هدنة سورية انتقائية لا تعالج تداخل الجبهات

jeshsyria-450.jpg

صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمد بلوط:

المحاولة الجدية الأولى، منذ خمسة أعوام، لوقف الأعمال العدائية في سوريا، قد تكون بدأت، لكن من دون كبير ثقة بنجاحها من الأطراف التي تقف وراءها.

السلام ليس غداً، رغم أن التفاهم الروسي الأميركي يجنح على الأقل في النص، إلى تغليب المسار السياسي، للمرة الأولى أيضاً في سوريا، على المسار العسكري. لكن المحاولة تعاني من المراهنة الخطرة على خريطة طريق معقدة وشاقة التنفيذ ومبهمة، لا تزال تحتاج إلى الكثير من الإرادة السياسية من القوى الإقليمية أولاً، والآليات التطبيقية لكي يمكن الحديث عن اتفاق ناجز.

ويتجاهل الاتفاق دور كل القوى الإقليمية، كتركيا والسعودية ومسؤوليتها في وقف العمليات العدائية، حيث لم يشترط عملياً أي إغلاق للحدود التركية – السورية التي سيستمر تدفق السلاح والمسلحين عبرها إلى سوريا، وهو شرط أي وقف حقيقي للعمليات العدائية. كما يعاني النص من تحرر أكثر من نصف الجماعات المسلحة من أي قيود تلزمها ببنوده، خصوصا «جبهة النصرة»، و «أحرار الشام» التي لم تحسم الصراع بين مجلسها السياسي وعسكرها على الموقف من المسار السياسي، فضلاً عن جماعات كثيرة مثل «جند الأقصى»، و «جيش الإسلام» التي تنازل الروس كما يبدو، عن تصنيفها إرهابية، في الوقت الحاضر، في صفقة تنازل خلالها الأميركيون عن مطلبهم بتحييد «النصرة» بناءً على مطالب سعودية وتركية، وهو ما كان صعباً جداً لتصنيفها إرهابية بقرار أممي. إذ حاول الأميركيون طويلاً إعادة الاعتبار لـ«النصرة»، وطمأنة المجموعات المسلحة، التي تعد «النصرة» عمودها الفقري، أن الضربات الروسية لن تلحقها بموجب الاتفاق.

ولم ينتظر السوريون أنفسهم، أي رهان على اتفاق مترع بالثغرات، أو العملية السياسية نفسها، ليعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن الانتخابات البرلمانية ستجري في موعدها المقرر في 13 نيسان المقبل. ويشكل الإعلان رسالة على عدم انصياع دمشق للضغوط الروسية أو غيرها، لتأجيل استحقاق دستوري سيادي لا يخضع لأي تفاوض، كان ينبغي، بحسب الروس، أن يندرج في خريطة الطريق، والعملية السياسية نفسها.

البيت الأبيض نفسه استبقها بتشاؤم يكاد ينعاها تقريباً، بالقول إن تطبيقها «سيكون صعباً جداً»، فيما بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكثر تفاؤلاً، بوصفه الاتفاق «الذي أجريته مع (الرئيس باراك) أوباما فرصة سانحة لوقف إراقة الدماء في سوريا، تماثل الاتفاق الكيميائي الذي عقدناه معا»، مقسما العمل والواجبات مع الأميركيين «فروسيا ستلتزم العمل مع دمشق لتنفيذ الاتفاق، وعلى الولايات المتحدة أن تقوم بعمل مماثل مع حلفائها».

ويبدو أن المطلب الوحيد للأميركيين هو وقف العملية الروسية ـ السورية المشتركة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المعارضة المسلحة التي أصيبت بهزائم كبيرة في أرياف اللاذقية وحلب، بينما يستعد الجيش السوري لعملية كبيرة، يختبر فيها العودة إلى مدن ادلب الكبيرة، وتجمعاتها السكانية، التي تحولت إلى معاقل لـ «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و«جند الأقصى» والشيشان و«الحزب الإسلامي التركستاني». ويبدو هدف انتزاع المعارضة السورية تنازلات في السياسة بعد هزيمتها، مع تركيا والسعودية، عسكرياً في الشمال السوري، وارتباكها في الرد أو التدخل من دون قيادة أميركية، بعيداً جداً، إذ رغم الاتفاق لا يزال الالتزام السوري سارياً بمواصلة العمليات في الشمال السوري، أحد أهم مسارح العمليات التي ستقرر مستقبل العملية السياسية. ومن المستبعد أن يضع الروس حداً لعمليتهم، في ذروة المنعطف الذي بلغته في إعادة المبادرة لدمشق، أو التفريط برصيدها، كما قال بوتين «بأن الحرب على الإرهاب لن تتوقف».

