفي خارجها. منظومة ممسوكة بقبضة حديدية، تسير على نهج واحد، لا بل تستخدم العبارات نفسها، والكتّاب أنفسهم أحياناً، أما الوجوه الإعلامية فلها دوامات محددة، تنتقل من محطة إلى محطة وفق جدول تضعه غرفة سوداء موجودة في مكان ما، ويديرها عقل منظّم مرتّب، بحيث أنه يستحيل أن يكون عقلاً تابعاً لهذه العائلة الناتئة من غياهب جاهلية عربية يفترض أن يكون قد محاها نور الدين الحنيف.

من يتابع هذه المحطات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية السعودية والمتسعوِدة يمكنه أن يلحظ وجود “المايسترو” الذي يوجّه ويراقب ويأمر وينهى، وما على وسائل الإعلام إلا الطاعة والتنفيذ دون أي تردد أو نقاش.

كان المايسترو مسترخياً في الفترة الماضية، يعطي المؤتمرين بأوامره بعض الحرية، فتصدر بعض الأصوات المعارضة للتوجه السعودي، ولكن بقدر، في محاولة للإيحاء بالموضوعية والحيادية، ولو في حدها الأدنى.
ولكن اليوم بات الوضع مختلفاً، شدّ المايسترو العصب، أصدر الأوامر، كجنرال في جبهة حرب، وطلب من جميع الجنود التأهب، استعداداً للزحف.

وفي المعركة لا صوت يعلو على جلبة الجنود وقعقعة السلاح.

في المعركة لا قواعد ولا أخلاق ولا محاولات إيحاء بالموضوعية ولا بالحيادية.

في المعركة الكل عبد مأمور، والكل جندي ينفّذ ولا يعترض. وها هو آمر المايسترو أعلن الحرب، وما على “جنوده إلا السمع والطاعة”.

وبقدر ما يكون الأمر صارماً، بقدر ما تتفسخ تلك الأقنعة المبتسمة ابتسامتها الصفراء، وتتحطم صورة الإعلامي المتعالي على الانقسامات، والشاشة التي تقبل بكل الآراء، والصحيفة التي تنشر للجميع بلا استثناء.
وقد جاء الأمر، فظهر الكل على حقيقتهم، وصاروا سباعاً ضارية، وضباعاً شرسة، لا يترددون في كشف كل مكنونات صدورهم، ولا يتراجعون عن استعمال أجلف أساليب الوقاحة، ليظهروا للمايسترو طاعتهم والتزامهم، وبالتالي الحفاظ على حصصهم ومخصصاتهم.

منظومة إعلامية مؤلفة من مئات الصحف والشاشات التلفزيونية والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية، تردفها منظومات من العاملين على وسائط التواصل الاجتماعي، والكل جاهز، يبدأ العمل بكبسة زر، وينتهي بإرادة “طويل العمر” الذي يشغلّهم ويشغّل المايسترو الذي يديرهم، لتحقيق أهدافه وتمرير مشاريعه وإعلاء صوته وتحطيم المعادين له.

من الرياض إلى لندن، ومن بيروت إلى باريس، ومن كل العواصم التي مدّ الأخطبوط الإعلامي السعودي أذرعه إليها، تسمع فحيحاً واحداً وصراخاً بأعلى الصوات، يحمل جُملاً مسبوكة في مطبخ واحد، هو مطبخ المايسترو إياه، الذي يعمل لمصلحة الحاكم من آل سعود، بغض النظر عمّن هو.
وحتى يضمن الحاكم السعودي السيطرة المطلقة والكاملة والنهائية على وسائل الإعلام، فهو يلجأ إلى مصادرة هذه الوسائل، لا بل إلى اعتقال أصحابها ووضعهم في السجون، تحت حجة مكافحة الفساد.
كل هذا يفعله المايسترو وسيده، وفي ظنّهم بذلك أنهم سيكسبون المعركة من خلال وسائل الإعلام، وعبر ضخ الدعاية نفسها من أكثر من طريق، عسى أنهم بذلك يدمّرون من يقف لهم بالمرصاد، فيكشف زيف دعايتهم ويحطم أساطيرهم، ويفضح مخططاتهم.

إن ما يقوم به الحاكم من آل سعود هو نسخ متخلف لما سبقه إليه سيده الصهيوني عام 2006، حين ظنّ أنه يمكنه كسب المعركة ضد المقاومة من الجو، فيقضي على المقاومين ويدخل إلى الأرض اللبنانية دون عناء ودون خسائر.

في عام 2006 اتضح فساد هذه النظرية، فرمي آلاف الأطنان من القنابل من الجو لم يفتّ في عضد المتصدّين للمشروع الصهيوني ولم يدفعهم إلى التراجع قيد أنملة، فبقوا في أماكنهم صامدين، وأذاقوا العدو مرّ العلقم، وهزئوا بمعادلاته ونظرياته، وبالأشخاص الذين أطلقوا هذه النظريات، فباتوا مثار سخرية للجميع في أنحاء العالم، وفي الكيان الصهيوني نفسه.
اليوم يأتي الحاكم من آل سعود ليطبق نظرية أخرى، هي نظرية القصف بالإعلام، وبوجوه ممقوتة مكشوفة العمالة ومعروفة الانحياز إلى كل ما هو معادٍ للمقاومة، وجوه مأجورة تقبض على الكلمة وتنفذ ما يُطلب منها بلا تردد، طالما أن البدل بالدولار والريال جاهز للدفع بلا إبطاء.

القصف بالإعلام نجح في بعض مناطق العالم، وأسقط ملوكاً ورؤساء، وفتّت دولاً وحطّم مؤسسات، ولذلك يظن الحاكم من آل سعود أنه يمكنه أن يحقق النتيجة نفسها التي تحققت في رومانيا وجورجيا ويوغوسلافيا وأوكرانيا وغيرها من دول العالم.
الحاكم من آل سعود لا يدرك شيئاً، ويعتمد على ما يقوله له مستشاروه من ذوي العيون الزرقاء، الذين يقبضون ملايين الدولارات ويبيعون الأوهام كوصفات جاهزة يمكن تطبيقها في أي مكان وفي كل زمان.

إنها حرب بلا رجال، حرب بالأصوات، حرب بالحبر، يريدون أن ينتصروا فيها على من وقفوا في الميدان وأحبطوا على مدى السنين أعتى المؤامرات، ودفنوا آلاف الجنود وحطموا عشرات المجموعات، باللحم الحي، مقابل اللحم الحي، بالدم في مقابل الدم، وليس ببضع كلمات، وبحملات تهويلية لا تهزّ شعرة من رأس مجاهد قابع في حفرة جهاده ولا يُلقي بالاً للسماء إذا أطبقت على الأرض.
الحاكم من آل سعود تعرّض لصدمة تلو صدمة تلو صدمة، واليوم يضع كل رصيده في معركة واحدة وأخيرة، ويضع الإعلام في مقدمة “جيوشه المحاربة”، ولن ينال هذه المرة سوى الخسران المبين.
أما الإعلاميون الذين وضعوا أنفسهم كسنابك لخيل الحاكم السعودي، فسيجدون أنفسهم بلا معنى، بلا وجود، عند ضياع الخيل وتبدّد الحاكم.. فلينتظروا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.