وتقول مصادر سورية إن الجانب الروسي أبلغ دمشق، قبل التوصل إلى الاتفاق، أن العملية لن تتوقف، وأن وقف العمليات العدائية «سيكون موضعياً، وتدريجياً .. ومؤقتاً».

مع ذلك يحدد البيان الذي صدر أميركياً وروسياً لمن شاء صعود قطار المسار الجديد، ليلة 26 شباط الحالي كساعة الصفر للمشاركة في إطفاء جبهات، وإقصاء من يرفض الاستراحة المطلوبة في العمليات ابتداءً من 27 شباط. وهكذا نص الاتفاق على أن «أي طرف مشارك في العمليات العسكرية وشبه العسكرية في سوريا، عدا «داعش» و «جبهة النصرة» والمنظمات الإرهابية التي يحددها مجلس الأمن، عليه أن يلتزم ويعلن قبوله شروط وقف الأعمال العدائية في موعد لا يتجاوز الساعة 12 بتوقيت دمشق يوم 26 شباط».

ويأتي بيان التفاهم الذي تم خلال أسبوع تقريباً من المحادثات السرية والمغلقة في جنيف بين عسكريين وخبراء وديبلوماسيين من الطرفين، وهو زمن قياسي بالمقارنة مع دموية الصراع ومتطلباته، وتشابك القوى المشاركة فيه، ويعكس مأزق الأميركيين الكبير في احتواء أي مغامرة سعودية أو تركية في البر السوري، تورّطهم في صراع مع روسيا، أو تضع شركاءهم الإقليميين في مواجهة مباشرة مع «عاصفة السوخوي».

كما يستجيب الاستعجال إلى اتفاق غير ناضج لتجاذبات داخل الإدارة الروسية حول تحديد أمد العملية العسكرية، واستعجال ربطها بأفق سياسي مهما كلف الأمر، بذريعة الأعباء الاقتصادية التي قد ترهق موسكو في مرحلة صعبة أصلاً من العقوبات الاقتصادية. كما سيكون تطبيقه على الأرض، إذا ما قدر له أن يرى النور، مرهوناً بقدرة التفاهم الروسي – الأميركي على مواجهة الأطراف، وهي كثيرة في المناسبة، التي سترفض إنجاح المحاولة، لا سيما «النصرة» والفصائل الكثيرة التي تحالفت معها، والتي ستؤدي إلى تسارع الاستقطاب داخل المجموعات المسلحة، وتدل كل مؤشراته على أنه سيكون لمصلحة أبي محمد الجولاني بسبب تداخل جبهات انتشار جماعته مع انتشار الجماعات المسلحة الأخرى، واختراق تيار «القاعدة» لفصائل كثيرة، وخوف «النصرة»، إذا ما هادنت، أن تخسر ما تبقى لديها من «مهاجرين» لمصلحة «داعش» الأكثر تشدداً.

ويبدو الاتفاق هشاً ومرهوناً مباشرة برعاية أميركية روسية في جميع طوابقه ومراحله، وتنسيق غير واضح المعالم، لا في الإطار القانوني أو العسكري، مع تحجيم دور الأمم المتحدة، التي لن تشارك في آليات الرقابة، ولا في تحديد المسؤوليات عن خرق وقف العمليات العدائية.

وينص الاتفاق على أن تنفيذ «وقف الأعمال العدائية» سيشهد عملاً مشتركاً من قبل الولايات المتحدة وروسيا من أجل تبادل المعلومات، كتحديد مناطق نشاط الجهات التي أشارت إلى التزامها وقبولها بوقف «الأعمال العدائية»، وتحديد نقاط تمركزها، ووضع الإجراءات اللازمة لمنع الأطراف المشاركة في «وقف الأعمال العدائية» من التعرض للهجوم من قبل القوات الروسية، وقوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد «داعش»، وهجمات قوات الجمهورية العربية السورية وغيرها من القوى الداعمة لها والأطراف الأخرى. كما أن عمليات الرقابة المتفق عليها لا تعدو كونها خطاً هاتفياً ساخناً بين الأميركيين والروس، إذ يقول الاتفاق انه «لتحقيق هذا الهدف ولتعزيز وقف فعال ومستدام للأعمال العدائية، ستنشئ الولايات المتحدة والاتحاد الروسي خط اتصالات ساخناً، وإذا لزم الأمر وعند الاقتضاء، تنشئ فريق عمل لتبادل المعلومات ذات الصلة بعد بدء تنفيذ وقف الأعمال العدائية».

كما أن الفصل بين ما هو معتدل، تعف عنه الضربات الروسية والسورية، لا يزال موضع نقاش، ولن يحل بسرعة بأي حال، كما أن مشكلة خريطة الحرب على الإرهاب وحده ليست جاهزة، لان الروس والأميركيين قد يكونون اتفقوا على أن «العمليات العسكرية، بما فيها القصف الجوي، ستتواصل ضد تنظيم الدولة وجبهة النصرة»، ولكن ليس على خريطة العمليات على الأرض، وليس قبل الانتهاء من «عمل مشترك روسي – أميركي، بالإضافة إلى أطراف أخرى (لم يذكرها الاتفاق)، يفضي إلى تحديد الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش والنصرة، والمنظمات الإرهابية التي سيحددها مجلس الأمن». وهذا يعني أن مشكلة التداخل في الجبهات، بين المجموعات التي ستعلن تأييدها للاتفاق، و «جبهة النصرة»، لا تزال معلقة. ويعني ذلك أن العمليات الروسية ستصيب كل من يقف في خندق واحد مع «النصرة»، وهم كثر، لا سيما في ادلب وحلب، حيث تتداخل التحالفات مع «النصرة»، في «جيش الفتح»، ما يعني أن لا وقف حقيقياً للعمليات العدائية بالنسبة للروس والجيش السوري.

كما أن معايير تحديد من هو «معتدل» ومن هو إرهابي، كما ظهرت في الاتفاق، لم تعد ترتكز على معايير موضوعية. إذ بوسع أي مجموعة مسلحة الهروب من الضربات الروسية بمجرد قبولها بوقف العمليات العدائية، كما قالت مقدمة الاتفاق، بما فيها «أحرار الشام» أو «جيش الإسلام».

ويقول الاتفاق إنه «من أجل تعزيز التنفيذ الفعال لوقف الأعمال العدائية، ووقف إطلاق النار في فريق دعم سوريا الدولي، الذي يشترك فيه الاتحاد الروسي والولايات المتحدة، تم تحديد مكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا كسكرتارية تحت إشراف الأمم المتحدة، ويضم المسؤولين السياسيين والعسكريين من المشاركين في فريق دعم سوريا الدولي والأعضاء الآخرين في وقف إطلاق النار».

أما عن المهمات الرئيسية لفريق عمل وقف إطلاق النار فستشمل:

أ‌- تحديد الأراضي الواقعة تحت سيطرة «جبهة النصرة» و «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى المعينة من قبل مجلس الأمن.

ب‌- ضمان الاتصالات بين جميع الأطراف لتعزيز الامتثال ونزع فتيل التوتر بسرعة.

ت‌- حل مزاعم عدم الامتثال.

ث‌- إحالة السلوك غير المتوافق المستمر من قبل أي من الأطراف إلى وزراء فريق دعم سوريا الدولي، أو إلى المحددين من قبل الوزراء لتعيين الإجراءات المناسبة، بما في ذلك استبعاد تلك الأطراف من ترتيبات وقف الأعمال العدائية، والحماية التي تقدم لهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.